​[منظور كايلين]

​لم يعد هناك شيء اسمه "يوم" أو "ليل".

كان هناك فقط... الضباب.

ضباب أبيض، كثيف، بارد، يلتف حول قمم "الذرى الهامسة" الحادة، كبحر أبدي من السحب.

كنت أتحرك عبر هذا البحر لأربعة أيام، في عالم من الصخور الرمادية، والرياح الباكية، والصمت الذي لا يقطعه سوى صوت أنفاسي، وصوت احتكاك حذائي بالصخر المتجمد.

​مر خمسة وعشرون يومًا.

خمسة وعشرون يومًا من البقاء. من القتل. من الصمت.

لقد تغيرت.

كنت أنحف، وجنتي غائرتان، وشبكة من الندوب الجديدة كانت قد نقشت نفسها على ذراعي ووجهي.

لكن عيني... كانتا أشد هدوءًا من أي وقت مضى.

كانتا كقطعتين من الصوان الرمادي، لا تعكسان أي شيء، لا خوف، ولا أمل، ولا غضب. فقط... الفراغ.

ذلك الفراغ الذي كنت أبحث عنه، أصبح الآن حالتي الطبيعية.

​ملابسي الرمادية تحولت إلى خرق ممزقة، بالكاد تستر جسدي. لكن سيفي... سيفي كان لا يزال نقيًا، وحادًا، ومصقولاً.

كنت أنظفه كل ليلة بدماء الوحوش التي أقتلها، وألمعه بحجر وجدته في أحد الأنهار.

كان هو الشيء الوحيد الذي بقي سليمًا في هذا الجحيم. كان هو الشيء الوحيد المهم.

​كنت أعرف أنني قريب.

كان "ملاذ السيادة" يقع في مكان ما خلف هذا الضباب، على أعلى قمة.

لكن هذه المنطقة الأخيرة كانت هي الأصعب. الهواء كان رقيقًا، يسرق أنفاسك.

والمنحدرات كانت قاتلة، تختفي فجأة في بحر الضباب السفلي.

والوحوش هنا... كانت مختلفة. كانت أندر، لكنها كانت أشد فتكًا.

​كنت أصطاد.

لم أكن أصطاد من أجل الطعام، ولا حتى من أجل النقاط فقط. كنت أصطاد لأبقى حادًا. لأبقى في حالة "الفراغ".

لثلاثة أيام، كنت أتعقب همسًا على الريح. صوتًا لم يكن ينتمي إلى هذا العالم.

صرخة حادة، رنانة، كانت تأتي وتذهب مع الضباب.

كانت صرخة "غريفين الضباب المجنح".

وحش من الرتبة الثالثة، المستوى المنخفض. ثماني نقاط. لكن الأهم من ذلك، كان اختبارًا.

أعظم اختبار واجهته حتى الآن.

​وجدته عند الفجر.

كانت المعركة فوق السحاب.

كنت أقف على قمة مسطحة، لا تزيد مساحتها عن مساحة غرفة صغيرة، محاطة من كل جانب بمنحدرات شاهقة تسقط في بحر لا نهاية له من الضباب الأبيض.

وفجأة، خرج من الضباب.

لم يكن كالغريفين في الأساطير. كان كائنًا شبحيًا، أبيض اللون. جسده كان نحيلاً، رشيقًا، وريشه كان ناعمًا وخفيفًا، يندمج تمامًا مع الضباب المحيط به.

لم يكن له منقار صقر، بل فم مليء بأسنان حادة كالإبر. وعيناه كانتا سوداوين تمامًا، كقطعتين من زجاج السبج، لا تعكسان أي ضوء.

أطلق صرخة حادة، لم تكن مجرد صوت، بل كانت موجة صوتية، اهتزاز عنيف في الهواء جعل الصخور تحتي ترتجف، وشعرت بأن دماغي على وشك أن يتسرب من أذني.

​بدأت المعركة.

لم تكن معركة، بل كانت إعدامًا بطيئًا.

كان يستخدم تفوقه الجوي ببراعة شيطانية. كان يغوص من الضباب بسرعة لا تصدق، يهاجمني بمخالبه التي كانت حادة كالفولاذ، ثم يرتفع ويختفي مرة أخرى قبل أن أتمكن من الرد.

