​[منظور نير ڤيرتون]

​الفجر... لم يكن فجرًا عاديًا. لم يكن يحمل وعدًا بيوم جديد، بل كان نذيرًا ببداية شهر طويل من الجحيم.

وقفت أمام نافذتي، أراقب الخيوط الأولى من الضوء الرمادي وهي تتسلل فوق أسوار الأكاديمية. لم أنم. النوم كان رفاهية لم أعد أملكها.

قضيت الأيام السبعة الماضية في حالة من التركيز البارد، والمطلق. نصف وقتي قضيته في دفع جسدي إلى حافة الانهيار في ساحة التدريب المهجورة، والنصف الآخر قضيته في صراع صامت مع الظلام الشيطاني الذي ينمو في روحي، أحاول ترويضه، فهمه، وتحويله من وحش فوضوي إلى سلاح حاد.

​لم أحقق السيطرة الكاملة. لم أكن قريبًا من ذلك حتى. لكنني تعلمت شيئًا واحدًا. هذا الظلام... كان يستجيب لشيء واحد فقط:

الإرادة الخالصة، والهدف الواضح. كلما كان هدفي أكثر دموية، وأكثر بساطة، كلما أصبح الظلام أكثر طواعية.

​وهدفي الآن... كان بسيطًا بشكل مرعب.

​لم نتجمع في الساحة الاحتفالية هذه المرة. تم استدعاؤنا، نحن الستة والستون ناجيًا، إلى "الساحة المدرعة"، وهي ساحة تدريب داخلية ضخمة، تشبه حظيرة طائرات عسكرية.

الجدران كانت من الفولاذ الداكن، والأرضية من حجر مصقول، وعليها ستة وستون دائرة نقل سحرية، تتوهج بضوء أزرق باهت، ومنتظم.

​الأجواء كانت مختلفة تمامًا. لم تكن هناك فرق. لم تكن هناك مجموعات. كل طالب كان يقف وحيدًا، في مساحة خاصة به، ويحافظ على مسافة حذرة من الآخرين.

الهواء كان مشحونًا بالشك، والريبة، ونظرات جانبية سريعة، تقييمية. لم نعد زملاء دراسة. أصبحنا الآن ستة وستين مفترسًا، وستة وستين فريسة، محبوسين في نفس القفص.

​البلورات السحرية كانت تحوم فوقنا بصمت، عشرات منها، كأعين حشرات عملاقة، لا وجه لها. كان كل من في الإمبراطورية سيشاهد هذا البث. من النبلاء في قصورهم الفاخرة، وهم يراهنون على حياتنا، إلى العامة في الحانات المزدحمة، وهم يهتفون للدم والبطولة.

كنا مجرد ترفيه. مجزرة منظمة بعناية لإشباع جوعهم للدراما.

​وقفت الأستاذة إيلارا على منصة مرتفعة في نهاية القاعة. لم يكن هناك خطاب طويل هذه المرة. فقط الحقائق الباردة.

​"المرحلة الرابعة، جزيرة السيادة، على وشك أن تبدأ." قالت،

وصوتها يتردد في الصمت المطبق. "القواعد بسيطة. لكن البقاء... ليس كذلك."

​بدأ المساعدون في التحرك بيننا، يوزعون علينا معداتنا النهائية.

بالإضافة إلى "رون الحياة" الذي تم إعادة نقشه على أذرعنا، والذي كان يتوهج بقوة أكبر من ذي قبل، تم تزويد كل واحد منا بثلاثة أشياء.

​أولاً، خريطة أساسية. كانت مجرد قطعة من الرق المعالج، تظهر الخطوط العريضة لجزيرة ضخمة، تشبه الجمجمة، وموقع واحد فقط محدد عليها: "ملاذ السيادة" في أقصى الشمال.

كل ما بين نقطة البداية والنهاية كان فراغًا أبيض، مكتوب عليه بكلمات قرمزية: "أراضٍ مجهولة".

