كان هنالك آلاف البلورات السحرية التي تبث عبر إمبراطورية كانت تحبس أنفاسها.
كانت جزيرة السيادة قد استيقظت.
البلورات السحرية، التي كانت تتبع كل ناجٍ كأقمار صناعية صامتة، كانت ترسم صورة وحشية للبقاء.
في المرتفعات البركانية الوعرة، كان ديغون ستونهاند قد أصبح قوة من قوى الطبيعة.
لم يكن يقاتل الوحوش واحدًا تلو الآخر. بل كان يغير تضاريس المعركة. بقبضتيه العاريتين، كان يحطم حواف المنحدرات، مرسلاً انهيارات صخرية هائلة لتدفن أسرابًا كاملة من "عقارب الحمم" التي كانت تعيش في الصدوع.
كل انهيار كان يضيف عشرات النقاط إلى رصيده، وكل هدير له كان يهز الجبال.
في أنقاض المدينة الصامتة، كان ولي العهد، ثيرون ڤاليراك، يقود ما تبقى من فريقه السابق في حملة إبادة منظمة.
لم يكونوا فريقًا رسميًا، لكن الانضباط الذي تدربوا عليه كان قد تجذر فيهم.
كانوا يتحركون كذئاب، يطوقون "حراس القبور" و"ناسجات الظل"، ويسحقونهم بكفاءة عسكرية باردة، ويجمعون النقاط بثبات لا يرحم.
في "الحقول الفطرية المتفجرة"، كانت ليرا فيكس ترقص رقصة الجنون والموت.
كانت تطلق صواعق صغيرة من الطاقة الأرجوانية، ليس على الوحوش، بل على الفطريات العملاقة، ذات القبعات الحمراء المنتفخة.
كان الانفجار الأول يتسبب في سلسلة من الانفجارات المتعاقبة، في تفاعل متسلسل من الأبواغ النارية التي كانت تحرق كل شيء في دائرة قطرها ميل، وتحول مئات الوحوش الصغيرة إلى رماد.
كانت ضحكتها الحادة تتردد عبر الوديان، وهي تشاهد نقاطها ترتفع.
لكن في أعماق الغابات البدائية التي تفصل بين حلقة الجحيم الخارجية وقلب الجزيرة الأخضر، كان هناك صياد آخر. صياد أكثر هدوءًا، وأكثر خبثًا، وأكثر دموية.
نير ڤيرتون كان يتحرك عبر غابة ذات أشجار رمادية اللون، أغصانها العارية كانت تشبه أصابع الهياكل العظمية.
كان قد قضى الأيام الثلاثة الماضية في رحلة شاقة، يائسة، دفع فيها جسده إلى أقصى حدوده، مخترقًا المستنقعات السامة والغابات ذات الريش الأسود، بهدف واحد فقط: الوصول إلى قلب الجزيرة.
والآن، كان هنا. الهواء كان أنقى، والألوان كانت أكثر حيوية. لكن الخطر كان أشد خبثًا.
لم يكن يصطاد الوحوش بشكل عشوائي. كان يصطاد... البشر.
من خلف غطاء من الشجيرات الكثيفة، كان يراقب.
فريسته كانت عبارة عن تحالف مؤقت من ثلاثة طلاب. كانوا من الفرق التي نجت من المرحلة الثالثة بشق الأنفس.
كانوا متعبين، وجائعين، وجروحهم لم تلتئم بالكامل بعد.
كانوا قد نجحوا للتو في قتل "خنزير مدرع" من الرتبة الثانية، وكانوا الآن يتجادلون حول كيفية تقسيم النقاط الأربع، غير مدركين أن النقاط لا يمكن تقسيمها.
كانوا فريسة مثالية.
لم يهاجم باندفاع. بل أعد المسرح.
أغمض عينيه، وتدفق الظلام من جسده، ليس كعاصفة، بل كضباب أسود، صامت.
انزلق الضباب على الأرض، وتسلل بين الأشجار، حتى وصل إلى مخيم الطلاب الصغير.
فجأة، ارتفع الضباب، وشكل جدارًا دوارًا من الظلام المطلق، يفصل أحد الطلاب، الذي كان يقف للحراسة، عن رفيقيه الآخرين.
