[منظور نير ڤيرتون]
الصمت الذي تلا كلمات الجنرال ڤاليريوس لم يكن صمتًا عاديًا. كان فراغًا.
فراغًا صوتيًا هائلاً ابتلع زئير مئة ألف متفرج، وترك وراءه فقط طنينًا خافتًا، حادًا، في أذني.
"المعركة... انتهت."
كنت واقفًا هناك، في وسط الساحة الذهبية الملطخة بالدماء، والسيف الأسود في يدي لم يعد يشعر كأنه امتداد لإرادتي، بل كقطعة من جليد غريب، ثقيل، ومميت.
الضوء الأرجواني الخبيث الذي كان يتوهج في عيني خفت، وتلاشى، وترك وراءه وجعًا مكتومًا، كأن روحي قد أصيبت بكدمات.
رأيت المعالجين يركضون نحو ديغون. كانوا يتحركون بحذر، ويلقون نظرات جانبية قلقة نحوي، كأنني وحش بري قد يهاجم في أي لحظة.
رأيتهم يرفعون جسده الضخم، المحطم، على نقالة سحرية تطفو في الهواء، ورأيت الدم يقطر من النقالة ويترك أثرًا قرمزيًا على الرمال.
لم أشعر بشيء.
لا انتصار. لا رضا. لا شيء.
فقط... فراغ.
الجنرال ڤاليريوس لم يتحرك. بقي واقفًا خلفي، كجبل من الفولاذ الأسود، حضوره الصامت كان أثقل من أي حكم، وأقسى من أي عقاب.
لم يكن بحاجة لأن يلمسني. كنت سجين نظرته غير المرئية.
ثم، ظهروا.
حارسان من الحرس الإمبراطوري، يرتديان نفس الدروع السوداء التي لا تعكس الضوء. لم يكونا كالحراس العاديين.
"عين الحقيقة" أظهرت لي أن هالاتهما كانت قوية، ومنضبطة، وخالية من أي عاطفة. كانا آلتين للقتل.
وقفا على جانبي. لم يمسكاني. لم يتكلما. فقط وقفا هناك.
"اذهب."
صوت ڤاليريوس العميق كان الأمر الوحيد الذي اخترق ضباب ذهني.
بدأت أسير.
لم أكن أعرف إلى أين. فقط كنت أتبع الحارسين اللذين كانا يسيران أمامي، ويفتحان لي الطريق.
كانت مسيرة طويلة، صامتة، عبر الرمال الذهبية التي أصبحت الآن مسرحًا لجريمتي.
رفعت رأسي للحظة. الحشود في المدرجات كانت تقف. لم يكونوا يهتفون. كانوا يحدقون.
مئة ألف زوج من العيون، تحدق فيّ. لم تكن نظرات إعجاب، ولا كراهية.
كانت نظرات... خوف. خوف نقي، بدائي، من شيء لم يفهموه، شيء رأوه للتو وهو يمزق أحد أقوى مقاتليهم كأنه دمية من قماش.
هذا ما أردته، أليس كذلك؟ أن يروا قوتي؟
إذًا، لماذا شعرت بالبرد يجتاحني؟ لماذا شعرت بأنني... وحيد بشكل مطلق؟
مررت عبر الممر المظلم، عائدًا إلى قاعة الانتظار. كانت قاعة الفائزين، لكنها الآن كانت تبدو كقاعة المتهمين.
الناجون الستة الآخرون كانوا هناك. توقفوا عن الكلام عندما دخلت.
نظراتهم... كانت هي الأسوأ.
رأيت الصدمة والارتباك في عيني ثيرون. رأيت البرود التحليلي في عيني سيلين، كأنها تحاول فك شفرة هذا العرض المرعب.
ورأيت... الحزن في عيني كايلين. لم يكن غضبًا، ولا ازدراءً. كان حزنًا عميقًا، كأنه يرى صديقًا قديمًا يسقط في هاوية لا قرار لها.
وآيلا... كانت تبكي. دموعها كانت تنهمر بصمت على خديها، ويداها تغطيان فمها.
لم تكن تبكي على ديغون. كانت تبكي عليّ أنا.
أشحت بنظري عنهم. لم أحتمل رؤية انعكاس وحشيتي في عيونهم.
واصلت السير. لم يأخذوني إلى جناحي الخاص. بل قادوني عبر ممرات لم أرها من قبل، أعمق في أحشاء الأكاديمية، حيث الهواء كان أبرد، والحجارة أقدم.