​ثانيًا، حقيبة بقاء. كانت صغيرة، ومثيرة للشفقة. تحتوي على مؤن تكفي لثلاثة أيام فقط: ثلاث قوالب غذائية صلبة لا طعم لها، قارورة ماء مع رون تنقية بسيط، وحجر صوان وفولاذ لإشعال النار. كانت رسالة واضحة: بعد اليوم الثالث، إما أن تصطاد، أو أن تتضور جوعًا.

​وثالثًا، والأهم... الساعة.

تم وضع سوار أسود بسيط على معصمنا الآخر. وجهه كان بلورة سوداء، فارغة.

"هذه هي 'ساعة النقاط'." شرحت إيلارا. "سيتم تزويدكم بساعة يتم تحديد عدد نقاط كل منكم مرة واحدة في اليوم الواحد، ولمدة دقيقة واحدة فقط. عند كل غروب شمس، ستتوهج هذه البلورة لمدة ستين ثانية، وستعرض لكم مجموع نقاطكم الحالي ونقاط العشرة الأوائل، وترتيبكم بين المنافسين المتبقين.

استخدموا هذه المعلومة بحكمة. فهي يمكن أن تكون أفضل سلاح لكم... أو أسرع طريق لموتكم."

​شعرت بالبرد يسري في عروقي. لم تكن مجرد ساعة. كانت أداة للتعذيب النفسي. ستعرف من هو في الصدارة، وستعرف من يطاردك. ستتحول الأهداف باستمرار. سيصبح القادة فرائس. والضعفاء... سيصبحون أكثر يأسًا.

​"سيتم نقلكم عشوائيًا إلى نقاط بداية مختلفة على طول الساحل الجنوبي للجزيرة." أكملت إيلارا. "ستكونون وحدكم. حظكم، ومهاراتكم، وإرادتكم... هي كل ما تملكونه الآن."

​"العد التنازلي سيبدأ."

​ظهرت أرقام سحرية ضخمة في الهواء.

10:00

09:59

​عشر دقائق. عشر دقائق قبل أن يبدأ الجحيم.

أغمضت عيني، وأجبرت عقلي على الهدوء. بدأت أسترجع ما أعرفه، ما قرأته في تلك الرواية اللعينة. خريطة المستقبل، المشوهة والناقصة، التي كانت سلاحي الوحيد.

​"الترتيب..."

​تذكرت قائمة العشرة الأوائل في هذه المرحلة من الرواية الأصلية. كانت محفورة في ذاكرتي، لأنها كانت مصدر إحباط دائم بالنسبة لي.

​الأول بالمسابقة كان نير. نعم، نير الأصلي. لقد كان وحشًا من الكفاءة والوحشية الصامتة في هذه المرحلة. لقد فهم القواعد، ولعب اللعبة بقسوة. لقد جمع نقاطًا هائلة، ليس فقط من الوحوش، بل من الطلاب أيضًا.

الثاني كان كايلين. لم يكن مفاجأة. مهارته النقية كانت كافية لجعله قوة لا يمكن إيقافها.

الثالث كان ديغون. قوته الخام كانت كافية لسحق أي شيء في طريقه.

الرابع كانت سيلين. إرادتها الجليدية وسحرها المدمر جعلاها مفترسًا فعالاً.

الخامس كان ثيرون. ولي العهد، رغم غطرسته، لم يكن ضعيفًا.

السادس كان كاسيان. لقد استخدم دهائه ومكره، ونصبه للكمائن، ليجمع نقاطًا أكثر من مقاتلين أقوى منه بكثير.

السابع كانت سيرافينا. ترتيبها كان منخفضًا بشكل مدهش. ربما لم تأخذ الأمر بجدية، أو ربما كانت تستمتع باللعبة النفسية أكثر من جمع النقاط.

الثامن كانت إلارا. ساحرة الأوهام استخدمت قدراتها بذكاء لتجنب القتال المباشر وسرقة النقاط.

​ثم... جاءت هي.

"التاسع، وبطريقة ما... كانت آيلا!"

