[منظور نير ڤيرتون]

​مر أسبوعان.

​أسبوعان من الصمت المشحون، من الهدوء الذي يسبق الزلزال. الأكاديمية، التي كانت قد اهتتزت حتى أساساتها بسبب ذلك الظهور المرعب، كانت تحاول يائسة أن تعيد نسج قناع الحياة الطبيعية على وجهها المذعور.

عادت المحاضرات، لكنها كانت جوفاء. عادت التدريبات، لكنها كانت تفتقر إلى الحماس.

كنا جميعًا، الناجون الستة عشر، أشباحًا تطوف في الممرات، كل منا غارق في عالمه الخاص من الترقب والقلق.

​الحديث عن ذلك اليوم، عن الرجل ذي المنجل، كان ممنوعًا. أي طالب كان يجرؤ على الهمس به، كان يتلقى زيارة صامتة من مشرفي الأكاديمية، ويعود بعدها بوجه شاحب، وذاكرة فارغة.

الإمبراطورية كانت ماهرة في دفن الحقائق المزعجة.

​لكن لا يمكنهم محو ما رأيناه، ما شعرنا به.

ذلك الرعب المطلق... كان قد غيرنا إلى الأبد.

​في صباح اليوم المحدد للمرحلة الخامسة والأخيرة، لم تكن السماء رمادية أو غاضبة.

بل كانت صافية بشكل مؤلم، زرقاء، لا تشوبها شائبة. كأن الكون نفسه يسخر منا، يقدم لنا أجمل أيامه... ليوم إعدامنا.

​لم نتجمع في ساحة تدريب، بل في قلب الأكاديمية النابض: الكولوسيوم العظيم.

​كان بناءً أسطوريًا، تحفة من الهندسة السحرية والمعمارية.

مدرجات من الرخام الأبيض كانت ترتفع نحو السماء، تتسع لمئة ألف متفرج.

وفي وسط كل هذا، كانت تقبع ساحة المعركة الدائرية، أرضيتها مصنوعة من حجر رملي ذهبي، مشبعة بتعاويذ الشفاء والتحصين.

​لم تكن المدرجات فارغة. كانت تعج بالحياة. كل نبيل، كل شخصية مهمة في الإمبراطورية، كانت هنا.

كانوا يرتدون أفخر ملابسهم، ويتحدثون بحماس، ويراهنون على حياتنا بابتسامات أنيقة.

وفوق كل هذا، كانت تحوم مئات البلورات السحرية، تنقل كل لحظة، كل قطرة عرق ودم، إلى كل ركن من أركان الإمبراطورية.

كنا اليوم... أهم عرض في العالم.

​وقفت أنا، مع الخمسة عشر ناجيًا الآخرين، في وسط الساحة.

الهواء كان ثقيلاً برائحة العطور الباهظة، والطموح، والدم الذي لم يُسفك بعد.

​لكن نظري لم يكن على الحشود، ولا على خصومي.

كان مثبتًا على الشرفة الإمبراطورية، التي كانت تقع في أعلى نقطة من الكولوسيوم، كعين إله يراقب خلقته.

​كان الإمبراطور هناك، يجلس على عرشه الذهبي. وكان والدي هناك، كظل أسود بجانبه.

​لكن هذه المرة، كان هناك أشخاص لم يتواجدوا في المراحل السابقة.

​كانوا يقفون خلف العرش، كسبعة أعمدة تدعم سقف الإمبراطورية.

​"أجنحة الإمبراطورية السبعة."

​الاسم تردد في ذهني، من ذاكرة الرواية. سبعة من أقوى الكائنات في العالم، كل منهم قد بلغ الرتبة السادسة، "السيد الأعظم".

كل منهم يمثل ذروة القوة في مجاله.

​الجنرال ڤاليريوس، قائدهم، كان في المقدمة، درعه الأسود يمتص الضوء، ووقفته صخرة لا تتزحزح. لقد حضر جميع المراحل، كشاهد صامت.

​لكن الستة الآخرين... كانوا هنا الآن.

​بجانبه، وقف رجل نحيل، رمادي، لا يلفت الانتباه. كان يرتدي رداءً بسيطًا، ووجهه خالٍ من أي تعابير.

لكن "عين الحقيقة" كانت تصرخ في عقلي.

