منظور كايلين]
الأرض تحت قدمي كانت صلبة، مألوفة. كنت أقف في ساحة تدريب، ساحة الدوجو الخاصة بعائلتي في الشمال. الهواء كان باردًا، نقيًا، ويحمل رائحة الصنوبر والثلج. الشمس الشتوية الباهتة كانت تتسلل من النوافذ الورقية، وترسم مربعات من الضوء على الأرضية الخشبية المصقولة.
كان كل شيء مثاليًا. هادئًا جدًا.
"أنت بطيء."
صوت والدي، الحاد، القاسي، تردد في الدوجو.
استدرت. كان يقف هناك، بملابسه التدريبية البسيطة، وسيفه الخشبي في يده. لكنه كان يبدو... أكبر سنًا. التجاعيد حول عينيه كانت أعمق، وشعره الأسود كان يتخلله المزيد من الخيوط الفضية.
"مرة أخرى." قال.
هاجمت.
حركاتي كانت سريعة، دقيقة. كل ضربة كانت نتاج سنوات من التدريب القاسي.
لكنه صدها جميعًا. بسهولة. بلامبالاة. سيفه الخشبي كان يتحرك ببطء، لكنه كان دائمًا في المكان المناسب، في الوقت المناسب.
"أنت تعتمد على السرعة." قال، وهو يصد إحدى طعناتي بحركة بسيطة من معصمه. "لكن ماذا ستفعل عندما تخونك سرعتك؟"
"أنت تعتمد على القوة." قال، وهو يتفادى ضربة عمودية، ويضربني على ظهري بمقبض سيفه، مما جعلني أتعثر. "لكن ماذا ستفعل عندما تواجه قوة أكبر؟"
استمر هذا لساعات. كنت أهاجم، وهو يصد، وينتقد. كل كلمة كانت تطعن في صميم فلسفتي، في كل ما أؤمن به.
"جوهر السيف ليس في السرعة، وليس في القوة." قال، وهو يقف أمامي. "إنه في الفراغ. في اللحظة التي تسبق الحركة. في الصمت الذي يكمن بين الشهيق والزفير."
كنت أتعرق، وألهث. "لا أفهم."
ابتسم والدي ابتسامة حزينة. "ستفهم. يومًا ما."
ثم تغير المشهد.
لم أعد في الدوجو.
كنت في ساحة معركة، مليئة بالدماء والجثث. كنت أكبر سنًا بكثير. شعري كان أطول، وعليه خصلات رمادية. وجهي كان مغطى بالندوب.
كنت أرتدي درعًا محطمًا، وأتكئ على سيفي المكسور.
أمامي، كان يقف عدو. لم أستطع رؤية وجهه. كان مجرد ظل، يتوهج بقوة هائلة.
حاولت أن أرفع سيفي. لكن ذراعي كانت ثقيلة. جسدي كان يرفض أن يطيع.
"انظر." قال الظل، وصوته كان كصوت احتكاك الصخور. "لقد خانتك سرعتك. لقد خانتك قوتك. لم يتبقَ لديك شيء."
كان محقًا.
شعرت باليأس يغمرني. اليأس من أن كل تدريبي، كل انضباطي، كل تضحياتي... كانت بلا معنى في النهاية.
سقطت على ركبتي.
رفع الظل سلاحه ليقضي عليّ.
أغمضت عيني، وتقبلت مصيري.
لكن في تلك اللحظة من الاستسلام، سمعت صوت والدي مرة أخرى في ذهني.
"جوهر السيف... هو في الفراغ."
الفراغ.
فتحت عيني. لم أعد أرى العدو. لم أعد أرى الهزيمة.
بل رأيت اللحظة. اللحظة النقية، الفارغة، التي تسبق النهاية.
لم يعد هناك خوف. لم يعد هناك يأس.
فقط... هدوء مطلق.
أرخيت قبضتي على سيفي المكسور. توقفت عن المقاومة.
وفي تلك اللحظة من القبول التام، تلاشى الوهم.
الظل اختفى. ساحة المعركة اختفت.
ووجدت نفسي أقف في غرفة رمادية، فارغة.
أمامي، كان هناك درج، يصعد إلى الأعلى.
تنهدت، وشعرت بالإرهاق يغمرني. لقد كانت معركة وحشية، ليس ضد عدو، بل ضد نفسي.
لكنني فزت.
بدأت في الصعود، وأنا أعرف أنني أصبحت مبارزًا أقوى، ليس لأنني تعلمت حركة جديدة، بل لأنني فهمت أخيرًا معنى الهزيمة.
