[منظور نير ڤيرتون]
الظلام لم يكن فراغًا هذه المرة، بل كان سقوطًا.
شعور لا يمكن وقفه، بالسقوط عبر هاوية لا قرار لها، والرياح تصرخ في أذني، وجسدي خفيف كأنه ريشة.
كنت أسقط، وأسقط، وأسقط، وأنتظر ذلك الارتطام النهائي، الذي سيمحو كل شيء، كل ألم، كل ذكرى، كل وجود.
ثم، شعرت به. ارتطام.
لكنه لم يكن ارتطامًا عنيفًا، مدمرًا. بل كان ارتطامًا ناعمًا، كأنني سقطت على سرير مصنوع من الثلج.
فتحت عيني ببطء.
لم يكن هناك ظلام. بل كان هناك ضوء. ضوء فجر باهت، رمادي، يلون سماءً شاسعة مليئة بالغيوم التي تتحرك ببطء.
الهواء كان أول ما صفعني، هواء نقي، بارد، وحاد، يحمل في طياته رائحة الصنوبر، والصخر المبلل، ورائحة غريبة... رائحة الأوزون الذي يتخلف عن السحر القوي.
"أنا... حي؟"
الكلمات خرجت مني كهمس أجش، وشعرت بحلقي جافًا، ومؤلمًا.
حاولت أن أنهض، لكن جسدي رفض أن يطيع.
كان كأنه كتلة من الرصاص المنهك. كنت مستلقيًا على ظهري، على أرضية حجرية باردة، ووجدت نفسي أحدق في السماء المفتوحة.
"لقد نجحت..." فكرت، والذاكرة بدأت تعود إليّ ببطء، كشظايا من زجاج محطم. "لقد عبرت الخط..."
"يبدو أن أمير الظلال قد قرر أخيرًا أن يشرفنا بوعيه."
صوت ساخر، مألوف بشكل مقيت، اخترق ضباب ذهني.
أدرت رأسي ببطء، وكل حركة كانت تطلق موجة من الألم المكتوم في عضلاتي الممزقة.
كانوا قد خرجوا من قاعة "ملاذ السيادة". كنا الآن في الخارج، على قمة الجبل المسطحة، حيث كانت الرياح الباردة تهب بحرية.
الناجون الستة عشر كانوا متناثرين، بعضهم لا يزال نائمًا على نقالات سحرية، وبعضهم الآخر يجلس بصمت، يحدق في الفراغ، وجوههم أقنعة من الإرهاق والصدمة.
المعالجون كانوا يتحركون بينهم بهدوء، يقدمون جرعات الشفاء والمشروبات الدافئة.
نظرت في اتجاه الصوت. كان الأمير ثيرون ڤاليراك يقف على بعد أمتار قليلة، وذراعاه معقودتان على صدره، وعلى وجهه تلك الابتسامة المتعجرفة التي كنت أتمنى لو أستطيع محوها بقبضتي.
تجاهلته. لم أكن في مزاج لألعابه. التفتت، باحثًا عن شيء واحد.
وهناك، كانت تطفو في الهواء. لوحة ترتيب ضخمة، مصنوعة من ضوء فضي، لا تزال تعرض النتائج النهائية.
وجدت اسمي.
الثالث.
"الثالث؟" تمتمت، وشعرت بوخزة من خيبة الأمل، ممزوجة بارتياح غريب. "بعد كل ذلك الجحيم... الثالث."
الذاكرة الأخيرة... كنت الأول. لا بد أن كايلين وسيرافينا قد تجاوزاني في تلك اللحظات الأخيرة بينما كنت أصارع من أجل حياتي.
نظرت إلى القائمة مرة أخرى.
كايلين.
سيرافينا.
أنا.
سيلين.
ديغون.
ثيرون.
لم يكن سيئًا. لكنه لم يكن الأول.
أشحت بنظري، ورأيت عن يميني كايلين. كان يقف بهدوء، وظهره مستقيم كعادته، لكن كانت هناك ضمادات جديدة على ذراعه وساقه.
لم يكن وحيدًا. كانت سيرافينا تقف بجانبه، ويتحدثان بهدوء.
لم أستطع سماع ما يقولانه، لكن "عين الحقيقة" أظهرت لي أن هالتيهما، البيضاء النقية والضبابية المتقلبة، كانتا تتفاعلان بطريقة غريبة، ليس كأعداء، بل كقوتين عظيمتين تدرسان بعضهما البعض باحترام حذر.
