الرحلة كانت أغنية من الألم.
لم يكن يمشي، بل كان يجر ما تبقى من جسده عبر أراضٍ محطمة، تحت سماء كانت لا تزال تبكي مطرًا أسود.
تقنية "ممر اللاوجود" كانت قد أنقذت حياته، لكنها قذفته بشكل عشوائي على بعد مئات الأميال، في قارة منسية لم تطأها قدم بشرية منذ قرون.
لم يكن يرى. كانت عيناه مغطاتين بقطعة قماش ممزقة، أخذها مما تبقى من ردائه.
لم تكن هناك حاجة للرؤية. العالم أمامه كان مجرد ظلام مطلق، داخلي وخارجي.
كان يتنقل بالاعتماد على حواسه الأخرى، التي أصبحت الآن حادة بشكل مؤلم.
كان يشعر باهتزازات الأرض تحت قدميه، ويقرأ حفيف الريح وهو يمر بين الصخور، ويشم رائحة الموت واليأس التي كانت عالقة في هذا العالم المحتضر.
ذراعه اليسرى كانت مجرد ذكرى، وجعًا شبحيًا في كتفه. والمشكلة الأكبر كانت تلك الفجوة في بطنه، بسبب ذلك الرمح الشيطاني.
كان جرحًا مفتوحًا، أسود، حوافه متفحمة، ويرفض أن يلتئم.
طاقة أزرايال الفاسدة كانت لا تزال عالقة فيه، تمنع أي تجدد، وتلتهم قوة حياته ببطء، كسرطان كوني.
كل خطوة كانت جحيمًا. كل نفس كان صراعًا.
لطالما كانت حياته بائسة. لكن هذا الألم، هذه المعاناة... كانت مألوفة بشكل مريح تقريبًا. كانت لغة يفهمها جيدًا.
بعد أيام، أو ربما أسابيع - لم يعد الزمن يعني له شيئًا - وصل أخيرًا.
عاد إلى ذلك المكان مجددًا.
القاعة التي تفوح منها رائحة الغبار الكوني والأسى القديم،
على درجات العرش المكسور، كانت تجلس مورنا.
كانت في حالة تأمل، عيناها مغلقتان، وهالتها من الرتبة الثالثة تدور حولها بهدوء، كعاصفة نائمة. كانت تنتظر.
فجأة، تمزق الهواء في وسط القاعة.
ليس بصوت عالٍ، بل بهمسة خافتة، كتمزق قطعة من الحرير.
انفتح شق من العدم، وسقط منه جسد سايلس، ليرتطم بالأرضية العظمية بصوت مكتوم.
فتحت مورنا عينيها على الفور.
"معلمي!"
ابتسامة مشرقة، نقية، أضاءت وجهها، وركضت نحوه بسعادة.
لكن الابتسامة... ماتت على شفتيها عندما اقتربت.
تجمدت في مكانها، وعيناها الزرقاوان اتسعتا في رعب مطلق.
لقد صُدمت من شكله.
لم تكن ترى ذلك الرجل العجوز الحكيم، القوي، الذي تعرفه.
كانت ترى خرابًا.
رأت القطعة القماشية الممزقة والمغطاة بالدماء تغطي خراب عينيه.
رأت الفراغ حيث كانت ذراعه اليسرى. ورأت الفجوة السوداء التي لا تلتئم في بطنه، والتي كانت تنبض بضوء أرجواني خبيث خافت.
لقد سقط عمودها.
تراجعت خطوة إلى الوراء، ويداها ارتفعتا لتغطيا فمها، وشهقة مكتومة خرجت منها.
شعر سايلس بخوفها كأنه طعنة سكين في قلبه.
"لا بأس، يا مورنا." قال، وصوته كان أجشًا، ومكسورًا، وبالكاد مسموعًا.
"إنه أنا."
هذه الكلمات كسرت حالة الشلل التي أصابتها.
"معلمي!"
صرخت مرة أخرى، لكن هذه المارة، لم يكن هناك فرح في صوتها.
