[منظور نير ڤيرتون]
قاعة الانتظار كانت أبرد من أي كهف جليدي. لم تكن برودة في درجة الحرارة، فالغرفة كانت مدفأة بسحر لطيف.
كانت برودة نفسية، صمت مشحون بالترقب، كأن الهواء نفسه قد تجمد في انتظار العاصفة القادمة.
كنا نحن الفائزين الثمانية من الدور الأول، نجلس أو نقف في هذه القاعة الفاخرة، التي كانت أشبه بقفص ذهبي للوحوش.
شاشة البلورة العملاقة على الحائط كانت تعرض إعادة لمعركة ديغون وإلارا.
شاهدت مرة أخرى كيف حطم ديغون أوهامها بالقوة الخام، وكيف أجبرها على الاستسلام.
كان انتصارًا ساحقًا، لكن "عين الحقيقة" أظهرت لي شيئًا لم يره الآخرون: ذلك الخيط الفضي الخافت من الطاقة الذي تركته إلارا على ديغون
. لم يكن لعنة، ولم يكن هجومًا. كان... علامة. بصمة سحرية. تلك الساحرة الماكرة لم تخسر تمامًا.
لقد زرعت شيئًا، وأنا لم أكن أعرف ما هو.
مرت الدقائق ببطء مؤلم. كل ثانية كانت تمتد كأنها دهر. صوت دقات قلبي كان يبدو مدويًا في أذني.
كنت أسترجع ذاكرة الرواية. "نير ڤيرتون ضد كاستر". هذا ما كان مكتوبًا. خصم يعتمد على القوة والدفاع المطلق.
وحش بشري مدرع، لا يمتلك أي دهاء، لكنه يمتلك قدرة تحمل لا تصدق.
كيف سأهزمه؟ سيفي العادي لن يخدش درعه بسهولة.
واستخدام "الظلام الشيطاني" بشكل كامل سيكشف عن حقيقتي، سيجعلني هدفًا للإمبراطور، وللجميع. كنت عالقًا.
"قتال جيد."
صوت عميق، أجش، قاطع أفكاري. التفت، ووجدت ديغون يقف بجانبي.
كان قد عاد لتوه من جناح الشفاء المصغر الملحق بالقاعة. كانت هناك ضمادة سحرية جديدة على وجهه، لكنه كان يبدو صلبًا كالجبل كالعادة.
كان يشير بعينيه إلى شاشة البلورة، التي كانت لا تزال تعرض انتصاره.
لم يكن يتفاخر. كان يقر بحقيقة.
"أنت كنت أفضل،" أجبته بصدق. "لقد واجهت عقلك، وليس جسدك فقط."
نظر إليّ ديغون، وفي عينيه البنيتين الهادئتين، رأيت وميضًا من الفهم.
"العقل... هو درع آخر."
قال ببساطة. ثم، نظر نحو الساحة في الخارج، حيث كان العمال السحريون يصلحون الأضرار التي أحدثها.
"خصمك التالي... كاستر. إنه صلب. لا تتوقع منه أن يسقط بسهولة."
صمت للحظة، ثم أضاف بنبرة عملية.
"اكسر درعه... ثم اكسر عظامه. هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها."
أومأت برأسي، وشعرت بشيء يشبه... الاحترام. احترام بسيط، مباشر، بين محاربين.
قبل أن أتمكن من الرد، اقتربت منا هي.
سيلين دي فالوا. كانت قد عادت أيضًا من جناح الشفاء. لم تكن هناك أي علامة على الإرهاق على وجهها، كأن معركتها الملحمية مع ليرا لم تكن سوى تمرين صباحي.
وقفت أمامنا، وعيناها الياقوتيتان الباردتان تتفحصاننا.
"ڤيرتون،" قالت، وصوتها كان كصوت احتكاك بلورات الجليد.
"أداؤك في المتاهة... كان فوضويًا."
"لكنه كان فعالاً، يا آنسة دي فالوا،" رددت ببرود، ولم أدعها تستفزني.
"الفوضى نادرًا ما تكون فعالة على المدى الطويل،" قالت، وعيناها تضيقان قليلاً. "النظام... هو ما ينتصر في النهاية."
"ربما،" قلت، وابتسامة ساخرة، متعبة، ارتسمت على شفتي. "أو ربما النظام هو مجرد قفص جميل، ينتظر الفوضى لتحطمه."
حدقت فيّ للحظة، وذلك البريق الجليدي في عينيها أصبح أشد حدة. "لا تخسر أمام ذلك الأحمق المفتول العضلات،" قالت أخيرًا.
