​[منظور سايلس]

​الصرخة.

لم تكن صرختي. كانت صرخة الشيطان.

صدى الرعب الذي انتزعته من أعمق وأحلك زاوية في روحي كان لا يزال يتردد في هذا العالم المحتضر. المذبح كان ينهار.

الجدران العظمية كانت تتشقق وتنهار إلى غبار، والعيون التي لا تعد ولا تحصى كانت تنفجر في سيل من الدموع السوداء، كأنها تبكي على الرعب الذي أُجبرت على رؤيته.

​كنت جاثمًا على ركبة واحدة، ليس من أثر هجوم، بل من ثقل الذاكرة.

ثانية واحدة.

ثانية واحدة قبل اثني عشر عامًا، جعلت حياتي تنقلب رأسًا على عقب.

تلك اللحظة التي رأيت فيها لمحة من القوة الحقيقية، قوة جعلت رتبتي الثامنة تبدو كذرة غبار في عاصفة كونية.

تذكرت تلك الكلمات التي همس بها ذلك الكيان في وعيي.

[كلمات لا يمكن نطقها]

[كلمات تحرق الروح وتجعل العدم يبدو كخلاص]

كلما حاولت أن أتذكرها بوضوح، كان عقلي يرتد بعنف، يحمي نفسه من الجنون المطلق. كل ما تبقى هو الشعور... شعور الخضوع المطلق، الرعب الوجودي من أن تكون مجرد حشرة في عالم من السامين التي لا يمكن فهمها.

​رفعت رأسي ببطء. وجهي الممزق كان يخفق بألم حارق، لكنه لم يكن شيئًا يذكر مقارنة بالألم الذي كان يعتصر روحي.

على بعد مئات الأمتار، عبر الأنقاض المتراكمة لمذبحه الخاص، كان الشيطان الخامس ينهض.

كان يبصق الدم الأسود، سائلاً كثيفًا، لزجًا، كان يذيب الأرض الحجرية حيثما سقط. وعيناه... كانتا تنزفان. ليس دمًا، بل نفس المادة السوداء، كأن الرعب الذي رآه قد لوث جوهره.

​"اللعنة... عليك... أيها البشري..."

صوته كان حشرجة ممزقة، مليئة بالكراهية والألم.

"ماذا... ماذا كان ذلك الشيء بحق الجحيم؟! لقد... لقد دمرت نصف مجالي بهذه الذكرى اللعينة وحدها!"

​نهضت على قدمي، والسيف "قاتل الخلود" في يدي اليمنى كان ينبض بضوء أحمر خافت، كأنه يستمتع بهذا الجو من اليأس.

​"لقد رأيت مجرد صدى." قلت، وصوتي كان هادئًا بشكل مرعب. "لو رأيت الحقيقة الكاملة... لما تبقى منك حتى غبار لتلعنه."

​زأر الشيطان زئيرًا لم يكن من هذا العالم. زئيرًا من الألم والغضب والإذلال.

"سأمزق روحك... قطعة قطعة!"

اندفع نحوي، وهذه المرة، لم يكن هناك أي أثر للأناقة أو الغطرسة. كان مجرد كتلة من الكراهية والوحشية المطلقة.

كان سريعًا. أسرع مما كان عليه من قبل.

قوته، التي كانت مركزة في الحفاظ على مجاله، أصبحت الآن مركزة في شيء واحد فقط: تدميري.

​رفعت سيفي لأصد رمحه الأسود. وفي نفس الوقت، مددت يدي اليسرى، مستدعيًا جليد الفراغ لأجمد أجنحته.

لكنه كان قد تعلم.

في آخر جزء من الثانية، تلاشى الرمح من يده، وتحول إلى عشرات الشفرات السوداء الحادة التي انطلقت نحوي من كل اتجاه.

وفي نفس الوقت، انقض هو نفسه، ليس بسلاح، بل بمخالبه.

كان فخًا.

لم أستطع صد كل شيء.

أدرت جسدي، واستخدمت اللهب الشمسي من سيفي لأبخر معظم الشفرات. لكن بعضها اخترق دفاعي، ومزق ردائي وجلدي في عدة أماكن.