ومعنى الفراغ.
---
---
[منظور سيلين دي فالوا]
لم يكن هناك انتقال.
لم يكن هناك وميض من الضوء، ولا شعور بالتمزق. في لحظة، كنت أقف في الساحة الرمادية تحت سماء باهتة. وفي اللحظة التالية، كنت أقف في مكان آخر. مكان أعرفه جيدًا، مكان محفور في عظامي كجزء من هويتي.
المكتبة الكبرى في قصر "إيثرهايلم"، موطن آل دي فالوا في أقصى الشمال.
الهواء كان أول ما استقبلني. بارد، نقي، وجاف، يحمل في طياته رائحة لا تخطئها الحواس: رائحة الورق القديم الذي يعود لقرون، ورائحة خشب الأرز المصقول، ورائحة الشمع العطري الخفيفة التي كانت تحترق دائمًا في الشمعدانات الفضية.
كان صمتًا مطلقًا، صمتًا مهيبًا، لا يقطعه سوى الحفيف الخافت لخطواتي على السجادة الزرقاء الداكنة التي كانت تغطي الأرضية الرخامية.
رفعت رأسي. الأعمدة الشاهقة المصنوعة من خشب البلوط الأبيض كانت ترتفع نحو سقف مقبب، مرسوم عليه خريطة سماوية دقيقة للنجوم الشمالية.
رفوف الكتب التي لا نهاية لها كانت تصطف على الجدران، تصل إلى ارتفاع لا يمكن بلوغه إلا بالسحر، وكل كتاب، كل مجلد، كان في مكانه المثالي، مرتبًا بدقة عسكرية. كان كل شيء كما يجب أن يكون. منظمًا، هادئًا، وتحت السيطرة.
ابتسامة خفيفة، واثقة، ارتسمت على شفتي. "هل هذا هو كل شيء؟" تمتمت، وصوتي تردد بهدوء في القاعة الصامتة. "هل هذا هو اختبار الروح المرعب؟ أن تضعني في أكثر مكان أشعر فيه بالراحة والقوة في العالم؟ يا للسخافة."
كنت أعرف ما سيحدث. البرج سيختبرني. ربما سيجعل الكتب تتحدث، أو سيخلق أوهامًا من الشخصيات التاريخية التي قرأت عنها. اختبار للمعرفة، للانضباط. حسنًا، فليأتِ. لقد أمضيت حياتي كلها أستعد لشيء كهذا.
وبالفعل، بدأ الاختبار.
كتاب ضخم، مربوط بجلد تنين أزرق، طار من أحد الرفوف العالية، وحلق أمامي، ثم انفتح من تلقاء نفسه.
"ما هي العواقب السياسية الثلاثة لمعاهدة 'الرماد الفضي' التي أنهت حرب المئة عام بين الإمبراطورية وممالك الجليد؟"
صوت قديم، جاف، تردد في عقلي مباشرة.
أجبت بهدوء، ودون تردد. "أولاً، ترسيم الحدود الشمالية بشكل دائم، مما أدى إلى استقرار اقتصادي لكنه تسبب في استياء العشائر الجليدية التي فقدت أراضيها التقليدية.
ثانيًا، إنشاء 'مجلس الحراس'، وهو هيئة مشتركة لمراقبة التهديدات السحرية، مما قلل من سيادة الممالك لكنه زاد من الأمن الإقليمي.
ثالثًا، الزواج السياسي بين الأميرة الإمبراطورية لياندرا وملك الجليد ثورين، والذي كان يهدف إلى السلام لكنه زرع بذور حرب أهلية مستقبلية بسبب خطوط الخلافة المتنازع عليها."
أُغلق الكتاب بصوت عالٍ، وعاد إلى مكانه على الرف بنفس الدقة التي غادر بها.
طار كتاب آخر، ثم آخر.
"صف التركيب الرونية لتعويذة 'شتاء أبدي' من الدرجة السابعة."
"حلل نقاط الضعف التكتيكية في تشكيل 'رمح التنين' الذي استخدمه الجنرال ڤاليريوس في معركة 'الوادي الدامي'."
"ما هو التأثير طويل الأمد لانهيار مناجم الفضة في دوقية 'روهان' على اقتصاد الطبقة الأرستقراطية في العاصمة؟"
أجبت على كل سؤال. بسهولة. ببرود. كانت هذه هي حياتي. هذه هي المعرفة التي تشربتها مع حليب أمي. شعرت بالرضا، بالسيطرة. البرج كان يؤكد لي ما أعرفه بالفعل: أنني متفوقة.
