مرت ليلة، ويوم، وليلة أخرى.
كانت الأكاديمية تحبس أنفاسها. الأجواء المشحونة التي خلفتها نزالات الدور ربع النهائي لم تتبدد، بل تكثفت، تحولت إلى صمت ثقيل، مليء بالترقب.
لم يعد الأمر مجرد منافسة طلابية. لقد أصبح استعراضًا للقوى التي سترسم ملامح الجيل القادم.
أربعة أسماء كانت تتردد في همسات الطلاب والنبلاء على حد سواء: ڤيرتون، ڤاليراك، دي فالوا، والخشب الحديدي.
الظل، والشيطانة، وأميرة الجليد، والمبارز الصامت. أربعة أقطاب للقوة، على وشك أن تتصادم.
في فجر اليوم المحدد للدور نصف النهائي، كان الكولوسيوم قد امتلأ عن آخره مرة أخرى.
لكن هذه المرة، لم يكن هناك ضجيج، ولا هتافات صاخبة. كان هناك صمت مهيب، صمت يليق باللحظة.
كانوا يعرفون أنهم على وشك أن يشهدوا ليس مجرد قتال، بل حربًا بين فلسفتين، بين أسطورتين من الشمال المتجمد.
في قاعة الانتظار، كان الهواء باردًا وثقيلاً. لم يتبق سوى أربعة.
ديغون كان قد غادر، بعد أن تم إقصاؤه، وعاد إلى جناحه السكني كجبل صامت يحمل ندوب هزيمته.
نير ڤيرتون كان يجلس في أبعد زاوية، مغمض العينين، لكن جسده كان متوترًا كقوس مشدود.
"عين الحقيقة" لديه، حتى وهي مغلقة، كانت تحاول أن تقرأ الطاقة المتصاعدة من الاثنين اللذين كانا على وشك الدخول إلى الساحة.
بجانبه، كانت تقف سيرافينا، هادئة بشكل مرعب، وابتسامة خفيفة، غامضة، على شفتيها، كأنها تشاهد مسرحية تعرف نهايتها بالفعل.
"المباراة الأولى للدور نصف النهائي!" دوى صوت الحكم، مدويًا في صمت الكولوسيوم.
"من بيت دي فالوا، أميرة الشمال... سيلين! ضد... من بيت الخشب الحديدي، نصل الشمال... كايلين!"
نهضت سيلين أولاً. حركتها كانت انسيابية، ملكية. ارتدت زيًا قتاليًا أزرق داكنًا، يكاد يكون أسودًا، مطرزًا بخيوط فضية تشكل أنماطًا معقدة من بلورات الجليد.
لم تكن تحمل أي سلاح. مشت نحو الممر، وظهرها مستقيم، وذقنها مرفوع. كانت ملكة تتجه إلى ساحة إعدامها... أو تتويجها.
ثم نهض كايلين. لم تكن في حركته أي أناقة، ولا أي دراما. فقط تلك الكفاءة الصامتة، المميتة.
كان يرتدي زيه الرمادي البسيط، وسيفه العادي في يده.
مشى نحو الممر، ليس كملك، وليس كمحارب.
بل كشبح. كفراغ على وشك أن يتخذ شكلاً.
في الساحة، وقف الاثنان أمام بعضهما البعض. كانت المسافة بينهما مئة متر من الرمال الذهبية، التي بدت دافئة بشكل مخادع تحت ضوء الصباح البارد.
كان المشهد لوحة من التناقضات المطلقة.
هي، سيلين، كانت حضورًا. حضورًا طاغيًا.
ما إن خطت إلى الساحة، حتى شعر الجميع بأن درجة الحرارة قد انخفضت قليلاً.
"عين الحقيقة" لنير كانت ترى ضبابًا أزرق باهتًا، باردًا، يبدأ في التسرب منها، يلتف حول قدميها، ويجمد حبات الرمل القريبة، محولاً إياها إلى جواهر صغيرة، متلألئة.
كانت تفرض إرادتها على العالم من حولها.
وهو، كايلين، كان غيابًا. ما إن وقف في مكانه، حتى بدا وكأنه يختفي.
لم يكن اختفاءً بصريًا. بل كان اختفاءً في الوجود.