"إذًا،" قال ثيرون مرة أخرى، مقتربًا مني، كأنه لا يستطيع تحمل فكرة أن يتم تجاهله.
"المركز الثالث، ڤيرتون. ليس سيئًا بالنسبة لشخص وصل كجثة شبه متحللة. لا بد أنك فخور جدًا بنفسك."
أدرت رأسي نحوه ببطء، وقابلت نظرته الساخرة بنظرة فارغة.
"إنه أفضل من المركز السادس، يا صاحب السمو،" قلت ببرود، وصوتي كان لا يزال أجشًا.
تجمدت الابتسامة على وجه ثيرون. اللون الأحمر بدأ يزحف على رقبته. "أنا..." بدأ، ثم سعل سعلة خفيفة، محاولاً استعادة رباطة جأشه.
"أنا لم أكن أهتم بالفوز بالمركز الأول. هدفي كان اختبار قدرات فريقي، وصقل مهاراتي القيادية. الترتيب مجرد رقم تافه."
كانت كذبة واضحة، مثيرة للشفقة، لدرجة أنني كدت أبتسم.
"متى ستتعلم من أختك كيفية سحق المنافسين بدلاً من اختلاق الأعذار، يا أخي العزيز؟"
صوت سيرافينا الناعم، الذي كان كهمس الجليد، جاء من خلف ثيرون.
كانت قد اقتربت منهم دون أن يشعر بها أحد، وابتسامتها الملائكية البريئة كانت على وجهها، لكن عينيها كانت ترقصان بسخرية لاذعة.
استدار ثيرون نحوها، والغضب والإحراج يجعلان وجهه أحمر تمامًا.
"أنتِ...! لا تتدخلي في هذا!"
"أوه، لكنني يجب أن أتدخل،" قالت سيرافينا، وهي تضع يدها على كتفه بحركة تبدو حنونة، لكنها كانت تحمل في طياتها سيطرة مطلقة.
"فإذا استمر قائدنا المستقبلي في الظهور بهذا الشكل المثير للشفقة، فإن سمعة عائلة ڤاليراك بأكملها ستكون على المحك."
كانت هذه محادثة سوداء، مأساوية. شقيقان إمبراطوريان يتبادلان الإهانات فوق جثث آمالنا المحطمة.
كنت على وشك أن أغلق عيني، وأن أتظاهر بالإغماء مرة أخرى لأهرب من هذا المشهد، عندما تغير كل شيء.
لم يكن هناك أي سابق إنذار.
في لحظة، كانت السماء فوقنا صافية، زرقاء، والنسيم البارد منعشًا.
وفي اللحظة التالية، مات كل شيء.
الضوء... اختفى. ليس كغروب شمس، بل كأن مصباحًا كونيًا قد أُطفئ فجأة.
الظلام هبط علينا ككفن أسود، كثيف. الرياح توقفت. أصوات المعالجين، همسات الطلاب، كل شيء صمت.
لم يتبق سوى صمت مطبق، مرعب، وصوت دقات قلوبنا المذعورة.
"ماذا...؟" تمتم ثيرون، وصوته كان يرتجف.
رفعت رأسي. السماء لم تعد سماءً. كانت بحرًا من السواد المطلق. ثم، بدأت تتجمع.
سحب سوداء، ليست كسحب المطر، بل ككتل من الحبر، بدأت تتشكل من العدم، وتدور، وتلتوي، كأنها أفاعٍ سماوية تستعد للانقضاض.
ثم، بدأ البرق.
لم يكن برقًا عاديًا. كان صامتًا. ومضات عنيفة، حادة، من ضوء أسود وأرجواني، كانت تمزق السحب دون أي صوت، كأنها جروح تفتح وتغلق في جسد الليل.
ثم، بدأ المطر.
كان مطرًا عاديًا تمامًا. قطرات من ماء بارد، نقي. وهذا ما جعله مرعبًا.
هذه الظاهرة الكونية المستحيلة... كانت تنتج مجرد مطر عادي.
لكنني لم أشعر به.
لم أشعر بالبرد، ولا بالبلل.
شعرت بشيء آخر.
رعب.
رعب لم أشعر به في حياتي مطلقًا. ليس الخوف من الموت الذي شعرت به وأنا أواجه الوحوش.
وليس الرعب النفسي الذي شعرت به في البرج. كان هذا شيئًا أقدم، وأعمق.