​شعرت بالغضب يغلي في داخلي. "اللعنة! كيف؟! كيف بحق كل الشياطين تمكنت معالجة قروية ساذجة من البقاء على قيد الحياة لمدة شهر في جزيرة الموت هذه، والخروج في المركز التاسع؟!

هل كانت الوحوش تتجنبها بلطف؟ هل كان الطلاب الآخرون يمنحونها نقاطًا بدافع الشفقة؟ لا! إنها حماية البطل اللعينة! درع الحبكة الذي لا يمكن اختراقه، والذي يجعل المنطق ينتحر خجلاً!"

​العاشر كان كاستر. لقد استخدم قوته الغاشمة ليشق طريقه، لكنه كان يفتقر إلى الدهاء، وهذا ما جعله في ذيل القائمة.

​هذه كانت هي القصة.

لكنني لم أعد أتبع القصة.

سأكتب قصتي الخاصة.

لن أكون الأول فقط. سأحطم الرقم القياسي. سأجمع نقاطًا أكثر من أي شخص في تاريخ هذه المنافسة. سأجعلهم جميعًا يبدون كالأطفال. سأجعل النظام، ذلك الحكم البارد، يعترف بقوتي، ويعرف أنني لست "فاشلاً".

​00:03

00:02

00:01

​فتحت عيني. لم تعد تحمل أي تردد. فقط برودة الجليد، ونار الشمس.

00:00

​ابتلعني الضوء الأزرق.

​الهبوط لم يكن لطيفًا.

في لحظة كنت أقف في الساحة المدرعة الباردة، وفي اللحظة التالية، ابتلعني ضوء أزرق عنيف، شعرت بأن كل ذرة في جسدي قد تم تفكيكها وإعادة تجميعها في ترتيب خاطئ. ثم، قُذفت خارجًا، وهبطت على ركبتي ويدي على سطح ناعم، دافئ بشكل مقلق، وحبيبي.

​رفعت رأسي، وأنا أسعل، وشعرت بحبيبات الرمل الأسود الدقيقة تلتصق بوجهي.

رائحة الكبريت والملح والتحلل القديم ملأت رئتي، رائحة خانقة، بدائية، جعلت معدتي تتقلص.

​نهضت على قدمي ببطء، وأنا أنفض الرماد البركاني عن ملابسي، ومسحت المشهد أمامي بعيني.

كنت أقف على شاطئ يمتد إلى ما لا نهاية. لم يكن شاطئًا من رمال ذهبية، بل من رمال سوداء كالفحم المسحوق، تتلألأ ببريق زجاجي خافت تحت سماء رمادية، كئيبة، لا شمس فيها.

خلفي، كانت تنتصب غابة لم أرَ مثلها حتى في كوابيسي. لم تكن أشجارها خضراء، بل كانت سوداء، وزرقاء داكنة، ذات جذوع ملتوية كأجساد معذبة، وأوراقها كانت تشبه ريش الغربان العملاقة، وكانت تتحرك ببطء في نسيم حار، رطب، كأنها تتنفس.

​أمامي، كان يمتد ما ظننته محيطًا في البداية. لكنه لم يكن ماءً. كان بحرًا من الوحل الأسود، اللزج، يمتد حتى الأفق. كانت سطحه يتموج ببطء شديد، كجلد كائن عملاق نائم، وتنفجر على سطحه فقاعات كبيرة بين الحين والآخر، تطلق سحابة من غاز أصفر، سام، يتلاشى في الهواء الثقيل.

​وفي الأفق البعيد، رأيت الصورة التي ستطاردني طوال هذا الشهر: بركان ضخم، نشط، قمته تنفث عمودًا من الدخان الأسود الذي كان يرتفع ليلتصق بالغيوم الرمادية، ويرسم لوحة من اليأس المطلق.

الصمت كان يصم الآذان. لم يكن هناك صوت أمواج، ولا صراخ طيور النورس. فقط صوت حفيف الريح الحارة، وصوت الفقاعات وهي تنفجر في بحر الوحل، وهمهمة منخفضة، بعيدة، قادمة من البركان.