وأخيرًا، توقفوا أمام باب حديدي، أسود، لا يوجد عليه أي علامة.
"انتظر هنا." قال أحد الحارسين، بصوته الآلي. "سيتم استدعاؤك."
ثم، استدارا، وغادرا، تاركين إياي وحدي في الممر الصامت، المظلم.
أسندت ظهري إلى الجدار الحجري البارد، وانزلقت على الأرض.
وهنا، في هذه العزلة المطلقة، انهرت.
لم يكن انهيارًا جسديًا. جسدي كان يصرخ من الألم، لكنني تجاهلته.
كان انهيارًا نفسيًا.
"أنا... أنا كنت سأقتله."
الكلمات خرجت مني كهمس مكسور، مليء بعدم التصديق.
"لا، أسوأ من ذلك. أنا كنت سأعذبه. كنت سأقطعه، قطعة قطعة."
صورة يدي وهي ترفع السيف الأسود فوق جسد ديغون العاجز ومضت في ذهني.
تلك الرغبة... تلك الرغبة المظلمة، المتعطشة للدماء... كانت حقيقية. لقد شعرت بها. لقد استمتعت بها للحظة.
"هو كان سيقتل بشري؟"
السؤال تردد في عقلي، ليس كسؤال، بل كحكم إدانة.
"أن تقتل وحشًا... كان مثل أن تصطاد غزالاً في عالمي القديم."
فكرت، والذكريات تتصارع في ذهني. في جزيرة السيادة، قتلت عشرات الوحوش.
شعرت بالإثارة، بالخطر، بالرضا. لكنه كان صراعًا من أجل البقاء. كان شيئًا بدائيًا، نظيفًا بطريقته الخاصة.
"لكن قتل البشر، وتعذيبهم... منذ متى؟"
منذ متى أصبحت هذا الشيء؟ هذا الوحش الذي يستمتع بفكرة إلحاق الألم بالآخرين؟
تذكرت حياتي السابقة. تذكرت الساعات الطوال التي قضيتها وأنا أقرأ.
"كنت أحب أن أقرأ روايات دموية، صحيح." اعترفت لنفسي، وشعرت بالخزي يغمرني كطوفان من الوحل.
"كنت أستمتع بمشاهد الأبطال المظلمين وهم ينتقمون، وهم يذبحون أعداءهم.
كنت أعيش من خلالهم، أهرب من حياتي البائسة إلى عالم من القوة والسيطرة. لكن... لكن القراءة شيء، والفعل شيء آخر تمامًا."
أن تقرأ عن الدم... شيء. وأن تشعر بدفئه اللزج على يديك، أن تشم رائحته المعدنية الثقيلة، أن ترى الحياة وهي تتلاشى من عيني كائن آخر بسببك... هذا شيء مختلف تمامًا.
لقد استمتعت بقراءة تلك المشاهد، لأنني كنت دائمًا آمنًا. كنت دائمًا خلف الشاشة، خلف الصفحة. لم تكن هناك عواقب حقيقية.
لكن هنا... كل شيء حقيقي. الألم حقيقي. الدم حقيقي. والموت... حقيقي.
والوحش الذي كنت أقرأ عنه... أصبح الآن يعيش في داخلي.
شعرت بالرغبة في التقيؤ.
وضعت رأسي بين ركبتي، وبدأ جسدي يرتجف.
"أنا وحش..." تمتمت. "أنا وحش..."
قضيت ما بدا وكأنه دهر في ذلك الممر المظلم، أتصارع مع حقيقتي الجديدة، المروعة.
ثم، فُتح الباب.
ظهرت الأستاذة إيلارا. وجهها كان كالعادة، هادئًا، وصارمًا. لكن "عين الحقيقة" أظهرت لي أن هالتها البنفسجية كانت تحمل وميضًا من شيء لم أره فيها من قبل.
الشفقة؟ ربما.
"انهض، يا لورد ڤيرتون." قالت بهدوء. "الإمبراطور سيراك الآن."
نهضت على قدمي المرتجفتين، ومشيت خلفها، كخروف يُساق إلى الذبح.
الغرفة التي دخلناها لم تكن قاعة عرش. كانت غرفة صغيرة، بسيطة، تشبه مكتبًا. لم يكن فيها سوى طاولة، وكرسيان.
