​الصمت الذي خلفه كايلين وراءه في قاعة الانتظار لم يكن صمتًا فارغًا.

كان صمتًا مشحونًا، كالهواء قبل انكسار الرعد. انتصاره لم يكن مجرد فوز في مبارزة؛

كان إعلانًا، بيانًا مكتوبًا بالفولاذ عن مستوى جديد من القوة، مستوى من الإتقان البارد الذي جعل بقية المتنافسين يشعرون بأنهم مجرد أطفال يلعبون بالسيوف الخشبية.

​مرت دقائق بدت كأنها دهر. العمال السحريون انزلقوا إلى الساحة بصمت، وأصلحوا الخدوش القليلة التي تركها نزال كايلين على الرمال الذهبية، ومحوا كل أثر للمعركة، وأعادوا المسرح إلى حالته الأصلية، البكر، كأنه ينتظر الضحية التالية.

​في الشرفة الإمبراطورية، انحنى الإمبراطور ثيودور قليلاً، وهمس بشيء في أذن سيد الجواسيس فاروس، الذي أومأ برأسه إيماءة غير محسوسة وذاب في الظلال.

بجانبهما، بقي دوق الظلال كتلة من العدم، لا يتأثر بأي شيء، كأنه يشاهد مسرحية كونية شاهدها ألف مرة من قبل.

​ثم، دوى صوت الحكم مرة أخرى، معلنًا عن المباراة التالية، المباراة التي كان الكثيرون ينتظرونها بفضول وترقب.

​"المباراة الثالثة للدور الأول: الأميرة سيرافينا ڤاليراك! ضد... اللورد كاسيان دي فالوا!"

​سرت موجة من الهمهمات المثيرة للاهتمام عبر قاعة الانتظار، وعبر مدرجات الكولوسيوم التي لا نهاية لها.

لم تكن هذه مجرد مبارزة، بل كانت دراما عائلية ونبيلة على أعلى مستوى.

أميرة البيت الإمبراطوري الحاكم، ضد أحد أبرز ورثة دوقية الشمال القوية.

الشيطانة الملائكية، ضد الأفعى الساحرة. لم تكن لتكون معركة سيوف بقدر ما كانت ستكون معركة إرادات، ومكائد، وسموم نفسية.

​في قاعة الانتظار، نهض كاسيان دي فالوا من مقعده. لم يكن يبدو متوترًا.

على العكس، كانت تلك الابتسامة الواثقة، الساحرة، التي صقلها في مئات الحفلات والمؤامرات، مرسومة على وجهه.

مرر يده عبر شعره الأشقر الأنيق، وقام بتعديل قفازه الجلدي المزخرف.

انحنى انحناءة مسرحية خفيفة للطلاب الآخرين، وقال بصوت عالٍ بما يكفي ليسمعه الجميع، "حسنًا، أتمنى أن تستمتعوا بالعرض."

ثم مشى بخفة نحو الممر، وسيفه الرفيع، الرابير، ذو المقبض المرصع بالجواهر، يتدلى من خصره كأنه مجرد قطعة زينة أنيقة.

​ثم، نهضت هي.

​سيرافينا.

​لم تكن هناك أي حركة مسرحية. لم تكن هناك أي كلمات. فقط نهضت، بحركة واحدة، صامتة، ورشيقة، كأنها زهرة زنبق بيضاء تتفتح في صمت.

لم تكن تحمل أي سلاح. يداها كانتا معقودتين بلطف أمامها. وجهها كان قناعًا من البراءة الملائكية، وعيناها الرماديتان كانتا هادئتين، كسطح بحيرة في فجر يوم بلا رياح.

​انزلقت عبر القاعة نحو الممر، وحركتها كانت صامتة تمامًا، كأن قدميها لا تلامسان الأرض.

في عينيها، لم يكن هناك ترقب للمعركة، بل ملل خفيف، كأنها في طريقها لحضور درس آخر ممل.

​في الساحة، كان المشهد تباينًا مطلقًا. كاسيان كان يستقبل هتافات الحشود، يلوح بيده، ويرسل القبلات الهوائية للنبيلات في المدرجات.

كان يستمتع بكونه مركز الاهتمام، يستمد قوته من نظرات الإعجاب والغيرة.

