[منظور نير ڤيرتون]

خمسة أيام شعرت وكأنها خمسة قرون من حرب باردة صامتة. الجناح السابع عشر، الذي كان من المفترض أن يكون مساحة للتعاون والتخطيط، تحول إلى مسرح صامت لتطبيق استراتيجية لم يوافق عليها أحد، لكن لم يجرؤ أحد على رفضها.

خطة سيرافينا، الخطة التي نسجتها بذكاء شيطاني من كلماتي أنا، أصبحت هي دستورنا غير المكتوب.

"السيف والدرع والسُمّ". كنا نعيش مع هذه الأدوار الملعونة التي فُرضت علينا. أنا وكايلين وديغون كنا "القوة الضاربة"، الثلاثي الذي يُفترض به أن يشق طريق الدمار. وسيلين وآيلا وسيرافينا كن "السلاح الخفي"، العاصفة والشفاء والسُمّ.

كانت الأجواء سامة. كنت أقضي أيامي في التدريب وحدي، أشعر بنظرات سيرافينا التحليلية تتبعني أحيانًا، كأنها تقيّم أداء "سيفها". كايلين وديغون كانا يتدربان معًا بصمت، كأنهما يقبلان دورهما كـ"سيف" آخر و"درع"، لكنني رأيت في عيني كايلين وميضًا من الاستياء، استياء المحارب الذي أُجبر على اتباع تكتيك لم يختره.

أما الفتيات، فكن بالكاد يتحدثن. آيلا كانت تتجنب سيرافينا كأنها الطاعون، وسيلين كانت تعاملها بتجاهل جليدي.

وفي صباح اليوم الخامس، حان الوقت.

تجمعنا في قاعة المعيشة بصمت. لم تكن هناك كلمات وداع، ولا تشجيع. ارتدينا معداتنا القتالية، واستعددنا للذهاب إلى المسلخ.

الساحة الاحتفالية كانت تعج بالحياة مرة أخرى.

لكن الأجواء كانت مختلفة. اليوم، كان الهواء مشحونًا بالجدية، بالعزم البارد. 132 طالبًا، نخبة النخبة، يقفون في تشكيلاتهم المكونة من 22 فريقًا، وجوههم أقنعة من التركيز.

وقفت مع فريقي، وشعرت بأننا بقعة من الفوضى في بحر من النظام. كنا الفريق الوحيد الذي لا يتحدث، الفريق الوحيد الذي يقف أفراده بمسافات غريبة بينهم، كأنهم يخشون لمس بعضهم البعض.

نظرت نحو الشرفة الملكية، وتوقفت أنفاسي في حلقي.

كان الإمبراطور والدوق وأليستر متواجدين كالعادة، ولكن كان هنالك إضافة جديدة. لم تكن مجرد إضافة. كانت خللاً في نسيج الواقع.

فتاة صغيرة ذات شعر أسود وعيون قرمزية كانت جالسة فوق دوق الظلال.

لم تكن تجلس بجانبه. كانت تجلس على حضنه، أو بالأحرى، على تلك الكتلة من الظلام المطلق التي كانت تمثل والدي.

كانت تبدو في الثامنة أو التاسعة من عمرها، وترتدي فستانًا أسود بسيطًا ذا ياقة بيضاء، كأنها دمية من البورسلين القوطي.

شعرها الأسود الحالك كان منسدلاً على كتفيها، وعيناها القرمزيتان، الكبيرتان والبريئة، كانتا تتجولان بفضول في الساحة الشاسعة. كانت تضحك بخفة، وتلعب بإصبعها الصغير مع الحافة الحادة لقفاز والدها الأسود.

ساد صمت مذهول في الساحة، ثم انفجرت الهمسات كحريق في حقل جاف.

"من... من هذه الطفلة؟"

"هل تجلس على دوق الظلال؟!"

"مستحيل! هل لدى آل ڤيرتون ابنة؟!"

كان الجميع متفاجئًا، باستثناء الإمبراطور. كان ينظر إلى المشهد بابتسامة مسلية، خفيفة، كأنه يشاهد فصلًا غير متوقع وممتعًا في مسرحيته المفضلة.