هالته البيضاء النقية انكمشت، وتلاشت، حتى أصبح بقعة فارغة في نسيج الطاقة. لم يكن يفرض أي شيء. كان يصبح لا شيء.
لم تكن هناك كلمات. لم تكن هناك نظرات تحدٍ. فقط هذا الصمت العميق، وهذه المواجهة بين الوجود واللاوجود.
"ابتدآ!"
لم يهاجم كايلين. لم يتحرك. بقي واقفًا، ساكنًا كجبل جليدي، ينتظر.
سيلين، من ناحية أخرى، لم تضيع أي وقت.
لم تطلق رمحًا جليديًا، ولم تخلق جدارًا. فعلت شيئًا أعمق، وأكثر هيمنة.
رفعت يدها ببطء، ثم أنزلتها، ولامست براحة يدها الرمال الذهبية.
في تلك اللحظة، ماتت الساحة.
موجة من الظلام الأزرق، ليست سوداء، بل زرقاء داكنة جدًا، انطلقت منها في دائرة كاملة، بسرعة لا تصدق.
لم تكن موجة على السطح، بل كانت موجة تجمد تجتاح الرمال من الأسفل.
في ثانية واحدة، تحولت أرضية الكولوسيوم الذهبية، الدافئة، بأكملها، إلى بحيرة متجمدة، ملساء، من الجليد الأسود اللامع.
لم يكن جليدًا عاديًا. كان "الجليد الشمالي الأسود"، جليد يتشكل تحت ضغط هائل في أعمق الأنهار الجليدية، صلب كالفولاذ، وبارد لدرجة أنه يحرق.
والأخطر من ذلك، أنه كان غير مستوٍ. كانت عليه نتوءات حادة، وصدوع صغيرة، كأنه سطح بحيرة تجمد في منتصف عاصفة عنيفة.
لقد غيرت ساحة المعركة بأكملها في أول ثانية.
لقد دمرت أفضلية أي مبارز يعتمد على الحركة السلسة، وحولت الأرض إلى سلاحها الخاص.
لكن كايلين... لم يتأثر.
في اللحظة التي شعرت فيها قدماه بالبرودة الزاحفة، قبل أن يتجمد الرمل بالكامل، تكيف.
لم يقفز، لم يتراجع. جسده تحرك بشكل غريزي، انسيابي. تغير مركز ثقله، وانحنت ركبتاه قليلاً.
لم يعد مبارزًا على أرض مستوية. أصبح متسلق جبال، يقف على حافة منحدر جليدي، توازنه مثالي، مطلق.
ابتسمت سيلين ابتسامة باردة. لقد أدركت أن خصمها ليس كأي خصم آخر.
رفعت يديها.
وبدأت الأغنية الحقيقية للجليد.
من بحيرة الجليد الأسود تحت أقدامهم، بدأت ترتفع الأشياء.
مئات، ثم آلاف من الرماح الجليدية الحادة، ليست زرقاء، بل سوداء، كأنها أنياب وحش منسي.
لم ترتفع بشكل عمودي، بل كانت تنطلق من الجليد بزوايا مختلفة، وتتحرك نحوه، كقطيع من الذئاب الجليدية التي تصطاد فريستها.
بدأ كايلين في التحرك.
لم تكن رقصة. كانت فنًا للبقاء على قيد الحياة.
كان ينساب بين الرماح السوداء التي كانت ترتفع من كل مكان. لم تكن حركاته سريعة بشكل خارق، بل كانت... دقيقة بشكل
مستحيل.
كل خطوة كانت تهبط في الفجوة الوحيدة المتاحة. كل ميل في جسده كان يتفادى نصلًا جليديًا بفارق شعرة.
سيفه كان ضبابًا فضيًا، لا يهاجم، بل يلامس.
نقرة خفيفة هنا لتحطيم رأس رمح. ضربة جانبية هناك لتحويل مسار آخر.
كان كسمكة تسبح ضد تيار من الشفرات.
لكن سيلين لم تكتفِ بذلك.
بينما كان كايلين مشغولاً بالغابة المميتة من الرماح، رفعت يدًا واحدة نحو السماء.
وبدأت العاصفة.