​"مرحبًا بك في الجحيم." تمتمت لنفسي بسخرية، وشعرت بقطرة عرق باردة تسيل على صدغي.

هذه كانت جزيرة السيادة.

وكنت وحيدًا تمامًا.

​تفحصت معداتي. حقيبة البقاء كانت تافهة كما توقعت. الخريطة كانت إهانة، مجرد رسم تقريبي لجزيرة على شكل جمجمة. وساعة النقاط على معصمي كانت مجرد قطعة من البلور الأسود الصامت.

لكنني شعرت بهما. في أعماق روحي. السيف الأسود.

كان نائماً، لكنه كان هناك. كانا هو ثقتي الوحيدة.

​الآن، الخطة.

نظرت إلى محيطي. الساحل كان فخًا مميتًا. لا يوجد ماء عذب، لا يوجد طعام، والهواء نفسه كان يبدو سامًا. البقاء هنا يعني الموت البطيء. الغابة أمامي كانت مجهولة ومرعبة، لكنها كانت الخيار الوحيد.

​وهنا، تذكرت ما قرأته في الرواية.

لم تصف الرواية كل شبر من هذه الجزيرة الملعونة، لكنها أعطت لمحات، تلميحات. ذكرت أن الجزيرة كانت مقسمة إلى "حلقات" مناخية سحرية. الحلقة الخارجية، حيث كنا نهبط جميعًا، كانت حزامًا من الجحيم: شواطئ بركانية، مستنقعات سامة، صحاري جليدية. كانت مصممة لتكون المرشح الأول، لخسارة الحمقى والضعفاء في الأيام القليلة الأولى.

لكن قلب الجزيرة... كان مختلفًا.

ذكرت الرواية أن قلب الجزيرة كان طقسه جيدًا، منطقة شاسعة من الغابات المعتدلة والسهول الخضراء، تشبه العالم الطبيعي.

كانت هناك أنهار من الماء النقي، وقطعان من الحيوانات التي يمكن صيدها. بالطبع، كانت الوحوش هناك أقوى وأكثر عددًا، لكن على الأقل... كان البقاء على قيد الحياة ممكنًا.

​"يجب أن أصل لقلب الجزيرة في الثلاثة أيام الأولى على الأقل."

القرار تشكل في عقلي بوضوح جليدي. سأستخدم المؤن التي أعطوني إياها ليس للبقاء هنا، بل كوقود لرحلة سريعة، يائسة، نحو المركز. سأخترق هذه الحلقة الخارجية من الجحيم بأسرع ما يمكن، قبل أن تتاح لها الفرصة لتستنزفني.

​أخذت نفسًا عميقًا من الهواء الكبريتي، واستدرت لأواجه الغابة ذات الريش الأسود.

لكنني لم أتمكن من اتخاذ خطوتي الأولى.

​الأرض تحتي اهتزت.

ليس اهتزازًا من البركان. بل اهتزازًا قريبًا، عنيفًا.

تراجعت إلى الوراء، وسيفي الآن في يدي.

أمام عيني، انفجر بحر الوحل الأسود.

​ارتفعت أربعة أشكال من الأعماق اللزجة، وألقت بنفسها على الشاطئ الرملي بصوت ارتطام مقزز.

لم تكن وحوشًا عادية. كانت تجسيدًا للمستنقع نفسه.

أجسادها كانت تشبه التماسيح، لكنها كانت مصنوعة بالكامل من نفس الوحل الأسود السميك، الذي كان يتقطر منها باستمرار ويعود ليتشكل.

لم تكن لها أرجل، بل كانت تتحرك على عشرات من الزوائد التي تشبه أرجل حشرة المئويات، والتي كانت تحفر في الرمال السوداء وتدفعها إلى الأمام بسرعة مدهشة.

رؤوسها كانت مسطحة، وفيها صفوف من العيون الصفراء الباهتة، التي كانت تومض ببطء، كأنها مصابيح في ليلة مظلمة.

