[منظور نير ڤيرتون]

​تبقى ثلاث ساعات فقط.

ثلاث ساعات. مئة وثمانون دقيقة. عشرة آلاف وثمانمائة ثانية.

كل ثانية كانت تدق في رأسي كضربة مطرقة على سندان روحي المنهكة.

كانت السماء في الشرق قد بدأت تكتسب لونًا رماديًا باهتًا، نذيرًا بفجر لن يجلب معه أي أمل، بل مجرد نهاية.

كنت أتحرك عبر المرتفعات الصخرية، وجسدي مجرد آلة تعمل على بقايا الإرادة والألم.

لم أعد أشعر بالجوع، ولا بالعطش، ولا بالإرهاق. لقد تجاوزت كل ذلك، ووصلت إلى حالة غريبة من الوضوح المخدر، حيث لم يكن هناك سوى الهدف.

​النقاط.

​في الساعات القليلة الماضية، كانت الإعلانات تتوالى على ساعة النقاط، ليس كتحديث للترتيب، بل كأجراس جنازة لآمالي.

‹أعلن: ثيرون ڤاليراك قد وصل إلى ملاذ السيادة.›

‹أعلن: كاستر قد وصل إلى ملاذ السيادة.›

‹أعلن: إلارا قد وصلت إلى ملاذ السيادة.›

وبعدها بفترة طويلة، الإعلان الذي أغضبني أكثر من غيره:

‹أعلن: آيلا قد وصل إلى ملاذ السيادة.›

​ثيرون وكاستر وإليرا وآيلا... قد فازوا. لقد اختاروا الحكمة، اختاروا النجاة. لقد خرجوا من اللعبة، وحجزوا أماكنهم في السنة الثانية.

بينما أنا، الأحمق، لا أزال هنا، في هذا الجحيم، أطارد أشباح الأرقام.

​كنت في خضم معركة وحشية. اثنان من "حراس الصخر"، وحوش ضخمة من الرتبة الثانية، أجسادها منحوتة من الجرانيت، وقبضاتها قادرة على تحطيم الفولاذ.

في بداية المنافسة، كنت سأهرب منهم. الآن... كانا مجرد ثماني نقاط.

كان القتال قذرًا، ويائسًا، وطويلاً. حركاتي كانت بطيئة، وسيفي كان ثقيلاً كأنه مصنوع من الرصاص.

تلقيت ضربة قوية في صدري، ألقَت بي على الأرض، وشعرت بأن ضلوعي المكسورة قد اخترقت رئتي.

الدماء سالت من فمي، وشعرت بأن وعيي يبهت.

لكنني نهضت.

بزئير لم يكن بشريًا، اندفعت، واستخدمت آخر ما تبقى من طاقتي في الظلام لأخلق وهمًا للحظة، ثم طعنت كليهما في نقاط ضعفهما خلف الرقبة.

انهارا، وتحولا إلى ركام.

​وقفت ألهث، أتكئ على سيفي، والدماء تسيل من فمي.

نظرت شمالاً. رأيت الضوء. ضوء الملاذ. كان قريبًا. ربما ساعتان من الركض المتواصل.

"حان الوقت." تمتمت. "حان وقت إنهاء هذا."

لكن القدر... لم يكن قد انتهى مني بعد.

​اهتزت الأرض.

ليس اهتزازًا عاديًا. اهتزاز عميق، غير طبيعي، جعل الصخور من حولي ترتجف.

من كهف مظلم في جانب الجبل، كهف لم أكن قد لاحظته من قبل، خرج هو.

ظهر وحش من الرتبة الثالثة.

​تجمدت. لم أكن بحاجة إلى "عين الحقيقة" لأعرف رتبته. هالته وحدها كانت كافية لتجمد الهواء، وتجعل روحي تتقلص من الخوف.

كان "ملتهم الزمن". كائن لم أقرأ عنه إلا في أحلك صفحات الرواية. لم يكن من لحم ودم، بل كان من صفائح بلورية، رمادية، تتغير وتتحرك باستمرار، كأن جسده مكون من آلاف الساعات الرملية المكسورة.

لم يكن له وجه، فقط فجوة في وسطه، تتوهج بضوء أرجواني مريض.

لعنت. لم تكن لي فرصة تمامًا. كنت منهكًا، ومصابًا، وبالكاد أستطيع الوقوف. وهذا الشيء... كان بإمكانه قتل ديغون وكايلين معًا.

​كنت على وشك الخسارة.

بدأت أتراجع ببطء. الهرب. كان الخيار الوحيد.

لكن عندما حاولت أن أركض، شعرت بأن ساقي أصبحتا ثقيلتين، كأنهما مصنوعتان من الرصاص.

نظرت إلى الأسفل، ورأيت أن الهواء حولي يتموج. لقد كان يشوه الزمن.