لم أحاول أن أهاجم. كنت أعرف أن ذلك عديم الفائدة.

وقفت في وسط القمة، وأغمضت عيني.

"الفراغ..."

تخليت عن حاسة البصر. كانت عديمة الفائدة في هذا الضباب.

ركزت على حواسي الأخرى.

على اهتزاز الهواء. على التغير الطفيف في ضغط الريح. على صوت حفيف أجنحته الذي كان بالكاد مسموعًا.

​غاص مرة أخرى.

لم أتحرك حتى آخر لحظة. شعرت به وهو يقترب من يساري.

استدرت، ورفعت سيفي.

كلااانغ!

اصطدمت مخالبه بسيفي. كانت الصدمة عنيفة، وأرسلت ألمًا حارقًا عبر ذراعي.

لكنني صدته.

اختفى مرة أخرى في الضباب، وهو يطلق صرخة غاضبة.

​كانت المعركة طويلة، ودموية.

لم أكن مثاليًا.

في إحدى هجماته، أخطأت في تقدير سرعته. مخالبه مزقت ظهري، من الكتف إلى الخصر.

صرخت صرخة مكتومة، وشعرت بالدم الدافئ يسيل على ظهري، ويتجمد على الفور تقريبًا في الهواء البارد.

صرخته الصوتية أصابتني مباشرة مرة واحدة. سقطت على ركبتي، وأنا أشعر بالدوار، والدم ينزف من أذني.

العالم كان يدور، والضباب كان يرقص أمامي.

رأيته يغوص، مستغلاً ضعفي. كانت هذه هي الضربة القاضية.

​لكن الألم... كان قد أيقظني.

الألم أعادني إلى "الفراغ".

نهضت، وفي تلك اللحظة، قررت أن أنهي هذه اللعبة.

​أدركت أنني لن أفوز إذا بقي هو في الهواء. كان عليّ أن أنزله إلى الأرض.

لقد تظاهرت.

عندما غاص مرة أخرى، تركت نفسي أسقط على ركبة واحدة، وتظاهرت بأنني أشد إصابة مما كنت عليه.

تركت سيفي يرتخي في يدي. جعلت نفسي أبدو كفريسة سهلة، تنتظر الموت.

لقد ابتلع الطعم.

بدلاً من هجوم سريع، غاص نحوي ببطء نسبي هذه المرة، ومخالبه مفتوحة، مستعدًا ليمسك برأسي ويمزقه.

انتظرت.

حتى أصبح على بعد أقدام قليلة.

حتى استطعت أن أرى انعكاسي في عينيه السوداوين الفارغتين.

ثم، تحركت.

​لم أهاجمه.

رميت سيفي.

ليس عليه، بل على الأرض الصخرية بجانبه.

انغرس السيف في الصخر. وفي نفس الوقت، قفزت إلى الأمام، ليس لأهاجم، بل لأمسك به.

أمسكت بساقه بمجرد أن هبط.

صرخ بمفاجأة وغضب، وحاول أن يرتفع.

لكنني تشبثت به بكل ما أوتيت من قوة.

استخدمت وزني لأبقيه على الأرض.

بدأ يهاجمني بمنقاره وأجنحته. كنت أتلقى الضربات، وأشعر باللحم يتمزق، والعظام تتألم.

لكنني لم أتركه.

​بيدي الأخرى، استدعيت خنجرًا صغيرًا من حزامي.

وغرسته.

مرة تلو الأخرى.

في جناحه.

لم أكن أحاول قتله. كنت أحاول... تثبيته.

صرخ صرخة ألم مروعة، عندما اخترق خنجري عظم جناحه، وثبته في الأرض الصخرية.

الآن، أصبحنا على أرض متساوية.

​نهضت، وأنا أترنح، وسحبت سيفي من الصخر.

الآن، بدأت المبارزة الحقيقية.

كان قتالاً وحشيًا، قريب المدى، على حافة العالم.

كان يهاجم بجنون، وأنا أصد وأراوغ. كل حركة كانت محسوبة، كل ضربة كانت تهدف إلى نقطة ضعف.

وفي النهاية، وجدتها.