​"زواحف القطران." مخلوقات من الرتبة الأولى.

هاجموا.

لم يزأروا. لم يصدروا أي صوت. فقط اندفعوا نحوي بصمت، تاركين وراءهم خنادق من الوحل على الرمال النقية.

​واحد منهم فتح فمه، الذي لم يكن فمًا، بل فجوة في جسده اللزج، وبصق نحوي كرة من الوحل الأسود.

تدحرجت جانبًا، والكرة اصطدمت بالرمال خلفي. لم تنفجر. بل بدأت تغلي وتصدر هسهسة، وتذيب الرمال وتحولها إلى زجاج أسود، مشوه.

"حمضي." تمتمت.

​كانوا يحيطون بي الآن.

لم يكن هناك وقت للتفكير.

اخترت الأقرب، وهاجمت.

أهويت بسيفي. مر النصل عبر جسده اللزج كأنه يمر عبر الماء. لم يكن هناك أي تأثير. الجرح الذي أحدثته أغلق على الفور.

"اللعنة!"

ضربني الوحش بذيله الذي يشبه السوط. طرت في الهواء، وارتطمت بالرمال بقوة أخرجت الهواء من رئتي.

نهضت بسرعة، وأنا أبصق رملاً. هذا لن يجدي نفعًا. القتال الجسدي المباشر... عديم الفائدة.

​"إذًا، فلنرقص في الظلام."

أطلقت العنان لقوتي.

تدفقت الهالة البنفسجية مني للحظة، ثم تركزت في سيفي. تحول النصل الفولاذي إلى سواد مطلق، وبدأت خيوط من الظلام تتراقص حوله.

هاجمت مرة أخرى.

​هذه المرة، عندما مر النصل عبر جسد الزاحف، حدث شيء مختلف.

الظلام... التصق به.

صرخ الوحش صرخة حادة، عالية، كصوت تمزق المعدن. بدأ جسده الوحل يتجمد، يتصلب، ليس كجليد، بل كصخر سبج أسود. الظلام كان يمتص طبيعته السائلة، ويجبره على اتخاذ شكل صلب.

في غضون ثوانٍ، تحول الزاحف إلى تمثال أسود، متجمد في وضعية هجوم مرعبة.

​بضربة قوية من مقبض سيفي، حطمت التمثال إلى آلاف الشظايا الزجاجية السوداء، التي تناثرت على الشاطئ.

واحد سقط. ثلاثة بقوا.

​الزاحفان الآخران بصقا حمضهما في نفس اللحظة.

لم يكن هناك مكان للمراوغة.

رفعت سيفي، وخلقت جدارًا صغيرًا، دوارًا، من الظلال أمامي.

اصطدمت كرات الحمض بالجدار. هسهست، وبدأت في إذابة الظلام، لكنها أعطتني الثانية التي كنت أحتاجها.

​قفزت فوق الجدار المتآكل، وهبطت بين الوحشين.

أدرت جسدي في حركة دائرية، وسيفي الأسود رسم قوسًا من الموت.

قطعت كليهما في نفس الوقت.

تجمدا، وتحطما.

​بقي واحد.

كان قد تردد للحظة عندما رأى رفاقه يموتون.

الآن، كان ينظر إليّ بعيونه الصفراء الباهتة، والخوف واضح فيها.

استدار، وبدأ يزحف عائدًا إلى بحر الوحل.

"أوه، لا." قلت بابتسامة باردة. "لن تهرب."

​أطلقت خيطًا من الظلام من يدي. انطلق كالرمح، واخترق مؤخرة جسده، وثبته في مكانه.

صرخ، وبدأ يتخبط بعنف.

مشيت نحوه ببطء.

وقفت فوقه، ورفعت سيفي.

"مرحبًا بك في جزيرة السيادة."

وأهويت بالنصل.

​وقفت ألهث، والدماء الوهمية للوحوش تغطي ملابسي. أجسادهم المحطمة تلاشت، وذابت عائدة إلى الوحل.