كان يقترب مني، ببطء، وكأنه يستمتع برعبي.

كنت محاصرًا.

سينتهي كل شيء هنا. بعد كل هذا العناء... سأُقصى في الساعتين الأخيرتين.

كلمة "فاشل" ومضت في عقلي.

​"لا..."

تمتمت، واليأس المطلق أعطاني نوعًا غريبًا من الوضوح.

"لن أنتهي هكذا!"

لم يكن هناك خيار آخر.

أطلقت العنان لظلامي.

لم أحاول التحكم فيه. لم أحاول تشكيله.

لقد فتحت السد.

انفجرت كرة من الظلام المطلق مني، سواد أعمق من أي ليل، ابتلعت الضوء، والصوت، وكل شيء.

كان من المفترض أن تندفع نحو الوحش، أن تشتري لي ثانية.

لكنها... سحبتني أنا.

​شعرت بقوة لا تقاوم تجذبني إلى الخلف، إلى مركز قوتي الخاصة. العالم الخارجي اختفى في ومضة.

لقد دخلت في الظلام.

​لم يكن فراغًا. كان أسوأ.

كنت أطفو في محيط لا نهائي من السواد البارد. لم يعد لدي جسد. كنت مجرد وعي.

وكان هناك أصوات. همسات. كل ذكرى سيئة، كل لحظة شك، كل خوف كبتّه في حياتي... كان يهمس في أذني في نفس الوقت.

رأيت وجوهًا تتشكل في الظلام وتختفي. وجه والدي، أليستر، سيرافينا... كلهم كانوا يضحكون عليّ.

​"اللعنة!" صرخت في عقلي. "أين أنا؟!"

حاولت أن أتحرك، لكن لم يكن هناك شيء لأتحرك نحوه.

الوقت. ماذا عن الوقت؟

شعرت بالذعر يجتاحني. المنافسة... النهاية...

مرت ساعة.

وساعتان.

وثلاث... ساعات كثيرة.

لم أكن أعرف. لقد فقدت كل إحساس بالزمن. هل مرت دقائق؟ أم أيام؟

كنت ألعن، وأصرخ، وأقاتل ضد العدم.

​حاولت، وحاولت.

تذكرت.

لماذا أنا هنا؟

النقاط. الفوز. لا...

شيء أعمق.

"أريد أن أعود إلى دياري."

هذه الفكرة. هذه الإرادة. أصبحت هي مرساتي.

تشبثت بها كأنها طوق النجاة الوحيد في هذا المحيط من الجنون.

"أريد... أن... أعود!"

صرخت بكل ما أوتيت من قوة إرادة.

​شعرت بشيء يتمزق.

الظلام حولي بدأ يتشقق، كزجاج أسود.

ثم، بقوة لا تصدق، قُذفت خارجًا.

​ارتطمت بالأرض بقوة، وشعرت بالألم يعود إلى جسدي كعاصفة.

سعلت، وأنا ألهث، وأتذوق طعم الرماد والغبار.

أنا حي.

لقد خرجت.

​نهضت على ركبتي، ونظرت حولي.

لم تكن هناك مرتفعات صخرية. لم يكن هناك ضباب.

كنت في وادٍ صخري، جاف، مكان كنت قد مررت به منذ ساعات طويلة.

لقد ابتعدت، لكن ليس كثيرًا. لم أعد إلى نقطة البداية، لكنني خسرت كل التقدم الذي أحرزته في الساعات القليلة الماضية.

​اللعنة. اللعنة! اللعنة!!!

لم يكتفِ الظلام بحبسي. لقد أعادني إلى الخلف.

نظرت إلى ساعتي.

كانت لا تزال تعمل. لم تكن تعرض الترتيب. كانت تعرض الوقت.

​06:52 صباحًا

​كانت لا تزال الساعة 6:52. تبقى لي ما يقارب الساعة.

ساعة وثماني دقائق.

ساعة وثماني دقائق لأقطع مسافة كانت ستستغرق مني ثلاث ساعات وأنا في كامل قوتي.

الآن... بجسدي المحطم... كانت مستحيلة.

​استلقيت على ظهري، على الأرض الصخرية الباردة.

وضحكت.

ضحكت ضحكة مكسورة، فارغة، مليئة باليأس المطلق.

لقد قاتلت. لقد نزفت. لقد قتلت. لقد وصلت إلى القمة.

وفي النهاية...

في الساعة الأخيرة...

لقد خسرت كل شيء.

​"فاشل."

همس صوت في عقلي.

وهذه المرة... لم أستطع أن أجادل.

لقد كان على حق.

ساد الصمت للحظة.

لكن بعد ذلك، ومضت صورة في ذهني.

صورة سيرافينا، وابتسامتها المتعالية.