فتحة صغيرة تحت جناحه المصاب، حيث كان الدرع الريشي أقل كثافة.

انتظرت.

وعندما اندفع نحوي في هجمة أخيرة، يائسة، لم أصد.

بل تقدمت لملاقاته، وانزلقت تحته، ووجهت سيفي إلى الأعلى.

طعنة واحدة.

صامتة.

ومثالية.

شعرت بالنصل وهو يخترق الريش، والجلد، والعضلات، ويغوص عميقًا في قلبه.

تجمد الغريفين في مكانه.

نظر إليّ بعينيه السوداوين. ولأول مرة، رأيت شيئًا فيهما غير الفراغ.

رأيت... مفاجأة.

ثم، انهار على الأرض، ميتًا.

​وقفت فوق جثته الضخمة، ألهث بعمق، والضباب يلتف حولي.

كنت أنزف. كنت أتألم.

لكنني كنت... هادئًا.

​عندما بدأت الشمس تغرب، وتصبغ بحر السحب باللون البرتقالي والذهبي، جلست على حافة القمة.

توهجت ساعة النقاط.

​--- تحديث الترتيب اليومي ---

اليوم الخامس والعشرون. 21 ناجيًا متبقين.

1. كايلين من بيت الخشب الحديدي: 2512 نقطة

2. ديغون ستونهاند: 2506 نقطة

3. نير ڤيرتون: 2502 نقطة

4. سيرافينا ڤاليراك: 2490 نقطة

5. سيلين دي فالوا: 2484 نقطة

6. ثيرون ڤاليراك: 2470 نقطة

7. ليرا فيكس: 2458 نقطة

8. كاسيان دي فالوا: 2440 نقطة

9. آيلا: 2410 نقطة

10. كاستر: 2398 نقطة

---------------------------

الترتيب الحالي: 1 / 21 ناجيًا

​نظرت إلى الأرقام.

لا زلت في الصدارة. لكن الفجوة كانت تضيق. ديغون ونير كانا يطاردانني كذئبين جائعين.

لم أشعر بالرضا. لم أشعر بالقلق.

شعرت فقط... بالوضوح.

نظرت شمالاً.

ورأيته.

في الأفق البعيد، فوق قمة جبلية أعلى من كل القمم الأخرى، كان هناك ضوء خافت، أبيض، ينبض ببطء.

"ملاذ السيادة."

النهاية كانت قريبة.

​بدأت في العمل.

بسيفي، بدأت في استخراج قلب الغريفين. كنت بحاجة إلى النقاط.

وبخنجري، بدأت في سلخ بعض من لحمه. كنت بحاجة إلى الطعام.

كنت أعمل بصمت، تحت ضوء النجوم الباردة، على قمة العالم.

لم أكن طالبًا بعد الآن.

لم أكن حتى محاربًا.

كنت مجرد... سيف.

ينتظر القطعة الأخيرة.

​[منظور ثيرون ڤاليراك]

​الهواء كان نارًا.

لم يكن مجرد هواء حار، بل كان يتنفس، يلتصق بجلدك، ويسرق الرطوبة من فمك، ويملأ رئتيك برائحة الكبريت والصخر المحترق.

كنت أقف في "السهول المحروقة"، وهي أرض قاحلة من الزجاج البركاني الأسود والرماد، تمتد لأميال تحت سماء رمادية، حليبية، لا شمس فيها، لكنها تشع بحرارة لا تطاق.

​مر خمسة وعشرون يومًا.

خمسة وعشرون يومًا من هذا الجحيم.

كنت جاثمًا خلف شفرة ضخمة من حجر السبج الأسود، الذي كان حادًا كالزجاج، وأنظر إلى انعكاسي المشوه على سطحه اللامع.

لم أرَ أميرًا.

رأيت... وحشًا.

شعري الذهبي، الذي كان فخر مصففي القصر، أصبح الآن طويلاً، معقدًا، وملطخًا بالرماد والعرق.

بشرتي، التي كانت دائمًا شاحبة وأرستقراطية، أصبحت الآن داكنة، ومتشققة بفعل الحرارة، ومغطاة بطبقة من الغبار الذي لا يزول.