لكن بعد السؤال العشرين، أو ربما الثلاثين، حدث شيء غريب.
الكتاب الأخير، بعد أن أجبت على سؤاله المعقد عن سلالات الغرفين، لم يعد إلى مكانه. بل سقط.
سقط على السجادة الزرقاء بصوت ارتطام مكتوم، لكنه كان مدويًا في هذا الصمت المطلق. وانفتحت إحدى صفحاته، وتمزقت قليلاً عند الحافة.
تجمدت.
تمزق.
في مكتبتي المثالية؟ هذا لم يحدث من قبل. هذا... ليس صحيحًا.
اقتربت من الكتاب، وانحنيت لألتقطه. وبينما كنت أفعل ذلك، لاحظت شيئًا آخر.
غبار.
طبقة رقيقة من الغبار الرمادي على غلاف الكتاب الجلدي.
رفعت رأسي، ونظرت حولي.
الأعمدة البيضاء... لم تعد ناصعة البياض. كانت هناك بقع صفراء باهتة عليها. والشمعدانات الفضية... كانت مطفأة، وعليها طبقة من الشمع الذائب، المتجمد.
بدأ شعور بالقلق، بارد ولزج، يتسلل إلى قلبي.
"ما الذي يحدث؟"
بدأت أتجول في المكتبة. كلما سرت أكثر، كلما رأيت المزيد من علامات الاضمحلال. رفوف الكتب التي كانت مرتبة بدقة، أصبحت الآن غير منتظمة، وبعض الكتب مائلة، وبعضها الآخر سقط خلف الرف. السجادة الزرقاء الداكنة، كانت باهتة في بعض الأماكن، وعليها بقع غامضة.
الرائحة... تغيرت. لم تعد رائحة الورق والشموع، بل أصبحت رائحة عفونة خفيفة، رائحة مكان مهجور.
ركضت نحو إحدى النوافذ الزجاجية الضخمة التي كانت تطل على جبال الشمال المتجمدة. لكن المشهد في الخارج لم يكن جبالًا بيضاء. كان مجرد ضباب رمادي، لا نهاية له. والزجاج... كان عليه شق رفيع، كخيط عنكبوت، يمتد من زاوية إلى أخرى.
"لا..." تمتمت. "لا، هذا ليس حقيقيًا."
حاولت استخدام سحري. ركزت طاقتي الجليدية، محاولة إصلاح الشق في الزجاج. لكن لم يحدث شيء. السحر لم يستجب. كأن قوتي قد اختفت.
بدأت أفقد السيطرة. هذا لم يكن اختباري. هذا كان كابوسي.
وفي وسط القاعة، حيث لم يكن هناك شيء من قبل، ظهرت مرآة.
مرآة ضخمة، ذات إطار ذهبي مزخرف، تشبه تلك التي كانت في غرفة نومي عندما كنت طفلة.
ترددت، ثم تقدمت نحوها ببطء، وقلبي يدق بعنف.
نظرت إلى انعكاسي.
لكنني لم أرَ نفسي.
رأيت والدي.
كان يقف هناك، في انعكاس المرآة، يرتدي درعه الفضي، وعباءته الزرقاء. لكن وجهه... وجهه الذي كان دائمًا قناعًا من الجليد والعزم... كان يحمل تعبيرًا لم أره فيه من قبل.
خيبة أمل.
خيبة أمل مطلقة، باردة، وقاسية. كان ينظر إليّ، ليس بغضب، بل بذلك الازدراء الهادئ الذي يُمنح لشيء فاشل، لشيء لا قيمة له.
لم يقل كلمة واحدة. لم يكن بحاجة إلى ذلك. نظراته كانت كافية. كانت تقول كل شيء.
"لقد خذلتني. أنتِ لستِ جديرة باسم دي فالوا. أنتِ... ضعيفة."
"لا!" صرخت، وتراجعت خطوة إلى الوراء. "هذا ليس حقيقيًا!"
تغير الانعكاس.
رأيت نفسي في ساحة مبارزة، أواجه كايلين. سيفه كان يرقص، وسيفي كان ثقيلاً. رأيت نفسي أتعثر، وأسقط، وسيفه يستقر على حلقي. رأيت الشفقة في عينيه.
تغير الانعكاس مرة أخرى.