هالته كانت شبكة معقدة، لا نهائية، من الظلال وخيوط المعلومات.

كان السيد فاروس، رئيس مديرية الظل الإمبراطورية، سيد الجواسيس.

​وكان هناك الآخرون. غراند ماغوس إيلارا، امرأة عجوز ذات عينين تلمعان بحكمة وقوة آلاف التعاويذ.

الأدميرال كايل، وجهه محفور بخطوط تركها ملح البحر ورياح المحيطات.

القاضية العليا كاساندرا، وجهها قناع من الحياد المطلق، كأنها القانون نفسه متجسدًا.

أمين الخزانة الأعلى ماغنوس، رجل سمين ذو ابتسامة دافئة تخفي قسوة الفولاذ.

وأخيرًا، رئيس الدبلوماسيين فورينوس، الرجل الذي قيل إنه يستطيع أن ينهي الحروب أو يبدأها بكلماته فقط.

​وجودهم جميعًا هنا... كان يعني أن هذه المرحلة ليست مجرد نهاية لمنافسة.

كانت تقييمًا. تقييمًا للجيل القادم الذي سيحكم، أو يدمر، هذا العالم.

​"أيها الناجون!"

​صوت المدير تردد في الكولوسيوم، وأسكت كل الهمسات.

​ظهرت لوحة سحرية ضخمة في الهواء، وعليها أسماؤنا الستة عشر. بدأت الأسماء تتراقص، تتشابك، ثم تستقر في أزواج.

​كانت قرعة الدور الأول.

​بحثت عن اسمي.

نير ڤيرتون ضد كاستر.

​تنهدت بارتياح خفي. تذكرت ذلك من الرواية. كاستر، ذلك الشاب المفتول العضلات، الذي يعتمد على القوة الغاشمة.

لم يكن خصمًا سهلاً، لكنه كان متوقعًا.

​ثم، نظرت إلى المباراة الأولى.

سيلين دي فالوا ضد ليرا فيكس.

​رفعت حاجبي. الجليد ضد الفوضى. النظام ضد الجنون. يا لها من بداية مثيرة.

​"المباراة الأولى ستبدأ الآن!" أعلن المدير. "على بقية المتنافسين التوجه إلى قاعة الانتظار!"

​قادنا الحراس إلى قاعة ضخمة تحت المدرجات، حيث كانت هناك شاشة بلورية عملاقة تعرض ساحة المعركة.

​وقفت سيلين وليرا في وسط الساحة الشاسعة، تحت أنظار الإمبراطورية بأكملها. كانتا عالمين متناقضين.

​سيلين كانت كتمثال منحوت من جليد الشتاء. فستانها القتالي الأبيض كان يلمع ببريق فضي، وشعرها الأسود كان مربوطًا بإحكام.

وقفتها كانت مثالية، ويدها على مقبض سيفها الرفيع، وعيناها الياقوتيتان باردتان، هادئتان، كسطح بحيرة متجمدة.

​أما ليرا، فكانت تجسيدًا للفوضى. كانت تقفز في مكانها بخفة، كطفلة متحمسة لا تستطيع الانتظار لتبدأ اللعبة.

شعرها الأشقر كان فوضويًا، وزيها العملي كان ملطخًا ببقع غامضة من تجاربها السحرية. لم تكن تحمل أي سلاح.

يداها كانتا فارغتين، لكنهما كانتا تتوهجان بطاقة أرجوانية غير مستقرة، تتراقص حول أصابعها كأفاعٍ صغيرة من البرق.

​"ابتدآ!"

​لم تنتظر ليرا. في اللحظة التي دوى فيها الجرس، ضحكت ضحكة عالية، مجنونة، ورفعت يديها.

​"جربِي هذا!"

​لم تطلق كرة نارية، أو شعاع طاقة. بل أطلقت عشرات الفقاعات الأرجوانية الصغيرة، التي بدأت تطفو في الهواء نحو سيلين، وتتنطط على الأرض بشكل عشوائي، كأنها كرات مطاطية.

​"ما هذا الهراء؟" تمتم ثيرون، الذي كان يقف بجانبي في قاعة الانتظار.

​لكنني كنت أعرف أن ليرا لا تفعل شيئًا بسيطًا أبدًا. "عين الحقيقة" كانت تريني أن كل فقاعة كانت تحتوي على نواة صغيرة من طاقة فوضوية نقية.