والإمبراطور كان يجلس على أحد الكراسي، وظهره لي، ينظر من نافذة زجاجية ضخمة تطل على الأكاديمية المضاءة.
لم يكن يرتدي درعه الذهبي. بل كان يرتدي رداءً بسيطًا، داكن اللون.
"اتركينا، إيلارا." قال، دون أن يلتفت.
انحنت الأستاذة، وغادرت، وأغلقت الباب خلفها.
بقيت واقفًا هناك، في صمت، أنتظر.
"اجلس." قال الإمبراطور.
فعلت.
استدار ببطء في كرسيه، وواجهني. عيناه الأرجوانيتان كانتا هادئتين، لكنهما كانتا تحملان عمقًا لا قرار له.
"لقد كان عرضًا... مثيرًا للإعجاب، ومقلقًا للغاية." قال.
لم أرد.
"تلك القوة التي استخدمتها..." تابع. "لم تكن سحر ظل عادي. كانت أقتم. أكثر فوضوية. أكثر... جوعًا."
حدق فيّ. "ما هي؟"
"لا أعرف." قلت، وكانت هذه هي الحقيقة الصادقة الوحيدة التي نطقت بها منذ وقت طويل.
تنهد الإمبراطور. "كنت أتوقع ذلك."
صمت للحظة، ثم قال، "ديغون ستونهاند... سيكون بخير. جروحه بليغة، لكنه سيتعافى. أنت لم تقتله."
"كنت على وشك ذلك." اعترفت بصوت خافت.
"أعرف." قال الإمبراطور. "ولهذا أنت هنا."
انحنى إلى الأمام، ووضع مرفقيه على الطاولة.
"أمامنا مشكلة، يا نير ڤيرتون. مشكلة كبيرة جدًا. لقد أظهرت قوة لا يمكن تفسيرها، ووحشية لا يمكن قبولها، على مسرح الإمبراطورية بأكملها. النبلاء خائفون. ومذعورون. وهم يطالبون بإجابات. يطالبون... بعقاب."
شعرت بالبرد يجتاحني.
"لكن..." تابع، وابتسامة غامضة، خالية من أي مرح، ارتسمت على شفتيه.
"أنا لا أهتم بما يريده النبلاء."
"أنا أهتم... بالإمكانات."
نظر في عيني مباشرة. "ما رأيته اليوم... لم يكن مجرد وحشية.
كان قوة خام، مطلقة. قوة، إذا تم صقلها، إذا تم السيطرة عليها... يمكن أن تصبح أعظم سلاح في هذه الإمبراطورية."
"أو أعظم تهديد لها."
"أنت تقف على حافة شفرة حلاقة، يا فتى." قال.
"يمكنك أن تسقط في الجنون، وتصبح وحشًا سيتم اصطياده والقضاء عليه. أو... يمكنك أن تتعلم كيف تسيطر على هذا الظلام. كيف تحوله من سيد لك... إلى خادم."
"وأنا... سأمنحك هذه الفرصة."
"ستستمر في هذه المنافسة."
صدمة. "ماذا؟"
"لقد فزت بالمباراة. بغض النظر عن الطريقة. ستتقدم إلى الدور نصف النهائي." قال. "لكن... بشروط."
"ستكون تحت المراقبة المباشرة. سأعين لك... مرشدًا. شخصًا سيساعدك على فهم قوتك، والسيطرة عليها. وإذا فشلت... إذا خرج وحشك عن السيطرة مرة أخرى... فسأتعامل معك بنفسي."
لم يكن تهديدًا. كان وعدًا.
"ومن... سيكون هذا المرشد؟" سألت، وأنا أخشى الإجابة.
ابتسم الإمبراطور. "شخص لا تعرفه جيدًا. شخص رأى قوتك عن قرب، ولا يخشاها. شخص يمتلك الانضباط المطلق الذي تفتقر إليه أنت."
وفي تلك اللحظة، فُتح الباب خلفي.
استدرت.
ورأيت فاروس رئيس مديرية الظل يقف هناك، ووجهه هادئ ، وعيناه تحدقان فيّ.
"تبًا لي." كانت هذه هي الفكرة الوحيدة التي استطاع عقلي المنهار أن ينتجها. "لقد انتهى أمري حقًا."
...
...
...