كان هناك فقط ألم، ويأس.
ركضت نحوه، ووصلت في اللحظة التي انهارت فيها قواه تمامًا.
سقط على ركبتيه، وأمسكت به، يداها الصغيرتان تحاولان عبثًا دعم جسده الضخم.
"من... من فعل هذا بك؟" صرخت، والدموع بدأت تنهمر على وجهها.
حاولت أن تستخدم سحرها الشفائي. وضعت يدها على الجرح في بطنه، وتدفق ضوء أبيض دافئ منها.
لكن في اللحظة التي لامس فيها ضوؤها الجرح، صرخت هي من الألم، وتراجعت.
الضوء الأبيض تلاشى، وحل محله دخان أسود هسهس من الجرح.
"لا يمكنكِ." قال سايلس بضعف. "إنه... سم شيطاني. يتجاوز قدرتك."
ساعدته على النهوض، وسارت به ببطء نحو العرشين. لم تأخذه إلى العرش السليم.
بل ساعدته على الجلوس على العرش المكسور.
انهار عليه، جسده المحطم يستقر على الحجر العظمي المتصدع. ملك جريح، عاد إلى مملكته المحطمة.
ركعت أمامه، ونظرت إلى الخراب الذي كان وجهه، والدموع لا تزال تنهمر بصمت.
"كنت أظن..." تمتمت، وصوتها مكسور. "كنت أظن أنك لا تُقهر."
تنهد سايلس تنهيدة طويلة، متعبة، بدت وكأنها تحمل ثقل قرون من المعاناة.
"لقد كنت أظن ذلك أيضًا."
مد يده اليمنى الوحيدة، وتردد للحظة، ثم وضعها بلطف على رأسها.
"لكن يبدو... أن هناك دائمًا وحش أكبر في الظلام."
بقيا هكذا للحظات، في صمت، لا يقطعه سوى صوت بكاء الفتاة الهادئ، وأنفاس المعلم المحتضرة، وقطرات الحزن الصامتة التي كانت تبكيها قبة السماء السوداء فوقهما.
لقد عاد.
لقد نجا.
لكن العمود الذي كان يرتكز عليه عالمها الصغير... كان قد تحطم.
والظلال... كانت تقترب.
...
...
...
[منظور نير ڤيرتون]
مر أسبوع آخر.
أسبوع من الدم، والعرق، والصيد الذي لا ينتهي. لم أعد أحسب الأيام.
الوقت أصبح مفهومًا سائلًا، يقاس فقط بشروق الشمس وغروبها، وبالفجوات القصيرة، القلقة، بين فترات الصيد والهرب.
لم أعد أنا.
الشاب الذي دخل هذه الجزيرة قبل عشرة أيام، والذي كان لا يزال يحمل آثار حضارة الأكاديمية، قد مات.
لقد تم سلخه، ودفنه تحت طبقات من الطين، والدم الجاف، والوحشية البدائية.
ما تبقى كان كائنًا مختلفًا. أنحف، وأقسى. لحيتي قد بدأت تنمو، لحية سوداء، غير مكتملة، تمنح وجهي الشاب مظهرًا متوحشًا.
شعري أصبح طويلاً، معقدًا، ومليئًا بالأغصان الصغيرة وأوراق الشجر.
ملابسي تحولت إلى خرق ممزقة، بالكاد تغطي جسدي الذي أصبح الآن خريطة من الندوب الجديدة، والكدمات، والجروح التي لم تلتئم بالكامل بعد.
كنت وحشًا... يصطاد وحوشًا أخرى.
كنت أتحرك عبر أنقاض مدينة قديمة، ابتلعتها الغابة.
كانت المباني الحجرية الضخمة مغطاة بالكروم المتسلقة والطحالب، والشوارع المرصوفة بالحصى قد تحطمت، ونبتت من بين شقوقها أشجار غريبة، ملتوية.
كان المكان صامتًا، صمت قبور، لا يقطعه سوى حفيف الريح وهو يمر عبر النوافذ الفارغة، وصوت خطواتي الحذرة.