كنت في قاعة اجتماعات، أتحدث أمام الإمبراطور والنبلاء. الكلمات كانت تخرج مني مرتبكة، ضعيفة. رأيتهم يضحكون، يتهامسون. رأيت ثيرون وهو يهز رأسه باشمئزاز.
تغير الانعكاس.
رأيت نير ڤيرتون. كان يقف على قمة جبل، وظلام بنفسجي يلتف حوله كعباءة ملك. كان ينظر إليّ من الأعلى، وعيناه تحملان قوة لم أكن أملكها. كان يتجاوزني.
رأيت سيرافينا وهي تبتسم، وتضع تاج الإمبراطورة على رأسها، بينما كنت أنا أقف في الظل، مجرد وصيفة منسية.
كل مخاوفي. كل شكوكِي. كل كوابيسي. كانت تُعرض أمامي في هذه المرآة اللعينة.
"كفى! كفى!" صرخت، ورفعت يدي، وأطلقت العنان لكل ما تبقى من غضبي ويأسي على شكل وابل من شظايا الجليد الحادة.
اصطدمت الشظايا بالمرآة. لكنها لم تحطمها. بل ذابت على سطحها، وتحولت إلى ماء، انساب على الإطار الذهبي كالدموع.
انهرت على ركبتي. المكتبة من حولي كانت الآن في حالة خراب تام. الكتب ممزقة، والأثاث محطم، والرياح الباردة تعوي من خلال النوافذ المكسورة.
كنت وحيدة. فاشلة. محطمة.
انحنيت إلى الأمام، ودفنت وجهي في يدي، وبكيت.
بكيت بحرقة، بشهقات عنيفة هزت جسدي كله. بكيت على كل شيء. على ضغط اسمي، على توقعات والدي، على خوفي من عدم كوني الأفضل، على وحدتي الجليدية.
قناع "أميرة الجليد" لم يتحطم فقط. لقد ذاب، وتحول إلى بركة من الألم واليأس.
مر وقت طويل وأنا على هذه الحال.
لكن في أعماق ذلك اليأس، بدأ شيء ما يتغير.
الدموع توقفت. الشهقات هدأت.
رفعت رأسي.
نظرت إلى المرآة مرة أخرى. صورة والدي الخائبة كانت لا تزال هناك، تحدق فيّ.
لكنني لم أعد أشعر بالألم.
بل شعرت... بالبرود.
برود عميق، حقيقي، قادم من صميم روحي.
"هذا وهم." قلت، وصوتي كان هادئًا بشكل مخيف.
نهضت على قدمي.
"إنه مجرد وهم، مصمم ليكسرني. إنه يستخدم خوفي من الفشل كسلاح."
مشيت نحو المرآة، ووقفت أمامها مباشرة.
"خوفي... هو العدو. ليس الفشل نفسه."
نظرت في عيني والدي الوهميتين.
"خيبة أملك لا تعنيني." قلت ببرود. "توقعاتك هي سجنك، وليست سجني. طريقي هو طريقي أنا. سأنجح، أو سأفشل، بشروطي أنا. ولن أُعرّف بخوفك، أو بخوفي."
مددت يدي ببطء، ولامست سطح المرآة البارد.
"أنا لست خائفة من الفشل." تمتمت. "أنا... أحتضن البرد."
وفي اللحظة التي قلت فيها ذلك، شعرت بطاقة جليدية نقية، قوية، تتدفق مني، عبر يدي، إلى المرآة.
لم تكن طاقة هجومية. كانت طاقة قبول.
بدأت شقوق رفيعة، كخيوط الصقيع، تظهر على سطح المرآة.
انتشرت الشقوق، وتعمقت.
ثم، بصوت طقطقة خافتة، تحطمت المرآة إلى ملايين الشظايا المتلألئة، التي تناثرت في الهواء كعاصفة ثلجية من الماس، ثم تلاشت.
المكتبة المتهالكة من حولي ذابت، وتحولت إلى ضباب رمادي، ثم اختفت.
ووجدت نفسي أقف في غرفة رمادية، فارغة.
أمامي، كان هناك درج، يصعد إلى الأعلى.
كنت أرتجف، ومنهكة تمامًا. لكنني لم أعد مكسورة.
لقد واجهت جحيمي. وخرجت منه أبرد، وأقوى.
بدأت في الصعود، وكل خطوة كانت تحمل ثقل قرار جديد.
لن أكون مجرد "أميرة الجليد".
سأكون... الشتاء نفسه.