لكن الهجوم الرئيسي... كان المخالب.

كانت تستهدف ذراعي اليسرى. الذراع التي كانت تستدعي الجليد.

حاولت سحبها، لكن الأوان كان قد فات.

شعرت بالمخالب الحادة تخترق لحمي. لم تتوقف. استمرت، وسمعت صوتًا مقززًا، صوت احتكاك العظم وهو يُنشر، ثم... صوت تمزق نهائي.

​انقطعت يدي اليسرى.

نظرت بصدمة صامتة، وأنا أرى ذراعي، من تحت الكتف، تطير في الهواء في قوس بطيء، ولا تزال أصابعها متشنجة، تحاول استدعاء جليد لم يعد موجودًا. ثم سقطت على الأرض، وتحولت إلى غبار أسود بفعل طاقة الشيطان المتبقية.

الألم...

لم يكن هناك وقت للألم.

اخترقني شعور بالبرد المطلق، بالخسارة. قوة الجليد... لم أعد أستطيع استخدامها. نصف قوتي المطلقة... قد اختفت.

​زأر الشيطان بانتصار.

لكنه كان انتصارًا قصير العمر.

لأنني، في تلك اللحظة من الألم والصدمة، فعلت الشيء الوحيد الممكن.

هاجمت.

تجاهلت ذراعي المقطوعة، والجرح المفتوح الذي كان ينزف ظلامًا. اندفعت إلى الأمام، وغرست "قاتل الخلود" في صدر الشيطان، في نفس المكان الذي جرحته فيه من قبل.

​صرخ صرخة حادة، ممزوجة بالألم والمفاجأة. لم يكن يتوقع أن أهاجم وأنا في هذه الحالة.

دفعته إلى الخلف، وسيفي لا يزال مغروسًا فيه.

"أنت... أنت مصاب أيضًا." تمتمت، والدماء تنهمر من كتفي.

​تراجعنا، وانفصلنا.

كنت ألهث، وأتكئ على سيفي بيدي الوحيدة. كنت أنظر إلى مكان ذراعي المقطوعة. لم يكن هناك نزيف دموي تقليدي. كان الجرح مفتوحًا، والجمر الأحمر لطاقتي الحيوية كان يتسرب منه ببطء، ويصدر صوت هسهسة.

طعنني الشيطان مرة أخرى برمحه الذي أعاد تشكيله، وغاص في بطني. شعرت بالبرودة القاتلة وهي تنتشر. بسقت الدماء على الأرضية المحطمة.

​قذفني الشيطان بقوة هائلة لعدة أمتار. طرت عبر الهواء المحترق، وارتطمت ببقايا جدار عظمي، الذي انهار تحتي.

سقطت على الأرض، وشعرت بأن وعيي على وشك أن يتلاشى.

ومن بين الأنقاض، نهض وحش عملاق، غولم عظمي كان قد نجا من دمار المجال، ورفع قبضته الضخمة ليسحقني.

​نظرت إليه بعيني الواحدة الباردة.

رفعت سيفي بيدي الوحيدة المتبقية.

"اغرب عن وجهي."

بضربة واحدة، أطلقت العنان لما تبقى من لهبي الشمسي.

لم يكن شعاعًا. كان انفجارًا. انفجار أبيض-ذهبي ابتلع الغولم، وأحرق منطقة عملاقة من المجال، وحول مئات الوحوش الصغيرة التي كانت قد بدأت تتشكل مرة أخرى إلى رماد متطاير.

​نهضت ببطء، وأنا أترنح. ردائي من الأعلى كان قد تمزق تمامًا، كاشفًا عن الندوب القديمة التي تغطي صدري وجسدي النحيل، وعن عضلاتي المشدودة من الألم، وعن يدي الوحيدة التي كانت تقبض على السيف المشتعل.

​كنت أنظر إلى جرحي المفتوح في كتفي. كان يؤلمني. كان يؤلمني بشدة.