​أما سيرافينا، فكانت تقف في مكانها، صامتة، لا تتحرك، كتمثال من البورسلين وضع في وسط عاصفة.

لم تنظر إلى الحشود، ولا حتى إلى خصمها. كانت تحدق في الفراغ، كأن كل هذا الضجيج، كل هذه الدراما، تافهة جدًا لدرجة أنها لا تستحق انتباهها.

هالتها، التي كانت تبدو للعين المجردة كفتاة نبيلة عادية، كانت تظهر للمراقبين الأكثر حساسية كضباب وردي وأسود متقلب، ضباب هادئ بشكل مخيف، لا يمكن قراءته، ولا يمكن التنبؤ به.

​"ابتدآ!"

​لم يتردد كاسيان. كان يعرف أن أي تردد أمام شخص مثل سيرافينا هو انتحار.

​انطلق نحوها، ليس باندفاع وحشي، بل بانسيابية راقص. سيفه الرفيع خرج من غمده بصوت حفيف، ورسم في الهواء خطًا فضيًا لامعًا.

​"تحية لكِ، يا أميرة!" قال، وصوته كان لا يزال يحمل تلك النبرة الساحرة، وهو يوجه طعنة سريعة، أنيقة، نحو كتفها.

كانت حركة افتتاحية مثالية، تهدف إلى اختبار دفاعاتها، وإظهار مهارته أمام الحشود.

​سيرافينا لم ترفع يدها للدفاع. لم تتحرك حتى. فقط في آخر جزء من الثانية، مالت بجسدها قليلاً جدًا إلى اليسار.

مر نصل سيف كاسيان على بعد شعرة من زيها الرسمي، قاطعًا الهواء فقط.

​لم يتوقف كاسيان. استدار بسلاسة، وواصل هجومه بسلسلة من الحركات الراقصة.

طعنات، وقطعات، ومراوغات. كان سيفه كإبرة فضية، ينسج شبكة من الهجمات حولها، محاولاً إيجاد أي ثغرة.

كان عرضًا رائعًا للمبارزة الأرستقراطية، كل حركة كانت محسوبة وأنيقة.

​لكن لم تكن هناك أي ثغرة.

​سيرافينا كانت تتفادى كل شيء. كانت تتحرك بأقل قدر ممكن من الحركة.

خطوة إلى الخلف. ميل في الخصر. دوران بسيط. كانت كأنها تعرف تمامًا أين ستكون ضربته قبل أن يفكر هو فيها.

كانت رقصة غريبة، رقصة بين أفعى تحاول أن تلدغ، وشبح لا يمكن لمسه.

​ثم، وبينما كانت تتفادى إحدى طعناته، تكلمت.

صوتها كان ناعمًا، موسيقيًا، لكنه اخترق ضجيج الكولوسيوم ووصل إلى آذان الجميع بوضوح مرعب.

​"هذه حركة جميلة، يا لورد كاسيان،" قالت، وابتسامة خفيفة، بريئة، على وجهها.

"هل علمتك إياها ابنة عمك سيلين؟ أم أنك تعلمتها وأنت تختبئ خلف تنورتها؟"

​تجمدت حركة كاسيان لجزء من الثانية. الابتسامة الواثقة على وجهه اهتزت. كان ذلك أول صدع في درعه.

لقد بدأت.

​"ماذا تقولين؟" قال، وصوته فقد بعضًا من سلاسته. وهاجم مرة أخرى، وهذه المرة، كانت حركاته أسرع، وأكثر عنفًا.

​سيرافينا استمرت في مراوغتها الهادئة، كأنها تلعب مع طفل غاضب.

"لا شيء. فقط أتأمل. سيلين دائمًا ما كانت هي الموهوبة الحقيقية في عائلتكم، أليس كذلك؟

المبارزة، السحر، الاستراتيجية... هي كانت دائمًا في المقدمة.

أما أنت..." توقفت، ومالت برأسها، كأنها تبحث عن الكلمة المناسبة.

"...أنت كنت دائمًا... الساحر."

​"اصمتي!" صرخ كاسيان، ووجه طعنة قوية نحو قلبها، متخليًا عن أناقته مقابل القوة الغاشمة.

هذه المرة، لم تتفادَ.