شعرت بالدم يهرب من وجهي. سيريس. أختي. هنا. أمام الجميع. لماذا؟ كيف؟

"نير."

صوت كايلين الهادئ، الذي كان بجانبي، اخترق ضباب ذهني. اقترب مني، وهمس في أذني، وعيناه الرماديتان مثبتتان على الشرفة.

"من هذه؟"

ابتلعت ريقي بصعوبة. "إنها... إنها أختي."

شعرت بجسد كايلين يتصلب بجانبي. التفت نحوي، ولأول مرة منذ أن عرفته، رأيت الصدمة المطلقة على وجهه الحجري.

"هل لديك أخت؟" سأل بصوت خفيض، مليء بعدم التصديق. "منذ متى؟"

"إنه... أمر معقد." تمتمت، ولم أجد أي كلمات أخرى.

"قبل أن تنتقلوا، على قائد كل فريق أن يتقدم لاستلام 'قمته القرمزية' من الحرس الإمبراطوري."

صوت المدير قطع أفكاري. رأيت حارسًا إمبراطوريًا يقف أمام كل بوابة، ويمسك بوسادة مخملية عليها بلورة حمراء متوهجة.

وهنا، وقعت الأزمة. المشكلة أننا لم نحدد قائدًا.

وقف قادة الفرق الأخرى يتقدمون. ثيرون تقدم بثقة. كاسيان تقدم بابتسامة. لكن فريقنا... بقي في مكانه. الحارس كان ينتظر، والهمسات بدأت ترتفع مرة أخرى. كان إذلالًا آخر.

هل علينا اتباع خطة سيرافينا؟ فكرت. هل هي القائدة الآن؟

في تلك اللحظة، تقدمت سيرافينا خطوة إلى الأمام. كنت أتوقع أن تختارني، ليس فقط لأنها ربما فعلت ذلك في الرواية الأصلية، بل لأنها تريد أن تضعني تحت الضغط. أن تجعلني الهدف.

لكنها لم تفعل. استدارت، ونظرت ليس إليّ، بل إلى الجبل البشري الصامت بجانب كايلين.

"ديغون." قالت ببساطة وهدوء. "أنت من سيأخذها. أنت درعنا. أنت من سيحمي القمة."

لقد فاجأتني تمامًا. كانت خطوة داهية. لم يعترض أحد. لقد اختارت الخيار الأكثر منطقية، وبذلك، عززت سلطتها كاستراتيجية للفريق دون أن تدعي لقب القيادة.

ديغون، الذي كان صامتًا كالعادة، نظر إليها، ثم إلينا، ثم أومأ برأسه إيماءة واحدة، حاسمة. تقدم بخطواته الثقيلة، وأخذ القمة القرمزية، ووضعها في حقيبة جلدية متينة ربطها حول صدره.

"الفريق السابع عشر!" نادى المدير. "بوابتكم مفتوحة!"

مشيت مع فريقي نحو بوابتنا الأرجوانية. عقلي كان لا يزال يعيد عرض ذكريات الرواية، ويقارنها بهذا الواقع المشوه.

"في الرواية، فريقنا كان الأول وفريق ثيرون الثاني. لكن فريق ثيرون لم يقاتلنا، لقد كانوا يتجنبوننا. كانوا أذكياء بما يكفي ليعرفوا أن مواجهتنا انتحار. لقد ركزوا على الفرق الأضعف، وحققوا ثلاث قمم.

ونحن... سحقنا أربعة فرق كاملة وحققنا خمس قمم. في تلك السنة، لم ينجُ سوى أحد عشر فريقًا فقط. حتى أن الفريق الثالث كان بقيادة اللورد بورين الدفاعي، والرابع كان بقيادة الليدي فيسبيرا الماكرة."

تنهدت. ذلك الفريق كان أسطورة. وهذا الفريق... كان على وشك أن يقتل بعضه البعض.

خطونا عبر البوابة.

الانتقال كان عنيفًا. هبطنا في مستنقع. "مستنقعات الظل الكئيب".

الأشجار الملتوية، المياه السوداء، الضباب الأخضر المريض. الصمت كان يصم الآذان.

