​[منظور نير ڤيرتون]

​كانت رائحة الموت والفوضى تصل إليّ قبل وقت طويل من رؤيتي لمصدرها.

رائحة دم ممزوجة بالأوزون الحارق، ورائحة فراء محترق، وصراخ بعيد، مشوه، يتردد صداه بين الأشجار.

كنت أتحرك بصمت عبر الغابة الكثيفة، كشبح ينجذب إلى مذبحة.

​كنت أعلم أنه فخ.

العقلانية، غريزة البقاء، كل جزء منطقي في دماغي كان يصرخ في وجهي لأستدير، لأهرب في الاتجاه المعاكس.

هذه الفوضى الصاخبة كانت كعلامة نيون عملاقة تقول "الموت السهل هنا".

كانت دعوة لكل مفترس، ولكل أحمق طموح في هذه الجزيرة.

لكنه كان يريد أن يكسب النقاط.

ذلك الجوع البارد الذي استقر في روحي منذ أن رأيت كلمة "فاشل" على شاشة النظام، كان أقوى من أي منطق.

الخطر كان هائلاً، لكن المكافأة المحتملة... كانت أكبر. عشرات الوحوش المشتتة.

طلاب مرهقون يقاتلون بعضهم البعض. كانت وليمة. وأنا كنت أتضور جوعًا.

​وأيضًا، كان هناك ذلك الظلام الشيطاني. هذه القدرة كانت معقدة جدًا. لم تكن مجرد سيف يمكنني استلاله وقتما أشاء.

كانت كائنًا حيًا، متقلبًا، يعيش في داخلي. ليس فقط أنها تستجيب لي مرة، ثم المرة الأخرى لا تستجيب لي وتنطلق بعشوائية مطلقة، كان الأمر معقدًا.

شعرت أنها تتغذى على الفوضى، على اليأس. ربما... ربما في قلب هذه العاصفة، ستستمع إليّ أخيرًا.

​خرجت من بين الأشجار، ورأيت الوادي.

كان جحيمًا.

غابة مشتعلة. وحوش تقتل وحوشًا. طلاب يقتلون وحوشًا. وطلاب يقتلون طلابًا.

وفي مركز كل هذا، كانت ليرا فيكس تطفو في الهواء، تضحك كالمجنونة، وتطلق العنان لعاصفة من البرق الأرجواني.

​لم أقف لأتأمل المشهد.

بدأت الصيد.

انزلقت في الظلال على حافة المعركة. أول هدف لي كان سهلاً.

طالب كان يقاتل "خنزيرًا مدرعًا" من الرتبة الثانية. كان الطالب قد أنهك الوحش، وكان على وشك توجيه الضربة القاضية.

أطلقت خيطًا رفيعًا من الظلام. لم يكن هجومًا، بل مجرد إلهاء.

التف الخيط حول صخرة بجانب الطالب، وأصدر صوت طقطقة خافتة.

التفت الطالب للحظة.

وكانت تلك اللحظة هي كل ما أحتاجه.

اندفعت من الظل، وتجاوزته، وغرست سيفي في عين الخنزير المدرع مباشرة، وصولاً إلى دماغه.

صرخ الوحش صرخة مكتومة، وانهار.

+4 نقاط.

استدرت، ورأيت نظرة الصدمة والغضب المطلق على وجه الطالب.

"أيها الوغد! لقد سرقت قتلي!"

ابتسمت له ابتسامة باردة. "مرحبًا بك في جزيرة السيادة."

وقبل أن يتمكن من الرد، اختفيت مرة أخرى في الفوضى.

​بدأت أقاتل، أتنقل عبر ساحة المعركة كذئب وحيد. كنت أتجنب المجموعات الكبيرة، وأنتقي الأهداف المنعزلة. وحش مصاب هنا.

طالب مرهق هناك. كنت أجمع نقاطي ببطء، وبثبات.

​كنت في خضم قتال مع اثنين من "كلاب القبور"، عندما شعرت به.

ضغط على عقلي.

لم يكن ألمًا. كان شعورًا لزجًا، مقززًا، كأن أصابع غير مرئية تحاول أن تتسلل إلى داخل جمجمتي، وتعيد ترتيب أفكاري.

رأيت للحظة وجه والدي يظهر على أحد كلاب القبور. رأيت الأرض تحتي تتحول إلى بحر من الدماء.