كنت أتعقب فريستي.
منذ يومين، وأنا أتبع الآثار. آثار ضخمة، ثلاثية الأصابع، كانت قد سحقت الصخور وتركت انبعاجات عميقة في الأرض.
كانت تنتمي إلى "متربص الأنقاض"، وحش نادر، وخطير، من الرتبة الثانية.
كان معروفًا بجلده الذي يشبه الصخر، وقدرته على التمويه بشكل مثالي بين الأنقاض، وذيله الذي يشبه الهراوة، والذي كان قادرًا على تحطيم الدروع الفولاذية.
أربع نقاط.
لكن الأهم من ذلك، كان تحديًا. تحديًا سيثبت لي أنني قد أصبحت أقوى.
وجدته في ساحة معبد قديم، انهار سقفه ليكشف عن السماء الرمادية.
كان ضخمًا. أكبر مما وصفته الرواية. كان طوله يبلغ عشرين مترًا، جسده يشبه جسد سحلية عملاقة، لكن جلده كان رماديًا، متصدعًا، ويشبه الجرانيت تمامًا.
كان يرقد بلا حراك بجانب جدار منهار، وعيناه الصفراوان الصغيرتان، الحادتان، مغلقتان.
كان يمتزج مع الأنقاض بشكل مثالي. لولا "عين الحقيقة" التي كانت تريني هالته البرتقالية القوية، لكنت قد مررت بجانبه دون أن ألاحظه.
لم أهاجم بغباء.
قضيت ساعة كاملة أراقبه من بعيد، من قمة جدار متهالك. درست نمط تنفسه.
درست نقاط الضعف المحتملة في درعه الصخري: المفاصل عند ساقيه، والجلد الأنعم تحت رقبته.
ثم، وضعت خطتي.
كانت خطة بسيطة، ويائسة.
بدأت المعركة.
لم أهاجمه هو. هاجمت المعبد.
بكل ما تبقى من طاقتي السحرية، أطلقت العنان لدفعة من الظلام الشيطاني، ليس نحوه، بل نحو عمود حجري ضخم، متصدع، كان لا يزال قائمًا فوق المكان الذي ينام فيه.
التف الظلام حول العمود، وتغلغل في شقوقه. ثم، أمرته بالتوسع.
صرخ الحجر، وبدأ يتشقق، ثم انهار.
استيقظ متربص الأنقاض على صوت هدير الصخور وهي تتساقط.
فتح عينيه في حالة من الذعر، ونهض على قدميه بسرعة مدهشة.
لكن الأوان كان قد فات.
ارتطمت به الصخور الضخمة. صرخ صرخة ألم وغضب، لكن درعه الصخري حماه من معظم الضرر.
لكن ذلك... كان كل ما أحتاجه.
لقد أربكته. لقد أغضبته.
قفزت من الجدار، وهبطت في الساحة، وسيفي الأسود في يدي.
"أنا هنا!" صرخت.
استدار الوحش نحوي، وعيناه تشتعلان بغضب أعمى. لقد تجاهل الخطر الحقيقي، وركز كل كراهيته عليّ.
بدأ القتال، بكل جهد، وإرهاق، وقوة.
اندفع نحوي كقطار شحن. الأرض كانت تهتز تحت قدميه.
لم أحاول صده. تدحرجت جانبًا في آخر لحظة، وشعرت بالريح وهي تمزق الهواء بجانبي.
أهوى بذيله الذي يشبه الهراوة. ضرب الأرض، وحطم الحجارة، وأرسل شظايا حادة في كل اتجاه.
إحدى الشظايا أصابت كتفي، وتركت جرحًا نازفًا.
تجاهلت الألم.
كانت معركة من المراوغة والضربات السريعة. كنت كبعوضة مزعجة، تطن حول عملاق غاضب.
كنت أركض على الجدران، أقفز فوق الأنقاض، وأوجه ضربات سريعة إلى مفاصله كلما سنحت لي الفرصة.