"لماذا... لا أستطيع أنا أن أتجدد؟"

السؤال خرج مني كهمس أجش، موجه إلى الشيطان، وإلى الكون. أنا من الرتبة الثامنة. يجب أن أمتلك قدرة شفاء تفوق الخيال. فلماذا هذا الجرح... لا يلتئم؟

​ضحك الشيطان ضحكة حشرجة، والدماء السوداء تسيل من فمه الممزق. "إنه بسبب قوتي الشيطانية." قال بانتصار خبيث.

"طاقتي... لا تدمر فقط. إنها تفسد. تلوث. أي جرح أحدثه... يحمل لعنتي. يمنع أي نوع من الشفاء، حتى شفاء المتجاوزين. ستبقى هكذا، تنزف ببطء، حتى لا يتبقى منك شيء."

​ساد صمت طويل.

نظرت إلى كتفي، ثم نظرت إليه.

لم أعد أضحك. لقد أصبحت باردًا من الخارج، أتحمل ألمًا لا يوصف.

"إذًا،" قلت بهدوء. "عليّ أن أنهي هذا بسرعة."

​هجمت. ليس بسيفي هذه المرة. بل بيدي.

اندفعت نحوه بسرعة لا تصدق، وتفاديت رمحه، ووجهت لكمة بيدي اليمنى، اليد التي لم تكن تحمل السيف، اليد التي كانت فارغة.

لكنها لم تكن فارغة.

كانت مشتعلة. مشتعلة باللهب الشمسي.

اصطدمت قبضتي بوجهه.

انفجر رأسه.

​لكنني كنت أعرف أن هذا لن يقتله.

بدأ جسده الذي بلا رأس يتجدد، يتشكل رأس جديد من الظلام.

​كنت أعرف ذلك.

لهذا السبب، لم أتوقف.

استمررت في الهجوم، لكمة تلو الأخرى.

أحطم جسده، وهو يعيد بناء نفسه.

معركة وحشية، يائسة، بين كائن لا يمكنه الشفاء، وكائن لا يمكنه الموت.

لم أكن أعرف كيف سينتهي هذا.

لم أعد أهتم.

كل ما عرفته... هو أنني لن أتوقف.

أبدًا.

....

....

​لم يعد هناك شيء اسمه "ألم".

الألم يتطلب وعيًا منفصلاً ليتم إدراكه. لكنني أصبحت الألم نفسه. كنت محيطًا من العذاب، كل موجة منه تحطم ما تبقى من شواطئ عقلي. وجهي كان خرابًا. ذراعي كانت ذكرى. وجسدي كان مجرد وعاء ممزق، يتمسك بخيط رفيع من الإرادة العنيدة.

​لكن الشيطان أمامي... كان ينزف أيضًا.

الجرح العميق في صدره، الذي تركه "قاتل الخلود"، كان يرفض أن يلتئم. كان ثقبًا أسود في جسده، يتسرب منه دخان مظلم، يأكل روحه من الداخل ببطء مؤلم.

كل ضربة أوجهها له بقبضتي المشتعلة كانت تترك جرحًا جديدًا، حرقًا أبديًا.

​كنا نتصادم، ونتقاتل، مرارًا وتكرارًا.

لم تعد معركة تكتيك أو مهارة. لقد تحولت إلى أبشع صورها البدائية. صراع إرادات. من سيتحطم أولاً؟ الكائن الذي لا يستطيع الشفاء، أم الكائن الذي لا يستطيع الموت؟

​اندفعت نحوه مرة أخرى، والأرض المتشققة لمذبحه المنهار تتكسر تحت قدمي. لم أعد أرى بوضوح بعيني اليمنى الوحيدة. العالم كان مجرد ضباب أحمر من الدم والألم.

أهوى الشيطان برمحه الأسود. تدحرجت تحت الضربة، وشعرت بالحرارة المدمرة وهي تمر فوق ظهري، تحرق ما تبقى من ردائي وتحول جزءًا من جلدي إلى فحم.

​نهضت من تدحرجي في هجوم مضاد. قبضتي المشتعلة ضربت ركبته. سمعت صوتًا كصوت انكسار الزجاج البركاني. صرخ الشيطان وأهوى نحوي.