صورة كايلين، وهدوئه الذي لا يكسر.

صورة كلمة "فاشل" وهي تتوهج على شاشة النظام.

​"لا..."

تمتمت، والضحكة اليائسة تحولت إلى تكشيرة وحشية.

"ليس بعد."

​أجبرت نفسي على النهوض. كل عضلة، كل عظمة، كل عصب في جسدي كان يصرخ احتجاجًا. تجاهلتهم.

نظرت شمالاً، نحو الضوء الأبيض الذي كان الآن أبعد من أي وقت مضى.

وبدأت أركض.

لم يكن ركضًا. كان عرجًا، وتعثرًا، وسقوطًا، ثم النهوض والركض مرة أخرى.

كان سباقًا يائسًا ضد الزمن، ضد جسدي المحطم، ضد المستحيل نفسه.

لم أكن أعرف ما إذا كنت سأصل.

على الأغلب لا.

لكنني... لن أموت وأنا راكع.

إذا كانت هذه هي نهايتي...

فسأموت وأنا أركض نحوها.

​[منظور كايلين]

​لم يعد هناك شيء اسمه "ألم".

الألم أصبح جزءًا من وجودي، ضجيجًا أبيض في خلفية وعيي، لا يمكن تمييزه عن صوت الريح الهامسة، أو عن البرودة التي تغلغلت في عظامي.

جسدي كان مجرد آلة، تعمل بالوقود الأخير المتبقي من الإرادة والانضباط.

كل عضلة كانت تصرخ. كل ندبة قديمة كانت تحترق. لكنني واصلت التقدم.

​كنت في "الذرى الهامسة"، على السلالم الأخيرة التي تؤدي إلى قمة العالم.

الضباب كان يلتف حولي كبحر من الأشباح، والرياح كانت تعوي في الممرات الصخرية، حاملة معها همسات من لغات ميتة.

أمامي، في الأفق، كان يلمع ضوء "ملاذ السيادة" الأبيض، ليس كمنارة أمل، بل كتحدٍ أخير.

كان قريبًا جدًا، لكن كل قدم تفصلني عنه كانت مليئة بالخطر.

​كنت أقاتل كثيرًا.

لم تكن المنطقة الأخيرة طريقًا سهلاً. كانت الغربال الأخير، مصممة لكسر أولئك الذين وصلوا إلى هنا بإرادة مهشمة.

هاجمتني "أرواح الرياح". كائنات شبحية، شفافة، مصنوعة من الضباب والبرق، كانت تندفع نحوي على شكل شفرات هوائية حادة.

لم أستطع رؤيتها. كنت أقاتل وأنا مغمض العينين، أعتمد فقط على "الفراغ"، على الإحساس بالاضطراب الذي تحدثه في الهواء، وأصد هجماتها في آخر جزء من الثانية.

كل صَدّة كانت ترسل اهتزازًا مؤلمًا عبر ذراعي المنهكتين.

​بعد أن تجاوزت أرواح الرياح، جاء دور "الغارغويل الحجري".

بالقرب من الممر المؤدي إلى الملاذ، استيقظت التماثيل القديمة التي كانت منحوتة على جانب الجبل.

كانت أجسادها من الجرانيت الصلب، وكانت تهاجمني بقوة وحشية، وبلا هوادة.

لم تكن سريعة، لكن كل ضربة منها كانت كضربة مطرقة حصار.

كانت معركة تحمل. كنت أراوغ، وأقطع، وأطعن. سيفي كان يحدث شرارات على جلودهم الحجرية.

استمر القتال لساعة كاملة، ساعة من الجهد المطلق، حتى تمكنت أخيرًا من إيجاد الشقوق في دروعهم، وتحطيم قلوبهم البلورية النابضة.

​عندما سقط آخر غارغويل، انهرت أنا على ركبة واحدة.

كنت ألهث، والدماء تسيل من جرح جديد في ساقي، وتمتزج بالعرق والغبار. كنت على حافة الانهيار.

لكنني... كنت قد وصلت.

​رفعت رأسي.

أمامي، كانت تقع بوابات الملاذ.

لم تكن بوابات ضخمة، أو مزخرفة. كانت مجرد قوس حجري أبيض، بسيط، وأنيق، منحوت في الصخرة نفسها.

لم يكن هناك حراس، ولا أبواب. فقط فتحة تؤدي إلى ضوء دافئ، هادئ.

كانت هالة من السلام المطلق تنبعث من القوس، هالة كانت تتناقض بشكل صارخ مع الجحيم البارد، العاصف، الذي كنت أقف فيه.

​نهضت على قدمي المرتجفتين.

خطوة.

خطوتان.

عبرت القوس.

​في لحظة، اختفى كل شيء.

اختفت الرياح الهامسة. اختفى البرد القارص. اختفى الألم الحاد في جسدي.