سيفي كان يصدر صوت صرير حاد وهو يحتك بدرعه الصخري. كنت ألحق به ضررًا، لكنه كان بطيئًا جدًا.
استمر هذا لدقائق بدت كأنها ساعات. كنت ألهث، والعرق يتقطر مني، ممزوجًا بالدم.
كل عضلة في جسدي كانت تحترق.
لكنه أصابني.
في خضم إحدى مراوغاتي، تعثرت قدمي.
استغل الوحش تلك الثانية. ذيله تحرك بسرعة البرق.
لم أستطع تفاديه بالكامل. ضربني في جانبي.
شعرت بصوت طقطقة مكتومة، وانفجار من الألم الحارق. طرت في الهواء، وارتطمت بجدار المعبد بقوة جعلت العالم يدور.
سقطت على الأرض، وأنا أبصق دمًا. ضلوعي... كانت مكسورة.
رأيته يتقدم نحوي، وفمه مفتوح، ليكشف عن صفوف من الأسنان الحادة كالشظايا.
"لا..." تمتمت، وأنا أحاول الزحف إلى الوراء. "ليس هكذا."
أطلقت العنان لكل شيء.
لم أعد أحاول التحكم في الظلام. سمحت له بالانفجار مني.
تدفق الظلام من جسدي، ليس كخيوط، بل كفيضان. غطى الأرض حولي، والتف حول ساقي الوحش الضخمتين.
لم يوقفه. لكنه أبطأه.
صرخ الوحش، وهو يحاول تحرير نفسه من الظل اللزج.
استخدمت تلك الثواني الثمينة.
نهضت على قدمي، متجاهلاً الألم المبرح في صدري.
اندفعت نحوه، ليس لأهاجم جسده، بل لأتسلقه.
قفزت على ساقه، ثم على ظهره، وأنا أستخدم الشقوق في درعه كنقاط للتمسك بها.
وصلت إلى رقبته.
كان يهز جسده بعنف، محاولاً إلقائي.
تشبثت به بكل قوتي.
رفعت سيفي بكلتا يدي.
وغرسته.
غرسته في تلك البقعة اللينة خلف جمجمته مباشرة.
مرة.
اثنتان.
ثلاث.
في المرة الرابعة، اخترق السيف درعه، وغاص عميقًا في دماغه.
تشنج جسد الوحش الهائل بعنف. ثم، انهار على جانبه، ميتًا.
انزلقت عن جسده، وسقطت على الأرض بجانبه، منهكًا تمامًا.
كنت ألهث، والعالم كان يدور. كل شيء كان يؤلمني.
لكنني... كنت حيًا.
لقد فزت.
استلقيت هناك لما بدا وكأنه دهر، أستمع فقط إلى صوت أنفاسي المتقطعة، وصوت الريح.
ثم، بدأت الشمس تغرب.
زحفت إلى مكان آمن نسبيًا، وأسندت ظهري إلى جدار.
توهجت ساعة النقاط.
--- تحديث الترتيب اليومي ---
اليوم العاشر. 51 ناجيًا متبقين.
1. كايلين من بيت الخشب الحديدي: 248 نقطة
2. نير ڤيرتون: 242 نقطة
3. سيلين دي فالوا: 236 نقطة
4. سيرافينا ڤاليراك: 230 نقطة
5. ديغون ستونهاند: 224 نقطة
6. ثيرون ڤاليراك: 218 نقطة
7. ليرا فيكس: 210 نقاط
8. كاسيان دي فالوا: 202 نقطة
9. آيلا: 196 نقطة
10. كاستر: 190 نقطة
---------------------------
الترتيب الحالي: 2 / 51 ناجيًا
الثاني.
لقد صعدت.
شعرت بومضة من الرضا القاسي. كل هذا الألم... كل هذه الدماء... لم تذهب سدى.
لكن كايلين... ذلك الوغد الصامت... كان لا يزال يتقدم عليّ.
ديغون تراجع. وسيرافينا... كانت تتسلق الترتيب بسرعة مرعبة. كانت تصطاد.
انطفأت الساعة.