"ما هذا؟!" صرخ الحارس، وهو يستل سيفه.
قبل أن يتمكن الآخران من الرد، كان نير قد تحرك.
خرج من الظل خلف الحارس كشبح. لم يكن هناك أي صوت.
شعر الحارس ببرودة مفاجئة على رقبته. ثم، شعر بالألم الحارق وهو يرى نصل سيف أسود يبرز من صدره.
انهار على الأرض، وتوهج سواره بضوء أبيض، واختفى.
+6 نقاط.
"دايكار! ماذا حدث؟!"
صرخ الطالبان الآخران، وهما يحدقان في جدار الظلام بارتباك ورعب.
تلاشى الجدار، وكشف عن نير وهو يقف فوق المكان الذي اختفى منه زميلهم، وسيفه يقطر دمًا.
"أنت... ڤيرتون!" صرخ أحدهما، وهو يرفع رمحه.
"اللعنة! لقد نصب لنا كمينًا!" صرخ الآخر، وهو يستعد لإلقاء تعويذة.
بدأت المعركة. اثنان ضد واحد.
لكنه لم يكن واحدًا.
انفجر الظلام من نير مرة أخرى، وهذه المرة، تشكل على هيئة نسختين شبحيتين منه، تحركتا في اتجاهين مختلفين، مما أربك المهاجمين.
انقض حامل الرمح على إحدى النسخ، ومر رمحه عبرها كأنها دخان.
وفي تلك اللحظة، كان نير الحقيقي خلفه. طعنة سريعة، دقيقة، في الجزء الخلفي من ركبته، جعلته يصرخ ويسقط.
ثم ضربة قوية بمقبض السيف على رأسه، أرسلته إلى عالم الظلام.
لم يقتله. لقد أخرجه من المعركة فقط.
بقي الساحر.
أطلق الساحر كرة نارية.
راوغها نير بسهولة، والحرارة أحرقت جزءًا من ردائه.
"قف ثابتًا أيها الوغد!" صرخ الساحر، وهو يجهز تعويذة أخرى.
ابتسم نير ابتسامة باردة.
"كما تشاء."
اختفى.
ببساطة، ذاب في ظله الخاص، وظهر مرة أخرى خلف الساحر مباشرة.
"بو." همس في أذنه.
استدار الساحر، والرعب المطلق مرسوم على وجهه.
لم يمنحه نير فرصة أخرى.
ضربة واحدة، قوية، على صدره. لم يخترق النصل درعه، لكن قوة الصدمة حطمت ضلوعه، وجعلته يطير في الهواء، قبل أن يرتطم بشجرة ويفقد وعيه.
+6 نقاط.
بقي الطالب الأخير، صاحب الرمح، الذي كان يحاول النهوض.
نظر إلى نير، واليأس في عينيه.
"أرجوك..."
مشى نير نحوه ببطء، ورفع سيفه.
"لا شيء شخصي." قال ببرود. "إنها مجرد... نقاط."
+6 نقاط.
ثمانية عشر نقطة في أقل من خمس دقائق.
وقف في وسط المخيم الملطخ بالدماء، وهو يلهث. لقد أصيب بجرح في ذراعه، لكنه لم يهتم.
لقد بدأ يفهم.
الظلام... كان سلاح الخداع، سلاح الرعب.
والسيف... كان أداة الإعدام.
عندما بدأت الشمس تغرب، وتلقي بأشعتها الدموية على الجزيرة، وجد نير مأوى له في كهف صغير.
جلس، ينتظر.
توهج السوار الأسود على معصمه.
--- تحديث الترتيب اليومي ---
اليوم الثالث. 60 ناجيًا متبقين.
1. ديغون ستونهاند: 88 نقطة
2. كايلين من بيت الخشب الحديدي: 82 نقطة
3. ليرا فيكس: 76 نقطة
4. نير ڤيرتون: 74 نقطة
5. سيلين دي فالوا: 70 نقطة
6. ثيرون ڤاليراك: 68 نقطة
7. كاستر: 62 نقطة
8. كاسيان دي فالوا: 58 نقطة
9. سيرافينا ڤاليراك: 50 نقطة
10. آيلا: 44 نقطة
---------------------------
الترتيب الحالي: 4 / 60 ناجيًا
لعن نير بهدوء.