​سيلين لم تستهن بها. تحركت برشاقة إلى الخلف، ورفعت يدها. من الأرض أمامها، ارتفع جدار من الجليد الصافي، حاد الحواف، واعترض طريق الفقاعات.

​اصطدمت الفقاعات بالجدار. لم تنفجر. بل التصقت به، وبدأت تهتز بعنف، وتصدر صوت أزيز حاد.

​ثم، انفجرت جميعها في نفس اللحظة.

​لم يكن انفجارًا عاديًا. كل فقاعة أطلقت تأثيرًا سحريًا مختلفًا. وميض من الضوء أعمى مؤقتًا جزءًا من المدرجات.

موجة من الصوت العالي جعلت البلورات تهتز. دوامة من الرياح. شظايا من الحمض.

​كان هجومًا مصممًا لإرباك الحواس، لكسر التركيز.

​لكن سيلين لم تكن هناك.

​في اللحظة التي اصطدمت فيها الفقاعات، كانت قد انزلقت بالفعل إلى الجانب، وجسدها يتحرك بسلاسة على طبقة رقيقة من الجليد كانت قد خلقتها تحت قدميها.

​"مملة،" قالت ليرا، وهي ترى أن هجومها الأولي قد فشل. "حسنًا، فلننتقل إلى الشيء الحقيقي!"

​رفعت يديها مرة أخرى. هذه المرة، تشكلت بينهما دوامة من الطاقة الأرجوانية والسوداء. "ثقب الجاذبية الصغير!"

​أطلقت الدوامة. لم تكن سريعة، لكنها كانت تسحب كل شيء نحوها. الهواء، الغبار، وحتى الضوء.

​سيلين لم تحاول صده. بل رفعت يدها، وظهرت في الهواء أمامها عشرات الرماح الجليدية الحادة.

لم تطلقها على الدوامة، بل أطلقتها... حولها.

​انغرست الرماح في الأرض الرملية، وشكلت دائرة حول ثقب الجاذبية. ثم، وبأمر صامت منها، توهجت الرماح بضوء أزرق باهت، وانفجرت، ليس كانفجار ناري، بل كانفجار من البرودة المطلقة.

​الهواء نفسه تجمد. ثقب الجاذبية، الذي كان يمتص كل شيء، تجمد في مكانه، وتحول إلى كرة سوداء، صلبة، مغطاة بطبقة من الصقيع، ثم سقط على الأرض وتحطم إلى غبار أسود.

​كانت مبارزة شطرنج سحرية. كل هجوم فوضوي من ليرا، كانت تقابله سيلين بدفاع استراتيجي، بارد، ومحسوب.

​استمرت المعركة. ليرا أطلقت العنان لوابل من التعاويذ المجنونة. استدعت أسرابًا من "الفراشات الحارقة" التي كانت أجنحتها لهبًا.

خلقت أوهامًا لجيش من الغولمات الطينية. جعلت الأرض تحت قدمي سيلين تتحول إلى رمال متحركة.

​وسيلين كانت ترد على كل شيء. جدران من الجليد لصد الفراشات. موجات من الصقيع لتجميد الرمال المتحركة.

شظايا جليدية حادة كانت تخترق الأوهام وتكشف عن حقيقتها.

​كانتا تستنزفان بعضهما البعض. العرق بدأ يظهر على جبين سيلين. والضحكة المجنونة على وجه ليرا بدأت تفقد بعضًا من بريقها.

​"كفى من هذا!" صرخت ليرا أخيرًا، والضجر واضح في صوتها. "إما أن ننهي هذا، أو سأنام!"

​بدأت في تجميع كمية هائلة من الطاقة. الهالة الأرجوانية حولها أصبحت عاصفة عنيفة.

الهواء نفسه كان يتشقق من حولها. كانت تستعد لهجومها النهائي.

​سيلين، من ناحية أخرى، أصبحت هادئة تمامًا. أغمضت عينيها، وأخذت نفسًا عميقًا.

البرودة التي كانت تنبعث منها أصبحت أشد، وأكثر تركيزًا.

​"عاصفة الفوضى!" زأرت ليرا، وأطلقت العنان لكل شيء.

​دوامة هائلة من الطاقة الأرجوانية، والبرق الأسود، وشظايا الواقع الممزق، انطلقت نحو سيلين، وهي تلتهم الأرض في طريقها.