درعي الذهبي، الذي كان يتلألأ كالشمس، أصبح الآن باهتًا، ومخدوشًا، ومغطى بالدم الأسود الجاف للوحوش.

كنت أكره هذا المنظر.

كان تذكيرًا دائمًا.

تذكيرًا بمركزي.

​أخرجت ساعة النقاط من جيبي. لم أكن أرتديها على معصمي. لم أكن أريد أن أمنح أي شخص الرضا برؤيتي وأنا أتفقدها بقلق.

انتظرت حتى غروب الشمس، ثم فعلتها في خلوتي.

الأرقام الزرقاء توهجت في الظلام المتزايد.

​...

4. سيرافينا ڤاليراك: 2490 نقطة

5. سيلين دي فالوا: 2484 نقطة

6. ثيرون ڤاليراك: 2470 نقطة

7. ليرا فيكس: 2458 نقطة

...

​السادس.

المركز السادس.

وراء أختي المتلاعبة، ووراء سليلة الشمال الجليدية. ووراء... هم.

كايلين. ديغون. نير.

فلاح. قروي. ومنبوذ.

ثلاثة أشخاص لم يكن من المفترض حتى أن يتنفسوا نفس الهواء الذي أتنفسه، كانوا الآن ينظرون إليّ من الأعلى في لوحة الترتيب.

شعرت بالغضب يرتفع في داخلي، غضب بارد، ملكي، وحارق. لم يكن غضبًا صاخبًا، بل كان غضبًا هادئًا، مميتًا، وعد بأن يحرق كل من أهانه.

"غير مقبول." تمتمت لانعكاسي المشوه. "هذا... غير مقبول على الإطلاق."

​"أتفق معك تمامًا."

جاء الصوت الهادئ، الماكر، من خلفي.

لم ألتفت. لم أكن بحاجة لذلك.

"كاسيان." قلت ببرود. "كم مرة أخبرتك ألا تتسلل نحوي هكذا؟"

​خطا ابن عم سيلين من ظل صخرة أخرى، وابتسامته الساحرة لم تتأثر بالحرارة أو القذارة.

كان يبدو أفضل حالاً مني، لكن عينيه كانتا تحملان نفس الإرهاق القاسي الذي يشعر به الجميع.

"مجرد عادة قديمة، يا ڤاليراك." قال، وهو يجلس بجانبي. "ما الذي يزعج الأمير اليوم؟ أهو الترتيب، أم رائحة الكبريت؟"

​"كلاهما." قلت، وأنا أخفي الساعة.

"لقد وجدته." قال كاسيان، وتغيرت نبرته إلى الجدية.

"الفريق الذي تحدثنا عنه. فريق بيت 'الصقر القرمزي'. ثلاثة نبلاء من الدرجة الدنيا، يعتقدون أنهم أذكياء.

لقد وجدوا وادٍ صغير، به نبع ماء نقي، وحصنوه. إنهم يصطادون الوحوش التي تأتي للشرب. لقد جمعوا نقاطًا لا بأس بها."

​نظرت إليه. "وهم الآن... هدفنا."

ابتسم كاسيان. "صيد الوحوش بطيء جدًا، يا صاحب السمو. النقاط الحقيقية... تأتي من اللاعبين الآخرين."

​نهضت على قدمي. "أرسل الإشارة."

أومأ كاسيان برأسه، وأخرج بلورة صغيرة، أرسلت وميضًا خافتًا من الضوء الأخضر.

بعد دقائق، ظهر الآخرون.

كاستر، العملاق المليء بالندوب، وفأسه على كتفه. أوريون، الصامت كالعادة، وقوسه في يده.

وإلارا، التي كانت تبدو كشبح في هذا الضباب الحراري.

ليرا لم تكن معهم. كانت دائمًا تصطاد بمفردها، وتظهر فقط عندما يكون هناك شيء ممتع.

لم نعد فريقًا. كنا... تحالفًا. تحالفًا من المصلحة، والضرورة، بقيادة رجل واحد.

أنا.

​"الخطة بسيطة." قلت، وصوتي كان يحمل السلطة التي ولدت بها.

"الوادي له مدخلان. أوريون، ستتمركز فوق المدخل الشمالي.