كان رعبًا وجوديًا.
"عين الحقيقة" كانت تصرخ في عقلي، ليس بصور أو هالات، بل بموجة من الألم النقي، كأنها تحاول أن تنظر إلى شيء لا يجب أن يُرى، وتتحطم في هذه العملية.
شعرت بأنني... مراقب.
ليس من قبل شخص، أو وحش.
كان الشعور وكأن الكون نفسه قد فتح عينيه، وأن هاتين العينين، العملاقتين، اللتين بحجم المجرات، تحدقان فيّ.
ليس في جسدي، بل في روحي، في أعمق نقطة من كياني، في ذلك السر القذر الذي أحمله معي من عالم آخر.
شعرت بأنني عارٍ تمامًا. كل كذبة، كل قناع، كل جدار بنيته حول نفسي... قد تحطم، وتحول إلى غبار أمام هذه النظرة المطلقة.
شعرت بأنني مجرد حشرة صغيرة، تافهة، تحت عدسة سامي لا يكترث، يقرر ما إذا كان سيسحقني أم سيتجاهلني.
جسدي لم يعد ملكي. بدأ يرتجف بعنف، رعشة لم أستطع السيطرة عليها. أسناني كانت تصطك.
العرق البارد، أبرد من أي جليد، كان ينهمر مني، ويمتزج بماء المطر.
لم أستطع التنفس. الهواء أصبح صلبًا، كأنه جدار من الزجاج.
نظرت حولي بيأس. لم أكن وحدي في هذا الجحيم.
ثيرون، الأمير المتغطرس، كان يرتجف ك ورقة شجر في مهب الريح.
وجهه كان أبيض كالثلج، وعيناه الزرقاوان متسعتان في رعب طفولي.
سيرافينا، الشيطانة التي لا تهتز، كانت خائفة. خائفة جدًا.
قناعها الملائكي قد تحطم تمامًا، وظهر تحته وجه فتاة صغيرة، مرعوبة. كانت يداها مشدودتين، وشفتاها ترتجفان.
وكايلين... ذلك التمثال من الانضباط والفراغ. كان يقف، وسيفه في يده، وجسده متوتر كقوس مشدود على وشك الانكسار.
لم يكن ينظر إلى السماء، بل كان ينظر حوله، كحيوان محاصر، يبحث عن عدو لا يمكن رؤيته.
الجميع. كل الناجين، كل المعالجين، كانوا في نفس الحالة. بعضهم كان يبكي بصمت. بعضهم انهار على الأرض، فاقدًا للوعي.
ما هذا الشيء؟
ما هذا الرعب الذي يمكن أن يوحدنا جميعًا في هذا الخوف المطلق؟
وبينما كنا في حالة الشلل هذه، بدأ يظهر.
من أعمق ظل ألقاه أحد الأعمدة المنهارة، بدأ الظلام يتكثف، يرتفع، ويتخذ شكلاً.
لم يكن ظهورًا مفاجئًا، بل كان عملية بطيئة، مرعبة، كأن كابوسًا يتعلم كيف ينسج نفسه في نسيج الواقع.
ظهر كائن طويل، مغطى بالكامل برداء أسود، ممزق عند الأطراف، كأنه مصنوع من ليل قديم.
لم يُرَ منه أي شيء، لا وجه، ولا يدان. كان مجرد صورة ظلية للموت.
إلا... عينيه.
لم تكونا عينين. كانتا جمرتين من ضوء أحمر نقي، تتوهجان من عمق غطاء رأسه، كأنهما ثقبان يطلان على قلب الجحيم.
كانتا تخترقان روح كل من ينظر إليهما، تزرعان فيه رعبًا باردًا، مطلقًا.
وفي يده، كان يحمل منجلاً. منجلاً عملاقًا، مرعبًا .
كان أسودًا تمامًا، ونصله المقوس كان يبدو وكأنه مصنوع من ظل متجمد، يمتص الضوء من حوله، ويشع ببرودة الموت.
لم يقل شيئًا. لم يتحرك في البداية. فقط وقف هناك، حضوره وحده كافٍ ليجعل الكون يحبس أنفاسه.
ثم، أدار رأسه ببطء. تلك العينان الحمراوان، انتقلتا من طالب إلى آخر، حتى... استقرتا عليّ.
نظرة.
لم تكن مجرد نظرة. كانت غزوًا. كانت انتهاكًا.