"سيكون الأمر مهينًا لنا جميعًا."
ثم، استدارت، وغادرت، تاركة وراءها أثرًا من الهواء البارد.
تنهدت. هذه الأكاديمية... كانت جحيمًا اجتماعيًا لا يرحم.
"المتنافسان التاليان!" دوى صوت الحكم. "كاستر من بيت أوريون! ونير ڤيرتون من دوقية الظلال! إلى الساحة!"
نهضت على قدمي. شعرت بنظرات كايلين، وسيرافينا، والآخرين، تتبعني.
مشيت عبر الممر الطويل، المظلم، الذي كان يقود إلى ضوء الساحة الساطع. كل خطوة كانت تردد صدى الفراغ في صدري.
كنت أسير نحو معركة أخرى، معركة لم أكن متأكدًا من أنني أستطيع الفوز بها دون أن أكشف عن وحشي الحقيقي.
خرجت إلى النور، وإلى زئير الحشود.
كان يقف في الطرف الآخر من الساحة. كاستر. كان تمامًا كما تذكرته. جبل من العضلات، مغطى بدرع فولاذي سميك، رمادي اللون، لا يحمل أي زخارف.
كان يحمل في يده اليمنى سيفًا عريضًا، ثقيلاً، وفي يده اليسرى، كان هناك درع برجي هائل، كبير بما يكفي ليختبئ خلفه بالكامل.
كان حصنًا بشريًا.
"هاهاها! أخيرًا!" ضحك كاستر، وصوته كان مدويًا.
"لقد كنت أنتظر هذا، يا أمير الظلال! هل ستختبئ خلف حيلك السحرية الرخيصة، أم ستقاتل كرجل؟"
استدعيت سيفي العادي من خاتم الأبعاد. لم يكن السيف الأسود. كان مجرد سيف فولاذي جيد الصنع. وبدأت المعركة.
كما توقعت، اتخذ كاستر وضعية دفاعية مطلقة. غرس حافة درعه البرجي في الرمال الذهبية، وجثم خلفه، ولم يترك مكشوفًا سوى عينيه اللتين كانتا تحدقان فيّ من خلال فتحة ضيقة. كان جدارًا من الفولاذ.
"اللعنة،" تمتمت.
بدأت أتحرك. أدور حوله، أبحث عن أي ثغرة. لكن لم تكن هناك أي ثغرة. درعه كان يغطي كل شيء.
"ماذا ستفعل الآن، يا ڤيرتون؟" سمعت صوت ثيرون الساخر يتردد في ذاكرتي.
قررت أن أختبره. اندفعت إلى الأمام، ووجهت سلسلة من الطعنات السريعة نحو حواف الدرع.
كلانك! كلانك! كلااانغ!
كان الأمر كضرب إبر على جدار قلعة. لم يتزحزح.
تراجعت إلى الخلف، وأنا ألهث قليلاً. هذا لن يجدي نفعًا.
"هل هذا كل ما لديك؟" صاح كاستر من خلف درعه.
ضغطت على أسناني. كان عليّ أن أجعله يتحرك.
هذه المرة، لم أهاجم الدرع.
أطلقت خيطين من الظلام، ليس نحوه، بل نحو الأرض خلفه. التف الخيطان حول كاحليه.
ضحك كاستر. "هل تظن أن هذه الخيوط الضعيفة ستوقفني؟"
ببساطة، شد عضلات ساقيه، وتمزقت الخيوط كأنها خيوط عنكبوت.
لكنها... لم تكن تهدف إلى إيقافه.
كانت تهدف إلى إغضابه.
"أيها الوغد!" زأر، ورفع درعه قليلاً، واندفع نحوي.
أخيرًا.
كان كالثور الهائج. الأرض كانت تهتز تحت قدميه.
لم أحاول مواجهته. راوغت.
مر بجانبي، وأهوى بسيفه العريض في المكان الذي كنت فيه.
بووووم!
انفجرت الرمال، وتطايرت شظايا من الحجر. لو أصابتني تلك الضربة، لكنت قد تحولت إلى عجينة.
بدأت الرقصة.
رقصة الفأر والقط.
كنت أراوغ، وأتراجع، وأستخدم سرعتي لأبقى بعيدًا عن متناول سيفه المدمر.
وهو كان يطاردني، ويزأر، ويحطم الأرض من حولي.
الحشود بدأت تتململ. كانوا يريدون دماءً. لم يريدوا مشاهدة مباراة مطاردة.