وقفنا هناك، الستة، في وسط هذا الكابوس. البوابة خلفنا تلاشت. كنا الآن محاصرين.

نظرت إلى فريقي. ديغون كان يفحص المكان بعينيه الحادتين. كايلين كان يقف بثبات، لكن جسده كان في حالة تأهب قصوى. آيلا كانت تبدو على وشك البكاء. سيلين كانت تحدق في الضباب، ووجهها لا يظهر عليه أي تعبير.

وسيرافينا... كانت تبتسم.

ابتسامة هادئة، مسلية، كأنها وجدت هذا المكان... ساحرًا.

مرت دقيقة كاملة من الصمت المطبق. لم يتحرك أحد. لم يقل أحد شيئًا. ستة من أقوى طلاب الأكاديمية، يقفون في مكانهم، مشلولين تمامًا بسبب انعدام الثقة.

"إذًا،"

صوت سيرافينا الناعم كسر الصمت، وبدا مدويًا في هذا الهدوء المخيف.

"هل نبدأ الآن بتنفيذ الخطة التي صاغها لنا العبقري لورد ڤيرتون؟"

كانت تنظر إليّ مباشرة، وابتسامتها الملائكية تحمل في طياتها انتصارًا لاذعًا، وسخرية لا حدود لها.

قبل أن أتمكن من الرد، قبل أن يطلق أي شخص آخر تعليقًا ساخرًا، دوى صوت جديد في المستنقع.

صوت عميق، أجش، وقوي كالصخر. صوت لم يسمعه أحد منهم من قبل.

"يكفي كلامًا."

التفتنا جميعًا بصدمة.

كان ديغون.

لقد تكلم.

كان ينظر ليس إلى سيرافينا، ولا إليّ، بل إلى الظلام الذي يلفنا.

"القمة هنا." قال، وهو يضرب بيده على صدره. "وهم قادمون." أشار برأسه نحو أعماق المستنقع، ثم نظر إلينا جميعًا، وعيناه البنيتان تحملان جدية مطلقة، لا تعرف المزاح.

"سنقاتل، أو سنموت. اختر."

ساد صمت مطبق. لكنه كان صمتًا مختلفًا.

لقد قطع ديغون، بكلماته البسيطة والقاسية، كل شبكات الخداع والمكائد. لقد أجبرنا على مواجهة الحقيقة.

نظرت إلى كايلين. رأيت ابتسامة خفيفة، حقيقية، تظهر على شفتيه لأول مرة.

....

....

....

كلمات ديغون البسيطة والقاسية سقطت في الصمت المشحون للمستنقع كصخرة ضخمة، محطمة جدار التردد والشك الذي كان يشلنا. لم تكن هناك فلسفة في كلماته، ولا تلاعب، فقط حقيقة بدائية، عارية: قاتل، أو مُت.

لأول مرة منذ تشكيل هذا الفريق الملعون، شعرت بشيء يشبه... الوحدة. ليس بمعنى الفريق، بل بمعنى المصير المشترك. ستة كائنات مختلفة تمامًا، عالقة في نفس الكابوس، وأمامها نفس الخيار الوحيد.

حتى سيرافينا بدت متفاجئة للحظة. ابتسامتها المسلية تلاشت، واستقرت على وجهها نظرة تحليلية باردة، كأنها تقيم هذا المتغير الجديد، هذا "الدرع" الذي قرر فجأة أن يتكلم.

لم يكن هناك وقت لأي رد.

في اللحظة التي أنهى فيها ديغون كلامه، وكأن كلماته كانت هي الإشارة، انفجر المستنقع.

"عين الحقيقة" صرخت في عقلي قبل أن تتمكن حواسي العادية من استيعاب ما يحدث. رأيت مئات الهالات الحمراء الداكنة، الضعيفة والفوضوية، تنفجر من تحت سطح الماء الأسود ومن بين جذور الأشجار الملتوية. كانت كطاعون من الضوء الخبيث يزحف نحونا من كل اتجاه.

"قادمون!" صرخت، وصوتي كان حادًا، كإنذار.

لم يكن هناك وقت لوضع خطة. أجسادنا، التي صُقلت بسنوات من التدريب القاسي، تصرفت بشكل غريزي.