في تلك اللحظة، شعرت بأنني أموت ألف مرة.
رأيت كل موتى المحتملة تتراقص أمام عيني في جزء من الثانية.
رأيت نفسي أسحق تحت جليد القطب الجنوبي. رأيت نفسي أتحول إلى غبار في البرج القديم.
رأيت "الناحب الشاحب" يمزقني. رأيت والدي وهو يمحوني من الوجود.
رأيت نفسي أموت وحيدًا، عجوزًا، في شقتي الحقيرة على الأرض.
لم تكن مجرد صور. كانت أحاسيس. شعرت بكل موت. بكل ألم. بكل يأس.
شعرت بروحي تُنتزع من جسدي، وتُمدد على طاولة تشريح كونية، وتُفحص كل ندبة، كل كذبة، كل سر، ببرود لا يرحم.
شعرت بوجودي كله، بكل ما فيه من تفاهة وألم، يُعرض أمامه، ويُحكم عليه بأنه... غير كافٍ.
انكسر شيء في داخلي. ذلك الجدار الأخير من العناد والكبرياء الذي كنت أتشبث به. تحطم إلى غبار.
وشعرت بالحرارة على خدي.
كانت دموعًا.
كانت تنهمر من عيني دون إرادة مني. لم تكن دموع حزن، أو خوف.
كانت دموع روح محطمة، استسلمت أخيرًا لضآلتها المطلقة.
بعد ما بدا وكأنه دهر، أشاح المخلوق بنظره عني.
نظر إلى يميني، إلى سيرافينا وكايلين. رأيت كايلين يتصلب، وسيرافين تتراجع خطوة صغيرة، لا إرادية.
ثم نظر عبر الساحة، إلى سيلين.
وهنا، توهجت عيناه الحمراوان بقوة أكبر.
وفي تلك اللحظة، شعرنا به جميعًا.
لم نعد نرى المخلوق. بل شعرنا وكأن هناك عينين عملاقتين، بحجم العالم نفسه، تحدقان فينا من فراغ الكون.
عينان رأتا كل شيء، وتعرفان كل شيء.
كان إحساسًا بالرعب الكلي، المطلق، الذي جعل أرواحنا تصرخ في صمت.
ثم، رفع المخلوق رأسه، ونظر إلى الأعلى، إلى السماء السوداء التي صنعها.
كأنه يستمع إلى أمر، أو يرد على نداء.
واختفى.
لم يذب، لم يتلاشَ. ببساطة، لم يعد هناك.
ومعه، اختفت السحب السوداء، والبرق الصامت. وعاد ضوء الفجر الرمادي، وعاد صوت الريح، والمطر العادي استمر في الهطول، كأنه يحاول أن يغسل هذا الكابوس من الوجود.
لكن الأثر... بقي.
بقينا واقفين هناك، ستة عشر ناجيًا، نرتجف، غارقين في المطر، وفي صمت أعمق بكثير من أي صمت عرفناه.
لقد رأينا لمحة. لمحة من الرعب الحقيقي الذي يحكم هذا العالم.
وكنت أعرف، بيقين بارد ومطلق، أن تلك النظرة التي استهدفتني... لم تكن مجرد تهديد.
كانت... وعدًا.
...
...
...
مر أسبوع.
أسبوع واحد فقط، لكنه شعر كأنه قرن من الصمت الثقيل، من التعافي البطيء، ومن الصدى الشبحي لذلك الرعب الذي لا اسم له والذي كان قد نزل علينا من السماء.
لم تكن مجرد سبعة أيام، بل كانت فجوة في الزمن، فترة من اللاوجود كُتبت بالخوف والارتباك.
الأكاديمية لم تعد هي نفسها. الواجهة اللامعة من النظام والهيبة قد تشققت، وكشفت عن الهشاشة التي تكمن تحتها.
تم تعليق المحاضرات. تم إلغاء التدريبات الجماعية. الطلاب كانوا يتحركون في الممرات كأشباح، يتحدثون بهمس، وتتطاير نظراتهم القلقة عند سماع أي صوت مفاجئ.
كانوا كقطيع من الغزلان نجا بأعجوبة من مرور تنين، ولا يزالون يشعرون بارتجاج الأرض تحت حوافرهم.
وجاء الإعلان الرسمي، الذي بُث عبر البلورات في كل غرفة، كأنه محاولة يائسة لإعادة ترميم الواقع المنهار.