نظرت إلى ساعة النقاط على معصمي. كانت لا تزال سوداء، صامتة.

"تبًا."

شعرت بخيبة أمل طفولية. أردت أن أرى نتيجتي. أردت أن أرى تلك النقاط.

+8.

كان يجب أن تكون +8.

​نظفت سيفي في الرمال السوداء. ثم نظرت إلى الغابة.

لم يعد هناك ما يعيقني.

استدرت، وألقيت نظرة أخيرة على الشاطئ، وعلى بحر الوحل.

ثم ​خطوت أولى خطواتي داخل الغابة، وشعرت بأنني أغادر عالمًا وأدخل آخر. الهواء على الشاطئ كان حارًا، وكبريتيًا.

هنا، في الداخل، كان الهواء باردًا، ورطبًا، وثقيلاً. كان يلتصق بجلدي، ويتسلل إلى رئتي، ويحمل رائحة لم أشم مثلها من قبل.

رائحة حلوة، مقززة، كرائحة زهور غريبة تتعفن، ممزوجة برائحة طين عميق، قديم، لم يرَ نور الشمس أبدًا.

​الظلام كان شبه مطلق. الأشجار العملاقة كانت متشابكة فوقي كأضلاع كاتدرائية منسية، وأوراقها لم تكن أوراقًا، بل كانت تشبه ريش الغربان الأسود والأزرق الداكن، كثيفة جدًا لدرجة أنها كانت تحجب السماء الرمادية بالكامل تقريبًا.

الضوء الوحيد كان يأتي من الأرض نفسها. الأرض كانت إسفنجية، ناعمة، ومغطاة بطبقة من الطحالب التي كانت تتوهج بضوء أزرق وأخضر شبحي خافت مع كل خطوة أخطوها، كأنني أسير على سماء مرصعة بنجوم مريضة.

​الأصوات كانت كابوسًا. لم يكن هناك صمت. بل كانت هناك سيمفونية من أصوات الحياة الغريبة، المشوهة. طقطقة كيتينية قادمة من الظل.

أصوات هسهسة رطبة من تجاويف الأشجار. وصرير حاد، متقطع، من الأعلى، كصوت احتكاك معدن بآخر، لم يكن يشبه صوت أي طائر أعرفه.

​وقفت للحظة، أحاول أن أستوعب هذا الجحيم البيولوجي. كل حاسة في جسدي كانت تصرخ بالخطر. شعرت بآلاف العيون غير المرئية تراقبني من الظلام، من بين أوراق الريش، ومن تحت الأرض الإسفنجية.

​وجدت بقعة صغيرة، شبه خالية من النباتات المتوهجة، تحت جذر ضخم ملتف يشبه ثعبانًا حجريًا. أسندت ظهري إليه، وأخذت نفسًا عميقًا، محاولاً تهدئة قلبي الذي كان لا يزال يدق بقوة من أثر المعركة.

​"لقد نجحت." تمتمت، وصوتي بدا غريبًا، مكتومًا، في هذا الهواء الثقيل.

​بدأت أفكر في المعركة التي انتهت للتو. في تلك الزواحف اللزجة. وفي قوتي.

كيف استجابت لي قوتي بهذه السهولة؟

​السؤال كان يتردد في ذهني. خلال تدريبي الليلي القاسي، كان "الظلام الشيطاني" وحشًا بريًا، فوضويًا. كنت أصارع للسيطرة على خيط واحد. لكن هناك، على الشاطئ، في مواجهة الموت... كان الأمر مختلفًا.

لقد تدفق مني كأنه جزء مني. لقد شكل نفسه في جدار، في رمح، لقد جمد أعدائي... لقد أطاعني.

​"إذًا، هذا هو السر." فكرت، وشعرت بومضة من الكبرياء، من القوة. "المواقف الحقيقية. مواقف الحياة أو الموت. إنه يستجيب للنية الحقيقية، للإرادة المطلقة للبقاء، وليس لحيل صالونات في ساحة تدريب." للحظة، شعرت بأنني قد بدأت أفهمه. أنني قد بدأت أروضه.