"قاتل كالرجل، يا ڤيرتون!" صرخ أحدهم من المدرجات.
تجاهلته. هذا لم يكن قتالاً من أجل الشرف. كان قتالاً من أجل البقاء.
استمر هذا لدقائق طويلة. كنت أستنزف طاقته، وأستنزف صبري أنا أيضًا.
جسدي كان لا يزال يؤلمني من جزيرة السيادة، وكل حركة كانت تذكرني بذلك.
ثم، ارتكب هو الخطأ.
في خضم غضبه، أهوى بسيفه في ضربة عمودية، ساحقة.
كانت ضربة قوية جدًا لدرجة أنها غرست نصل سيفه بضع بوصات في الحجر الصلب تحت الرمال.
لجزء من الثانية... كان عالقًا.
وكانت هذه هي فرصتي.
لم أتردد.
اندفعت إلى الأمام، ليس لأهاجمه، بل لأتجاوزه.
وبينما كنت أمر بجانبه وهو يحاول يائسًا سحب سيفه، فعلتها.
أطلقت العنان للظلام.
ليس كخيط، ولا كبركة.
بل كشفرة.
ركزت كل طاقتي في سيفي. تحول النصل الفولاذي إلى سواد مطلق، وامتد منه نصل شبحي، حاد، من الظلام المتجمد.
لم أستهدف درعه.
استهدفت يده.
اليد التي كانت تمسك بالدرع البرجي.
ششششك!
الصوت كان مقززًا.
مرت الشفرة الظلية عبر الفولاذ السميك للدرع الواقي ليده، وقطعت أصابعه عند المفاصل.
صرخ كاستر.
صرخة لم تكن من الغضب، بل من الألم الخالص، والصدمة.
سقط الدرع البرجي من يده، وارتطم بالأرض بصوت مدوٍ.
ويده... كانت تنزف بغزارة.
استدار نحوي، والجنون يملأ عينيه. "أنت... أيها الشيطان!"
لم أمنحه فرصة أخرى.
طعنته بسيفي المظلم.
لم أستهدف قلبه.
استهدفت كتفه.
اخترق النصل درعه، وغاص في لحمه.
صرخ مرة أخرى، وسقط على ركبة واحدة.
تلاشى الظلام عن سيفي، وعاد إلى لونه الفولاذي.
وقفت أمامه، ألهث، والعرق يتصبب مني.
"هل تستسلم؟" سألت، وصوتي كان أجشًا.
نظر إليّ، ثم إلى يده المقطوعة، ثم إلى سيفي.
ثم، بصق دمًا على الرمال.
"اللعنة... عليك."
توهج رون الحياة على ذراعه، واختفى في وميض من الضوء.
"الفائز،" دوى صوت الحكم. "هو نير ڤيرتون!"
انفجر الكولوسيوم. مزيج من صيحات الإعجاب، والهمهمات المذعورة.
وقفت في وسط الساحة، ألهث، وأنا أنظر إلى يدي التي كانت لا تزال ترتجف قليلاً من إطلاق العنان لتلك القوة.
لقد فزت.
لكنني كشفت عن جزء آخر من وحشي.
رفعت رأسي، ونظرت نحو الشرفة الإمبراطورية.
رأيت والدي، لا يزال صامتًا.
ورأيت أليستر، وعيناه تضيقان في تحليل بارد.
ورأيت الإمبراطور، وابتسامة غامضة على وجهه.
ورأيت سيرافينا.
لم تكن تبتسم.
كانت تحدق فيّ، وفي عينيها...
بريق من الفهم.
كأنها رأت أخيرًا قطعة أخرى من اللغز الذي أمثله.
...
...
...
[منظور كايلين]
في قاعة الانتظار، كان الصمت هو الحقيقة الوحيدة. ضجيج الحشود في الخارج كان مجرد اهتزاز بعيد في الحجر، لا معنى له.
همسات المنافسين الآخرين كانت كحفيف أوراق جافة، تافهة.
شاشة البلورة العملاقة التي كانت تعرض إعادة لمعركة ديغون، كانت مجرد بقع من الضوء المتحرك.
كنت أجلس في الزاوية الأبعد، في وضعية التأمل، وسيفي التدريبي يستقر على ركبتي.
لم أكن أستريح. كنت... أُفرغ.
كان طقسًا تعلمته من والدي، من كل أسلافي. طقسًا لتحويل الإنسان إلى سيف.