رفعت يدها الفارغة، وأمسكت بنصل سيفه.

أو بالأحرى، قبضت على الهواء على بعد بوصة واحدة من النصل.

​توقف السيف في مكانه، كأنه اصطدم بجدار من زجاج غير مرئي.

اتسعت عينا كاسيان في صدمة.

كان يشعر بقوة لا يمكن مقاومتها تمسك بسيفه، قوة غير مرئية، لكنها مطلقة.

​"قوتك... ليست سيئة،" قالت سيرافينا، وهي لا تزال "تمسك" بسيفه.

"لكنها مشتتة. غاضبة. أنت تقاتل لإثبات شيء ما. وهذا... هو أكبر نقاط ضعفك."

بدأت الأوهام.

​لم تكن أوهامًا ضخمة، كجيش من الوحوش. كانت أوهامًا صغيرة، شخصية، ومسمومة.

بالنسبة للحشود، بدا كاسيان وكأنه تجمد فجأة. لكن في عقله، كان الجحيم قد بدأ للتو.

​"هل تسمعهم، يا كاسيان؟" قالت سيرافينا بصوتها الناعم.

"إنهم يضحكون. الحشود... إنهم يسخرون منك. يقولون إنك مجرد ظل لابنة عمك."

​هز كاسيان رأسه بعنف، والعرق البارد بدأ يتكون على جبهته.

"أنتِ... أنتِ تكذبين!"

​"هل أفعل؟" ابتسمت ابتسامة ملائكية. "انظر إلى الشرفة. انظر إلى والدك. انظر إلى خيبة الأمل في عينيه."

​نظر كاسيان بشكل لا إرادي نحو الشرفة حيث كان يجلس أخ دوق دي فالوا. لم يكن هناك أي تعبير على وجهة.

لكن في عقل كاسيان، لا بد أنه رأى أسوأ كوابيسه. رأى الازدراء، الشفقة، الحكم.

​بدأت حركاته تتباطأ. أصبح دفاعه ضعيفًا.

أطلقت سيرافينا سيفه، وتراجعت خطوة إلى الوراء.

​"هيا، يا كاسيان،" قالت بهدوء.

"أرني قوة دي فالوا الحقيقية. أم أن هذا كل ما لديك؟ مجرد سحر رخيص، وكبرياء مجروح؟"

​صرخ كاسيان صرخة غضب ويأس، واندفع نحوها، وهو يلوح بسيفه بشكل عشوائي، كحيوان جريح.

لقد انكسر.

​لم تعد هذه مبارزة. لقد أصبحت عملية تعذيب نفسي، تُبث مباشرة أمام الإمبراطورية بأكملها.

​سيرافينا لم تعد تتفادى فقط. بدأت تهاجم.

ليس بجسدها، بل بكلماتها، وبأوهامها.

مع كل خطوة كان يخطوها، كانت تهمس بكلمة.

​"فاشل."

ظهر أمامه وهم لسيلين وهي تهز رأسها باشمئزاز.

​"ضعيف."

ظهر أمامه وهم لوالده وهو يدير له ظهره.

​"لا قيمة لك."

رأى انعكاسه في درعها الوهمي، لكنه كان انعكاسًا مشوهًا، يبكي.

​كان يتعثر، يصرخ، ويهاجم أشباحًا لا وجود لها إلا في عقله. كان مشهدًا مروعًا، ومثيرًا للشفقة.

​وأخيرًا، بعد دقيقة كاملة من هذا التعذيب، سقط على ركبتيه، وأسقط سيفه، ووضع يديه على رأسه، وهو يهتز بعنف.

لقد تحطم تمامًا.

​وقفت سيرافينا أمامه، ولم يعد على وجهها أي تعبير.

لا ابتسامة، لا سخرية. فقط ذلك الفراغ البارد، المطلق.

​انحنت نحوه، وهمست بشيء لم يسمعه أحد سواه. كلمة واحدة، ناعمة كالحرير.

رأى الجميع وجه كاسيان يتجمد. الرعشة توقفت. واللون... هرب من وجهه تمامًا، وتركه أبيض كشبح.

الرعب في عينيه كان أعمق من أي شيء رأوه من قبل.

​رفع رأسه ببطء، ونظر إليها كأنه ينظر إلى الموت نفسه.