لكن... سرعان ما اختفى.

شعرت بالظلام الشيطاني في روحي يهتز بغضب، كوحش نائم تم إزعاجه.

أطلق هالة باردة، طردت ذلك التأثير الخارجي. لقد حماني ظلامي الخاص.

في اللحظة التي استعدت فيها وضوح رؤيتي، رأيت مخلب كلب قبور على بعد بوصة واحدة من وجهي.

تجنبت الضربة السريعة في آخر جزء من الثانية، وشعرت بالهواء وهو يمزق جلد خدي.

استدرت، وقطعت رأس الوحش، ثم طعنت الآخر في قلبه.

وقفت ألهث، وأنظر في الاتجاه الذي شعرت بأن الهجوم النفسي قد أتى منه.

كانت تقف هناك، على بعد خمسين مترًا، فوق صخرة مرتفعة، تبتسم تلك الابتسامة الملائكية، الباردة.

"لقد كانت سيرافينا."

​بدأت تسير نحوي، بخطوات رشيقة، هادئة، وسط الجحيم المشتعل حولها.

كانت الوحوش تتجنبها، والطلاب يبتعدون عن طريقها، كأن هناك مجالًا غير مرئي من الموت يحيط بها.

توقفت أمامي، ونظرت إليّ بعينيها الرماديتين التحليليتين.

"أنت تمتلك حماية قوية على عقلك..." قالت، وصوتها كان هادئًا، كأنها تعلق على حالة الطقس.

​"شكرًا على مدحكِ لي، يا أميرة." رددت بسخرية، وأنا أمسح الدم عن وجهي.

​"أنا لا أمدحك." ردت سيرافينا ببرود. "أنا أحلل. هناك شيء ما في روحك، شيء مظلم وقديم... يرفض أي تدخل خارجي. مثير للاهتمام."

كانت تتحدث عني كأنني حشرة غريبة وجدتها في حديقتها.

​الغضب الذي كنت أكبته انفجر.

"إذًا، حللي هذا!"

هاجمتها.

اندفعت، وسيفي مغطى بالظلام، ليس كشفرة، بل ككتلة فوضوية من الظل المتخبط.

لكنها تجنبت ضربتي.

لم تتحرك بسرعة. بل انحنت جانبًا برشاقة راقصة باليه، ومر سيفي على بعد بوصة من كتفها.

لعنت مجددًا.

​كنت على وشك أن أهاجم مرة أخرى، أن أحول هذا إلى مبارزة حقيقية.

لكن في قتالنا، ظهرت وحوش كثيرة.

هدير مدوٍ قاطعنا. قطيع من "وحوش الغرانيت" الضخمة، التي أزعجتها انفجارات ليرا، كانت تندفع عبر الوادي، وتحطم كل شيء في طريقها.

قفزت أنا وسيرافينا في اتجاهين متعاكسين لنتجنب الدهس.

لقد كانت فوضى، فوضى مطلقة.

​كانت الوحوش قد أبعدتني عن سيرافينا. نظرت نحو المكان الذي كانت فيه، لكنها كانت قد اختفت، ذابت في ظلال المعركة كشبح.

لم أهتم.

أيًا من ذلك لا يهم.

المبارزة معها يمكن أن تنتظر.

لكن هذه الوحوش... كانت نقاطًا. نقاطًا ثمينة.

​تحول تركيزي بالكامل. لم يعد هناك سيرافينا، لم يعد هناك ليرا.

لم يكن هناك سوى آلة حاسبة باردة في عقلي.

"وحش غرانيت. رتبة ثانية. أربع نقاط."

"ذئب قبور مصاب. نقطتان."

"طالب يقاتل وحشين. فرصة لست نقاط، أو ربما عشر."

انطلقت مرة أخرى في قلب العاصفة. لم أعد أقاتل بيأس، أو بغضب.

كنت فقط أريد المزيد من النقاط.

أصبحت جزءًا من الفوضى. أصبحت مفترسًا يسبح في محيط من الدماء.

كل صرخة، كل انفجار، كل وميض من رون الحياة... كان مجرد موسيقى تصويرية لصيدي.

والصيد... كان جيدًا.