نظرت إلى جثة المتربص الضخمة. أربع نقاط أخرى ستضاف إلى رصيدي غدًا. ربما ستكون كافية.
لكنني كنت أعرف أنها لن تكون كذلك.
كايلين لن يتوقف. سيرافينا لن تتوقف.
وأنا... لا أستطيع التوقف.
أجبرت نفسي على النهوض، متجاهلاً احتجاج عظامي المكسورة.
كان عليّ أن أبدأ في سلخ الوحش. كنت بحاجة إلى لحمه. كنت بحاجة إلى جلده.
....
....
....
مر ستة عشر يومًا.
ستة عشر يومًا من الجحيم البدائي. لم يعد الزمن يقاس بالساعات، بل بالنبضات.
نبضة قلبك الخائفة عندما تسمع صوت كسر غصن في الظلام.
نبضة سيفك وهو يخترق لحم وحش.
والنبضة البطيئة، المنتظمة، لساعة النقاط كل غروب شمس، وهي تعلن حكمها البارد عليك.
كنت قد تغيرت.
كنت أنحف، لكن كل عضلة في جسدي كانت صلبة كالحبل المشدود.
كنت مغطى بالندوب، والوحل، والدم الجاف الذي لم أعد أكلف نفسي عناء غسله.
كنت أعيش وأتنفس وأفكر كصياد.
وكان الصيد قاسيًا.
كنت أتعقب "خنزير القبر الحديدي" منذ الفجر.
وحش هائل من الرتبة الثانية، معروف بجلده الذي يشبه صفائح الحديد الصدئ، وأنيابه التي يمكنها اختراق الصخر.
لقد جرحني جرحًا بليغًا في اليوم السابق، وهرب. لكنني لم أتركه. الكبرياء... والأربع نقاط، لم يسمحا لي بذلك.
وجدته في مستنقع صغير، وهو يلتهم جثة مخلوق آخر.
بدأت المعركة.
اندفع نحوي كقطار شحن هائج، والأرض الموحلة تتناثر مع كل خطوة يخطوها.
لم أحاول صده. كان ذلك انتحارًا. تدحرجت جانبًا في آخر لحظة، وشعرت بالريح وهي تمزق الهواء بجانبي.
أهوى بأنيابه الضخمة، واقتلع قطعة ضخمة من الأرض حيث كنت أقف.
كان كقتال جدار متحرك. سيفي كان يحدث شرارات على جلده الحديدي، بالكاد يخدشه.
كانت هجماته عنيفة، وكان يقتلع الأشجار الصغيرة وهو يندفع نحوي.
استمر القتال لما يقرب من نصف ساعة. نصف ساعة من المراوغة، والضربات اليائسة، والألم.
حطمت صدماته ضلعي المكسور مرة أخرى، وشعرت بطعم الدم في فمي.
لكنني كنت أتعلم. كنت أستخدم المستنقع لصالحي. الوحل كان يبطئ من اندفاعه الهائل، بينما كنت أنا أخف حركة، أقفز بين الجذور المكشوفة للأشجار.
بدأت أستخدم الظلام، ليس للهجوم، بل للخداع. خلقت نسخة وهمية مني، اندفعت نحو يمينه.
استدار الخنزير الوحشي ليحطمها، وكشف لي عن خاصرته للحظة.
لم أتردد.
اندفعت، وغرست سيفي في تلك البقعة الأقل حماية، بين صفائح درعه الحديدي.
صرخ صرخة ألم وغضب، واستدار بعنف، وضربني بجسده الضخم.
طرت في الهواء، وارتطمت بجذع شجرة بقوة جعلت العالم يدور.
سقطت على الأرض، وأنا أبصق دمًا.
تدفق الظلام من جسدي. غطى الأرض حولي، والتف حول ساقي الوحش الضخمتين.
لم يوقفه. لكنه أبطأه.
صرخ الوحش، وهو يحاول تحرير نفسه من الظل اللزج.
استخدمت تلك الثواني الثمينة. نهضت على قدمي، متجاهلاً الألم المبرح في صدري.