​في مواجهة هذا الهجوم المدمر، فعلت سيلين شيئًا واحدًا.

​فتحت عينيها، وهمست بكلمتين.

​"سجن الجليد."

​لم يكن هناك انفجار. لم يكن هناك ضوء مبهر.

فقط... صمت.

​في اللحظة التي كانت فيها عاصفة الفوضى على وشك أن تبتلعها، ارتفع من الأرض حولها، بصمت مطلق، قفص.

قفص كروي، مصنوع من جليد أزرق داكن، شبه أسود، وشفاف تمامًا.

سطحه كان أملسًا كالمرآة، ومغطى بنقوش رونية معقدة كانت تتوهج بضوء أبيض بارد.

​اصطدمت عاصفة الفوضى بالقفص.

​ولم يحدث شيء.

​القفص امتص كل الطاقة، كل البرق، كل الفوضى، دون أن يهتز، دون أن يظهر عليه خدش واحد.

​عندما تلاشت العاصفة، كانت ليرا تلهث، وتقف على ركبتيها، وقد استنزفت كل طاقتها.

​والقفص الجليدي حول سيلين... بدأ يتشقق.

ليس من الضرر، بل بأمر منها.

​تحطم إلى آلاف الشظايا البلورية، التي تناثرت في الهواء كعاصفة من الماس، ثم تلاشت.

​كانت سيلين تقف في نفس المكان، هادئة، ولم يمسها سوء.

​نظرت إلى ليرا المنهكة، ورفعت يدها.

​تشكل في الهواء أمامها رمح واحد، بسيط، مصنوع من نفس الجليد الأسود.

​"أنتِ خصم ممتع، يا ليرا فيكس،" قالت ببرود. "لكن الفوضى... دائمًا ما تخسر أمام النظام المطلق."

​انطلق الرمح. لم يكن يستهدف ليرا، بل الأرض أمامها مباشرة. انغرس في الرمل، وانفجرت منه موجة من البرودة، جمدت ساقي ليرا حتى ركبتيها، وثبتتها في مكانها.

​"الفائزة،" أعلن صوت المدير، "هي سيلين دي فالوا!"

​انفجرت المدرجات بالتصفيق.

​وقفت سيلين للحظة، ونظرت نحو الشرفة الملكية، ثم نحو قاعة الانتظار حيث كنا نقف. التقت عيناها بعيني للحظة.

​لم يكن هناك انتصار في نظرتها. فقط... تأكيد.

​ثم استدارت، وغادرت الساحة بأناقتها المعتادة، تاركة وراءها ساحرة مجنونة مجمدة في مكانها، وعالمًا مذهولاً بقوتها المطلقة.

...

...

...

​انتهت أغنية الجليد والفوضى.

​غادرت سيلين دي فالوا الساحة، منتصرة وهادئة، كشتاء لا يكترث بالدمار الذي يخلفه.

وغادرت ليرا فيكس، مهزومة لكنها لا تزال تضحك، كعاصفة وعدت بأن تعود بقوة أكبر.

الصمت الذي تلا ذلك كان قصيرًا، مجرد شهقة من الكون قبل أن يبدأ الفصل التالي من هذه المسرحية الدموية.

​تردد صوت المدير السحري مرة أخرى في أرجاء الكولوسيوم العظيم، صوتًا باردًا، ورسميًا، كصوت قاضٍ يقرأ الحكم التالي.

​"المباراة الثانية للدور الأول: من الفريق السابع عشر، ديغون ستونهاند. ضد... من الفريق الثامن، إلارا من بيت فاين."

​سرت همهمة خافتة بين الحشود. لم يكن هذا هو النزال الذي توقعه الكثيرون. لم يكن صراعًا بين قوتين متكافئتين في المظهر.

كان لقاءً بين جبل متحرك وفراشة صامتة.

معظم النبلاء في الشرفات اعتبروا الأمر محسومًا، وبدأوا يتهامسون بملل عن المباريات القادمة الأكثر إثارة.

​لكن في الشرفة الإمبراطورية، لم يكن هناك ملل.

انحنى الإمبراطور ثيودور إلى الأمام قليلاً، وابتسامة فضولية، حادة، لعبت على شفتيه.