​[منظور ديغون ستونهاند]

​الهواء في المرتفعات المحطمة كان رقيقًا، وحادًا. كل نفس كنت أستنشقه كان يملأ رئتي ببرودة الصخر ورائحة الأوزون الخافتة. ل

م تكن هناك أشجار هنا، فقط صخور ضخمة، حادة، تشبه أسنان عالم منسي، وسهول من الحصى الرمادي تمتد حتى الأفق.

​كان هذا هو عنصري.

لم تكن هناك غابات معقدة لأضيع فيها، ولا مستنقعات لزجة لتعيق حركتي. كان هناك فقط... الصخر. والقوة.

وهذا كل ما كنت أحتاجه.

​كنت أقتل الكثير من الوحوش.

منذ أن أظهرت ساعة النقاط أنني في الصدارة، شعرت بوزن جديد على كتفي. لم يكن وزن الكبرياء، بل كان وزن المسؤولية.

المركز الأول يعني أنني الهدف. ويعني أنني لا أستطيع التوقف. لا أستطيع التردد.

كل يوم كان روتينًا بسيطًا، ووحشيًا.

أستيقظ. أجد وحوشًا. أقتلها. آكل لحمها إذا كان صالحًا للأكل. أنام لساعات قليلة. أستيقظ. أكرر.

لم تكن هناك خطة معقدة. كانت هناك فقط... الحركة إلى الأمام.

​في ذلك الصباح، وجدت قطيعًا. "كباش الجرانيت".

وحوش ضخمة من الرتبة الأولى، أجسادها مغطاة بصفائح من الصخر الصلب، وقرونها الحلزونية كانت قادرة على تحطيم الفولاذ.

كانوا يرعون في وادٍ صغير، يقتاتون على بلورات معدنية تنمو من الأرض.

كانوا عشرة. عشرين نقطة .

لم أتردد.

​أطلقت هديرًا عميقًا، تحديًا أوليًا تردد صداه بين الجبال.

رفعت الكباش رؤوسها الضخمة، وعيونها الصغيرة، الغاضبة، استقرت عليّ.

أطلق زعيمهم، الذي كان بحجم عربة، خوارًا غاضبًا، وحفر الأرض بحافره الصخري.

ثم، هاجموا.

كان الأمر كأن جبلاً يركض نحوي.

​لم أتراجع. لم أراوغ.

ضربت بقدمي الأرض، واستدعيت قوة الصخرة تحتي. شعرت بجسدي يصبح أثقل، وأكثر كثافة.

اصطدم بي الكبش الأول.

بوووووم!

كانت الصدمة كافية لتحطيم جدار قلعة. شعرت بألم حاد في صدري، وعظامي صرخت احتجاجًا.

لكنني لم أتزحزح.

أمسكت بقرنيه الحلزونيين بكلتا يدي، وصوت احتكاك الصخر بالصخر كان يصم الآذان.

زأرت في وجهه، ورفعت جسده الهائل عن الأرض، ثم حطمته على الأرض بقوة جعلت الحصى يتطاير في كل اتجاه.

انكسرت رقبته.

+2 نقاط.

​هاجم البقية.

تحولت المعركة إلى عاصفة من الصخور والقرون والدم. كنت في وسطها، أدور، وأضرب، وأسحق.

لم أكن أستخدم سيفًا. سلاحي كان عمودًا حجريًا ضخمًا كنت قد انتزعته من جانب جبل في اليوم الأول.

كان ثقيلاً، وبدائيًا، ومميتًا.

كل ضربة كانت تحطم درعًا صخريًا، وتكسر عظمًا. كل هدير مني كان يقابله خوار من الألم والغضب.

استمرت المعركة لما بدا وكأنه دهر. عندما انتهت، كنت أقف في وسط حقل من جثث الكباش المحطمة، ألهث بعمق، والبخار يتصاعد من جسدي في الهواء البارد.

كنت مغطى بالدم الأزرق اللزج للوحوش، وبدمي أنا، الذي كان يسيل من جرح في جبهتي.

​كنت على وشك أن ألتقط أنفاسي، عندما شعرت به.

حضور.

حضور ضخم، وقوي، لم يكن ينتمي إلى وحش.

من خلف صخرة عملاقة، خرج هو.

​شخص بنفس حجمي.

كان عملاقًا، شعره أشقر قصير، ووجهه مغطى بالندوب، وعيناه رماديتان كالسماء العاصفة.

