[منظور ديغون]
الصمت.
بعد المعركة، حل الصمت. لم يكن صمتًا مريحًا. كان صمتًا لزجًا، ثقيلاً، مشبعًا برائحة الدم الأسود والأخضر، ورائحة الحمض الحارقة، ورائحة الطين المتعفن الذي يغطي كل شيء.
وقفت في مكاني، وجسدي كتلة من الألم المكتوم، أتنفس ببطء، وأراقب.
الآخرون كانوا يتحركون. آيلا، بوجهها الشاحب، كانت تندفع نحو كايلين الذي كان يتكئ على سيفه، والدم يتسرب من درعه الجلدي عند فخذه. بدأت يداها تتوهجان بضوء أخضر دافئ. الشفاء. جيد. كايلين مفيد. لا يجب أن يسقط.
سيلين كانت تقف بعيدًا، ووجهها لا يظهر عليه أي تعبير، لكنني رأيت بلورات جليدية صغيرة تتشكل وتذوب على أطراف أصابعها. كانت تستعيد طاقتها.
نير... كان غريبًا. كان ينظر إلى آيلا، ليس بقلق، بل بنظرة معقدة، مظلمة، لم أستطع فهمها. كان يقف بثبات، لكن هالته، التي لا أراها بعيني بل أشعر بها كضغط خفيف في الهواء، كانت مضطربة. كأن هناك عاصفة تدور في داخله.
والأميرة... سيرافينا. كانت تمسح بقعة طين عن قفازها الحريري الأبيض ببطء، بتركيز مطلق، كأن المجزرة التي حدثت للتو لم تكن سوى إزعاج بسيط أفسد أناقتها.
كنت منزعجًا. ليس من الجروح، ولا من رائحة الموت. كنت منزعجًا من نفسي. لقد تشتت انتباهي. للحظة، في خضم القتال مع المتخفي البلوري، شعرت بذلك مرة أخرى.
بدا وكأن عقلي ذهب لمكان آخر. شعور غريب بالانجذاب نحو الأرض تحتي، ليس نحو الطين، بل نحو الصخر العميق، المنسي، الذي يكمن في قلب هذه الجزيرة الطائرة.
ذاكرة ليست ذاكرتي، عن جبل صامت، وعن قوة هادئة، ثابتة. استمر الأمر لجزء من الثانية، لكنه كان كافيًا. في معركة حقيقية، جزء من الثانية هو الفرق بين الحياة والموت.
هذا المكان... ليس طبيعيًا.
"بعض الوحوش تمتلك قمة قرمزية، صحيح؟"
الكلمات خرجت من فمي، أجشة، وعملية. لم تكن موجهة لأحد على وجه الخصوص. كانت مجرد فكرة بصوت عالٍ. طريقة لتجاوز التشتت، والعودة إلى الهدف. الهدف بسيط. القمم.
التفتت كل العيون نحوي، متفاجئة من أنني تكلمت.
"لا تفكر بذلك حتى."
صوت سيرافينا الناعم، البارد، قطع الهواء. كانت تنظر إليّ، وهدوئها الملائكي عاد ليظهر.
"من المستحيل أن توجد قمة قرمزية إلا مع الوحوش التي في الرتبة الثالثة على الأقل. وهذه الغابة، رغم خطورتها، لا تحتوي إلا على وحوش من الرتبة الأولى والثانية كحد أقصى. أو هكذا تقول السجلات."
صمتت للحظة، ونظرت حولها، إلى الأشجار الملتوية والضباب الأخضر المريض.
"وأيضًا... طبيعة هذا المكان شبيهة بمتاهة الهمسات. تضعف عقل الطلاب بشكل طفيف، أقل من قوة المتاهة، لكنها... تضعف قوة الوحوش أيضًا."
تجمدت.
هذه المعلومة... صدمتني.
ليس الخوف ما شعرت به، بل... الانتهاك. أنا ديغون. جسدي هو قلعتي. قوتي هي حقيقتي. وفكرة أن هذا المكان، هذا الهواء اللعين الذي أتنفسه، كان يسلبني جزءًا من قوتي، ويؤثر على عقلي دون أن أدرك... كانت إهانة.