شعرت بأنني أستطيع حقًا أن أهيمن على هذه المنافسة.

​لم أشعر بألم، ولا بأي أضرار جانبية. على العكس، شعرت بنشوة غريبة، نشوة القوة التي تتدفق في عروقك. شعرت بأنني لا أقهر.

​جلست لأرتاح، ليس من الإرهاق، بل لأستمتع بلحظة الانتصار هذه. أخرجت قطعة من اللحم المجفف من حقيبة البقاء التافهة، وبدأت أمضغها ببطء، وأنا أراقب هذا العالم الغريب بثقة جديدة.

​لكن الراحة، ككل شيء جميل في هذا العالم الملعون، لم تدم طويلاً.

​سمعت الصوت.

طقطقة حادة، قادمة من الأعلى.

من الظلام الكثيف لأوراق الريش.

​رفعت رأسي بسرعة، وسيفي في يدي في جزء من الثانية.

في البداية، لم أرَ شيئًا.

ثم، في ومضة من ضوء فطر أزرق قريب، رأيتهم.

عيون.

عشرات العيون الصغيرة، الخضراء الفاتحة، تحدق فيّ من الأعلى.

وفجأة، ظهرت وحوش من الرتبة الأولى.

​لم تكن زحفًا، بل كانت سقوطًا.

هبطوا من الأعلى، من الظلام الذي لم أكن أرى فيه شيئًا، كعناكب تقفز على فريستها.

كانوا "مطاردي الظلال". مخلوقات تشبه القرود في حجمها، لكن أجسادها كانت نحيلة، مغطاة بكايتين أسود لامع، وأطرافها الأربعة كانت طويلة، وتنتهي بمخالب حادة، مقوسة، كالمناجل.

كانوا يتحركون بصمت لا يصدق، ورشاقة مرعبة.

هبطوا على الأرض الإسفنجية حولي، ولم يصدروا أي صوت. انتشروا، وشكلوا دائرة حولي، وعيونهم الخضراء المتعددة كانت تلمع بذكاء مفترس، بارد.

​"اللعنة!" تمتمت، وشعرت بثقتي التي بنيتها للتو تبدأ في التصدع. "ألا يوجد شيء اسمه 'استراحة' في هذه الجزيرة؟!"

​نهضت على قدمي، وأخذت وضعية قتالية.

"حسنًا." قلت بابتسامة باردة. "جولة أخرى إذن."

​أطلق أحدهم صرخة حادة، تشبه صرير المعدن، وهاجم.

كنت مستعدًا. رفعت يدي اليسرى، واستدعيت قوتي.

أطلقت بعض الظلام الشيطاني.

شعرت به يتدفق مني. لكن...

هذه المرة، لم يستجب لي.

​حاولت أن أشكل رمحًا من الظل، كما فعلت على الشاطئ. لكن ما خرج من يدي كان كتلة مشوهة من الظلام، ارتجفت في الهواء للحظة، ثم تلاشت في نفخة دخان بائسة.

تجمدت.

"ماذا؟"

هاجمني مطارد آخر من الجانب. تدحرجت بعيدًا، وشعرت بمخالبه تمزق الهواء حيث كنت أقف.

حاولت مرة أخرى. ركزت كل إرادتي. "خيط! فقط خيط سخيف!"

خرج خيط من الظلام من إصبعي، لكن كان ينطلق بشكل عشوائي.

انطلق نحو الأعلى، والتف حول غصن شجرة، ثم ارتخى كقطعة حبل ميتة.

​"اللعنة! اللعنة! اللعنة! اشتغل أيها الشيء عديم الفائدة!"

لعنت مجددًا، والذعر بدأ يتسلل إلى قلبي. المطاردون كانوا يقتربون، يضيقون الدائرة، يستشعرون ترددي، ضعفي.

فهمت الآن.