الرابع.
بعد كل هذه الدماء، كل هذه المخاطرة... لا يزال الرابع.
ديغون وكايلين كانا آلات لقتل الوحوش. وليرا كانت كارثة طبيعية متنقلة.
لم يكن هناك وقت للراحة.
نهض من مكانه، وخرج من الكهف، إلى ليل جزيرة السيادة الذي بدأ للتو.
الأرقام التي رآها لم تحبطه.
بل أشعلت فيه جوعًا أكبر.
جوعًا... للمزيد من النقاط.
...
...
...
في مكان ما، في قمة العالم الإمبراطوري...
لم تكن هناك شمس.
فقط ضوء أزرق باهت، بارد، يتسلل عبر جدران القاعة الواسعة. لم تكن جدرانًا من حجر أو خشب، بل كانت من جليد أزرق صافٍ، قديم، تم نحته وصقله بالسحر والإرادة.
كان هذا المكان ملاذًا، وقصرًا، وسجنًا، يقع في قلب أعلى قمة في سلسلة جبال "مونتس"، مكان قريب من مسرح الأحداث، لكنه بعيد كل البعد عن متناول أي شخص في الإمبراطورية.
من النوافذ البلورية الهائلة، التي كانت شفافة كزجاج مصقول، كان يمكن رؤية منظر بانورامي لسماء أبدية من الغيوم البيضاء التي تمتد كبحر لا نهاية له تحت القمة.
في وسط هذه القاعة الجليدية، كانت تجلس فتاة على عرش ضخم، منحوت من قطعة واحدة من الجليد الأسود الذي لا يذوب.
كانت جميلة، بجمال بارد، غير أرضي، جمال كان سيجعل سامية الفن تبكي من العجز.
شعرها الطويل، كان أبيض كالرماد المتجمد، ينسدل بصمت على كتفيها وظهرها، كشلال من ضوء القمر السائل.
ومن بين خصلات ذلك الشعر المثلج، برز زوج من القرون الحلزونية، لم تكن سوداء كقرون الشياطين، بل كان لونهما كلون العظام القديمة، مصقولة بفعل الزمن، وتلتف بأناقة نحو الأعلى.
كانت ترتدي ثيابًا ملكية، فستانًا أزرق داكنًا، يكاد يكون أسودًا، من قماش ثقيل يشبه المخمل، مطرزًا بخيوط فضية تشكل أنماطًا معقدة من النجوم والجليد.
لكن أكثر ما كان يأسر الناظر هو عيناها.
كانتا زرقاوين، بلون الجليد الراكد في أعماق المحيط القطبي، حيث لا يصل أي ضوء، ولا أي دفء.
كانتا تحملان عمقًا لا قرار له، وذكاءً قديمًا، وبرودًا مطلقًا.
كان شكلها يوحي وكأنها في عمر السادسة عشرة أو السابعة عشرة.
كانت جالسة متكئة على يدها، مرفقها على ذراع العرش الجليدي، وذقنها في راحة يدها، في وضعية توحي بالملل الملكي المطلق.
أمامها، كانت تطفو في الهواء عشرات البلورات السحرية الصغيرة، كل منها يعرض مشهدًا مختلفًا من جزيرة السيادة. كانت تراقب.
صحيح أنها كانت كابحة لقوتها، هالتها الهائلة مطوية ومخبأة في أعماق كيانها حتى لا يستطيع أن يشعر بها أحد، لكنها كانت تعرف أن هناك كائنات في هذا العالم قد تتمكن من الإحساس بوجودها إذا لم تكن حذرة.
من يعلم، ربما تشعر بها ليليث، تلك المرأة المزعجة، إذا أطلقت العنان لقوتها بالكامل. لذلك كانت مبتعدة.
رفعت كأسًا بلوريًا إلى شفتيها، وكانت تشرب عصيرًا مليئًا بالثلج، وشاهدت على إحدى البلورات نير ڤيرتون وهو يذبح مجموعة من ذئاب الصخر ببرود لا يرحم.
تنهدت بهدوء.
تنهيدة خفيفة، لكنها كانت مليئة بخيبة أمل لا حدود لها.
"لا شيء يحدث على ما يرام. الفوضى مطلقة!"