لم تكن هناك كلمات وداع. لم تكن هناك أي تهاني فارغة. بعد أن ألقى الإمبراطور بحكمه، وبقراره الغريب الذي أبقاني في المنافسة، شعرت بأنني لست ناجيًا، بل محكوم عليه بفترة مراقبة مشددة.
خرجت من تلك الغرفة البسيطة التي تفوح منها رائحة السلطة المطلقة، وشعرت بأن الهواء في الممر أثقل، وأبرد. لم يكن مجرد شعور. كان حقيقة.
كان يقف هناك.
في الظلال.
لم يكن ينتظرني، بل كان... جزءًا من المكان. كأن الظل تحت المشعل البعيد قد اكتسب عمقًا أكبر، وكثافة غير طبيعية، ثم تشكل في هيئة رجل.
السيد فاروس. رئيس مديرية الظل الإمبراطورية. سيد الجواسيس. عم الإمبراطور. والآن... "مرشدي".
كان رجلاً رماديًا. كل شيء فيه كان رماديًا. رداؤه البسيط، شعره القصير المرتب، بشرته الشاحبة.
لم يكن فيه أي شيء يلفت الانتباه.
كان من النوع الذي يمكن أن يمر بجانبك في حشد، ثم بعد ثانية، لن تستطيع أن تتذكر ملامحه.
كان تجسيدًا للنسيان. وهذا ما جعله مرعبًا بشكل لا يصدق.
لكن "عين الحقيقة"... كانت ترى شيئًا آخر. أو بالأحرى، كانت لا ترى شيئًا. عندما نظرت إليه، لم أرَ هالة. لم أرَ لونًا، ولا طاقة.
رأيت فراغًا. ثقبًا أسود في نسيج الواقع، يمتص كل المعلومات، كل الضوء، كل محاولة للتحليل.
كانت هالته... سرًا مطلقًا. وهذا كان أشد رعبًا من هالة والدي المظلمة، أو هالة سيرافينا المتقلبة.
لم يقل شيئًا. فقط أومأ برأسه إيماءة خفيفة، إشارة صامتة لي بأن أتبعه.
بدأت أسير. كانت أطول مسيرة في حياتي. المسافة بين مكتب الإمبراطور وقاعة الانتظار لم تكن تتجاوز بضع مئات من الأمتار، لكنها شعرت كأنها رحلة عبر صحراء من اليأس.
فاروس لم يكن يسير بجانبي. كان يسير... حولي. في لحظة، كان خلفي بخطوتين، وصوت خطواته الخافتة كان كصوت احتكاك أوراق جافة.
وفي اللحظة التالية، كنت أشعر به على يساري، في طرف رؤيتي، كظل يتحرك.
ثم يختفي، لأشعر فجأة ببرودة وجوده على يميني.
كان يلعب معي. كان يرسل لي رسالة.
"أنا في كل مكان. أنا لا شيء. وأنا أراك."
كل خلية في جسدي كانت تصرخ. شعرت بأنني عارٍ تمامًا.
كل فكرة، كل شك، كل سر كنت أحمله... شعرت بأنه يراه، يحلله، ويسجله في أرشيفه المظلم.
هل يعرف عن حياتي السابقة؟ عن الرواية؟ عن النظام؟ عن الرجل العجوز؟ الخوف من هذا الاحتمال كان ألمًا جسديًا، كإبر جليدية تخترق دماغي.
"الظلال التي تستدعيها... صاخبة جدًا، يا لورد ڤيرتون."
صوته، الذي كان كحفيف ورق الصنفرة على الحرير، جاء من كل مكان ومن لا مكان.
تجمدت للحظة.
"الظلال الحقيقية... صامتة."
واصلت السير، وقلبي يدق بعنف في صدري. لم تكن مجرد ملاحظة. كانت درسًا، وتهديدًا.
وصلنا أخيرًا إلى قاعة الانتظار. قبل أن أدخل، توقفت والتفت لأواجهه.
لكنه لم يكن هناك. لقد اختفى. ذاب في ظلال الممر كأنه لم يكن موجودًا قط.
تنهدت تنهيدة مرتجفة، ودخلت.
الأجواء في القاعة كانت لا تزال مشحونة. الناجون الآخرون نظروا إليّ عندما دخلت، نظراتهم كانت مزيجًا من الفضول، والشك، والخوف المكتوم.
لقد عرفوا. لقد عرفوا أنني لم أُعاقب، بل أُعطيت... حارسًا.