لم أكن أنا من سيطر عليه. لقد كان هو من سمح لي باستخدامه. لقد كانت نزوة. لقد استمتع بالقتال على الشاطئ، والآن... مزاجه ليس جيدًا.

هذه القوة... لم تكن حليفًا. كانت ساميا متقلبًا، وأنا مجرد كاهن يائس، لا يعرف متى سيستجيب لصلواته.

​لم يعد هناك خيار.

السيف.

فقط السيف.

​بدأت المعركة الحقيقية. وكانت جحيمًا.

لم أعد ذلك الكائن المتفوق الذي سحق زواحف القطران. أصبحت الآن مجرد فريسة، تقاتل بيأس من أجل حياتها.

كانوا سريعين، ورشيقين، ويعملون معًا بتناغم مرعب. كانوا يقفزون من شجرة إلى أخرى، ويغيرون اتجاهاتهم في الهواء، ويهاجمون من الأعلى، ومن الجانبين، ومن الخلف.

​صرخت، وأنا أصد مخلبين كانا يستهدفان حلقي. قوة الصدمة دفعتني إلى الخلف.

تدحرجت تحت هجوم آخر، وشعرت بمخلب حاد يمزق جلد ظهري. ألم حارق جعلني أرى النجوم.

استدرت، وقطعت ساق المهاجم. صرخ صرخة حادة، وتراجع.

​لكن ثلاثة آخرين هاجموا ليملأوا مكانه.

كانت معركة فوضوية، ودموية. دمي الأحمر كان يختلط بدمهم الأخضر اللزج على الطحالب المتوهجة. كل شبر من جسدي كان يصرخ من الألم والإرهاق.

كنت أتحرك بقوة الغريزة فقط. أصد، أراوغ، أطعن، أقطع. لم يكن هناك فن، ولا استراتيجية. فقط صراع وحشي من أجل البقاء.

​في خضم الفوضى، رأيت فرصة. اثنان منهم قفزا نحوي في نفس الوقت.

بدلاً من التراجع، اندفعت إلى الأمام، وانحنيت. مرّا من فوقي، واصطدما ببعضهما البعض في الهواء.

استدرت، وبضربة أفقية واحدة، قطعت كليهما عند الخصر.

سقطت أجسادهما العلوية والسفلية على الأرض كدمى مقطوعة.

​بقي اثنان.

كانا ينظران إليّ، وإلى رفاقهما المقطوعين، ثم إلى بعضهما البعض.

لأول مرة، رأيت شيئًا آخر في عيونهما الخضراء غير الافتراس.

الشك. الخوف.

استدارا، وقررا الهرب، قافزين عائدين إلى ظلام الأشجار.

"أوه لا، لن تفعلا." تمتمت، وأنا ألهث.

​رميت سيفي نحو أحدهما. كانت رمية يائسة، لكنها أصابت هدفها. اخترق السيف ظهره، وثبته في جذع شجرة.

أما الآخر...

"جرب هذا!"

رفعت يدي اليسرى مرة أخرى، وأطلقت العنان لآخر ما تبقى من إرادتي.

خرجت كتلة من الظلام. هذه المرة، لم أحاول التحكم فيها. فقط أطلقتها.

اصطدمت بالمطارد الهارب.

لم تقتله.

بل ابتلعته.

للحظة، تشكلت كرة من الظلام المطلق في الهواء، ثم تلاشت، آخذة معها الوحش. لم يتبق منه شيء.

​وقفت في وسط المذبحة، أترنح. جسدي كان خريطة من الجروح الجديدة.

لقد انتصرت مرة أخرى.

لكن هذه المرة، لم يكن هناك أي شعور بالرضا.

فقط ألم.

وإدراك بارد.

إذا كان كل قتال من أجل نقطتين سخيفتين سيكلفني هذا الثمن...

فلن أنجو حتى نهاية الأسبوع.

ناهيك عن شهر كامل.

2025/08/23 · 84 مشاهدة · 3096 كلمة
Ashveil
نادي الروايات - 2025