بجانبه، بقي دوق الظلال كتلة من الصمت، لكن لو كان بإمكان أحد رؤية ما تحت ظلاله، لربما لاحظ أن رأسه قد مال، بزاوية تكاد تكون غير محسوسة، نحو الساحة.

​لقد عرفوا. لقد عرفوا أن هذه لن تكون مجرد مجزرة. بل ستكون... لغزًا.

​من البوابة الجنوبية، خرج ديغون.

​كانت خطواته ثقيلة، بطيئة، ومنتظمة. كل خطوة كانت تهز الأرض الرملية الذهبية للساحة بشكل طفيف، كأن كائنًا أسطوريًا يستيقظ من سباته.

كان ضخمًا، أضخم حتى مما يبدو عليه وهو يقف بين الآخرين. عضلاته كانت ككتل من الجرانيت، منحوتة بسنوات من التدريب القاسي والألم.

كان يرتدي درعًا جلديًا بسيطًا، سميكًا، مغطى بالندوب والخدوش من معاركه في جزيرة السيادة، وكان يحمل على كتفه سيفه الكلايمور، تلك القطعة الهائلة من الفولاذ التي كانت تبدو كأنها جزء من عمود قلعة.

​لم يكن يمشي، بل كان يتقدم، كجبل جليدي ينجرف ببطء، وبقوة لا يمكن إيقافها.

لم يكن هناك أي تعبير على وجهه المربع، القاسي.

عيناه البنيتان كانتا هادئتين، عميقتين، كأنهما تنظران ليس إلى الساحة، بل إلى قلب الصخرة التي تكمن تحتها.

​ومن البوابة الشمالية، خرجت هي.

​إلارا من بيت فاين.

​كان دخولها نقيضًا تامًا لدخول ديغون. لم تكن هناك خطوات ثقيلة، ولا حضور طاغٍ.

لقد انزلقت إلى الساحة بصمت، كهمسة ريح. كانت نحيلة، ذات شعر بني قصير، وعينين حادتين، ذكيتين.

كانت ترتدي رداءً رماديًا بسيطًا، لا يحمل أي زخارف، ولم تكن تحمل أي سلاح. كانت تبدو كطالبة مكتبة دخلت بالخطأ إلى حلبة مصارعة.

​وقفت في مكانها، على بعد مئة متر من ديغون، وبدت صغيرة، هشة، أمام كتلته الهائلة.

​لكن "عين الحقيقة"، لو كانت متاحة لأحد في الحشود، لكانت ستروي قصة مختلفة تمامًا.

هالة ديغون كانت بنية، ترابية، قوية كالصخر، لكنها كانت بسيطة، ومباشرة.

أما هالتها هي... فكانت كضباب فضي، متغير، لا شكل له، يلتف حولها ويشوه الهواء، كأنه سراب حراري في يوم صيفي.

كانت قوة خفية، ماكرة، وغير قابلة للقياس.

​"هل أنتم مستعدون؟" صرخ صوت الحكم السحري.

​ديغون ضرب بقبضته على صدره، محدثًا صوتًا مكتومًا، كصوت ارتطام صخرتين. كانت هذه هي إجابته.

​إلارا فقط أومأت برأسها إيماءة خفيفة، وابتسامة باهتة، غامضة، لعبت على شفتيها.

​"ابتدآ!"

​لم يندفع ديغون. لقد تعلم من أخطائه. كان يعرف أن خصمته ليست مقاتلة مباشرة.

وقف في مكانه، وخفض جسده قليلاً، ووضع سيفه الكلايمور أمامه كدرع، وعيناه مثبتتان عليها، ينتظر.

​لكن إلارا لم تهاجم.

بل... تضاعفت.

​في ومضة من الضوء الفضي، ظهرت بجانبها نسخة طبق الأصل منها.

ثم نسخة أخرى. وأخرى. في غضون ثوانٍ، امتلأت الساحة بعشرات من "إلارا"، كلهن يرتدين نفس الرداء الرمادي، ويحملن نفس الابتسامة الغامضة، وكلهن كن ينظرن إلى ديغون.

​"أوه، خدعة رخيصة،" تمتم ثيرون في قاعة الانتظار.

​لكنها لم تكن رخيصة. كانت مثالية. كل نسخة كانت تبدو حقيقية تمامًا.

لم يكن هناك أي وميض، أي تشوه، أي شيء يمكن أن يكشف عن حقيقتها.