تمتمت، وصوتها كان كصوت احتكاك بلورات الجليد ببعضها.
أشاحت بنظرها عن البلورات، وحدقت في الظلام خارج الكهف.
""ما الذي يرونه في هؤلاء الأطفال؟" تساءلت بصوت عالٍ. "الأوراق الرابحة لهذا الجيل... يا لها من مزحة."
"كان سايلس يستحق أن يُحذر منه، صحيح. 'عمود البشرية'... يا له من لقب درامي. لكنه على الأقل يستحقه.
لكن البقية؟" ضحكت ضحكة باردة، خالية من أي مرح. " قائمة فيها فتى يلعب بظلام لا يفهمه؟ ألم يكن ذلك هراء؟... هراء مطلق. أو هكذا كنت أظن."
في تلك اللحظة من التأمل البارد، تعمقت الظلال في الجزء الخلفي من الكهف.
من زاوية لم تكن مضاءة، حيث كان الظلام كثيفًا كالحبر، خرج رجل.
لم يخرج، بل تجسد. كأن الظل نفسه قد تكتل، واتخذ شكلاً بشريًا.
كان رجلاً وسيمًا، بوسامة قاسية، خطيرة. شعره كان أسود كالظلام المسكوب، ينسدل على كتفيه.
وجهه كان كأنه محفور من حجر الليل، بفك حاد، وملامح أرستقراطية. عيناه كانتا خضراوين، كلون الزمرد في أعماق كهف.
كان يرتدي درعًا أسودًا، صقيلاً، يلتف على جسده كجلد ثانٍ. لم يكن درعًا ضخمًا كدرع مالاكور، بل كان أنيقًا، ومصممًا للسرعة والقتل.
كان مرصعًا بنقوش فضية بالكاد ترى، تتوهج أحيانًا بنبض بارد في عتمة المكان.
ومن بين شعره الأسود، خرج زوج آخر من القرون، أقصر من قرون الفتاة، وأكثر حدة، كأنهما خنجران من العظم.
كان يتحرك بصمت مطلق، خطواته لا تصدر أي صوت على الأرضية الجليدية. كان يأتي ليفاجئ الفتاة فجأة.
اقترب من خلف عرشها، وانحنى ببطء، وفمه على وشك أن يهمس في أذنها.
"إذا اقتربت أكثر، كورفوس،" قالت الفتاة، دون أن تلتفت، وصوتها كان لا يزال يحمل نفس نبرة الملل.
"سأجمد أنفاسك في رئتيك، وأشاهدك وأنت تختنق ببطء."
لقد كانت تعلم بوجوده مسبقًا.
توقف الرجل، وتنهد تنهيدة مبالغ فيها.
"سحقًا! لقد ظننت أنني قد أفعلها هذه المرة، يا إيرليس!" قال، وهو يحك مؤخرة رأسه بحركة لم تكن تليق بمظهره القاتل.
استدارت إيرليس أخيرًا في عرشها، ونظرت إليه بعينيها الجليديتين.
"لماذا لم يجلبوا لي سواك؟" تذمرت.
"ما الذي فعلته في حياتي حتى يأتيني رجل لا يجيد حتى التسلل؟"
ثم أشاحت بوجهها، وتمتمت بشتائم ولعنات خافتة عن "الرفقة البائسة" و "الجنود عديمي الفائدة".
ضحك كورفوس ضحكة خفيفة. "لا تكوني قاسية جدًا. أنتِ تعرفين أن حواسك أقوى من أي شخص آخر هنا."
"وهذا لا يمنعك من المحاولة، أليس كذلك؟" ردت ببرود.
"المحاولة هي كل ما نملكه أحيانًا." قال، وأصبح جادًا فجأة. "لقد أتيت برسالة."
"دعني أحزر." قالت إيرليس، وهي تلتقط كأسها مرة أخرى. "الأمور لا تسير كما هو مخطط لها."
"الأمور لا تسير أبدًا كما هو مخطط لها." قال كورفوس. "لكن هذه المرة... الأمر مختلف. هناك أخبار."
"أخبار؟ لا توجد أخبار هنا." قالت، وهي تشير بيدها إلى البلورات. "فقط أطفال يقتلون وحوشًا، وأحيانًا يقتلون بعضهم البعض. ممل."