"نظرًا للظروف غير المسبوقة، والظاهرة الجوية غير المبررة التي حدثت في ختام المرحلة الرابعة،"
قال صوت المدير، وكان يحاول جاهدًا أن يبدو هادئًا ورسميًا، "فقد قررت إدارة الأكاديمية، بالتشاور مع القصر الإمبراطوري، تأجيل المرحلة الخامسة والأخيرة لمدة أسبوعين إضافيين، لإعطاء الطلاب والمعالجين الوقت الكافي للتعافي التام وتقييم الوضع.
نؤكد للجميع أن حواجز الأكاديمية آمنة، وأن التحقيقات جارية على أعلى المستويات."
"ظاهرة جوية غير مبررة..." كررت الكلمات في عقلي بسخرية مريرة، وأنا جالس في صمت جناحي الخاص.
يا لها من كذبة متقنة، وشفافة في نفس الوقت. لقد رأينا جميعًا.
رأينا ذلك الكيان الذي لم يكن ينتمي إلى أي طقس، إلى أي عالم.
قضيت هذا الأسبوع في عزلة شبه تامة.
جسدي كان قد تعافى، لكن روحي... روحي كانت لا تزال ترتجف.
كنت أستيقظ في منتصف الليل، والعرق البارد يغطي جسدي، وصورة تلك العينين الحمراوين تحترق في ذاكرتي.
كنت أرى ذلك المنجل الأسود وهو يمزق الهواء، وأشعر بتلك النظرة التي جردتني من كل شيء، وتركتني عاريًا، ضئيلاً، أمام الوجود نفسه.
هذا الشعور... لم يفارقني. ذلك الإحساس بأنني مجرد حشرة تحت عدسة مكبرة، وأن هناك قوى في هذا الكون لا تكترث بوجودي، ويمكنها أن تمحوني في أي لحظة... كان هذا هو الرعب الحقيقي.
رعب جعل كل ما مررت به سابقًا يبدو كلعبة أطفال.
في اليوم السابع، بعد أن شعرت بأنني قد استعدت ما يكفي من رباطة جأشي لأواجه العالم مرة أخرى، قررت أن أواجه لغزًا آخر.
لغزًا أقرب، وأكثر شخصية.
"النظام."
أغمضت عيني، واستدعيته. ظهرت الواجهة الزرقاء الباردة في ظلمة وعيي.
لم أكن قد تجرأت على النظر إليها منذ عودتي. كنت أخشى ما قد أجده.
‹الهوية: نير ڤيرتون›
‹العُمر: 16›
‹السلالة: بشريّ نقي (سلالة نبيلة من عائلة ڤيرتون)›
‹الرتبة السحرية: الظلام الشيطاني›
‹القدرات الخاصة: [الفهم]›
‹سجل المنافسة›
‹المرحلة الأولى: متاهة الهمسات. الحالة: ناجح. الترتيب: 3. المكافأة: [سؤال × 1]› <مستخدم>
‹المرحلة الثانية: برج الأوهام. الحالة: ناجح. الترتيب: 1. المكافأة: [سؤال × 1]› <مستخدم>
‹المرحلة الثالثة: صيد القمم القرمزية. الحالة: فاشل. السبب: استبعاد الفريق.›
‹المرحلة الرابعة: جزيرة السيادة. الحالة: ناجح. الترتيب: 3. المكافأة: [سؤال × 1]› <متاح>
‹المرحلة الخامسة: [مؤجلة]. مكافأة النجاح المحتملة: [سؤال × 1]، [نصيحة نبوئية × 1].›
تجمدت.
"نصيحة نبوئية؟" تمتمت. "هذه جديدة."
النظام، ذلك الكيان الصامت، الغامض، كان يضيف قواعد جديدة للعبته. لم تكن مجرد أسئلة، بل "نصائح".
ما نوع النصائح التي يمكن أن يقدمها؟ هل هي تلميحات؟ تحذيرات؟ أم مجرد ألغاز أخرى لزيادة جنوني؟
لكن تركيزي لم يكن على المستقبل. كان على الحاضر. على تلك الكلمة المتوهجة: <متاح>.
سؤال واحد.
لقد فزت. أو بالأحرى، لقد نجوت، وهذا ما اعتبره النظام نجاحًا.
فرصة أخرى. فرصة لأحصل على إجابة، على جزء من الحقيقة في هذا المحيط من الأكاذيب والأسرار.