لم تكن عاصفة ثلجية عادية. كانت عاصفة من الشظايا. آلاف الشظايا الجليدية الحادة، الصغيرة كالإبر، بدأت تهطل من الأعلى، وتملأ الفراغات بين الرماح، وتصدر صوت هسهسة حادًا وهي تمزق الهواء.
الرؤية أصبحت شبه مستحيلة. كل شبر من الهواء أصبح الآن سلاحًا.
في قاعة الانتظار، حبس نير أنفاسه. "هذا... هذا جنون."
كانت سيلين قد خلقت جحيمًا مطلقًا من الجليد. لم يكن هناك مكان آمن. لم يكن هناك مكان للمراوغة.
لكن كايلين... كان لا يزال يتحرك.
لم يعد يعتمد على عينيه. لقد أغمضهما.
لقد عاد إلى الفراغ.
الآن، لم يكن يرى الرماح والشظايا. كان يشعر بها. كان يشعر بالاضطراب الذي تحدثه في الهواء.
كان يشعر بالنية الباردة، القاتلة، التي كانت تنبعث من كل قطعة جليد.
كان يقاتل العاصفة نفسها.
كان مشهدًا سرياليًا. شبح رمادي، مغمض العينين، يتحرك برشاقة مستحيلة في قلب إعصار من الموت الأسود والأبيض، وسيفه يرسم دوامات من الضوء الفضي، لا يترك أي شيء يلمسه.
كانت هذه هي ذروة الدفاع. الكمال المطلق.
أدركت سيلين أنها لن تهزمه بهذه الطريقة. هذا الرجل... كان آلة. آلة لا تتأثر بالفوضى، لأنها لا ترى الفوضى.
كان عليها أن تهاجم... الآلة نفسها.
أوقفت العاصفة.
فجأة، توقف كل شيء. الرماح توقفت عن النمو. الشظايا تلاشت.
ساد صمت مطبق مرة أخرى على الساحة، التي أصبحت الآن غابة من التماثيل الجليدية السوداء.
فتح كايلين عينيه.
كان يقف في وسط هذا المشهد الساكن، ولم يمسه أي خدش.
لكنه كان يلهث قليلاً جدًا. هذا الدفاع المطلق... كان يستهلك طاقته.
"فراغك مثير للإعجاب، يا كايلين من بيت الخشب الحديدي،" قالت سيلين، وصوتها كان هادئًا، وواضحًا في الصمت.
"دفاع مثالي. لكن الفراغ... فارغ. لا يمكنه أن يخلق. يمكنه فقط أن يتفاعل. إنها فلسفة درع، وليست فلسفة ملك."
الكلمات... كانت هجومًا من نوع مختلف.
رأى نير، من قاعة الانتظار، كايلين يتجمد للحظة. لم تكن حركة جسدية.
كانت اهتزازًا في هالته. لأول مرة، اهتز فراغه. لقد طعنته في صميم كيانه كمبارز.
واستغلت سيلين تلك اللحظة. تلك الجزء من الثانية من التردد الفلسفي.
لم تهاجمه.
هاجمت الساحة.
ضربت بقدمها الجليد الأسود.
كراااااااااااااااااك!
صوت التكسر كان مدويًا، كأن العالم نفسه يتشقق.
الأرضية الجليدية الصلبة التي كانا يقفان عليها... بدأت تنهار.
لم تكن تنهار إلى الأسفل.
بل كانت تنهار إلى الداخل.
تحطمت بحيرة الجليد الأسود إلى آلاف القطع الضخمة، الحادة، وبدأت تدور في دوامة عنيفة، تتجه نحو المركز، حيث كان كايلين يقف.
لقد تحول السجن الجليدي... إلى طاحونة لحم جليدية.
فُتحت فجوة تحت قدمي كايلين. فقد توازنه.
وفي تلك اللحظة من الفوضى، بينما كان يحاول يائسًا أن يجد موطئ قدم على قطعة جليد دوارة، انطلقت هي.
لم تكن تمشي، بل كانت تنزلق على شظايا الجليد برشاقة متزلجة أولمبية، وسيفها الرفيع في يدها لأول مرة.
كانت تبتسم.
لأنها عرفت... أن الفراغ، عندما يفقد أساسه... لا يصبح شيئًا سوى... فوضى.
...