بدأت بإفراغ الماضي. صورة والدي وهو يضربني بالسيف الخشبي حتى أنزف، وذلك الصوت القاسي يقول "انهض"... تلاشت.
صورة نير ڤيرتون وذلك الظلام الفوضوي الذي استخدمه في المتاهة... تلاشت.
ذكرى هزيمتي في برج الأوهام، وذلك الوهم الذي كان أنا... تلاشت.
ثم، أفرغت المستقبل. فكرة مواجهة نير في النهائي. فكرة الفوز أو الخسارة.
فكرة العودة إلى الشمال حاملاً الكأس، أو حاملاً الخزي. كلها... تلاشت.
لم يتبقَ سوى هذه اللحظة. هذا الحجر البارد تحتي. هذا الهواء الساكن في رئتي.
هذا الوزن المألوف للسيف على فخذي.
نبض قلبي تباطأ. تنفسي أصبح أبطأ من حركة المد والجزر. العالم، بكل ما فيه من فوضى وعواطف، أصبح مجرد خلفية بعيدة، باهتة.
لقد أصبحت فارغًا.
لقد أصبحت... مستعدًا.
"المتنافسان التاليان: كايلين من بيت الخشب الحديدي! ضد... اللورد فاليريوس من بيت حارس الشمس!"
الاسم اخترق صمتي، ليس كصدمة، بل كحقيقة بسيطة. كقطرة مطر تسقط على سطح بحيرة هادئة.
فتحت عيني. لم يكن فيهما أي شيء. لا ترقب، لا قلق، لا غضب. فقط... فراغ. فراغ رمادي، هادئ، يعكس العالم كما هو، دون حكم أو عاطفة.
نهضت ببطء، بحركة سلسة واحدة. اللورد فاليريوس، الذي كان يقف في الطرف الآخر من القاعة، ألقى عليّ تلك النظرة الساخرة المعتادة، وقال شيئًا عن برودة الشمال. لم أسمع الكلمات.
سمعت فقط الاهتزاز في الهواء. اهتزاز نابع من عدم الأمان، ومن الحاجة إلى إثبات الذات.
مشيت نحو الممر المظلم الذي يقود إلى الساحة. شعرت ببرودة الحجر تحت نعلي حذائي.
شعرت بتغير ضغط الهواء كلما اقتربت من الضوء في النهاية.
صوت الحشود، الذي كان مكتومًا، أصبح الآن هديرًا، موجة صوتية مادية تضغط على جسدي.
خرجت إلى النور.
الساحة كانت شاسعة. الرمال الذهبية تحت قدمي كانت دافئة بشكل خفيف. الضوء كان ساطعًا.
والهواء كان مليئًا برائحة العرق، والغبار، وتلك الرائحة المعدنية الخافتة للخوف.
في الطرف الآخر، كان خصمي. اللورد فاليريوس.
بدأت في تحليله. ليس كإنسان، بل كنظام.
الدرع الذهبي: مزخرف بشكل مبالغ فيه. الوزن موزع بشكل سيء، يقيّد حركة الكتفين والخصر.
لامع جدًا، سيعكس الضوء ويسبب إلهاءً بصريًا له هو نفسه.
السيف المتوهج: مسحور بسحر ضوء منخفض الرتبة. يهدف إلى الإبهار أكثر من القتل.
مقبضه مرصع بالجواهر، مما يجعل الإمساك به غير مثالي.
الوقفة: واسعة جدًا. تضحي بالسرعة من أجل استقرار وهمي. مركز ثقله مرتفع جدًا.
هالته... لم أرَ هالات كنير. لكني شعرت بنيته. كانت فوضوية، مشتتة.
جزء منها كان يركز عليّ، وجزء آخر كان يركز على الحشود، وجزء ثالث كان يركز على الشرفة الإمبراطورية.
كان يريد أن يقدم عرضًا.
لقد خسر المعركة بالفعل، قبل أن تبدأ حتى.
"ابتدآ!"
اندفع نحوي. السرعة كانت جيدة.
3.2 متر في الثانية، تقريبًا. ترك وراءه أثرًا من الضوء. جميل. وغير فعال.
"رقصة الشمس الأولى: الشروق القاطع!"
الكلمات كانت غير ضرورية. إهدار للنفس، وإعلان عن نيته. النصل كان يستهدف رقبتي في قوس أفقي.
مساره كان واضحًا قبل أن يكمل نصف حركته.
لم أتحرك حتى آخر جزء من الثانية. ثم، ميلت جسدي العلوي إلى الخلف بزاوية خمس عشرة درجة.