جلست في زاويتي، وأجبرت نفسي على الهدوء. لكنني كنت أشعر به.
كنت أشعر بنظراته القاتلة، ليس من مكان معين، بل من كل ظل في الغرفة.
"المباراة التالية!" دوى صوت الحكم. "الأميرة سيرافينا ڤاليراك! ضد... السيدة برينا من الحرس الحجري!"
نهضت سيرافينا من مقعدها برشاقة لا تشوبها شائبة. كانت تبدو كأنها لم تتأثر بأي من أحداث اليوم.
وجهها كان هادئًا، ملائكيًا.
في الطرف الآخر من القاعة، نهضت برينا. كانت نقيض الأميرة تمامًا.
كانت جدارًا من العضلات والصلب. درعها البرجي كان لا يزال يحمل خدوشًا من معركتها السابقة، ووجهها كان قناعًا من العزم القاسي.
مشتا إلى الساحة. ملاك من الضوء، وقلعة من الحجر.
الحشود كانت تهمهم بترقب. كانت هذه مواجهة بين الهجوم النفسي والدفاع الجسدي المطلق.
وقفت الاثنتان في وسط الساحة. برينا اتخذت وضعيتها على الفور.
غرست درعها في الرمال، وأصبحت حصنًا لا يمكن اختراقه.
سيرافينا، من ناحية أخرى، وقفت مكتوفة الذراعين، وابتسامة خفيفة، مسلية، على وجهها.
"ابتدآ!"
لم تتحرك سيرافينا. لم تقل شيئًا.
فقط... نظرت.
بدأت المعركة، لكنها لم تكن معركة يمكن رؤيتها.
رأيت، بـ "عين الحقيقة"، خيوطًا رفيعة جدًا، وردية اللون، تنطلق من سيرافينا، وتتسلل نحو برينا.
لم تكن هجومًا عنيفًا. كانت كضباب خفيف، كهمس غير مسموع.
برينا لم تتأثر في البداية. كانت تقف ثابتة، وعيناها مثبتتان على سيرافينا، وتركيزها مطلق.
كانت قد تدربت لسنوات على مقاومة الإلهاءات، على أن تكون صخرة لا تتزعزع.
لكن سيرافينا لم تكن تهاجم تركيزها. كانت تهاجم... ما تحته.
بدأت الأوهام.
لم تكن أوهامًا بصرية. كانت أوهامًا حسية.
شعرت برينا فجأة بأن الأرض تحت قدميها تهتز بشكل طفيف.
تجاهلت الأمر.
ثم شعرت بأن درعها، الذي كان دائمًا امتدادًا لذراعها، أصبح أثقل قليلاً. تجاهلت الأمر.
ثم سمعت صوتًا. صوت طقطقة خافت جدًا، كصوت حجر يتشقق.
نظرت إلى درعها. لم يكن هناك أي شق.
لكن الشك... كان قد زُرع.
"أنتِ قوية، يا سيدة برينا،" قالت سيرافينا، وصوتها كان كأنه لحن مهدئ.
"قوية جدًا. مثل الجدران التي تحمينها."
استمرت برينا في صمتها.
"لكن حتى أقوى الجدران... لها نقاط ضعف." تابعت سيرافينا.
"شقوق صغيرة، غير مرئية. تتسع مع مرور الزمن. مع كل ضربة. مع كل ضغط."
بدأت برينا تتنفس بشكل أثقل قليلاً.
"هل تشعرين به؟" همست سيرافينا.
"ذلك الشك الصغير. تلك الرعشة في يدكِ التي تمسك بالدرع. الخوف من أن هذا الجدار الذي بنيتِ حياتكِ كلها خلفه... قد ينهار."
بدأت الأوهام تصبح أكثر قوة.
الأرض تحت قدمي برينا لم تعد تهتز، بل بدأت تتحول إلى رمال متحركة، تسحبها ببطء إلى الأسفل.
الدرع في يدها لم يعد ثقيلاً، بل أصبح كأنه مرساة عملاقة، تسحبها نحو مصيرها.
وصوت الطقطقة... أصبح الآن صوت انهيار صخري مدوٍ، يأتي من كل اتجاه.
"لا..." تمتمت برينا، وعيناها تتجولان في الساحة برعب.
"هذا ليس حقيقيًا."
"أليس كذلك؟" قالت سيرافينا بابتسامة بريئة.