كان يرتدي درعًا جلديًا سميكًا، ويحمل على كتفه فأسًا حربيًا ذا نصلين، كان ضخمًا لدرجة أنه كان سيسحق رجلاً عاديًا بمجرد محاولة رفعه.

كنت أعرفه.

ماغنوس أيرونجو. "الفك الحديدي".

لم يكن من العشرة الأوائل في المرحلة الأولى أو الثانية. كان دائمًا في الظل، هادئًا، وقويًا بشكل مرعب. لكن فريقه...

كان قد فاز بالمركز الثاني في المرحلة الثالثة بقمتين قرمزيتين. لقد سمعت بذلك.

لقد هزموا فريقًا كان من المفترض أن يكون أقوى منهم بكثير. لقد كسبوا احترام الجميع. وكسبوا احترامي.

​"ستونهاند." قال ماغنوس، وصوته كان عميقًا، وأجش، كصوت احتكاك الصخور.

"كنت أعرف أنني سأجدك هنا في الأعلى. لوحة الترتيب لا تكذب."

"أيرونجو." رددت، والكلمة كانت كل ما يلزم قوله.

​نظرنا إلى بعضنا البعض عبر ساحة المعركة الملطخة بالدماء. لم تكن هناك كراهية. لم يكن هناك غضب. فقط... فهم.

فهم عميق، بدائي، بين محاربين.

هو كان هنا من أجلي. وأنا كنت هنا من أجله.

ست نقاط. وفرصة لاختبار أنفسنا ضد الشخص الوحيد في هذه الجزيرة الذي يفهم معنى القوة الحقيقية.

​ألقى ماغنوس فأسه على الأرض. ارتطم بصوت مدوٍ.

"هذا بيننا." قال. "لا حاجة للأدوات."

نظرت إلى عمودي الحجري، ثم رميته جانبًا. تحطم إلى قطع أصغر.

"اتفقنا."

​وبدأ قتال العمالقة.

اندفعنا نحو بعضنا البعض. لم يكن اندفاعًا، بل كان زلزالاً.

اصطدمنا في وسط الوادي.

كانت الصدمة كافية لتشقق الأرض تحت أقدامنا.

تركنا الأسلحة وبدأنا نتقاتل بأيدينا.

​كانت لكمة ماغنوس الأولى سريعة بشكل مدهش بالنسبة لحجمه.

ضربتني في فكي. شعرت بانفجار من الألم، ورأيت النجوم للحظة. طعم الدم ملأ فمي.

تراجعت خطوة إلى الخلف، ثم رددت بلكمتي الخاصة.

قبضتي، التي أصبحت صلبة كالصخر من تدريبي، اصطدمت بضلوعه.

سمعت صوت طقطقة مكتومة، وزأر ماغنوس من الألم.

لم تكن معركة مهارة. كانت معركة تحمل.

من يستطيع أن يتلقى ضررًا أكبر؟ من يستطيع أن يضرب بقوة أكبر؟

​كانت المعركة طويلة، ومؤلمة.

لكمة مني تحطم أنفه. رشاش من الدماء تناثر على وجهي.

لكمة منه تترك كدمة ضخمة على صدري، وشعرت بأن ضلعي على وشك الانكسار.

تصارعنا. تشابكت أذرعنا، وكلانا يحاول إسقاط الآخر. كنت أستطيع أن أشعر بعضلاته تتشنج تحت ضغطي، وهو يشعر بعضلاتي.

كنا كدبين هائلين، يحاول كل منهما كسر الآخر.

دفعني إلى الخلف، وضرب رأسي بصخرة. انفجر الألم في مؤخرة جمجمتي.

ركلته في ركبته، وسمعت صوت فرقعة. صرخ، وأرخى قبضته.

استغليت الفرصة، وضربته برأسي في وجهه.

تراجعنا، وكنا نلهث، وننزف، ومغطين بالكدمات.

لكن ماغنوس... كان يبتسم.

ابتسامة دموية، متوحشة، ومليئة بالبهجة.

"نعم..." قال، وهو يبصق سنًا مكسورة. "هذا هو القتال."

​لقد كان مجنونًا. لقد كان يستمتع بهذا.

وربما... كنت أنا كذلك.

​اندفعنا نحو بعضنا البعض مرة أخرى. هذه المرة، لم تكن مجرد لكمات. كانت معركة شاملة.