"الأخبار ليست من هنا." قال كورفوس، واقترب، وخفض صوته. "إنها عن الهدف الأول في قائمتك."
توقفت يد إيرليس، والكأس على بعد بوصة من شفتيها.
استدارت نحوه بالكامل، والملل قد اختفى تمامًا من عينيها، وحل محله تركيز حاد، بارد.
"سايلس."
أومأ كورفوس برأسه. "لقد ظهر. وخاض معركة."
"هذا متوقع. إنه لا يستطيع الاختباء إلى الأبد."
"الأمر ليس كذلك." قال كورفوس. "لقد قاتل... الشيطان الخامس، أزاريال."
رفعت إيرليس حاجبًا. "أزاريال؟ ذلك المعتوه؟."
"لقد فعل. لكن بصعوبة." قال كورفوس. "والأمر الأهم... سايلس... أصيب. أصيب بإصابات بالغة."
ساد صمت طويل في الكهف الجليدي. لم يعد هناك سوى صوت المطر المتواصل في الخارج.
"مصاب؟" كررت إيرليس، وكأنها لا تصدق الكلمة. "'عمود البشرية'... مصاب؟"
"بل أسوأ من ذلك." قال كورفوس. "لقد اختفى. استخدم تقنية انتقال غير معروفة، ولا يمكننا تحديد موقعه."
نهضت إيرليس من عرشها.
لأول مرة، شعرت بهالتها تتسرب قليلاً. ضغط هائل، بارد، جعل الهواء في الكهف يتجمد، والبلورات تبدأ في التشقق.
....
....
....
كان المطر قد هطل بالفعل. أمطار غزيرة، استمرت لساعات، غسلت الدماء القديمة والطين عن أوراق الشجر التي تشبه الريش، وتركت الغابة تلمع ببريق رطب، ومظلم.
الآن، توقف المطر، وبدأ البخار يتصاعد من الأرض الإسفنجية المتوهجة، مشكلاً ضبابًا خفيفًا، يلتف حول جذوع الأشجار كأرواح ضائعة.
أصوات الحياة الغريبة في الجزيرة بدأت تعود، همسات، وطقطقات، وصرخات بعيدة، كأن العالم يستيقظ من حمى قصيرة.
لكن في الأعلى، على بعد ثلاثين مترًا من أرض الغابة الفوضوية، كان هناك هدوء.
هناك، على غصن ضخم لشجرة سوداء عملاقة، كانت تجلس هي.
الأميرة سيرافينا ڤاليراك.
كانت تجلس برشاقة لا تشوبها شائبة، ظهرها مستقيم، وساقاها متصالبتان بأناقة، كأنها على عرش وليس على غصن شجرة زلق.
ملابسها القتالية، التي كانت بيضاء وفضية، كانت نظيفة بشكل مدهش، لم يلطخها طين، ولم تمزقها مخالب. وكانت تأكل عنبًا.
عنقود من العنب الأرجواني الداكن، كبير، ومثالي، كانت حباته مغطاة بطبقة خفيفة من الندى البارد.
كانت تلتقط حبة عنب ببطء بأصابعها ذات القفاز الأبيض، وتضعها في فمها، وتمضغها ببطء، وتعبير من الرضا الهادئ على وجهها الملائكي.
كانت تنظر بعينين باردتين تمامًا إلى العالم الذي يمتد تحتها. لم تكن تستمتع بالمنظر، بل كانت تراقبه، تحلله، كسامية تدرس خلقتها المعيبة.
في الأسفل، مباشرة تحت الشجرة، كانت ترقد جثتان. لقد انتهت للتو من وحشين من الرتبة الأولى.
اثنان من "مطاردي الظلال"، تلك المخلوقات التي تشبه القرود الشيطانية. لم تكن المعركة فوضوية.
كانت إعدامًا. لقد أغرتهم بالنزول إلى الأرض، ثم حاصرتهم في وهم حديقة جميلة مليئة بالفاكهة، قبل أن تخترق رؤوسهم بأشواك ذهبية من الضوء السحري.
كانت عملية نظيفة، وهادئة، ومملة.