ديغون أطلق هديرًا عميقًا، بدائيًا، وضرب بقدمه الأرض. ارتفعت موجة من الطين والماء، وكأنه يرسخ نفسه في مكانه. وقف في المقدمة، وسيفه الكلايمور الضخم، الذي كان يبدو كقطعة من جدار قلعة، استقر أمامه كحاجز من الفولاذ والموت. أصبح هو جدارنا. درعنا.

كايلين تحرك كطيف إلى يميني. لم يقل كلمة واحدة. فقط استل سيفه، الذي أطلق بريقًا فضيًا باردًا في الضوء الأخضر المريض للمستنقع. وقفته كانت مثالية، وجسده كان هادئًا، ومنتظرًا، كأفعى سامة تستعد للانقضاض.

سيلين تراجعت بضع خطوات إلى الخلف، ويداها بدأتا تتوهجان بضوء أزرق باهت. البرودة التي انبعثت منها كانت تكاد تكون ملموسة، والهواء حولها بدأ يتجمد، وتتشكل بلورات صغيرة من الصقيع على ملابسها.

أما أنا، فأخذت موقعًا على يسار ديغون. استدعيت سيفي الأسود، الذي ظهر في يدي بصمت، ونصله الذي يمتص الضوء كان يبدو كفجوة في الواقع. لم أغلف السيف الآخر بالظلام بعد. كنت أوفر طاقتي. كنت أعرف أن هذا... ليس سوى البداية.

في الخلف، في المركز المحمي بيننا، وقفت آيلا وسيرافينا. آيلا كانت ترتجف بشكل واضح، ويداها مشدودتان على حقيبتها، لكن عينيها كانتا تتحركان بسرعة، تبحثان عن أي جرح محتمل.

أما سيرافينا، فكانت هادئة بشكل مرعب. وقفت مكتوفة الذراعين، تراقب المشهد بابتسامة خفيفة، غامضة، على شفتيها، كأنها تشاهد عرضًا تم إعداده خصيصًا لتسليتها.

ثم اصطدمت بنا الموجة الأولى.

كانوا طوفانًا من الكوابيس. "زواحف الوحل"، حشرات ضخمة بحجم الكلاب، أجسادها لزجة، بنية اللون، تتحرك على ستة أرجل رفيعة، وتطلق من أفواهها الصغيرة سوائل حمضية.

و"ضفادع الكآبة"، مخلوقات منتفخة، ذات جلد أخضر داكن، وعيون صفراء كبيرة، كانت تقفز من الماء وتقذف كرات من الوحل اللزج الذي كان يتصلب كالإسمنت ما إن يلامس شيئًا.

ديغون تلقى الصدمة الأولى. أطلق هديرًا آخر، وأهوى بسيفه الضخم في قوس واسع. لم يكن يقطع، بل كان يسحق.

سمعت صوت تكسر الدروع الكيتينية، وتناثر السائل الأسود والأخضر في كل مكان. ضربة واحدة منه كانت كافية لتحويل خمسة أو ستة من زواحف الوحل إلى عجينة مقرفة.

الوحل الحمضي كان يضرب درعه السميك، محدثًا صوت هسهسة، لكنه لم يؤثر فيه. كان جبلاً من العزم والقوة.

كايلين كان يرقص. لم يكن يقاتل، بل كان يرقص رقصة الموت. كان يتحرك بين الوحوش برشاقة لا تصدق، سيفه يلمع ويختفي، يطعن ويقطع.

كان يستهدف نقاط الضعف بدقة جراحية: الفجوات بين صفائح الدرع، العيون، المفاصل. كل حركة كانت تقتل. لم يكن هناك أي حركة ضائعة. كان كإعصار من الفولاذ، يترك وراءه أثرًا من الجثث المقطعة بدقة.

أنا... كنت أقاتل بأسلوب مختلف. كنت أستخدم "عين الحقيقة" لأرى هجماتهم قبل أن تحدث. رأيت ضفدعًا على وشك أن يقذف وحله نحوي. تحركت جانبًا قبل أن يفعل، وأهويت بسيفي على رأسه المنتفخ. انفجر في سيل من السائل اللزج.