"أنا... أستسلم."

الكلمات خرجت منه كحشرجة أخيرة.

​"الفائزة،" دوى صوت الحكم، الذي كان يحمل نبرة من الرهبة.

"هي الأميرة سيرافينا ڤاليراك!"

​ساد صمت مذهول في الكولوسيوم. لم يكن هناك تصفيق. لم يكن هناك هتاف. فقط هذا الصمت الثقيل، المرعب.

لقد شاهدوا للتو روح رجل وهي تُسحق على الهواء مباشرة.

​سيرافينا لم تهتم. استدارت، وقبل أن تغادر، نظرت نحو قاعة الانتظار. نظرت نحو نير.

وابتسمت.

ابتسامة صغيرة، ملائكية، وبريئة.

​لكن في تلك الابتسامة، كان هناك وعد. وعد بأن ما فعلته بكاسيان... كان مجرد تدريب.

​عادت إلى قاعة الانتظار، ورائحة الأوزون النفسي لا تزال تلتف حولها.

مرت بجانب كايلين، الذي لم ينظر إليها، لكن جسده كان متوترًا.

مرت بجانب ثيرون، الذي كان ينظر إليها بمزيج من الفخر والخوف.

​ثم توقفت أمام نير.

"أتمنى أن تكون مبارزتك القادمة أكثر تسلية." قالت بهدوء.

​ثم، ودون كلمة أخرى، انزلقت إلى مقعدها، وأغلقت عينيها، كأنها لم تفعل شيئًا سوى إكمال مهمة روتينية بسيطة.

​لكن الجميع في تلك القاعة، وفي تلك الإمبراطورية، كانوا يعرفون الآن.

الأميرة سيرافينا ڤاليراك لم تكن مجرد وجه جميل.

كانت وحشًا. وحشًا يقاتل بالعقول، ويترك وراءه أرواحًا محطمة.

...

...

...

[منظور نير ڤيرتون]

​عدت إلى قاعة الانتظار، وذلك الصمت المذهول الذي خلفته سيرافينا وراءها كان أثقل من أي ضجيج.

الهواء نفسه كان يبدو متجمدًا، هشًا، كأنه على وشك أن يتشقق.

الطلاب الآخرون، الذين كانوا قبل قليل خصومًا واثقين من أنفسهم، أصبحوا الآن مجموعة من الأطفال الخائفين، يلقون نظرات جانبية قلقة على الأميرة التي عادت لتجلس في زاويتها،

وأغلقت عينيها كأنها دخلت في حالة تأمل، أو كأنها ببساطة... تشعر بالملل من وجودنا.

​جلست على مقعدي الحجري البارد، وشعرت بالإرهاق يغمرني مرة أخرى.

لم يكن إرهاقًا جسديًا من معركتي مع كاستر، بل كان إرهاقًا ذهنيًا، استنزافًا روحيًا ناتجًا عن الاضطرار إلى التفكير، والتحليل، والتنبؤ في هذا العالم المتقلب.

​كلمات سيرافينا الأخيرة كانت لا تزال ترن في أذني: "أتمنى أن تكون مبارزتك القادمة أكثر تسلية."

لم تكن أمنية، بل كانت تهديدًا، وتحديًا. كانت تقول لي "لقد رأيت عرضك. الآن، أرني شيئًا يستحق وقتي."

​تنهدت بعمق، وأسندت رأسي إلى الجدار الحجري البارد خلفي.

للحظة، شعرت برغبة عارمة في أن ينهار كل شيء.

أن أستدعي السيف الأسود، والقناع المرعب، وأبدأ في ذبح كل من في هذا الكولوسيوم اللعين، وأرى كيف سيتعاملون مع ذلك.

​لكنها كانت مجرد فكرة عابرة، وليدة اليأس والغضب.

لم أكن مجنونًا كليرا، ولم أكن انتحاريًا.

​بدلاً من ذلك، أجبرت عقلي على العودة إلى المنطق، إلى الحقيقة الوحيدة التي أمتلكها في هذا العالم: معرفتي بالرواية.

​وبينما كنت أفعل ذلك، ضربني إدراك بارد، ومقلق.