لذلك كان عليها أن ترتاح قليلاً. ليس جسديًا، بل عقليًا. القتل السهل كان يرهق روحها أكثر من القتال الصعب.
وبينما كانت تتذوق حلاوة حبة عنب أخرى، رأت طالبًا يمر من أمامها.
كان يسير متعثرًا، يلهث، ويتكئ على رمح مكسور. كان جرح غائر في ساقه يبطئ حركته. كان فريسة سهلة. ست نقاط تنتظر من يلتقطها.
راقبته سيرافينا وهو يمر تحتها، وعيناها الرماديتان لا تحملان أي تعبير.
فكرت في الأمر للحظة. يمكنها أن تنزل، وتقتله بضربة واحدة. سيكون الأمر سهلاً.
لكن... لم تكن في حالة مزاجية لتأخذ ست نقاط.
كان الأمر يتطلب جهدًا. عليها أن تنزل من الشجرة. وعليها أن تتسلقها مرة أخرى.
والطالب كان مثيرًا للشفقة لدرجة أن قتله لن يجلب لها أي شعور بالرضا.
أشاحت بنظرها عنه بازدراء، وتركته يختفي بين الأشجار، وهو لا يعلم أنه قد مر على بعد بوصات من الموت، ونجا فقط لأن من كانت ستقتله... شعرت بالملل.
"يا إلهي، هذا ممل جدًا." تمتمت لنفسها، وهي تلتقط حبة عنب أخرى. "أين كل الإثارة التي وعدوا بها؟"
"ربما تبحثين في المكان الخطأ، يا أميرة!"
الصوت كان حادًا، ومجنونًا، وأتى من الأسفل.
نظرت سيرافينا إلى الأسفل ببطء.
كانت تقف هناك، تبتسم ابتسامة عريضة، ليرا فيكس. كانت ملابسها ممزقة، وشعرها الأشقر فوضوي، وعيناها الأرجوانيتان تتوهجان بطاقة غير مستقرة.
كانت تبدو كأنها خرجت للتو من قلب انفجار سحري... وكانت قد استمتعت بكل لحظة منه.
"أوه." قالت سيرافينا، وابتسامة مهذبة ارتسمت على وجهها. "إنها العاصفة الصغيرة."
"رأيت بعض الضوء الذهبي من بعيد، فقلت لنفسي، من غير أميرة إمبراطورية ڤاليراك يمكنه أن يكون مبهرجًا هكذا حتى وهو يقتل؟"
قالت ليرا، ثم بدأت في تسلق الشجرة برشاقة مدهشة، كأنها سنجاب شيطاني.
في لحظات، كانت تجلس على غصن مقابل لسيرافينا، وساقاها تتدليان في الهواء.
"ما الذي تفعلينه؟" سألت ليرا، وهي تميل رأسها بفضول. "وأيضًا... كيف تمتلكين العنب؟"
"أنا آكل." أجابت سيرافينا بكل بساطة. ثم نظرت إلى عنقود العنب.
"أما هذا... فقد أخذت بعضه خلسة قبل أن نأتي. لا أحد يتجرأ على تفتيش أميرة."
لم تصدق ليرا حقًا، فلم يكن مسموحًا لأي أحد بأن يحضر أكلاً أو شربًا. ل
كنها نظرت إلى وجه سيرافينا الملائكي، وذلك التعبير الواثق من نفسه. لكنها أميرة الإمبراطورية، فهذا ليس مستبعدًا حقًا.
"ذكي." قالت ليرا، وهي تلعق شفتيها.
مدت سيرافينا العنقود نحوها. "هل تريدين؟"
لم تتردد ليرا. التقطت حبة، وألقتها في فمها. "لذيذ!"
ساد صمت للحظات، وهما تأكلان العنب في قمة الشجرة، كأنهما في نزهة، وليس في وسط جزيرة مميتة.
ثم، تكلمت سيرافينا. "لماذا لم تهاجميني؟"
السؤال كان هادئًا، لكنه كان حادًا كشفرة.
نظرت إليها ليرا، وابتسامتها المجنونة لم تفارق وجهها. "لأني لا أمتلك أي نية لمواجهة أميرة إمبراطورية ڤاليراك." ردت.
"هل هذا خوف، يا آنسة فيكس؟" سألت سيرافينا، وعيناها تضيقان قليلاً.