وهذا يفسر الكثير. يفسر لماذا شعرت بأن ضرباتي على المتخفي لم تكن بقوتها المعتادة. ويفسر تشتت ذهني. والأمر الأكثر رعبًا... إذا كانت هذه الوحوش "ضعيفة"، فما مدى قوتها الحقيقية خارج هذا الضباب الملعون؟
"إذًا،" قلت بصوت منخفض، "نحن نقاتل في ساحة لعب مزيفة."
"كل العالم ساحة لعب مزيفة، يا عزيزي ديغون." قالت سيرافينا بابتسامة غامضة. "الأمر يعتمد فقط على من يكتب القواعد."
بعد أن انتهت آيلا من علاج الجروح الأخطر، وبعد أن استعدنا جزءًا من أنفاسنا، قررنا التحرك. لم يكن قرارًا ديمقراطيًا. بل كان ضرورة صامتة. البقاء في مكان المعركة، مع رائحة الدم التي ستجذب المزيد من المفترسات، كان غباءً.
بدأنا نتوغل أعمق في المستنقع.
كلما تقدمنا، كلما تغيرت الطبيعة من حولنا. كانت جميلة. جميلة بشكل مرعب.
مررنا بمنطقة كانت فيها الأشجار السوداء مغطاة بالكامل بنوع من الطحالب الفضية المتوهجة، التي كانت تلقي بضوء شبحي، بارد، على كل شيء، وتحول المستنقع إلى قاعة رقص للأموات. كانت الطحالب تتناغم مع حفيف الريح، وتصدر لحنًا خافتًا، حزينًا، كأنه أغنية جنائزية للغابة نفسها.
وفي مكان آخر، كانت المياه السوداء صافية بشكل مخادع، ورأينا في أعماقها غابات كاملة من البلورات الملونة، تنمو كالشعاب المرجانية، وتنبض ببطء بضوء داخلي.
لكن بين تلك البلورات، رأيت هياكل عظمية لكائنات ضخمة، عالقة، مجمدة في أوضاع مرعبة. جمال قاتل.
رأينا أسرابًا من حشرات اليعسوب العملاقة، أجنحتها تشبه الزجاج الملون، وكانت تطلق طنينًا عاليًا يهز الهواء.
كانت جميلة، حتى رأينا إحداها تنقض على طائر غريب له أربعة أجنحة، وتلتهمه في الهواء في ثوانٍ.
هذا المكان كان قصيدة عن الموت، مكتوبة بأجمل الكلمات.
كنت أسير في المقدمة، أستخدم جسدي كجدار لفتح الطريق. الطين كان يصل إلى ركبتي في بعض الأمن، والروائح الكريهة كانت تزداد سوءًا. كنا نتحرك بصمت، كل حواسنا متيقظة.
بعد ساعتين من هذا المسير المضني، وجدنا أرضًا أكثر صلابة.
سلسلة من التلال الصخرية المنخفضة، التي كانت تبرز من المستنقع كظهر وحش بحري عملاق.
"إلى الأعلى." قلت، وبدأت في التسلق.
من قمة أعلى تل، رأينا المشهد بأكمله. المستنقع كان يمتد لأميال، بحر أخضر وأسود من التعفن والحياة الخبيثة. لكن من هنا، رأينا شيئًا آخر.
على بعد حوالي ميلين، في منطقة أقل ضبابًا، رأينا وميضًا خافتًا. وميض نار مخيم.
"فريق آخر." قال كايلين، الذي كان يقف بجانبي، وعيناه تضيقان.
انبطحنا جميعًا خلف الصخور. أخرجت سيرافينا منظارًا سحريًا صغيرًا، وبدأت تدرسهم.
"إنهم الفريق الثاني عشر." قالت بعد لحظة. "ستة أعضاء. يبدو أنهم خاضوا معركة للتو. إنهم متعبون، ومواقع حراستهم... سيئة."
نظرت إلى قمتهم القرمزية. كانت موضوعة على صخرة مرتفعة في وسط مخيمهم الصغير، تتوهج بضوء أحمر ناعم. كانت كقلب ينبض، يدعونا إليه.
"إنهم فريسة سهلة." قال كاسيان... لا، لم يكن كاسيان هنا. من كان يتكلم؟
كانت سيرافينا. صوتها كان هادئًا، لكنه كان يحمل برودة الفولاذ.