مر النصل أمام وجهي. شعرت بالدفء الخفيف الذي ينبعث منه.
استمر في هجومه، استدار، وبدأ سلسلة من الحركات.
"رقصة الشمس الثانية: وابل النيازك!"
سلسلة من الطعنات السريعة، تستهدف صدري ووجهي. ست طعنات.
كل طعنة كانت تختلف عن سابقتها بمقدار بوصتين. يمكن التنبؤ بها.
خطوة صغيرة إلى اليسار. ميل في الكتف. حركة بسيطة من الرأس.
مرت كل الطعنات الست عبر الهواء الفارغ.
"رقصة الشمس الثالثة: اللهب الراقص!"
ضربة عمودية، تتبعها ضربتان قطريتان. حركة قوية، لكنها تترك جانبه الأيمن مكشوفًا بالكامل لمدة 0.8 ثانية.
تجاهلت الفرصة. كنت لا أزال أجمع البيانات.
استمر هذا لدقيقة كاملة. دقيقة كاملة وهو يهاجم، وأنا أتفادى. لم ألمس سيفه بسيفي مرة واحدة. لم أكن بحاجة لذلك.
كنت أراقص ليس معه، بل مع الفراغات التي يخلقها. كنت أرى أنماطه، إيقاع تنفسه، الطريقة التي ينقل بها وزنه قبل كل هجوم.
لقد رسم لي خريطة كاملة لروحه كمبارز. وكانت خريطة بسيطة، ومليئة بالثغرات.
"قاتل! أيها الجبان!"
صوته كان يحمل الآن نبرة من الغضب الحقيقي، والإحباط. جيد. الغضب يجعل الحركات أكبر، وأكثر وضوحًا.
لقد انتهت مرحلة جمع البيانات. حان وقت التفكيك.
عندما اندفع نحوي مرة أخرى، في هجمة فوضوية، لم أتفادَ بالكامل.
سمحت له بالاقتراب.
عندما أهوى بسيفه، رفعت سيفي. ليس لأصد بقوة.
بل لألمس.
"شينغ! "
صوت خفيف، موسيقي. لامس سيفي سيفه، ليس ليوقفه، بل ليغير مساره قليلاً جدًا.
لكن هذا التغيير الطفيف كان كافيًا ليفقده توازنه للحظة.
في تلك اللحظة، تحركت يدي اليسرى.
ضربت بمقبض سيفي السفلي على مفصل كوعه الأيمن.
لم تكن ضربة قوية. كانت نقرة.
نقرة دقيقة، مركزة، على نقطة التقاء العصب والعظم.
رأيت وجهه يتجعد من الألم المفاجئ. اهتزت ذراعه.
شش!
قبل أن يستعيد توازنه، كنت قد تحركت مرة أخرى. خطوة جانبية سريعة.
ضربت بحافة سيفي المسطحة على الجزء الخلفي من ركبته.
مرة أخرى، ليست ضربة قوية. مجرد نقرة حادة، مزعجة.
انحنت ركبته رغماً عنه. تعثر.
تراجع إلى الوراء، وهو يلهث، وينظر إليّ بعدم تصديق. لقد لمسته مرتين، لكنه شعر وكأن ألف حشرة سامة قد لدغته في كل مفاصله.
"ماذا...؟"
لم أمنحه وقتًا للتفكير.
بدأت في الضغط. لم أهاجمه بضربات قوية. بل واصلت نفس التكتيك.
نقرات صغيرة، مزعجة، على نقاط ضعفه. على معصمه. على كتفه. على كاحله.
كل نقرة كانت تكسر إيقاعه، تزرع الشك في عقله، وتذكره بضعفه.
كانت معركة تعذيب نفسي، أكثر منها جسدية.
الحشود كانت صامتة تمامًا الآن. لم يعودوا يفهمون ما يحدث.
فاليريوس، الفارس الذهبي، كان يتم تفكيكه ببطء، كآلية معقدة، على يد شبح رمادي صامت.
أخيرًا، انكسر.
بزئير من الغضب والإذلال المطلق، ألقى بكل ما تبقى من فنياته، واندفع نحوي في هجمة أخيرة، عمياء، يائسة.
أهوى بسيفه المتوهج بكل قوته، في ضربة عمودية، تهدف إلى شقي إلى نصفين.
كانت هذه هي اللحظة التي كنت أنتظرها.
لم أتراجع. لم أتفادَ.
بل خطوت إلى الأمام، إلى داخل مدى ضربته، إلى قلب الخطر.