كانت تفككها. ببطء. بقسوة لا ترحم. لم تكن تستخدم كوابيسها ضدها.
بل كانت تستخدم... قوتها. كانت تحول درعها، مصدر ثقتها، إلى سجنها، إلى مصدر رعبها.
صرخت برينا صرخة غضب، وضربت بدرعها الأرض.
"اصمتي!"
في تلك اللحظة من الغضب، من فقدان السيطرة، وجدت سيرافينا فرصتها.
لم تعد الأوهام مجرد أحاسيس. أصبحت بصرية.
رأت برينا، للحظة خاطفة، والدها، قائد الحرس الحجري، يقف في المدرجات، ويهز رأسه بخيبة أمل.
رأت زملاءها يضحكون عليها.
رأت نفسها، وهي طفلة، تسقط وتفشل في رفع درعها التدريبي لأول مرة.
"كفى!" صرخت، وأغمضت عينيها بقوة.
لكن الأوهام لم تكن في الخارج. كانت الآن في داخلها.
فتحت عينيها، وكانت تحدق الآن في أسوأ كوابيسها.
لم تعد ترى سيرافينا. كانت ترى نفسها، محطمة، مهزومة، وحيدة.
في تلك اللحظة من الانهيار النفسي الكامل، تحركت سيرافينا.
انزلقت نحوها، ليس لتهاجمها، بل لتقف أمامها مباشرة.
لمست درعها بإصبع واحد.
لم تكن لمسة. كانت نبضة. نبضة من طاقة نفسية نقية، مركزة، استهدفت نقطة ضعف دقيقة كانت قد حددتها في بنية الدرع السحرية.
لم ينكسر الدرع.
بل... رن.
بدأ الدرع يهتز، ويصدر صوت رنين حاد، عالي التردد، كجرس كنيسة ضخم ضُرب بمطرقة كونية.
الصوت لم يكن مسموعًا للجميع، لكنه كان يصم الآذان بالنسبة لبرينا التي كانت تمسكه.
صرخت برينا صرخة ألم حقيقية هذه المرة، وسقطت على ركبتيها، وأسقطت الدرع من يديها المرتجفتين.
الرنين توقف.
لكن المعركة... كانت قد انتهت.
وقفت سيرافينا فوقها، وظلها يغطيها.
"الجدران... دائمًا ما تسقط من الداخل، يا سيدة برينا."
نظرت برينا إلى الأعلى، والدموع تنهمر من عينيها، ممزوجة بالهزيمة المطلقة.
"أستسلم..." تمتمت.
"الفائزة... هي الأميرة سيرافينا ڤاليراك!"
ساد صمت مطبق في الكولوسيوم، ثم انفجر في تصفيق متردد، ممزوج بالرهبة.
شاهدت سيرافينا وهي تعود إلى قاعة الانتظار، وابتسامتها الملائكية على وجهها، كأنها لم تفعل شيئًا سوى قراءة قصيدة.
لكنني كنت أعرف.
لقد شاهدت للتو عملية اغتيال. اغتيال للروح.
وشعرت ببرودة أعمق من أي شيء شعرت به من قبل.
لأنني أدركت... أنني التالي في قائمتها.
نظرت إلى الظل في زاوية الغرفة، حيث كنت أعرف أن فاروس يراقب.
وتساءلت...
هل هو هنا ليرشدني...
أم ليتأكد من أنني سأموت بالطريقة الصحيحة؟
لم يكن لدي أي إجابات.
فقط المزيد من الخوف.
والمزيد من الظلام.
...
...
...
سيلين دي فالوا: شتاء الشمال المطلق
سيلين دي فالوا ليست مجرد أميرة، بل هي تجسيد حي لشتاء الشمال نفسه: جميلة، باردة، وقاسية بشكل لا يرحم. هي تمثل النظام المطلق، والانضباط الجليدي، والإرادة التي لا تنكسر.
كل حركة تقوم بها محسوبة، وكل تعويذة تطلقها هي خطوة في استراتيجية كبرى. بالنسبة لها، العالم ليس فوضوياً، بل هو مجموعة من المتغيرات التي يمكن السيطرة عليها وتجميدها وفرض النظام عليها.
معلومات أساسية
* العمر: 16 عامًا.
* الرتبة: الرتبة الأولى (مُستنير). (كغيرها من النخبة، فإن رتبتها الرسمية تخفي قوة حقيقية تتجاوز بكثير مستوى المبتدئين).