​بدأت النسخ في التحرك. انتشرن في الساحة، وشكلن دائرة واسعة حول ديغون، ثم بدأن في الركض، في اتجاهات مختلفة، مما خلق دوامة مربكة من الأشكال المتطابقة.

​ديغون لم يتحرك. بقي في مكانه، ورأسه يدور ببطء، يحاول أن يتابع هذه الفوضى.

​"ما الذي ستفعله الآن، أيها الجبل؟" تمتم نير لنفسه، وهو يراقب من شاشة البلورة.

"هل ستحطمهم جميعًا، وتستنزف طاقتك؟"

​لكن ديغون فعل شيئًا لم يتوقعه.

شيئًا أثبت له أنه ليس مجرد كتلة من العضلات.

​لقد... أغمض عينيه.

​وقف هناك، في وسط دوامة من الأعداء الوهميين، وأغمض عينيه.

ساد صمت مذهول في الكولوسيوم. هل استسلم؟

​لا.

أخذ نفسًا عميقًا، وبطيئًا. بدأت عضلات كتفيه تسترخي.

قبضته على سيفه بدأت تخف قليلاً.

​ثم، ضرب بقدمه الأرض.

لم تكن ضربة قوية. كانت نقرة. نقرة خفيفة، لكنها كانت تحمل تركيزًا مطلقًا.

انطلقت موجة غير مرئية من الاهتزازات من قدمه، وانتشرت عبر الأرضية الرملية.

​ظل مغمض العينين لثانية أخرى. ثم، انفجر.

لم يندفع نحو أي من النسخ التي كانت تركض. بل اندفع نحو بقعة فارغة تمامًا على يساره، حيث لم يكن هناك أي شيء.

​زأر زئيرًا وحشيًا، وأهوى بسيفه الكلايمور بكل قوته على تلك البقعة الفارغة.

​انفجرت الأرض الرملية.

​وفي اللحظة التي كانت فيها شفرته على وشك أن تضرب الرمال، ظهرت هي.

إلارا الحقيقية.

​كانت قد ظهرت للتو من حالة الاختفاء، وتستعد لإلقاء تعويذة من الخلف.

لم تتوقع أبدًا أن يجدها بهذه السرعة، بهذه الدقة.

الرعب المطلق على وجهها كان واضحًا.

​حاولت أن تتراجع، لكن الأوان كان قد فات.

لم يضربها السيف مباشرة. لقد كان ذكيًا. عرف أن قتلها ممنوع.

بل ضرب الأرض أمامها مباشرة.

​بووووووووووم!

​موجة الصدمة الهائلة ألقتها في الهواء كأنها دمية من قماش.

صرخت صرخة حادة، وطارت لعدة أمتار قبل أن ترتطم بالأرض بقوة.

​في نفس اللحظة التي ضرب فيها الأرض، تلاشت كل النسخ الوهمية الأخرى كأنها دخان.

​ساد صمت مطبق، ثم انفجر الكولوسيوم بصيحات الإعجاب والدهشة.

حتى نير، لم يستطع إلا أن يومئ برأسه بتقدير.

"لقد شعر بها... شعر باهتزازات وجودها الحقيقي عبر الأرض."

​لكن المعركة لم تنتهِ.

​نهضت إلارا على قدميها، والدماء تسيل من شفتيها، لكن عينيها كانتا تشتعلان ببريق جديد. بريق من الغضب، والاحترام على مضض.

​"أنت أفضل مما توقعت، يا ستونهاند،" قالت، وصوتها كان يرتجف قليلاً.

"وأنتِ أيضًا،" رد ديغون، الذي كان قد عاد إلى وقفته الدفاعية الهادئة.

​"لكن هذا... لم يكن سوى بداية المعركة."

​رفعت إلارا يديها. هذه المرة، لم تخلق نسخًا.

بل غيرت العالم.

​الأرضية الرملية الذهبية تحت أقدامنا بدأت تتموج، وتتحول إلى مستنقع أسود، لزج، نفس المستنقع الذي كنا فيه.

الأشجار الملتوية بدأت تنمو من العدم. والضباب الأخضر المريض بدأ يلتف حول ديغون.

​"فلنرَ كيف ستقاتل الآن، أيها الجبل، عندما لا تكون هناك أرض صلبة لتقف عليها."