أمسك بي من حلقي، وحاول خنقي. أمسكت بذراعه، وحاولت كسرها.

تدحرجنا على الأرض الصخرية، والدماء والغبار يغطياننا.

كانت وحشية خالصة.

​تمكن من تثبيتي على الأرض. جلس على صدري، وبدأ يوجه لكمة تلو الأخرى إلى وجهي.

ضربة. اثنتان. ثلاث.

كنت أشعر بالجلد يتمزق، والعظام تتألم.

لكنني لم أستسلم.

جمعت كل قوتي، ودفعت. ألقيته عني.

نهضنا على أقدامنا مرة أخرى، نترنح، لكننا لم ننكسر.

​كنا نحدق في بعضنا البعض، أنفاسنا متقطعة، أجسادنا خريطة من الألم.

كنا متساويين.

رفعنا قبضتينا الملطختين بالدماء في نفس الوقت.

استعددنا للجولة الأخيرة.

الجولة التي ستقرر كل شيء.

لم أكن أعرف من سيسقط.

لكنني كنت أعرف شيئًا واحدًا.

واحد منا فقط... سيخرج من هذا الوادي واقفًا.

[منظور سيلين دي فالوا]

الهدوء.

ذلك كان سلاحي الأول، ودرعي الأخير.

في عالم يصرخ بالدم والفوضى، أدركت أن القوة الحقيقية لم تكن في الصخب، بل في السكون.

كنت قد وصلت بالفعل إلى قلب هذه الجزيرة. رحلتي عبر الحلقة الخارجية كانت سريعة وباردة وفعّالة. لم أسمح للفوضى أن تجذبني كما فعلت كليرا، ولم أطارد الآخرين بجنون كما نير. رسمت خطًا مستقيمًا في ذهني، وسرت فيه، مجمدةً كل ما تجرأ على الاعتراض. الوحوش تحولت إلى تماثيل جليدية، والفخاخ البيئية تحولت إلى عوائق هشة هشمتها ببرود.

والآن... وقفت هنا.

الغابة من حولي قديمة، أشجارها ضخمة، تغطيها الطحالب الفضية الخضراء، والهواء كان رطبًا، باردًا، يشبه أنفاس الموتى، يحمل رائحة الأرض المبتلة بالمطر القادم. أمامي بحيرة سوداء صافية، ساكنة كمرآة مشؤومة، ضباب خفيف ينساب على سطحها، يمنحها هيبة مقبرة.

لم أختبئ. لم أكن في عجلة.

وقفت كما تعوّدت أن أقف في قاعة الرقص الملكية: ظهري مستقيم، يداي معقودتان خلف ظهري، وعيناي – ياقوتيتان – تفحصان سطح الماء. ليس بإعجاب، بل بترقّب صيّاد يعرف أن فريسته ستظهر عاجلًا أم آجلًا.

كنت أفكر في لوحة الترتيب. أسماء تتكرر في ذهني: ديغون... كايلين... ليرا... نير. كلهم سبقوني. جمعوا نقاطًا بسرعة، بالقوة العمياء أو الفوضى الدموية. أما أنا... فلعبتي مختلفة. لعبتي فن. والفن لا يُقاس بالسرعة، بل بالدقة... وبالصبر.

اخترت هذه البحيرة عمدًا. الماء عنصري. هنا، كانت الأرض كلها تحت قدمي مخزنًا من الأسلحة ينتظر إشارتي. كان عليّ فقط أن أنتظر شيئًا يستحق وقتي.

وعندما انكسر سطح البحيرة فجأة، علمت أن انتظاري لم يطل عبثًا.

لم يكن تموجًا عاديًا، بل انفجارًا من القوة الخام. المياه ارتفعت، وخرج منها هو.

الهيدرا.

"هيدرا الأخشاب المتلألئة".

أسطورة حية. جسده الهائل يتلألأ بحراشف قوس قزح، وجوهرة أوبال متغيرة الألوان تتألق في كل عين. ثلاثة رؤوس: واحد يشبه التنين، واثنان جانبيان يتحركان كالأفاعي، يلهثان بألسنة مشقوقة تذوقان الهواء.

هديره زلزل البحيرة والغابة، ثم قذف نحوي سحابة من الضباب السحري المتلألئ.