اندفعت نحوه، ليس لأهاجم جسده، بل لأتسلقه.
قفزت على ساقه، ثم على ظهره، وأنا أستخدم الشقوق في درعه كنقاط للتمسك بها. وصلت إلى رقبته.
كان يهز جسده بعنف، محاولاً إلقائي. تشبثت به بكل قوتي.
رفعت سيفي بكلتا يدي. وغرسته.
غرسته في تلك البقعة اللينة خلف جمجمته مباشرة.
مرة. اثنتان. ثلاث.
في المرة الرابعة، اخترق السيف درعه، وغاص عميقًا في دماغه.
تشنج جسد الوحش الهائل بعنف. ثم، انهار على جانبه، ميتًا.
انزلقت عن جسده، وسقطت على الأرض بجانبه، منهكًا تمامًا.
كنت ألهث، والعالم كان يدور. كل شيء كان يؤلمني. لكنني... كنت حيًا. لقد فزت.
قضيت الساعات القليلة التالية في حالة من الضباب. بالكاد كنت واعيًا.
قمت بسلخ جزء من جلد الخنزير القاسي، وقطعت بعضًا من لحمه.
أشعلت نارًا صغيرة، وشويت اللحم، وأكلته دون أن أشعر بطعمه. كنت مجرد آلة بقاء، تعمل على الغرائز فقط.
عندما استعدت جزءًا من قوتي، بدأت في التحرك مرة أخرى. كنت أنزف، وأعرج، وأتألم.
كل خطوة كانت عذابًا. كنت أبحث عن مكان آمن، عن ماء نظيف.
بعد ساعات من السير المؤلم عبر الغابة الكثيفة، سمعته.
صوت خرير ماء.
كان أجمل لحن سمعته في حياتي.
أسرعت خطواتي، واخترقت الشجيرات الكثيفة.
وظهر أمامي المشهد.
نهر هادئ، واسع، مياهه صافية، تلمع تحت ضوء القمر الذي كان قد بدأ يظهر في السماء.
وعلى صخرة كبيرة، ملساء، في وسط النهر، كانت تجلس هي.
الأميرة سيرافينا ڤاليراك.
كانت تجلس بأناقتها المعتادة، وملابسها البيضاء لا تزال ناصعة بشكل يثير الغضب.
لم تكن هناك أي خدوش على وجهها الملائكي. كانت تبدو كأنها في نزهة مسائية. وكانت تأكل تفاحة.
تفاحة حمراء، لامعة، كانت تقضمها بهدوء، وصوت القضم الخفيف كان يبدو مدويًا في صمت الليل.
تجمدت في مكاني خلف الشجيرات.
"اللعنة..."
تمتمت، وشعرت بالغضب يرتفع في داخلي، يطغى على الألم والإرهاق.
كيف؟ كيف يمكنها أن تكون بهذه الطمأنينة؟ بهذه النظافة؟
ثم، تحول الغضب إلى شيء آخر. إلى فرصة.
إنها منافس رئيسي. ست نقاط ستكون دفعة هائلة. إنها وحيدة. ومسترخية.
بدأت أفكر بأنني سأغدر بها.
بدأت أتحرك ببطء، وبصمت، على طول ضفة النهر. الظلام كان حليفي.
كل ما كنت بحاجة إليه هو الاقتراب بما فيه الكفاية، واستخدام هجوم مفاجئ من الظل...
"الظلال تليق بك، لورد ڤيرتون."
صوتها الموسيقي، الهادئ، قطع الليل، وجعل دمي يتجمد.
لم تكن تصرخ. لم تكن حتى قد التفتت نحوي. كانت لا تزال تنظر إلى القمر، وتأكل تفاحتها.
"لكن على المفترس أن يعرف متى يدخل عرين مفترس آخر."
لم تكن تصرخ، ولم تكلف نفسها عناء النظر نحوي.
ظلت عيناها معلقتين بالقمر، وهي تقضم تفاحتها وكأن وجودي مجرد تفصيل زائد.