"خطة عملهم ساذجة. يمكننا الالتفاف من الجانب الشرقي، حيث المنحدرات أعلى، واستخدام الظلال كغطاء. ديغون وكايلين سيقودان الهجوم المباشر لإحداث فوضى. سيلين ستجمد أي طرق للهروب. نير، ستستخدم ظلامك لإعماء حراسهم. وآيلا، ستبقين في الخلف. أنا سأذهب لأخذ القمة."
كانت خطة مثالية. ووحشية.
كانوا طلابًا مثلنا. متعبين، وخائفين. وهذه الخطة... كانت ستسحقهم.
نظرت إلى فريقي. رأيت التردد في عيني آيلا. ورأيت البرود في عيني سيلين. ورأيت العزم القاسي في عيني كايلين.
نظرت إلى سيرافينا. كانت تنتظر ردنا، لكنها كانت تعرف بالفعل أننا سنوافق. لم يكن لدينا خيار آخر.
"أنا لا أحب هذا." قالت آيلا بصوت خافت.
"الحرب لا تهتم بما تحبين، يا آنسة." ردت سيرافينا ببرود.
صمت ساد بيننا. كنت أكره هذه الخطة. كنت أكره هذه القسوة. لكنني كنت أكره الهزيمة أكثر.
"يكفي كلامًا."
الكلمات خرجت مني، عميقة، وقاطعة. التفت الجميع نحوي.
نظرت إلى المخيم البعيد، ثم نظرت إليهم.
"القمة هناك." قلت، وأشرت بيدي الضخمة. "وهم ضعفاء."
لم تكن هناك حاجة لقول المزيد.
نهضت على قدمي، وشعرت بثقل جسدي، وبثقل القرار الذي اتخذناه.
[منظور نير ڤيرتون]
اقتربنا من مخيم الفريق الثاني عشر. كان على بعد مائتي متر فقط الآن. استطعنا رؤيتهم بوضوح أكثر. ستة طلاب، يجلسون حول نار صغيرة، يتحدثون بصوت خفيض. قمتهم القرمزية كانت لا تزال على تلك الصخرة، تتوهج بضعف، كقلب ينبض ببطء.
كانوا يبدون متعبين. دروعهم الجلدية كانت ملطخة بالطين، وأسلحتهم بجانبهم. كان أحدهم يضمد جرحًا في ذراعه. لقد خاضوا معركة بالفعل. كانوا هدفًا مثاليًا.
هدفًا مثاليًا... بشكل يثير الشك.
ديغون، الذي كان في المقدمة، توقف خلف جذع شجرة ضخم، وأشار بيده، "القمة هناك. " استعد ليلقي بنفسه في المعركة، ليبدأ هذه المذبحة السهلة.
لكن شيئًا ما... كان خطأ.
"عين الحقيقة" كانت تصرخ في عقلي. لم تكن صرخة خطر داهم، بل كانت همسًا مزعجًا، كطنين حشرة في أذنك، يخبرك أن ما تراه ليس هو الحقيقة.
ركزت أكثر. نظرت عبر الضباب، عبر الظلال، إلى ذلك المخيم الهادئ.
الحراس... كانا اثنان يقفان للحراسة، بينما الأربعة الآخرون يجلسون. لكن حركتهما كانت بطيئة جدًا، متكررة. كأنهما دمى آلية.
النار... لهيبها كان ثابتًا جدًا، لا يتأثر بالنسيم الرطب الذي كان يهب عبر المستنقع.
والهالات... كانت هالاتهم باهتة، متعبة، نعم. لكن تحت تلك الهالات، رأيت ومضات خافتة لهالات أخرى، أقوى، وأكثر تركيزًا، مخفية في محيط المخيم. خلف الصخور. فوق أغصان الأشجار المنخفضة. في الماء الأسود الراكد.
والقمة القرمزية... رأيت خيوطًا رفيعة جدًا، شبه غير مرئية، من الطاقة السحرية تمتد منها إلى الأرض، وتختفي في الطين.
لم تكن مجرد بلورة. كانت... طُعمًا. وكانت... مفتاح الفخ.
في اللحظة التي كان فيها ديغون على وشك أن يندفع، لم أستطع كبت الأمر أكثر.
"توقف!"
الكلمة خرجت مني كصرخة أجشة، حادة، مزقت الصمت.