استخدمت الظلام بشكل متقطع، ومقتصد. خيط من الظل يمتد من قدمي، ويعرقل زاحفًا، مما يمنحني ثانية لأطعنه في بطنه.

بقعة صغيرة من الظلام المطلق تتشكل أمام عيني ضفدع، تعميه للحظة، فأقطع رأسه. لم تكن قوة مدمرة، بل كانت خداعًا، تلاعبًا، وحشية فعالة.

ومن الخلف، كانت سيلين هي الجحيم المتجمد. كانت يداها تتحركان في أنماط معقدة، وتطلق وابلًا من الرماح الجليدية الحادة التي كانت تخترق أجساد الوحوش وتجمدها في مكانها.

كانت تجمد بقعًا من الماء الأسود، وتحبس فيها الضفادع قبل أن تقفز. كانت تخلق جدرانًا من الضباب الجليدي، تشتت الوحوش وتجبرهم على الدخول في مسارات القتل التي أعددناها.

كنا نقاتل. كنا ننزف. كنا ننتصر.

لكن في خضم هذه الفوضى الدموية، بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا. شيئًا مقلقًا.

أحد زواحف الوحل، تمكن من اختراق خط ديغون، وتوجه مباشرة نحو المركز. نحو آيلا وسيرافينا.

"آيلا، احذري!" صرخت.

آيلا صرخت وأغمضت عينيها، ورفعت يديها لتحمي وجهها.

لكن الزاحف... توقف.

على بعد ثلاثة أمتار منهما، توقف فجأة، كأنه اصطدم بجدار غير مرئي. رفع الجزء الأمامي من جسده، وأصدر صوت هسهسة حادًا، ليس هسهسة عدوانية، بل هسهسة... خوف. ثم، استدار بسرعة مذهلة، وزحف مبتعدًا، يائسًا للهروب، قبل أن يخترقه رمح جليدي أطلقته سيلين.

تجمدت للحظة. ماذا حدث بحق الجحيم؟

ركزت "عين الحقيقة" على الفتاتين في المركز. هالة آيلا كانت كالعادة، خضراء زاهية، دافئة، تنبض بقوة الحياة والشفاء. وهالة سيرافينا كانت لا تزال ذلك الضباب المشوش من الوردي والأسود، لا يمكن قراءتها. لم تكن أي من الهالتين تبدو كأنها درع أو سلاح يمكنه إخافة وحش.

هل هم خائفون من الأميرة؟ أم من آيلا؟ الفكرة كانت سخيفة. لكنني رأيت ما رأيت.

قبل أن أتمكن من التفكير في الأمر أكثر، تغير إيقاع المعركة.

هدير عميق، أشد قوة من أي شيء سمعناه حتى الآن، هز المستنقع. الماء الأسود بدأ يتموج بعنف.

ومن الأعماق، ارتفعا.

اثنان من "متخفي المستنقعات". وحوش من الرتبة الثانية.

كانا كتمساحين ضخمين، طول كل منهما عشرة أمتار، لكن درعهما لم يكن من جلد، بل من بلورات خضراء داكنة، حادة، كانت تعكس الضوء المريض للمستنقع. أفواههما كانت طويلة، مليئة بأسنان تشبه شظايا الزجاج، وعيونهما كانت صفراء، عمودية، تتوهجان بذكاء خبيث.

لم تكن هذه مجرد وحوش غاشمة. كانت حيوانات مفترسة، في قمة سلسلتها الغذائية.

أطلق أحدهما زئيرًا يصم الآذان، واندفع نحو ديغون.

انفجرت المعركة إلى مستوى جديد من الوحشية.

ضرب ديغون بسيفه الكلايمور على رأس المتخفي. سمعت صوت ارتطام مدوٍ، لكن السيف ارتد، وتناثرت شرارات. الدرع البلوري كان صلبًا بشكل لا يصدق.

زأر المتخفي بغضب، وأهوى بذيله الضخم.

ديغون رفع سيفه ليصد الضربة. تمكن من ذلك، لكن قوة الصدمة دفعته إلى الخلف عدة خطوات، وقدماه تحفران خنادق عميقة في الطين.