"لا." ضحكت ليرا. "إنه... ملل. قتالك سيكون طويلاً، وصاخبًا، ومرهقًا. وسيجذب كل وحش وكل طالب أحمق في دائرة قطرها خمسة أميال.
الكثير من الجهد، من أجل ست نقاط فقط. بالإضافة إلى ذلك..."
انحنت إلى الأمام قليلاً. "أنا أفضل الفوضى التي لا يمكن التنبؤ بها.
وقتالك... يمكن التنبؤ به تمامًا. ستستخدمين الأوهام، ثم الضوء، وستحاولين التلاعب بعقلي. ممل."
لأول مرة منذ بداية المنافسة، شعرت سيرافينا بشيء يشبه... المفاجأة الحقيقية. هذه الفتاة... لم تكن مجرد مجنونة. كانت ماكرة.
ابتسمت سيرافينا ابتسامة حقيقية هذه المرة. "أنتِ أكثر إثارة للاهتمام مما ظننت."
"دائمًا." قالت ليرا، وهي تأخذ حبة عنب أخرى. "إذًا، ما هي خطتك الكبيرة؟ ترتيبك في القائمة كان مثيرًا للشفقة أمس."
"هذه ماراثون، وليست سباقًا قصيرًا." ردت سيرافينا بهدوء.
"الحمقى هم من يحرقون كل طاقتهم في الأسبوع الأول. النقاط الحقيقية... يتم جمعها في الأسبوع الأخير، عندما يكون الجميع منهكًا، ويائسًا، ويرتكبون الأخطاء."
نظرت إلى الأسفل، إلى الغابة التي تمتد تحتها. "أنا لا أشارك في هذا السباق. أنا أشاهده. وعندما يحين الوقت المناسب... سأنزل، وألتهم الفائز."
"يا لها من خطة شريرة." قالت ليرا بإعجاب. "أحببتها."
"وماذا عنك؟" سألت سيرافينا. "ما هي خطتك؟ إحداث أكبر قدر ممكن من الانفجارات؟"
"بالضبط!" ضحكت ليرا. "أجمع النقاط، وأستمتع بوقتي! ربما أتحالف مع شخص مثير للاهتمام ليوم أو يومين، ثم أخونه! من يدري؟ الإمكانيات لا حصر لها!"
نظرت سيرافينا إلى ليرا. إلى تلك الطاقة الفوضوية، غير المقيدة. كانت عكسها تمامًا. كانت عاصفة. وسيرافينا... كانت تعرف كيف تستخدم العواصف لصالحها.
"ما رأيك في اقتراح؟" قالت سيرافينا ببطء. "بدلاً من أن نتجنب بعضنا البعض... لم لا نعمل معًا بشكل غير مباشر؟"
"ماذا تقصدين؟"
"أنتِ تحبين الضجيج والفوضى." قالت سيرافينا. "اذهبي، وأحدثي أكبر قدر ممكن من الضجيج. اجمعي الوحوش، واجذبي الطلاب الآخرين. حولي أي منطقة تدخلينها إلى ساحة معركة فوضوية."
"وبينما هم مشغولون بعاصفتك..." ابتسمت سيرافينا ابتسامة باردة. "سأكون أنا في الظل، أنتقي الأهداف السهلة، وأجمع النقاط بهدوء."
"أنتِ تحدثين الفوضى، وأنا أستغلها. كلانا يستفيد."
حدقت ليرا فيها للحظة، وعيناها الأرجوانيتان تلمعان.
"هذا..." قالت ببطء. "هذا أكثر شيء شرير ومجنون سمعته في حياتي."
ثم انفجرت ضاحكة. "لقد وافقت!"
قفزت من مكانها، واستعدت للنزول. "حسنًا يا أميرة! سأذهب لأجمع لك بعض الألعاب لتلعبي بها! لا تتأخري!"
وفي لحظة، قفزت من الشجرة، واختفت بين أوراق الريش، وضحكتها المجنونة تتردد في الهواء.
بقيت سيرافينا وحدها مرة أخرى، في صمت.
التقطت آخر حبة عنب، ووضعتها في فمها.
ابتسامة باردة، ومحسوبة، ارتسمت على وجهها.