تجمد الجميع، والتفتوا نحوي، وعيونهم تحمل مزيجًا من المفاجأة والانزعاج.
"ماذا تفعل، ڤيرتون؟" تمتم كايلين... لا، لقد كانت سيرافينا. صوتها كان باردًا كالثلج. "هل قررت أن تصاب بالجبن في آخر لحظة؟"
تجاهلت إهانتها. "انظروا جيدًا!" قلت بصوت خفيض، ومحموم.
"أليس واضحًا أن هذا فخ؟!"
"فخ؟" قال كايلين، وهو يضيق عينيه. "إنهم منهكون. ستة ضد ستة. الأفضلية لنا."
"أنتم لا ترون!" قلت، وأشرت بيدي المرتجفة نحو المخيم.
"الحراس مزيفون! إنهم أوهام! والنار باردة! والقمة... القمة هي الزناد! هناك آخرون يختبئون، ينتظرون منا أن ندخل!"
ساد صمت لثوانٍ. رأيت الشك في عيون كايلين. ورأيت الازدراء في عيني سيلين. ورأيت الارتباك المطلق في عيني آيلا.
"أوهام؟" قالت سيرافينا ببطء، وابتسامة متعالية بدأت تظهر على وجهها. "لورد ڤيرتون، هل ما زلت تتأثر بأوهام هذا المكان؟ اعتقدت أنك تغلبت على ذلك في البرج."
كانت تسخر مني. كانت تجعلني أبدو كشخص مصاب بجنون الارتياب.
"أنا أرى ما لا ترونه!" صرخت بصوت خفيض. "عليكم أن تثقوا بي!"
"نثق بك؟" ردت سيرافينا. "الشخص الذي أراد أن يقسم الفريق ويتخلى عنا؟"
كنت على وشك أن أرد، أن أشرح لهم عن "عين الحقيقة"، أن أكشف عن سري.
لكن الأوان كان قد فات.
في المخيم، نهض أحد الطلاب "المتعبين". نظر في اتجاهنا مباشرة، وابتسم
ثم، رفع يده، وأطلق كرة نارية صغيرة في الهواء.
كانت إشارة.
في لحظة، انفجرت الأرض من حولنا.
لم تكن انفجارات نارية. كانت انفجارات من الطين والوحل. رونيات أرضية كانت مخبأة تحت أقدامنا، تم تفعيلها. تطاير الطين اللزج في كل مكان، أعمانا للحظة، وأبطأ حركتنا.
ومن الأشجار والصخور والماء، خرجوا.
لم يكونوا ستة. كانوا اثني عشر. الفريق الحادي عشر بأكمله، بقيادة فتاة ذات شعر أخضر قصير ونظرة ماكرة، كانوا يختبئون في كمين مثالي.
"تبًا لك، ڤيرتون!" زأر ديغون، وهو يحاول مسح الطين عن وجهه. "كان يجب أن نهاجم عندما كانت لدينا الفرصة!"
"لقد حذرتكم!" صرخت، والغضب والهلع يمتزجان في صوتي.
بدأت المعركة. وكانت فوضى مطلقة.
تناغمنا لم يكن سيئًا. بل لم يكن موجودًا على الإطلاق.
اندفع ديغون إلى الأمام، محاولاً اختراق صفوفهم، لكنه أصبح هدفًا لثلاثة من مقاتليهم الذين بدأوا في مهاجمته من كل جانب. كان يصد ضرباتهم بقوته الهائلة، لكنه كان محاصرًا.
كايلين انخرط في مبارزة شرسة مع مبارز آخر، سيفاهما يتصادمان في وابل من الشرارات. لكن ساحرين من فريقهم كانا يطلقان عليه تعاويذ إعاقة، خيوط من الطاقة الخضراء كانت تلتف حول قدميه، وتعيق حركته.
سيلين حاولت تجميد الأرض، لكن أحد خصومهم كان ساحر أرض، ورفع جدارًا من الطين لصد موجتها الجليدية. اصطدم الجليد بالطين، وتحولا إلى وحل قذر.
"أحتاج إلى مساحة!" صرخت سيلين بغضب.
كنت أحاول الوصول إليها، لكنني كنت مشغولاً باثنين من المهاجمين. أحدهما كان يستخدم سلسلة ذات نصل حاد، والآخر كان يطلق سهامًا مسمومة. كنت أراوغ، وأصد، وأغلف سيفي بالظلام في ومضات يائسة.