رقصنا رقصة الموت هذه لما بدا وكأنه دهر. لكمات تحطم العظام. أشعة تمحو الوجود. سيوف من الظلام تصطدم بلهب من قلب الشمس. كان مذبح الشيطان قد تحول إلى مسرح شخصي لجحيمنا.

​في خضم هذه الفوضى، رأيت فتحة.

بعد أن صد رمحه لكمتي، أصبح صدره مكشوفًا لجزء من الثانية. لم أتردد. تخليت عن الهجوم بيدي، واستدعيت "قاتل الخلود" مرة أخرى.

ظهر السيف في يدي اليمنى الوحيدة، نقوشه الحمراء تتوهج بعنف، كأنها تتغذى على كراهيتي.

وجهت سيفي نحو رأس الشيطان المتجدد. كان هذا هو الهجوم النهائي. طعنة واحدة في دماغه، والسيف سيمنع أي تجدد. سينتهي الأمر.

​لكنه كان يتوقع ذلك.

بسرعة لا تصدق، صد الشيطان الضربة بيده اليسرى.

مر النصل الأسود عبر راحة يده، وشقها حتى العظم. صرخ الشيطان من الألم، لكن أصابعه العظمية انطبقت على النصل، وأمسكت به بقوة مميتة.

الدماء السوداء كانت تسيل على شفرة سيفي، وتصدر صوت هسهسة وهي تتبخر بفعل قوة السيف المضادة للخلود.

​لقد أوقف ضربتي القاتلة. لكنه ضحى بيده ليفعل ذلك.

ولقد أعطاه ذلك... الفرصة التي كان ينتظرها.

​يده الأخرى... انطلقت.

مخالبه الحادة، التي كانت أطول من الخناجر، لم تستهدف صدري، ولا حلقي.

استهدفت ما تبقى من وجهي.

​غرزها في عيني الثانية.

لا، لم تكن في عيني بالضبط، كانت أعلى قليلاً. شعرت بالمخالب تخترق جبهتي، وتحطم عظم الحاجب. شعرت بها تغوص في دماغي، وتمزق كل شيء في طريقها.

لم يكن مجرد طعنة. لقد أمسك بي. والشيطان كان يمزق ما تبقى من جمجمتي، يسحب إلى الأعلى، محاولاً سلخ وجهي بالكامل.

​الظلام.

الظلام المطلق، الكامل، هبط عليّ. لم يعد هناك ضباب أحمر. لم يعد هناك شيء. لقد أصبحت أعمى تمامًا.

والألم... يا إلهي، الألم. كان كوكبًا ينفجر في رأسي.

​صرخنا.

صرخنا معًا في تلك اللحظة. لم نعد بشريًا وشيطانًا. كنا مجرد كائنين يتألممان، عالقين في لحظة من التدمير المتبادل.

صرختي كانت صرخة عذاب خالص، صرخة رجل يتم انتزاع آخر نافذة له على العالم. وصرخته كانت صرخة انتصار وحشي، ممزوجة بألم سيفي الذي كان لا يزال يلتهم يده.

كان الأمر واضحًا في تلك الصرخة المزدوجة التي هزت ما تبقى من هذا العالم المحطم.

إما أن أموت أنا، أو يموت الشيطان.

​"سأموت وأنت معي!" زأر الشيطان، وصوته كان يخرج من فمه الممزق، ومن الجرح الجديد في يده.

شعرت به يستجمع ما تبقى من جحيمه في هجوم أخير.

من فمه الممزق، الملطخ بدماءه القاتمة، تدفقت موجة خانقة من الطاقة الشيطانية… ليست شعاعًا، بل إعصارًا من الرماح القرمزية الداكنة، كل رمح يصرخ بصوت الأرواح المذبوحة، متجهة نحوي من مسافة لا تسمح حتى لظل المراوغة.

كنت أعمى، وجسدي مغروس في الأرض كجثة مشدودة بالسلاسل. لم يكن هناك مفر.

فعلت الشيء الوحيد الممكن…

أطلقت العنان لكل ما تبقى من لهيب الشمس في عروقي، وصببته في سيفي حتى صار النصل كتلة من نور أبيض ذهبي يحرق الهواء نفسه. انفجر أمامي جدار ناري، درع يائس، حاجز من الإرادة النقية.