"السؤال الأهم حاليًا..." فكرت، وشعرت بقلبي يدق ببطء، وبقوة.
"كنت قد سألت بالفعل عن طريقة العودة إلى عالمي. لكن رد هذا النظام اللعين كان شرطًا مستحيلاً: أن أصل إلى الرتبة السابعة.
إعادة طرح نفس السؤال ستكون غباءً. لكن... بعد كل ما حدث، بعد كل هذه الانحرافات عن الرواية، بعد ظهور ذلك الرجل العجوز، وتلك الشيطانة ذات العيون الأرجوانية، وذلك الكيان الذي يحمل المنجل... هناك سؤال آخر، سؤال أصبح الآن أكثر إلحاحًا، أكثر أهمية من أي شيء آخر."
تشكل السؤال في عقلي، واضحًا، وحادًا، ومرعبًا.
"هل هنالك شخص آخر تجسد داخل هذه الرواية، مثلي تمامًا؟"
هذا السؤال... كان يطاردني. هل أنا وحيد في هذا الجحيم؟ أم أن هناك لاعبًا آخر، من عالمي، يتحرك في الظل، يغير الأحداث، ويتلاعب بالخيوط؟ هل هو ذلك الرجل العجوز؟ هل هو "الجوكر"؟ أم شخص لم أقابله بعد؟
وجود شخص آخر قد يفسر كل شيء. وقد يعني أيضًا أنني لست مجرد ضحية للقدر، بل أنا في منافسة مباشرة مع شخص آخر، منافسة لا يعرف عنها أحد سوانا.
"كان يجب أن أعرف ذلك." تمتمت، وشعرت بأن يدي تتعرقان.
"هذه المعلومة... قد تغير كل شيء. كل خططي، كل تحركاتي."
كنت على وشك أن أطرح السؤال. الكلمات كانت على حافة وعيي، جاهزة للانطلاق.
لكنني... توقفت.
صورة تلك العينين الحمراوين، وذلك الرعب المطلق، ومضت في ذهني.
"هل أسأل الآن؟" فكرت، والشك البارد بدأ يتسلل إلى حماسي.
"ماذا لو كنت بحاجة إلى هذا السؤال لشيء آخر؟ لشيء أكثر أهمية للبقاء على قيد الحياة؟
ماذا لو واجهت ذلك الكيان مرة أخرى، واحتجت أن أسأل 'ما هي نقطة ضعفك؟'؟ ماذا لو كنت على وشك الموت، واحتجت أن أسأل 'أين هو المخرج؟'؟"
النظام كان بخيلاً. فرصه كانت ثمينة كحياة إضافية في لعبة مميتة.
إهدار هذه الفرصة على سؤال، مهما كان مهمًا، قد يكون خطأً قاتلاً.
"سأنتظر،" قررت أخيرًا، وشعرت بثقل هذا القرار. "سأؤجل السؤال لوقت لاحق.
سأحتفظ به كورقتي الرابحة الأخيرة. سأحاول أن أجد الإجابة بنفسي أولاً."
اختفت الواجهة، وتركتني مرة أخرى في صمت غرفتي، مع أسئلتي التي لا تنتهي، ومع ذلك السؤال الواحد، الثمين، الذي كان يرقد الآن في أعماق روحي كجوهرة ملعونة.
نهضت، وشعرت بالحاجة إلى الخروج، إلى فعل أي شيء يكسر هذه الدوامة من التفكير.
وحدث شيء غير متوقع.
طُرق على بابي.
لم يكن طرق خادم. كان طرقًا واثقًا، وقويًا.
فتحت الباب، ووجدت كايلين يقف هناك.
كان يبدو أفضل حالاً. كان يرتدي ملابس تدريبية نظيفة، ولم تعد هناك أي ضمادات على جسده، لكنني رأيت، بـ "عين الحقيقة"، أن هالته البيضاء لا تزال تحمل بعض التمزقات التي تلتئم ببطء.
"ڤيرتون،" قال، وعيناه الرماديتان كانتا تحملان تلك النظرة الجادة المعتادة.
"أنا ذاهب لتناول الطعام. هل تأتي؟"
تجمدت. كايلين... يدعوني لتناول الطعام؟
قبل أن أتمكن من الرد، ظهر صوت آخر، متغطرس، من الممر.