وفي وسط كل هذا... كانت آيلا وسيرافينا.
سيرافينا كانت تقف هادئة، وتتفادى الهجمات برشاقة لا تصدق.
كانت تهمس بكلمات، ورأيت أحد المهاجمين يتردد للحظة، ويخفض سيفه، كأنه سمع صوتًا في رأسه. كانت تستخدم ألعابها العقلية، لكن في خضم هذه الفوضى، كان تأثيرها محدودًا.
وآيلا... كانت تحاول الشفاء. أطلقت كرة من الضوء الأخضر نحو جرح في ذراع ديغون. لكن قبل أن تصل، اعترضها سهم، وانفجرت في الهواء.
"لا أستطيع التركيز!" صرخت بيأس.
كنا ستة أفراد أقوياء. أقوى بكثير من الفريق الحادي عشر والثاني عشر. لكنهم كانوا يقاتلون كوحدة واحدة. كقطيع من الذئاب. أما نحن... فكنا ستة أسود محبوسة في نفس القفص، كل منها يزأر في اتجاه مختلف.
رأيت كايلين يتعثر. الساحران كانا يرهقانه. خصمه استغل الفرصة، ووجه ضربة نحو صدره.
"كايلين!" صرخت آيلا.
في تلك اللحظة، فعلت سيلين شيئًا. أطلقت العنان لعاصفة ثلجية صغيرة، ليس على الأعداء، بل بين كايلين وخصمه. حجبت العاصفة الرؤية للحظة.
لكنها حجبت رؤيتي أنا أيضًا! كنت على وشك مهاجمة حامل السلسلة، وفجأة، لم أعد أراه.
شعرت بالألم الحارق للسلسلة وهي تلتف حول ساقي، ونصلها يغوص في لحمي.
صرخت، وسقطت على ركبة واحدة.
"ودود!"
رأيت ديغون، الذي تمكن أخيرًا من الإطاحة بأحد خصومه، يندفع نحوي، ويتلقى بجسده ضربة سيف كانت موجهة لرأسي.
اخترق السيف درعه الجلدي، وغاص في كتفه.
زأر ديغون من الألم، لكنه استدار، وأمسك بالمهاجم بيده الضخمة، ورماه في الهواء كأنه دمية.
كنا نخسر.
كنا نتعرض للإذلال.
كنا ندفع ثمن غطرستنا، وانعدام ثقتنا.
رفعت رأسي من الوحل، والدماء تسيل من الجرح في ساقي، وشعرت بذلك الغضب البارد، اليائس، يتدفق في عروقي. لم يكن غضبًا من الأعداء، ولا حتى من فريقي المتهالك.
كان غضبًا من نفسي، من ضعفي، من هذا القدر اللعين الذي يضعني في مواقف مستحيلة مرارًا وتكرارًا.
الظلام الشيطاني.
لقد كان خياري الوحيد.
"إذا كنا سنخسر..." تمتمت في الهواء المليء بالمطر والدماء. "فسنخسر ونحن نحترق."
أطلقت العنان لكل شيء.
لم أعد أحاول التحكم فيه. لم أعد أحاول تشكيله في خيوط أنيقة. فتحت السد الذي كان يحبس تلك القوة المظلمة في روحي، وسمحت لها بالتدفق.
انفجر الظلام مني، ليس كقوة، بل كطاعون. بركة من الظل السائل، الأسود اللزج، انتشرت من تحت قدمي بسرعة مروعة، تبتلع الضوء، وتخنق أصوات المعركة للحظة.
لم تكن مجرد ظل، بل كانت تحمل برودة غير طبيعية، برودة الفراغ، وجعلت الأرض الموحلة تتجمد قليلاً حيثما لامستها.
من هذه البركة، ارتفعت عشرات الأذرع الظلية، ملتفة، غير متشكلة بالكامل، كأنها كوابيس تحاول أن تأخذ شكلًا ماديًا. كانت تهاجم كل شيء، صديقًا وعدوًا، دون تمييز.
"اللعنة! ما هذه القدرة؟!"
صرخت في عقلي وأنا أرى هذا المشهد الفوضوي. لم أكن أعرف. لم يكن هناك دليل استخدام، لم يكن هناك أي شرح. "أيها النظام اللعين!" صرخت في صمت روحي.