القدرات والمهارات:
قوة سيلين هي مزيج مرعب من السحر الجليدي المدمر والعقل الاستراتيجي البارد الذي لا يرحم.
سيدة الجليد المطلقة:
هيمنة على ساحة المعركة: أعظم قوة لدى سيلين هي قدرتها على تغيير بيئة المعركة بالكامل وتحويلها إلى مملكتها الجليدية الخاصة.
فن القتال الجليدي: سحرها ليس مجرد إطلاق رماح جليدية. إنه فن متكامل.
يمكنها خلق جدران دفاعية صلبة، وعواصف من الشظايا الحادة، وتجميد الأرض تحت أقدام خصومها، وتشكيل سيوف حادة من الجليد الأسود.
تقنيتها النهائية، "سجن الجليد الأبدي"، هي تحفة من السيطرة، قادرة على احتواء وهزيمة حتى أقوى الهجمات الفوضوية.
عقل استراتيجي بارد:
سيلين مقاتلة ذكية بشكل استثنائي. هي لا تندفع أبدًا إلى القتال بشكل أعمى.
مبارزتها ضد ليرا فيكس كانت مثالًا على ذلك، حيث قابلت كل هجوم فوضوي من ليرا بدفاع محسوب، واستدرجتها لاستنزاف كل طاقتها قبل أن توجه ضربتها القاضية.
هي تفكر كجنرال، ترى المعركة كلها كخريطة، وتتوقع حركات خصمها قبل أن يقوموا بها.
إرادة وُلدت من جديد:
تجربتها في برج الأوهام كانت لحظة محورية. لقد واجهت أعمق مخاوفها – الخوف من الفشل ومن خيبة أمل والدها – وانهارت تمامًا. لكنها لم تبقَ محطمة.
بل نهضت من رماد يأسها، وقبلت بضعفها وحولته إلى قوة.
لقد خرجت من البرج ليس كأميرة فخورة، بل كقوة من قوى الطبيعة، إرادتها أصبحت أصلب وأبرد من أي جليد يمكن أن تخلقه.
نظرتها لنير ڤيرتون:
علاقة سيلين بنير هي علاقة تناقض وازدراء حذر. هي ترى فيه كل ما تحتقره، لكنها تدرك في نفس الوقت الخطر الذي يمثله.
من الإزعاج إلى الحيرة:
قبل الأكاديمية، كان نير الأصلي مجرد معجب مزعج كانت تتجاهله. لكن نير الحالي أربكها. لقد اختفت نظراته المعجبة، وحل محلها برود لا مبالي.
هذا التغيير المفاجئ جعله لغزًا، لكنه لغز لا يثير فضولها بقدر ما يثير حذرها.
الفوضى ضد النظام:
هذا هو جوهر صراعهما الفلسفي. سيلين هي النظام، الانضباط، والسيطرة. نير هو الفوضى، العاطفة الخام، والقوة غير المتوقعة.
هي ترى "الظلام الشيطاني" الذي يستخدمه كقوة قذرة، غير منضبطة، وخطيرة.
هي لا تحترم قوته بالطريقة التي قد يحترمها كايلين؛ بل تراها كمرض، كعيب يجب احتواؤه أو استئصاله.
أداؤه الفوضوي في المرحلة الثالثة، والذي أدى إلى إقصاء الفريق، أكد لها وجهة نظرها هذه.
العقبة الأخيرة:
على عكس سيرافينا التي ترى نير كلعبة مسلية، ترى سيلين نير كعقبة مباشرة في طريقها نحو القمة. طموحها هو أن تكون الأقوى، أن تثبت تفوق فلسفتها المبنية على النظام.
ونير، بفوضاه غير المتوقعة وقوته الغامضة، يمثل المتغير الأكبر والأكثر إزعاجًا في خططها. هي لا تهتم بفهم أسراره؛ هي تريد هزيمته، وتجميده، وإثبات أن نظامها المطلق أقوى من فوضاه المطلقة.
بالنسبة لها، نير ليس لغزًا يجب حله، بل هو عاصفة يجب إخمادها.
...
هل تحبون أن أكتب وصف الشخصيات بالتفصيل العميق هكذا بكل جانب من شخصيتها وقوتها وعلاقتها بنير؟
أم تفضلون نسخة مختصرة وسريعة تركز على أهم النقاط فقط؟