كايلين كان يواجه المتخفي الآخر. لم يحاول مهاجمة درعه. بل كان يتحرك بسرعة حوله، كراقص مميت، يبحث عن فجوة، عن نقطة ضعف في المفاصل بين البلورات.

"لا يمكننا اختراق دروعهم!" صرخت سيلين، وهي تطلق وابلًا من الرماح الجليدية التي تحطمت على جسد أحد المتخفيين دون أن تترك خدشًا.

كان علينا أن نغير تكتيكنا.

"ديغون! اشغله!" صرخت.

نظر إليّ ديغون للحظة، ثم أومأ برأسه، وأطلق هديرًا خاصًا به، وهاجم المتخفي مرة أخرى، ليس ليقتله، بل ليجذب كل انتباهه.

ركضت أنا وكايلين نحو المتخفي الآخر.

"المفاصل!" صرخ كايلين. "تحت الذراعين، وعلى الرقبة!"

انقسمنا. هاجم هو من اليسار، وأنا من اليمين.

كان المتخفي سريعًا بشكل مرعب. كان يدور، ويحاول أن يمسكنا بفكيه الهائلين، ويضرب بذيله.

كنت أرى بـ"عين الحقيقة" الفجوات الصغيرة، التي تتوهج بهالة أضعف. راوغت تحت ضربة من مخلبه، وانزلقت في الطين، وغرست سيفي الأسود في الفجوة تحت ذراعه الأمامية.

صرخ الوحش من الألم والغضب. استدار نحوي، متجاهلاً كايلين تمامًا.

"الآن!" صرخت.

قفز كايلين في الهواء، وهبط على ظهر الوحش، وبكل قوته، غرس سيفه في الفجوة عند قاعدة رقبة الوحش.

تشنج جسد المتخفي الضخم بعنف، ثم انهار على جانبه، محدثًا موجة ضخمة من الماء الأسود.

واحد سقط.

لكن الآخر... كان قد تغلب على ديغون. لقد أمسك المتخفي بسيف ديغون بين فكيه، وبحركة عنيفة، انتزعه من يديه. طار السيف الضخم في الهواء، وسقط في الماء الأسود واختفى.

ديغون كان الآن أعزل.

اندفع المتخفي نحوه، وفمه مفتوح.

لم يكن هناك وقت.

في تلك اللحظة، رأيت شيئًا غريبًا. آيلا، التي كانت تقف في الخلف مرعوبة، تقدمت خطوة إلى الأمام. لم تكن تنظر إلى المتخفي، بل كانت تنظر إلى ديغون، وعيناها الخضراوان تتوهجان بقوة لم أرها فيها من قبل.

وقبل أن يصل المتخفي إلى ديغون... توقف مرة أخرى.

تمامًا مثل الزاحف.

تجمد في مكانه، على بعد أمتار قليلة من ديغون. أطلق هديرًا، ليس هدير غضب، بل هدير... ارتباك. وخوف.

بدأ يتراجع ببطء، وعيونه الصفراء مثبتة ليس على ديغون، بل على آيلا.

ماذا؟

ماذا بحق الجحيم يحدث؟!

استغل ديغون تلك اللحظة. لم يهرب. بل أطلق هديرًا وحشيًا، واندفع نحو المتخفي الأعزل، وقبل أن يتمكن الوحش المرتبك من الرد، وجه ديغون لكمة هائلة، بكل ثقله وقوته، إلى جانب رأس المتخفي.

سمعت صوت تكسر بلور وعظام مدوٍ.

انهار المتخفي الثاني، فاقدًا للوعي.

وقفنا جميعًا نلهث في وسط جثث الوحوش. المعركة... لم تنتهِ. كنت أعرف ذلك. لكن هذه اللحظة الغريبة... هذا الخوف غير المبرر للوحوش من آيلا...

لقد غير كل شيء.

نظرت إليها. كانت تقف هناك، ترتجف، وتبدو بنفس البراءة والضعف كالعادة.

لكنني كنت أعرف الآن.

هناك شيء ما خطأ. شيء خطأ بشكل مرعب.

وهذه الفتاة... ليست مجرد معالجة قروية.

إنها شيء آخر تمامًا.

2025/08/08 · 81 مشاهدة · 2448 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025