الرماح التي لامسته ذابت، وتفتتت في انفجارات متتابعة، لكن أصوات الانفجار لم تكن كأصوات لهب يحترق… بل كأصوات جماجم تتحطم.

ومع ذلك… رمح واحد شق طريقه.

لم أره، لكنني شعرت به… يخترق بطني ببطء، مثل يد جليدية تمزق الأحشاء وتفتتها. الألم لم يكن طعنة عابرة… كان غزوًا، غرسًا للبرد الحارق الذي انتشر في أعضائي كما ينتشر السم في الوريد.

"انتهى… الأمر…" تمتم الشيطان بصوت متحشرج، وضغط بأصابعه المعدنية على جمجمتي، بينما يده الأخرى تكاد تسحق قبضتي على السيف.

لكنني… لم أنتهِ.

الألم، الظلام، اليأس… كلها تبخرت في لحظة. وفي عمق روحي الممزقة، وجدت شيئًا باردًا… باردًا كالموت.

هدوء قاتل.

هدوء رجل يعلم أن ما تبقى له ليس حياة… بل انتقام.

لم أعد بحاجة لعيني لأراه… كنت أشعر به كندبة في نسيج هذا العالم.

شعرت بعضلاته المشدودة، وتدفق طاقته، والنبض الوحشي لدمه القذر.

وابتسمت… ابتسامة ملتوية، دامية، مشوهة، تجعل حتى الجحيم يتراجع خطوة.

لقد ارتكب خطأً قاتلًا… أمسك بسيفي.

في حركة مستحيلة، لم أقاومه… بل انسجمت مع سحبه.

أدرت جسدي، جاعلًا قبضته على النصل محورًا لدوراني، مستغلًا قوته ضده.

صوت تمزق حاد دوّى… عظام ومعادن ولحم تنفصل عن بعضها.

انفجرت يده التي تحمي رأسه في عاصفة من الدم الأسود الحارق، تناثرت على وجهي، وأحرقت جلدي حتى تصاعد منه الدخان.

صرخة الشيطان لم تكن مجرد ألم… بل كانت انهيار كائن أدرك أن نهايته جاءت.

تحررت جمجمتي من قبضته، وفي اللحظة نفسها، واصلت نفس الحركة الدائرية بسيفي.

النصل الأسود، المشتعل بشمس غاضبة، اخترق الهواء، ورسم قوسًا من النور المذاب.

لم يقطع رأسه بضربة واحدة نظيفة… لا. أردته أن يشعر بها.

مر النصل عبر رقبته ببطء، حتى سمعت فرقعة الفقرات، وصرير العظام وهي تنفصل، وتمزق الأوتار التي أطلقت صريرًا كحبال مشدودة تُقطع.

انفجر دمه القاتم من الجرح، كسيل يغلي ويغلي، غارقًا الأرض ببركة من السائل الحارق الذي أذاب الحجارة.

رأسه، بعينيه الواسعتين من الرعب والذهول، طار في الهواء لثوانٍ أبدية… فمه ما زال يتحرك بلا صوت، وكأنه يحاول أن ينكر ما حدث.

ثم سقط، وارتطم بالأرض ارتطامًا مكتومًا، قبل أن يتدحرج حتى توقف، أحد قرونه مكسور، وفكه السفلي متدلٍ بزاوية مروعة.

جسده بلا رأس بقي واقفًا للحظة، يهتز كدمية مقطوعة الخيوط… ثم انهار على ركبتيه، وانفجر إلى سيول من السواد، التي تحولت فجأة إلى كتلة لزجة متحجرة، قبل أن تتفتت وتذروها ريح باردة لا وجود لها.

انتهى.

وقفت في وسط المذبح الملوث بدمه، أعمى، بذراع واحدة، ورمح شيطاني لا يزال مغروسًا في أحشائي.

لم أشعر بالنصر… بل شعرت أنني فقط، وبكل هدوء، أغلقت بابًا كان يجب أن يبقى مغلقًا منذ الأزل.

لكنني كنت وحدي… في قلب جحيمي.

2025/08/16 · 36 مشاهدة · 2067 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025