العالم تباطأ.
رأيت النصل الذهبي وهو يهوي. رأيت تعابير وجهه المشوهة بالغضب.
رفعت سيفي.
لم أصد.
بل انزلقت شفرة سيفي على شفرته، بزاوية حادة، محولة مسار تلك القوة الهائلة بعيدًا عني.
وفي نفس الوقت، استدرت بجسدي، ووضعت يدي اليسرى الفارغة على كتفه، واستخدمت قوة اندفاعه لأديره، لأجعله يفقد كل توازنه.
دار حول نفسه كدوامة عاجزة.
وفي اللحظة التي أصبح فيها ظهره مواجهًا لي، كنت قد أكملت حركتي.
استقرت حافة سيفي الباردة، والهادئة، على رقبته.
تجمد كل شيء.
الضوء الذهبي لسيفه انطفأ، وسقط السلاح من يده، وارتطم بالرمال بصوت مكتوم.
كان يقف، وظهره لي، وأنا خلفه، وسيفي على رقبته.
لم يكن يستطيع التحرك. لم يكن يستطيع التنفس.
ساد صمت مطبق في الكولوسيوم، صمت أثقل من أي زئير.
بقيت على هذه الحال لثانية. ثانيتين. ثلاث.
لم أقل شيئًا.
لم يكن هناك ما يقال.
الفولاذ... كان قد قال كل شيء.
شعرت بجسده يرتجف.
ثم، سمعت همسًا مكسورًا، مهزومًا.
"أنا... أستسلم."
سحبت سيفي ببطء، وأعدته إلى غمده.
استدرت، ومشيت مبتعدًا، دون أن أنظر خلفي.
صوت الحكم، الذي كان يبدو مصدومًا، دوى أخيرًا.
"الفائز... هو كايلين من بيت الخشب الحديدي!"
صوت الحشود انفجر، ليس كهتاف فرح، بل كهدير من عدم التصديق، والرهبة.
عدت إلى قاعة الانتظار.
مررت بنير ڤيرتون. رأيت الصدمة، والتحليل البارد في عينيه. لقد فهم. لقد رأى ما فعلته.
جلست في زاويتي.
أغمضت عيني.
وعدت إلى الفراغ.
لقد انتهت المعركة.
...
...
...
ابتداءً من فصل اليوم، سأبدأ بإضافة مقاطع خاصة تكشف معلومات عن بعض الشخصيات: بداية بشخصية "ديغون
ستونهاند"
...
ديغون ستونهاند: الدرع الصامت
ديغون هو تجسيد للقوة والثبات، شخصية صامتة وعميقة يُعدّ جدارًا لا يتزعزع أمام زملائه. أفعاله تتحدث أكثر من كلماته القليلة ذات الثقل الكبير. يبدو وكأنه نُحت من الصخر ذاته.
معلومات أساسية
العمر: 16 عامًا
الرتبة: الأولى (مُستنير) – رغم رتبته المتواضعة، إلا أن قوته الجسدية تجعله يتفوق على أصحاب المراتب الأعلى.
القدرات والمهارات
قوة جسدية ومتانة فوق بشرية: جسده الضخم وعضلاته كالصخر جعلته "الدرع البشري". تلقى ضربات قاتلة من وحوش وبقي واقفًا. هجماته بسيفه أو قبضتيه تسحق العظام والصخور.
سحر الأرض الفطري: ليس تعلمًا بل ارتباطًا غريزيًا بالأرض. يكشف الاهتزازات، كما فعل مع إلارا. قدرته "زئير الأرض" أطلقت موجات صادمة كسرت أوهامًا معقدة. بل وتمكّن من تحويل صخرة إلى رمال بلمسة.
إرادة لا تتزعزع: صلابة نفسية وعقلية توازي جسده، لا يتأثر باستفزازات أو فوضى، هدفه دائمًا الحماية والسحق.
سيف الكلايمور:
سيف ضخم ومرعب أشبه بقطعة من جدار قلعة، لا يقدر معظم الناس حتى على حمله.
أسلوب قتاله يعتمد على القوة الزلزالية والتحطيم، لا على المهارة الدقيقة.
تحطم سيفه على يد نير كان رمزًا لصدام بين قوة مادية مفهومة وقوة شيطانية تتجاوز المنطق.
نظرته لنير ڤيرتون
في البداية: رآه مجرد زميل غامض.
نقطة التحول: ضحى بجسده لإنقاذ نير من "الناحب الشاحب"، فترسخ داخله شعور بالمسؤولية نحوه.