"تمنحني قوة شيطانية، ثم تتركني لأكتشفها وأنا على وشك أن أُقتل؟! ما فائدتك بحق الجحيم؟!"
لقد كان الفريق الحادي عشر والثاني عشر متناغمين!
اثنا عشر خصمًا. كانوا يطوقوننا من البداية. لم يكن فخًا بسيطًا، بل كانت شبكة قتل متقنة.
والآن، أصبحت المعركة جحيمًا مطلقًا.
لقد كنا نخسر. نخسر بشكل مذل.
تناغمهم كان مثاليًا. كانوا يتحركون كوحدة واحدة. المبارزون في المقدمة، يشكلون جدارًا من الفولاذ. الرماة في الخلف، يطلقون وابلًا من السهام التي كانت تجبرنا على الحركة باستمرار.
والسحرة كانوا ينسقون هجماتهم، تعويذة أرضية لتعرقل حركتنا، تتبعها موجة من الرياح الحادة لتمزيقنا.
أما نحن... فكنا كارثة.
ديغون، الذي كان درعنا، أصبح الآن ثورًا هائجًا محاصرًا. كان يزأر ويضرب بمطرقته التي استعادها، لكن ثلاثة مبارزين كانوا يرقصون حوله، يهاجمون ساقيه وظهره، ويجبرونه على الدوران في مكانه، مستنزفين قوته مع كل ضربة يصدها.
رأيت نصل سيف يخترق الفجوة في درعه عند الكتف، وسمعت هديره المكتوم من الألم.
كايلين كان في جحيمه الخاص. كان يواجه مبارزين بنفس مهارته تقريبًا، لكن ساحرة كانت تدعمهما من بعيد، تطلق أغلالاً من الطاقة التي كانت تقيد حركته، وتجبره على صد هجمات كان من المفترض أن يراوغها.
رأيت شفرة تخترق دفاعه وتترك جرحًا دمويًا على طول ذراعه.
سيلين كانت تخوض مبارزة يائسة ضد ساحر نار. كان كل منهما يلغي سحر الآخر في انفجارات من البخار والضوء. لكن كان هناك راميان يركزان عليها، سهامهما المشتعلة كانت تجبرها على إبقاء دروعها الجليدية مرفوعة باستمرار، مما استنزف طاقتها بسرعة هائلة.
رأيت أحد السهام يخترق درعًا ضعيفًا ويحرق جزءًا من ردائها، وصرخت صرخة مكتومة من الألم.
سيرافينا، لأول مرة، لم تكن تبتسم. قناعها الملائكي قد تحطم، وحل محله تعبير من الغضب البارد. كانت تتحرك برشاقة قاتلة، وتتفادى الهجمات، لكنها كانت هدفًا لأربعة خصوم. كانوا يعرفون مدى خطورتها.
رأيت خنجرًا ينجح في جرح ساقها، ورأيت نظرة القتل المطلق في عينيها وهي تستدير وتهمس بكلمة جعلت المهاجم يتجمد في مكانه للحظة، ورعشة تجتاح جسده. لكنها كانت قد أصيبت.
وآيلا... كانت هي قلب مأساتنا. كانت تركض من شخص إلى آخر، يائسة، وكرات الضوء الأخضر في يديها كانت تلتئم الجروح السطحية، لكنها لم تكن تستطيع فعل شيء للإصابات الخطيرة.
كانت هي نقطة ضعفنا، وكان الأعداء يعرفون ذلك. كل هجماتهم كانت تهدف إلى إجبارنا على حمايتها، مما كان يكسر تشكيلنا المتهالك مرة بعد أخرى.
في خضم الفوضى، تعثرت، وضربها درع أحد المهاجمين، وأرسلها تتطاير في الهواء. ارتطمت بجذع شجرة وسقطت، والدماء تسيل من جرح في رأسها.
أما أنا... فكنت في كل مكان وفي لا مكان. ظلامي كان يعيق الأعداء، لكنه كان يعيق أصدقائي أيضًا. رأيت كايلين يتعثر في إحدى برك الظل التي خلقتها.
رأيت سيلين تصرخ في وجهي عندما أطفأت إحدى رماحها الجليدية بلمسة من الظلام عن طريق الخطأ.