​لم يتأثر ديغون. "الأرض هي الأرض. سواء كانت صخرًا، أو وحلاً."

ثم، فعلت شيئًا أكثر خبثًا.

​من الوحل، بدأت ترتفع أشكال. وحوش. "زواحف القطران". "كلاب الكآبة".

حتى أنها خلقت نسخة باهتة من "الناحب الشاحب"، الذي جعل الطلاب في المدرجات يشهقون من الرعب.

​كانت تستدعي كوابيسنا.

​"هذا مثير للاهتمام،" تمتم ثيرون.

​بدأت الوحوش الوهمية في مهاجمة ديغون. كان يقاتلها، يسحقها بسيفه، لكنها كانت تعود وتتشكل من جديد من الوحل.

كانت معركة استنزاف، مصممة لإرهاقه، وكسر تركيزه.

​وبينما كان مشغولاً بقتال جيش من الأوهام، كانت إلارا الحقيقية تتحرك.

اختفت.

تمامًا.

​أغمض ديغون عينيه مرة أخرى، محاولاً تحديد موقعها.

لكنه لم يستطع.

لقد تعلمت. لم تعد تتحرك. كانت واقفة بلا حراك في مكان ما، في بقعة عمياء، وتتحكم في الأوهام من بعيد.

​"اللعنة،" تمتمت. "إنها ذكية."

​كان ديغون في ورطة. إذا استمر في قتال الأوهام، سيُستنزف. وإذا توقف، ستلتهمه.

فعل الشيء الوحيد الذي يمكن لعملاق مثله أن يفعله.

أطلق العنان للقوة الغاشمة.

​توقف عن قتال الوحوش. تجاهلها تمامًا.

رفع سيفه الكلايمور عاليًا بكلتا يديه.

وتوهجت هالته البنية.

ثم، أهوى به على الأرض. بكل قوته.

​"زئير الأرض!"

​لم يكن انفجارًا. كان زلزالاً.

موجة صدمة مادية، مرئية، انطلقت من نقطة الاصطدام، وانتشرت في كل اتجاه.

الأرض الرملية الحقيقية تحت الوهم اهتزت بعنف.

الوهم بأكمله... تحطم.

المستنقع، الأشجار، الوحوش... كلها تلاشت كزجاج محطم، كاشفة عن الساحة الرملية الذهبية مرة أخرى.

​وفي وسط كل هذا، كانت إلارا قد سقطت على ركبة واحدة، وتلهث، والدماء تسيل من أنفها.

لقد كسرت وهمها بالقوة المطلقة، والصدمة النفسية لذلك كانت هائلة.

​لم يمنحها ديغون أي فرصة.

اندفع نحوها، وسيفه مرفوع.

​لكن عندما وصل إليها، لم يضربها.

بل غرس سيفه في الرمال بجانب رأسها مباشرة.

اهتزت الأرض من قوة الضربة.

​وقف فوقها، وظله الضخم يغطيها.

"هل تستسلمين؟" سأل، وصوته كان كهدير بعيد.

​نظرت إليه إلارا، ثم إلى السيف الذي كان على بعد بوصة من وجهها.

ثم، ابتسمت ابتسامة متعبة.

"نعم..." هي ردت. "أستسلم."

​"الفائز،" دوى صوت الحكم. "هو ديغون ستونهاند!"

​انفجر الكولوسيوم مرة أخرى.

ديغون سحب سيفه، ومد يده ليساعد إلارا على النهوض.

قبلت يده، ونهضت، وانحنت له انحناءة احترام حقيقية.

لقد كانت معركة من الإرادة. وفاز الأقوى.

​لكن بينما كانا يغادران الساحة، رأى نير شيئًا بـ "عين الحقيقة".

رأى خيطًا رفيعًا جدًا، شبه غير مرئي، من الطاقة الفضية، يمتد من إلارا... ويلمس ديغون للحظة، قبل أن يختفي.

لم يكن هجومًا.

كان... شيئًا آخر.

تجعد جبينه.

هذه الفتاة... كانت أكثر خبثًا مما تبدو عليه.

حتى في هزيمتها... كانت قد زرعت بذرة ما.

​ولم يكن يعرف ما هي.

وهذا... كان يثير قلقه.

2025/09/09 · 59 مشاهدة · 2907 كلمة
Ashveil
نادي الروايات - 2025