"انتظر..." فكرت، وعيناي تتسعان قليلاً. "قتال كايلين... قتال سيرافينا... قتالي أنا... ديغون... سيلين... ليرا... كاستر... كاسيان..."

​بدأت أستعرض أسماء الفائزين في الدور الأول في ذهني.

"كلهم... كل النتائج حتى الآن... تسير تمامًا حسب الرواية."

​صحيح أن التفاصيل كانت مختلفة. تحالفي المؤقت مع كايلين، زيارة عائلتي المستحيلة، ظهور ذلك الكيان المرعب... كل هذه كانت انحرافات، فوضى أُضيفت إلى النسيج الأصلي.

لكن النتيجة النهائية... كانت لا تزال هي نفسها.

الشخصيات الرئيسية، "الأبطال"، كانوا يتقدمون، واحدًا تلو الآخر، تمامًا كما كان مكتوبًا.

​شعرت بقشعريرة باردة تسري في عمودي الفقري. كان الأمر كأن هناك قوة خفية، يد الكاتبة نفسها، تعيد ترتيب الأحداث، وتصحح المسار، وتضمن أن قصتها تسير كما تريد، بغض النظر عن الفوضى التي أحاول خلقها.

شعرت بأنني لست لاعبًا يغير اللعبة، بل مجرد ممثل متمرد، يتم إجباره على العودة إلى دوره المكتوب كلما حاول الارتجال.

​"إذًا..." فكرت، واليأس البارد بدأ يغمرني مرة أخرى.

"إذا كان كل شيء يسير حسب الرواية... فهذا يعني أنني أعرف ما سيحدث بعد ذلك."

​دوّى صوت الحكم مرة أخرى، قاطعًا أفكاري.

"المباراة الرابعة للدور الأول! ولي العهد، الأمير ثيرون ڤاليراك! ضد... الآنسة آيلا!"

​سرت موجة من الهمهمات والضحكات المكتومة في القاعة وفي المدرجات.

كان الأمر سخيفًا. ولي العهد، أحد أقوى المبارزين في جيله، ضد... معالجة قروية. لم تكن مواجهة، بل كانت إعدامًا علنيًا.

​لكنني لم أضحك. شعرت فقط بذلك الاشمئزاز المألوف.

"بالطبع،" تمتمت لنفسي بمرارة. "حان وقت الفصل الأكثر غباءً وابتذالاً في هذا الدور."

​نهض ثيرون من مقعده، والغطرسة عادت لتغلفه كدرع ذهبي.

لقد شعر بالإهانة من أداء أخته، ومن انتصار كايلين البارد.

هذه المباراة كانت فرصته لاستعادة بعض من كبريائه، لاستعراض قوته أمام خصم ضعيف، ليتذكره الجميع كأمير قوي، وليس كأخ مهزوم.

​أما آيلا... فنهضت وهي ترتجف بشكل واضح. وجهها كان شاحبًا كالثلج، وعيناها الواسعتان كانتا تحملان رعبًا خالصًا.

كانت تمسك بحقيبتها الطبية الصغيرة كأنها طوق نجاة في محيط هائج.

​مشيا نحو الساحة، هو بخطى واثقة، منتصرة، وهي بخطى متعثرة، كشاة تُساق إلى الذبح.

​"الكاتبة اللعينة..." فكرت، والغضب يغلي في داخلي. "يبدو أنها لم تجد شيئًا منطقيًا لتجعل بطلتها تفوز على ولي العهد.

لقد كتبت نفسها في زاوية. كيف يمكن لمعالجة من الرتبة الأولى، لا تملك أي خبرة قتالية، أن تهزم أميرًا إمبراطوريًا في مبارزة رسمية؟ مستحيل."

​"إذًا، ماذا فعلت؟" واصلت حديثي مع نفسي، وأنا أتذكر سطور الرواية بوضوح مؤلم.

"لقد لجأت إلى الحل الأسهل، الأكثر جبنًا، والأكثر إثارة للغثيان. لقد جعلتها... تنسحب."

​في الساحة، وقف الاثنان أمام بعضهما البعض. الفارق بينهما كان مضحكًا ومأساويًا.

هو، طويل، قوي، مدرع، وسيفه يلمع. وهي، صغيرة، نحيلة، لا تحمل سوى حقيبة أعشاب، وتبدو وكأنها على وشك أن تنهار من الخوف.