مهمتك هي منع أي شخص من الهرب. إلارا، ستذهبين مع كاسيان إلى المدخل الجنوبي.

أريد أوهامًا. أوهامًا لقطيع من 'كلاب الحمم'. اجذبي انتباههم، واجعلي تركيزهم كله على ذلك المدخل."

"كاستر، أنت معي. عندما يبدأون في القتال مع أوهامك، سندخل من الأعلى، من حافة الوادي. سنهبط في وسطهم كالصاعقة."

نظرت إليهم واحدًا تلو الآخر. "لا أخطاء. لا تردد. أريد ثمانية عشر نقطة نظيفة. هل هذا واضح؟"

كانت هناك إيماءات صامتة.

"جيد. تحركوا."

​كانت الخطة مثالية. وكان التنفيذ... تحفة فنية.

كنت أنا وكاستر نختبئ فوق الحافة الصخرية للوادي، وننظر إلى الأسفل.

رأينا الطلاب الثلاثة يتخذون مواقعهم الدفاعية عند المدخل الجنوبي، وهم يطلقون السهام والتعاويذ على قطيع من كلاب الحمم النارية الوهمية التي كانت تندفع نحوهم.

"يا لهم من أغبياء." تمتم كاستر.

"إنهم يائسون." صححت له. "واليأس يجعلك غبيًا."

​"الآن."

قفزنا.

كان السقوط يبلغ عشرة أمتار. هبط كاستر بصوت ارتطام مدوٍ، حطم الأرض الصخرية، ونهض وهو يطلق هديرًا وحشيًا.

أما أنا، فقد استخدمت دفعة صغيرة من النار من حذائي لإبطاء هبوطي، وهبطت بهدوء، وأناقة، حتى في قلب هذا الجحيم.

​استدار الطلاب الثلاثة، والرعب المطلق على وجوههم. لقد أدركوا أنهم وقعوا في فخ.

لم نمنحهم أي فرصة.

كان كاستر إعصارًا من الفولاذ. فأسه كان يرسم أقواسًا مميتة، ويحطم دروعهم، ويلقيهم بعيدًا كأنهم دمى.

أما أنا... فكنت أرقص.

سيفي "أشعة الشمس" اشتعل بلهب ذهبي نقي.

كان قائدهم، شاب ذو شعر بني، مبارزًا جيدًا. حاول أن يواجهني.

كانت حركاته يائسة، وقوية. لكن حركاتي كانت... مثالية.

صددت ضربته. راوغت طعنته. ثم، استدرت، ومر سيفي المشتعل على ذراعه.

صرخ من الألم، ورائحة اللحم المحترق ملأت الهواء.

سقط سيفه من يده.

​"أنت تقاتل بشرف،" قلت له، وأنا أقف فوقه.

"لكن الشرف لا يمنحك النقاط."

وضعت طرف سيفي على صدره.

"اعتبر هذا درسًا."

وضغطت.

توهج رون الحياة على ذراعه، واختفى.

+6 نقاط.

​نظرت حولي. كاستر كان قد أنهى الاثنين الآخرين. كانا ملقيين على الأرض، فاقدي الوعي، قبل أن يختفيا هما أيضًا في وميض أبيض.

+12 نقطة.

انتهى الأمر.

​وقفنا في وسط الوادي الصامت، نحن الخمسة.

"عمل جيد." قلت، وأنا أطفئ لهب سيفي.

لكنني لم أشعر بالرضا.

نظرت إلى يدي، التي كانت مغطاة الآن بدم بشري. نظرت إلى انعكاسي في بركة ماء صغيرة.

رأيت ذلك المتوحش القذر، الملطخ بالدماء. لم أرَ أميرًا.

لقد حصلت على النقاط، لكن النصر كان مجوفًا. لقد اضطررت إلى اللجوء إلى ما أعتبره تكتيكات غير شريفة - نصب كمين لنبلاء أقل شأنًا - لمجرد مواكبة سباق أشعر أنه يجب أن أقوده بحقي السامي.

​"صاحب السمو؟"

صوت كاسيان أخرجني من أفكاري.

"ما هي أوامرك التالية؟"

نظرت نحو الشمال. نحو قمم الجبال البعيدة، حيث يقع الملاذ.