"اللعنة! كيف شعرت بي؟ لم أُصدر أدنى صوت!"
خرجت من بين الشجيرات، يدي مشدودة على مقبض سيفي.
"مجرد نزهة مسائية، يا أميرة." قلت محاولًا أن أبدو طبيعيًا.
هل أقاتلها وجهًا لوجه؟ خسرت ميزتي بالفعل. مواجهة مباشرة معها تعني انتحارًا. قوتها الحقيقية لا تزال لغزًا بالنسبة لي.
"نزهة؟" استدارت نحوي ببطء، عيناها الرماديتان مسحتا جسدي من الرأس إلى القدم، تعابيرها تحمل ازدراءً بارداً.
ثم أشاحت بوجهها عني كأنها فقدت الاهتمام. "لا يهم."
"كيف... كيف وصلتِ إلى المركز الثالث؟" لم أستطع كبح السؤال.
رفعت حاجبًا بخفة، وقالت بملل: "هل فعلت؟ يا لها من مفاجأة."
أطبقت أسناني غيظًا. هل كل ما تفعله هو الجلوس والأكل؟ مستحيل. لم أرها تقاتل، وهذا وحده جعلني أشعر أنني ظلمتها.
"يبدو أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لك." قالت، وعيناها التقطتا الانكسار في ملامحي.
"اصمتي." تمتمت.
تنهدت بهدوء، ورمت ما تبقى من تفاحتها في النهر.
"هل سمعت بأسطورة أركانوم؟" سألت فجأة.
ارتجفت في داخلي. أركانوم؟ لم يُذكر هذا الاسم قط في الرواية.
"لا." أجبت متوجسًا.
"كنت أعلم." قالت بابتسامة خافتة. "إنها مكتبة الإمبراطور الأول.
حيث ترقد كل المعارف المفقودة، وأسرار السحر الحقيقي.
مكان لا يعرفه أحد... سوى العائلة الإمبراطورية، وآل ڤيرتون."
حدقت فيها مرتبكًا. ما الذي تحاول فعله؟ ولماذا تقول لي هذا الآن؟
"ولماذا تخبرينني بذلك؟" سألت ببطء.
هزّت كتفيها برقة، وقالت ببرود:
"لأكسب بعض الوقت ليس إلا."
شعرت بصدمة تجتاحني.
"وقت؟ لأي شيء—؟"
ابتسمت من جديد، هذه المرة ابتسامة جميلة... ومخيفة.
"لأعداد الفخ."
تجمدت.
"ماذا؟"
"انظر جيدًا، لورد ڤيرتون."
ركزت "عين الحقيقة". في البداية لم أر شيئًا. ثم، شيئًا فشيئًا، ظهرت.
خيوط ذهبية، رفيعة كالشَعر، تمتد من الأشجار والصخور والأرض ذاتها، ملتفة حول ساقي وذراعي ورقبتي.
لم أشعر بها قط، ولم أرها حتى الآن.
كنت عالقًا في شبكتها منذ اللحظة الأولى.
رفعت يدها بلا مبالاة. "أنا لست في مزاج للقتال الليلة... لذا سأتركك تذهب."
بإيماءة صغيرة من أصابعها، تلاشت الخيوط في الهواء مثل غبار ضوء يتبدد.
اختفى الخطر، لكن بقي الإذلال.
لقد كنت تحت رحمتها تمامًا. كان بإمكانها إقصائي في أي لحظة. لكنها لم تفعل... فقط لأنها لا تريد.
وقفت جامدًا، أشعر كأحمق مطلق. لم أكن صيادًا يترقب فريسته.
كنت مجرد حشرة علقت في شبكة عنكبوت، والعنكبوت قرر أن يتركني الليلة... لأنه ليس جائعًا.
الإهانة كانت أعمق من أي جرح.
"ليلة سعيدة، لورد ڤيرتون." همست سيرافينا، ثم تمددت على الصخرة، يداها خلف رأسها، تحدق في النجوم وكأنني لم أعد موجودًا.
استدرت بصمت، وسرت في ظلام الغابة.