وجدت نفسي أقف في قاعة دائرية ضخمة، جدرانها من الرخام الأبيض الدافئ، وسقفها قبة من الكريستال الشفاف، تظهر النجوم التي بدأت تلمع في سماء الفجر.

في وسط القاعة، كانت هناك ساعة رملية ضخمة، ذهبية، رمالها الفضية كانت على وشك الانتهاء من السقوط.

الصمت هنا كان مختلفًا. لم يكن صمت الفراغ، بل كان صمت الراحة. صمت النهاية.

لقد انتهى الأمر.

​نظرت حولي.

لم أكن وحدي.

كان الآخرون هنا. الناجون.

كان عددهم أربعة عشر. كانوا متناثرين في القاعة، كل منهم في عالمه الخاص من الإرهاق.

رأيت طلابًا لا أعرف أسماءهم، كانوا نائمين بعمق على الأرض الرخامية، وجوههم تحمل آثار شهر من الكوابيس.

ورأيت آخرين يجلسون بصمت، يضمدون جروحهم، أو يحدقون في الفراغ، وعيونهم فارغة.

ثم، رأيت الوجوه المألوفة.

ديغون قد فاز، أو على الأقل، وصل. كان يجلس مسندًا ظهره إلى أحد الأعمدة الرخامية، وجسده الضخم مرتخٍ، وعيناه مغلقتان.

كان يبدو كجبل تعرض لعاصفة استمرت لألف عام، ونجا.

سيرافينا وسيلين كانتا في زاوية، تتحدثان بهدوء. حتى في هذه الحالة من الإرهاق، كانتا تحتفظان بهالة من الكبرياء الأرستقراطي.

لقد وصلوا.

​قمت بعدهم في عقلي. أربعة عشر.

وأنا... الخامس عشر.

خمسة عشر ناجيًا من أصل ستة وستين.

​مشيت ببطء إلى داخل القاعة، وصوت خطواتي كان الصوت الوحيد المسموع. التفتت بعض الرؤوس نحوي.

رأيت نظرات من الاحترام، والدهشة، وربما الخوف في عيونهم. الأول في الترتيب، قد وصل أخيرًا.

لكنني لم أهتم بهم.

عيناي كانتا تبحثان.

تبحثان عن هالة معينة. هالة من الظلام الفوضوي، والغضب المكبوت.

فحصت كل وجه في القاعة مرة أخرى.

ديغون، سيرافينا، سيلين، ثيرون، كاستر، آيلا... كانوا جميعًا هنا.

لكن نير ڤيرتون... لم يصل بعد.

​تجمدت في مكاني.

"غير ممكن." تمتمت لنفسي.

تذكرت تلك الليلة في وادي الضباب. ذلك الاتفاق الصامت. "كل شخص في طريقه. والمرحلة الخامسة... ستحدد كل شيء."

لقد أدرت له ظهري، ومشيت مبتعدًا. لقد وثقت بمنطقه. وثقت بأنه، مثلي، سيركز على الوصول إلى هنا.

لكنه لم يفعل.

​ماذا حدث؟ هل وقع في كمين بعد أن افترقنا؟ هل خانه ظلامه الخاص في النهاية؟ أم أنه... كان لا يزال هناك، في الخارج، يقاتل؟ يطارد المزيد من النقاط، في تجاهل مجنون للمنطق ولحياته؟

​مشيت نحو جدار فارغ، وانزلقت على الأرض، وأسندت ظهري إليه.

لم أشعر بالانتصار. لم أشعر بالراحة.

شعرت... بفراغ.

لقد تدربت لأواجهه. لقد تحملت كل هذا الألم لأختبر نفسي ضده في النهاية.

لكن خصمي... لم يحضر.

​أخرجت قطعة قماش نظيفة من جيبي، وبدأت في مسح الدم والغبار عن نصل سيفي.

الطقس المألوف لم يجلب لي أي هدوء هذه المرة.

نظرت إلى الساعة الرملية الضخمة في وسط القاعة.

الرمال الفضية كانت على وشك الانتهاء.

لم تتبق سوى عشرين دقيقة على النهاية.

عشرون دقيقة حتى تغلق بوابات الملاذ إلى الأبد.

عشرون دقيقة... ليظهر نير ڤيرتون.

أو... ليخسر .

​أغمضت عيني.

لم أعد أفكر في الترتيب، أو في النقاط.

كل ما كنت أفعله... هو الاستماع.

الاستماع إلى صوت الريح خارج البوابات.

على أمل أن أسمع... صوت خطوات أخرى قادمة.

كنت أنتظر.

السيف... كان ينتظر.

2025/09/02 · 43 مشاهدة · 1870 كلمة
Ashveil
نادي الروايات - 2025