حيث يختبئ الآخرون.

كايلين. ديغون. نير.

"أوامري؟"

قلت، وابتسامة باردة، وقاسية، ارتسمت على وجهي لأول مرة منذ أيام.

"أوامري بسيطة، يا كاسيان."

"سنتسلق هذه القائمة. ليس فقط بقتل الوحوش، أو إقصاء الضعفاء."

استدرت، ونظرت إليهم، وعيناي تشتعلان بنار أشد حرارة من أي لهب شمسي.

"سنجد أولئك الذين في القمة... وسنحطمهم. واحدًا تلو الآخر.

سأثبت لهذا العالم، ولنفسي، أنه لا يوجد سوى ملك واحد حقيقي في هذه الجزيرة."

"وأنا... هو ذلك الملك."

...

...

...

المكان كان على الأرض... لكنه لم يكن منها.

في أعماق "غابة الخشب المتحجر"، حيث توقفت الحياة منذ آلاف القرون، وحيث تحولت أشجار الكون الأولى إلى أعمدة سوداء شاهقة، جامدة كالأبدية نفسها، كان يقبع المعبد.

لكن لم يكن معبدًا لعبادة... بل قبرًا.

قلب شجرة العالم القديمة، التي كانت يوماً ما دعامة للسماء، قد ماتت وتصلبت، ولم يبق منها سوى هيكل عظمي بحجم جبل، أجوف، كقبر لكوكب بأكمله.

داخل هذا الجوف الحجري، تمتد قاعة هائلة، صامتة... كأنها رئة العالم بعد أن توقف عن التنفس.

الجدران من خشب متحجر داكن، قاسٍ كالفولاذ، والأرضية مكسوة بطبقة من غبار فضي... والذي لم يكن غبارًا، بل رماد أجسادٍ سحرية بادت منذ عصور لا يجرؤ الزمن على عدّها.

الضوء الوحيد يتسرب من فطر فسفوري أزرق، ينبت في شقوق الخشب الميت، يرسل خيوطًا باردة، وظلالًا ترتجف كأشباح تتلوى في القيود.

في قلب القاعة، اصطفت سبعة عروش، منقوشة من لبّ الشجرة المتحجر، متألقة بلون أحمر داكن كدمٍ تجمد منذ فجر الخلق.

وعليها... جلسوا.

سبعة.

كائنات لم يكن حضورها قوة، بل ثِقلًا يسحق الواقع نفسه.

مجرد هالتهم كانت كافية لتذيب عقل أي فانٍ، وتحوله إلى صدى يصرخ في الفراغ.

الأول: شيخ أبيض الشعر، عيناه مطبقتان في تأمل يتجاوز القرون.

السادس: محاربٌ مكسور الظل، سيفه مغروس بين قدميه، كأن صمته أعظم من أي تهديد.

الرابعة: كاسديا، في هيئتها الشيطانية الكاملة، قرناها يتلألآن ببريقٍ باهت، وعيناها البنفسجيتان تبصقان مللًا على العالم.

أما الآخرون: شاب بابتسامة قاسية لكنها اليوم ذابلة، امرأة فضية الشعر بعينين خاويتين، ورجل وامرأة جالسان في صمت عميق... صمت يشبه المقابر حين تتهيأ لاستقبال ضحاياها.

الجو كان ملبدًا... ليس بالغضب، بل ببرودة الفاجعة.

"العاشر... قد سقط."

كلمات المرأة الفضية انطلقت كريح تمرّ على نصل مغموس في الجليد.

"انقطع اتصاله فجأة. لم يبق منه أثر."

"والتاسع كذلك." تمتم الشاب، وابتسامته التي كانت سخرية أبدية اختفت كأنها لم تكن.

الصدمة كانت كالسيف، أما وقعها... فكان كإذلال كوني.

"اثنان!" زمجر السادس، يده تعتصر مقبض سيفه حتى صرخ المعدن في احتجاج.

"اثنان من العشرة... يسقطان في أقل من شهر! هذا ليس فشلًا... بل لطخة عار على دمائنا!"

كاسديا رفعت رأسها ببرود، وفي صوتها صدى كمن يعلن طوفانًا:

"وما هو أعظم... الخامس، أزاريال... قد مات."