لم أتراجع. لم أرْمِش.

رفعت قدمي، وضربت الأرض بكعب حذائي.

طَق.

موجة من برودة مطلقة انطلقت من جسدي. الضباب تجمّد في الهواء، تحوّل إلى مليارات البلورات المتألقة، ثم تحطم وسقط كغبار ماسٍ ميت.

تجمد سطح البحيرة حولي في دائرة واسعة، جليد أسود أملس، مملكة صنعتها لنفسي.

الهيدرا توقفت لحظة، مذهولة. ثم زأرت وهاجمت.

بدأت الرقصة.

انزلقت على الجليد بخفة راقصة باليه، أتفادى ذيله الهائل الذي حطم السطح وأطلق شظايا كالسهام.

رفعت يدي، ومن تحت قدمي ارتفعت مئات الرماح الجليدية. معظمها تحطم على حراشفه المتلألئة، لكن بعضها انغرس بين الفجوات.

صرخ الوحش، ودمه الأزرق لوّن جليدي النقي بلوحة بشعة.

الرأسان الجانبيان انقضا عليّ كالسياط. خلقت جدارًا من الجليد الصافي لاعتراضهما. تشقق، لكنه صمد.

"ضعيف..." تمتمت.

لكنني أخطأت. الرأس الرئيسي أطلق زئيرًا، وحراشفه بدأت تتوهج بضوء منوّم.

شعرت بالدوار، وكأن ضبابًا غلف عقلي. رأيت الكهف. رأيت الظلام. رأيت نفسي أبكي...

"لا!" صرخت في عقلي. "لن أعود إلى هناك أبدًا!"

غضبي البارد سحق الوهم، لكن لحظة التردد تلك كلفتني.

تحطم جداري، وضربني أحد الرأسين الجانبيين. اصطدمت بالجليد، انزلقت، ألمي في ضلوعي حاد كالسكين. نظرت إلى ذراعي، دمي يتساقط. ابتسمت ببرود، ومسحت الدم.

"أنت تعرف كيف تؤلم؟ حسنًا... سأريك الألم الحقيقي."

لم أعد أراوغ. وقفت في مكاني، ومددت يديّ. استدعيت قوة البحيرة كلها.

الجليد تحت قدمي توهج أزرق سماوي، ارتجفت المياه استجابةً لندائي.

الهيدرا استشعرت الخطر، وجمعت قوتها. فتحت فمها، وأطلقت شعاعًا من ماء مغلي عالي الضغط، قادر على شق الفولاذ.

"فات الأوان..." تمتمت.

"سجن الجليد الأبدي."

انفجر الجليد من كل اتجاه: من تحتها، من جوانبها، من الهواء. قضبان سميكة داكنة تشابكت وشكلت قفصًا كرويًا، هائلًا، أغلق عليها. ضربت بجسدها، لكن كل ضربة فجرت مسامير جليدية غاصت في لحمها.

وقفت خارج القفص، ألهث قليلًا، وأرفع يدي ببطء.

قبضت أصابعي.

"تجمد."

تجمد الهواء نفسه. توقفت الهيدرا في منتصف زئيرها، تحولت إلى تمثال رعب أزرق، عيناها المتلألئتان مجمدتان في رعب أبدي.

ساد الصمت.

اقتربت بخطوات ثابتة، لمست التمثال بإصبعي.

طَق.

الشقوق انتشرت كشبكة عنكبوت، ثم تحطم إلى مليارات البلورات التي تناثرت كعاصفة من الماس، قبل أن تختفي في البحيرة.

بقي فقط قلبها: جوهرة زرقاء كبيرة، دافئة، طافية أمامي. التقطتها، نظرت إلى انعكاسي في الجليد الأسود.

رأيت وجهي الشاحب، عيناي الباردتان، الدم على خدي.

لم أرَ تلك الفتاة الضعيفة في المتاهة.

رأيت ملكة.

ملكة جليدية في وسط مملكتها.

"الضعف..." تمتمت لانعكاسي.

"مجرد خيار."

واستدرت، ومشيت مبتعدة عن البحيرة، تاركة وراء ظهري صمتًا أعمق، وأبرد من أي وقت مضى.

2025/08/29 · 43 مشاهدة · 2461 كلمة
Ashveil
نادي الروايات - 2025