​رفع الحكم يده. "هل أنتما مستعدان؟"

نظر ثيرون إليها بابتسامة متعالية.

"لا تتعبي نفسكِ بالبكاء، يا فتاة. سأجعل الأمر سريعًا."

آيلا كانت ترتجف، لكنها رفعت ذقنها، وذلك العزم العنيد، الذي كنت أكرهه، ظهر في عينيها.

"ثلاثة... اثنان... واحد..."

​"انتظر!"

صوت آيلا، رغم أنه كان خافتًا، إلا أنه كان واضحًا في الصمت الذي سبق بداية المعركة.

تجمد الحكم، ويده في الهواء.

نظرت آيلا ليس إلى ثيرون، بل إلى الحكم، ثم إلى الشرفة الإمبراطورية.

أخذت نفسًا عميقًا، وقالت بصوت مرتجف، لكنه مسموع:

"أنا... أنسحب."

​ساد صمت مذهول على الكولوسيوم بأكمله. عشرات الآلاف من الناس، الذين كانوا ينتظرون رؤية ولي عهدهم يسحق فتاة قروية، تجمدوا في مكانهم.

حتى ثيرون نفسه بدا مصدومًا تمامًا،

وابتسامته المتعجرفة تجمدت على وجهه.

​"ماذا؟" تمتم.

​"أنا أنسحب من هذه المباراة،" كررت آيلا، وهذه المرة، كان صوتها أكثر ثباتًا.

​انفجرت الهمهمات والضحكات الساخرة في المدرجات.

"جبانة!"

"كنت أعرف أنها ستفعل ذلك!"

"لماذا هي هنا أصلاً؟!"

​لكن آيلا تجاهلتهم. استدارت، وبدأت تسير مبتعدة عن الساحة، ورأسها مرفوع.

"الفائز... بالانسحاب..." قال الحكم بارتباك.

"هو ولي العهد، الأمير ثيرون ڤاليراك."

​ثيرون بقي واقفًا في مكانه، ينظر إلى ظهر آيلا المبتعد، وتعبير من الارتباك والغضب وخيبة الأمل يرتسم على وجهه.

لقد سُرقت منه لحظة مجده.

​أما أنا، فلم أشعر بأي مفاجأة. فقط بذلك الغضب البارد، العميق.

لقد حدث. تمامًا كما كان مكتوبًا.

الكاتبة، بعجزها عن كتابة سيناريو منطقي، لجأت إلى هذه الحيلة الرخيصة.

لقد جعلت آيلا تتقدم إلى الدور التالي، دون أن تخدش المنطق كثيرًا فلا أحد يتوقع منها الفوز، وفي نفس الوقت، خلقت لها صورة

"الفتاة الحكيمة التي تعرف حدودها".

​يا لها من مهزلة!

​عدت إلى جناحي، ولم أنتظر حتى أرى ردود أفعال الآخرين.

لم أعد أحتمل هذا السيرك.

أغلقت الباب خلفي، وأسندت جبهتي إلى الخشب البارد.

​كل شيء... كل شيء كان يسير حسب الخطة. ليس خطتي أنا، بل خطة الكاتبة.

الأبطال الستة الرئيسيون - أنا، كايلين، سيرافينا، ثيرون، سيلين، ديغون، - قد تأهلنا جميعًا إلى الدور ربع النهائي. تمامًا كما كان مقدرًا.

​كل صراعاتي، كل آلامي، كل انتصاراتي الدموية... لم تكن سوى أحداث جانبية في قصة أكبر، قصة لا أستطيع تغيير نتيجتها النهائية.

​شعرت بأنني محاصر. محاصر في شبكة من الحبر والقدر.

وأن كل ما أفعله... هو مجرد تأجيل للنهاية المكتوبة مسبقًا.

​"اللعنة..." تمتمت للظلام في غرفتي.

"اللعنة على هذا القدر. واللعنة على هذه الرواية."

​واللعنة عليّ... لأنني، رغم كل شيء، لا أزال أتشبث بذلك الأمل السخيف... بأنني أستطيع تغيير شيء ما.

2025/09/12 · 67 مشاهدة · 2410 كلمة
Ashveil
نادي الروايات - 2025