كنت أقاتل بضراوة، والسيف الأسود يمحو كل من يقترب مني. لكنني لم أستطع حماية الجميع. السلسلة التي كانت في ساقي تركت جرحًا عميقًا، وكنت أعرج. وسهم آخر كان قد اخترق كتفي، وشعرت بالسم البارد يبدأ في الانتشار في عروقي.
انهار ديغون على ركبة واحدة، وهو يلهث.
كايلين أُجبر على التراجع، وهو ينزف من عشرة جروح مختلفة.
سيلين كانت ترتعش، والصقيع يغطي جسدها من فرط استخدام السحر.
كنا محاصرين. مهزومين.
تقدمت قائدة الفريق الحادي عشر، تلك الفتاة ذات الشعر الأخضر، وابتسامة منتصرة على وجهها.
"انتهى الأمر، يا فريق النخبة." قالت بسخرية. "أعطونا قمتكم، وربما نترككم تذهبون ببعض من كرامتكم."
نظرت إلى ديغون، الذي كانت القمة لا تزال مربوطة بصدره.
نظرت إلى وجوه فريقي الملطخة بالدماء واليأس.
لقد خسرنا.
خسرنا بشكل مذل.
كنت على وشك أن أفعل شيئًا يائسًا. أن أطلق العنان لكل الظلام، حتى لو كان ذلك سيدمرني معهم.
وفجأة...
سمعنا صرخة.
لم تكن صرخة بشرية. لم تكن صرخة وحش.
كانت صرخة تمزق الروح.
صوت حاد، طويل، مرعب، كصوت آلة كمان تعزف لحن الجنون، تردد في كل شبر من المستنقع، واخترق عقولنا كإبرة من الجليد المحموم.
تجمد الجميع. نحن، وأعداؤنا. كل القتال توقف. كل الوجوه، المليئة بالانتصار أو اليأس، استدارت نحو مصدر الصوت.
أتى من أعمق، وأحلك جزء من المستنقع.
وعندها خرج.
من تحت سطح الماء الأسود الراكد، ارتفع ببطء، بصمت مرعب.
مخلوق طويل بشكل مرعب، ونحيف.
كان طوله لا يقل عن عشرة أمتار، لكن جسده كان نحيلاً بشكل غير طبيعي، كأنه هيكل عظمي تم تمديده. لم يكن له جلد، بل كان مغطى بلحاء أبيض، شاحب، يشبه لحاء أشجار البتولا الميتة، ويتشقق في أماكن ليكشف عن ظلام سائل تحته. ذراعاه كانتا طويلتين، رفيعتين، وتنتهيان بأصابع تشبه المخالب، حادة كالشظايا.
ورقبته... كانت طويلة. طويلة بشكل مقزز، كأفعى، وفي نهايتها، كان هناك رأس بيضاوي، أملس.
وجهه كان خاليًا من أي ملامح.
لم تكن هناك عيون، ولا أنف، ولا فم. مجرد سطح أبيض، فارغ، كصفحة بيضاء في كتاب من الكوابيس.
وقف هناك، صامتًا، يقطر ماءً أسود، والمستنقع يلتف حول ساقيه النحيلتين. الصمت الذي حل كان أشد رعبًا من أي صرخة.
نظرنا جميعًا إلى هذا الكابوس المتجسد، عاجزين عن الحركة.
ولكن عندها، بدأ شيء ما يظهر عند وجهه ببطء.
شق... شق أسود، عمودي، بدأ يظهر في منتصف وجهه الأملس، كأن قناعًا من البورسلين يتشقق.
لم يكن شقًا. كان ينفتح.
ثم، من داخل ذلك الشق المظلم، انفتحت عين حمراء واحدة، وكبيرة، ومرعبة.
لم تكن عين وحش. كانت عينًا قديمة، ذكية، ومليئة بحقد لا يمكن فهمه. كانت بحجم رأسي، وبؤبؤها كان مجرد شق عمودي أسود، يمتص كل الضوء، وكل أمل من حوله.
حدقت فينا. ليس كفريسة. بل كحشرات تافهة، لا تستحق حتى عناء سحقها.
كانت تحدق في أرواحنا.
وفي تلك اللحظة، توقف كل شيء.
توقف قلبي عن النبض.
وتوقف العالم عن الدوران.