لو كان سقوط التاسع والعاشر صدمة، فإن هذه الكلمات كانت زلزالًا اجتثّ القاعة من جذورها.

"مستحيل!" صرخة السادس هزت الفراغ، وقف، وانفجرت هالته المظلمة كعاصفة، حتى أن ضوء الفطر انطفأ لوهلة، وكأن العالم نفسه ارتجف.

"أزاريال يملك ’مذبح الألف جدار‘! لم يولد بشري قادر على كسر حصنه... إلا لو كان العالم نفسه قد خانه!"

حينها، تكلّم الأول.

صوته لم يكن صوتًا، بل كان صدى الأبدية وهي تتكلم.

لم يفتح عينيه... ومع ذلك، سقط الصمت فوق الجميع كجبل من جليد أسود.

"كاسديا."

كلمة واحدة، لكنها حطّمت الغضب في صدر السادس.

فتحت عينيها البنفسجيتين، نظرت نحوه.

"لقد رأيته. سايلس."

قالتها كأنها تذكر اسم ظلٍّ لم يعد ينتمي للحياة.

لكن داخلها... لم تكن واثقة.

الرجل الذي واجهته حمل قوة سايلس، نعم... لكن النظرة في عينيه؟ اليأس المتجرد، الوحشية البدائية... لم تكن إنسانية. كانت شيئًا أقدم من الدماء ذاتها.

"كان أعظم مما توقعت." تابعت، وكأنها تعترف بحقيقة كونية. "خلعت عينه الثانية لأجلبه حيًا... لكنّه أفلت."

"أفلت؟" بصق السادس بازدراء. "منكِ؟"

"استخدم تقنية لم أرها منذ ولدت. تجاوزت فهمي للحظة... كان كالفراغ نفسه، يتسع ولا يُمسك."

ظل الأول ساكنًا، يزن كلماتها. ثم قال، كحكم سماوي:

"لقد فشلتِ، يا رابعة."

"لقد استهنت به." ردت، ببرود لا يعرف الندم. "لكن الخطأ صار معرفة. وهذا يكفيني."

عندها... فتح الأول عينيه.

لم تكن عينان.

كانتا نجمتين نيوترونيتين، تبعثان ضوءًا أبيض جليديًا، يبتلع الدفء والرجاء من كل ركن، ويمتص حتى صدى الأنفاس.

"ثلاثة منّا قد سقطوا." قال بصوت صار كحد السيف.

"خطة السيد لم تعد مهددة... إنها تنزف. وهذه المهزلة ستنتهي... الآن."

أشار إلى السادس.

"انسَ القوائم. انسَ وريث ڤيرتون.

ابحث عن سايلس. ابحث عن ’عمود البشرية‘.

واكسره.

واجلب لي سيفه."

انحنى السادس، وقال بصوت أجوف: "سيكون شرفًا لي."

لكن الأول قاطعه ببرودٍ أشد من الموت:

"لا أريد شرفك. أريد رأسه... أو رماده."

ثم التفت إلى كاسديا.

"وأنتِ، يا رابعة. المرأة... ليليث. بقوتها لا يجوز أن تُترك كمتغير مجهول. ابحثي عنها أريدها هنا. وإن لم تتعاون..."

ابتسم. ابتسامة لم تكن ابتسامة، بل شقًا أسود فاغرًا في وجهه، كهوة تتضور جوعًا.

"...امسحيها من الرقعة."

ساد صمت كصمت المقابر، لكن هذا الصمت لم يكن سكونًا... بل كان إعلان حرب.

الحرب لم تعد ضد إمبراطورية أو أكاديمية.

بل ضد الأمل ذاته.

أمل مجسّد في عجوز محطم... وامرأة تحمل حزن العالم.

والشياطين... قد بدأوا الصيد.

"الوقت قد حان." قال الأول، وصوته دوّى كقبرٍ يُغلق على آخر شعاع نور.

"حان الوقت ليشعر هذا العالم... بالزلزال الأول من غضب سيّدنا الحق."

2025/08/31 · 46 مشاهدة · 2824 كلمة
Ashveil
نادي الروايات - 2025