"أوه، انظروا! الفولاذ والظل يخططان لموعد غرامي؟"
كان ثيرون. كان يسير نحونا، وابتسامته الساخرة على وجهه، لكن "عين الحقيقة" أظهرت لي أن هالته الذهبية كانت باهتة، وتحمل آثارًا من اللون الأزرق الداكن للخوف الذي لم يتبدد تمامًا.
لقد تعافى جسديًا، لكن روحه كانت لا تزال متأثرة.
"كنا سنتناول الطعام، يا صاحب السمو،" قال كايلين ببروده المعتاد، "قبل أن تقاطعنا بثرثرتك."
ضحك ثيرون ضحكة قصيرة.
"لا بأس. سأتكرم بالانضمام إليكم. فأنا أيضًا أشعر بالملل. وهذا القصر أصبح كئيبًا بشكل لا يطاق."
ووجدت نفسي، بشكل لا يصدق، أسير في الممر، بين كايلين وثيرون.
المركز الأول، والثالث، والسادس. ثلاثة خصوم، ثلاثة ناجين من نفس الرعب، يتجهون لتناول الطعام معًا. يا لها من لوحة سريالية.
توجهنا إلى أحد المطاعم الراقية في "ساحة اللقاء"، مكان لم أكن قد زرته من قبل.
كان هادئًا، ونصف فارغ. الطلاب الآخرون كانوا لا يزالون يفضلون عزلة غرفهم.
جلسنا على طاولة في زاوية منعزلة. الصمت في البداية كان محرجًا، وثقيلاً.
ثم، فعل ثيرون ما يبرع فيه: كسر الصمت بالغطرسة.
"إذًا، ڤيرتون،" قال، وهو يتكئ إلى الخلف.
"المركز الثالث. لا بد أن والدك فخور جدًا. أو ربما... لا يزال ينتظر منك أن تفعل شيئًا يستحق الذكر؟"
"على الأقل لم أكن السادس،" رددت ببرود، وأنا أتصفح قائمة الطعام.
احمر وجه ثيرون. "كما قلت من قبل، لم أكن أهتم بالمركز الأول! كنت أقود فريقي!"
"وقيادتك أوصلتهم إلى المركز السادس." قلت، دون أن أرفع عيني عن القائمة.
"أنت...!"
"كفى."
صوت كايلين الهادئ، القاطع، أوقف ثيرون. "نحن هنا لنأكل. ليس لنتشاجر كالأطفال."
صمت ثيرون، وأطلق تنهيدة غاضبة.
مرت الدقائق في صمت متوتر. ثم، وبشكل غير متوقع، تكلم كايلين مرة أخرى، لكن هذه المرة، كان صوته يحمل نبرة مختلفة.
نبرة من الفضول الحقيقي.
"ذلك الشيء..." قال، وهو ينظر إلينا. "ماذا كان برأيكم؟"
تجمدت. ونظرت إلى ثيرون. لأول مرة، رأيت قناعه يسقط تمامًا.
رأيت ذلك الرعب الطفولي يعود إلى عينيه للحظة.
"لا أعرف،" تمتم. "
ولم أكن أريد أن أعرف. كل ما أعرفه هو أن حراس والدي، وحتى الجنرال ڤاليريوس، لم يكن لديهم أي فكرة.
كأنه... لم يكن من هذا العالم."
"لقد كان ينظر إليّ." قلت فجأة، والكلمات خرجت مني قبل أن أتمكن من إيقافها.
"لقد شعرت به. كان ينظر... إليّ أنا."
نظر إليّ كل من كايلين وثيرون. لم يكن هناك سخرية هذه المرة. فقط... فضول حذر.
"أنا أيضًا،" قال كايلين بهدوء. "شعرت بنظرته تستقر عليّ للحظة.
كأنه كان... يقيسني."
"وأنا..." بدأ ثيرون، ثم صمت، كأنه يخجل من الاعتراف. "لقد شعرت به... ينظر إلى روحي."
ساد صمت عميق.
ثلاثتنا. شعرنا بنفس الشيء. شعرنا بأننا كنا مستهدفين بشكل شخصي.
في تلك اللة، تحت أضواء المطعم الخافتة، لم نعد خصومًا.
كنا ثلاثة ناجين، يحاولون فهم كابوس مشترك، كابوس كان أكبر بكثير من أي منافسة، ومن أي عداوة.
ولأول مرة... لم أشعر بأنني وحيد تمامًا في هذا الجحيم.