اللحظة التي انكسر فيها تركيز كايلين، تلك الجزء من الثانية الذي تجرأت فيه فلسفة على تحدي فراغه، كانت هي كل ما احتاجته سيلين.
لم تكن مجرد فرصة، بل كانت دعوة. دعوة لإطلاق العنان للشتاء الحقيقي الذي كان يكمن تحت قناعها الجليدي الهادئ.
لم تهاجمه. لقد هاجمت العالم تحت قدميه.
الصوت لم يكن مجرد تكسر. كان أنينًا عميقًا، مدويًا، كأن قلب هذا العالم المتجمد قد توقف عن النبض للحظة، ثم انفجر.
بحيرة الجليد الأسود، التي كانت ساحة رقصهم الأنيقة، تحطمت من الأسفل. لم تكن مجرد شقوق، بل كانت انهيارًا كارثيًا، فوضويًا.
آلاف القطع الضخمة من الجليد الأسود الحاد، بعضها بحجم عربات، وبعضها الآخر بحجم صخور عملاقة، انفصلت عن بعضها البعض، وبدأت تدور في دوامة عنيفة، هابطة نحو مركز الساحة، حيث كان كايلين يقف.
لقد تحول السجن الجليدي... إلى طاحونة لحم جليدية.
فُتحت فجوة سوداء تحت قدمي كايلين. فقد توازنه المثالي لأول مرة. انزلقت قدماه على السطح الذي لم يعد ثابتًا. للحظة، بدا
وكأنه مجرد بشري، يصارع ضد زلزال من صنعه عدوه.
سقط.
لم يكن سقوطًا بسيطًا. لقد ابتلعته الهاوية الدوارة من الشظايا الجليدية.
رأى الجميع في الكولوسيوم جسده الرمادي يختفي في قلب تلك العاصفة السوداء والزرقاء من الموت البلوري.
صرخة مكتومة من الصدمة سرت عبر الحشود.
لكنه لم يصرخ.
في قلب ذلك الجحيم الدوار، كان كايلين يقاتل. لم يعد يرقص.
لم يعد في حالة "الفراغ". لقد أصبح حيوانًا بريًا، يقاتل بغريزة البقاء النقية، الوحشية.
كانت شظايا الجليد تمزق ملابسه، وتترك جروحًا حمراء عميقة على جلده.
قطعة جليدية حادة، بحجم خنجر، انغرست في عضلة كتفه الأيسر.
شعر بألم حارق، بارد، كأن نارًا جليدية قد اشتعلت في عروقه. لكن الألم... أيقظ شيئًا آخر.
الوحشية.
بزئير لم يكن بشريًا، زئير صامت من الإرادة الخالصة، استخدم سيفه ليس ليصد، بل ليتحرك.
غرس نصله في قطعة جليد دوارة ضخمة، واستخدمها كنقطة ارتكاز ليقذف بنفسه إلى الأعلى، خارج الدوامة.
خرج من قلب الطاحونة كأنه قذيفة.
هبط على حافة الساحة المنهارة، وسقط على ركبة واحدة، وهو يلهث.
الدم كان يتدفق بغزارة من كتفه، ومن عشرات الجروح الأصغر، ويلون الجليد الأسود تحته ببقع قرمزية، كأزهار موت تتفتح.
لم تكن هناك أي شفقة في عيني سيلين.
لقد رأت الدم. ورأت فرصتها.
لم تعد تلك الأميرة الهادئة. تحولت إلى تجسيد للشتاء نفسه، قاسٍ، ولا يرحم.
انزلقت نحوه على الجليد المنهار، ورشاقتها كانت مرعبة، كذئبة قطبية تلاحق فريستها الجريحة.
لم تعد يداها فارغتين. في كل يد، تشكل سيف رفيع، طويل، مصنوع من نفس الجليد الأسود، وكان ينبض بضوء أزرق باهت.
"انتهى الأمر، يا رجل الشمال،" قالت، وصوتها كان باردًا كحد نصليها.
"لقد أثبت أنك مجرد بشري، في النهاية."
رفعت سيفيها، واستعدت لإنهاء المعركة.
لكن كايلين... رفع رأسه.
لم يكن في عينيه ألم، ولا خوف.
كان فيهما ذلك الفراغ مرة أخرى.
لكنه كان فراغًا مختلفًا. لم يكن هادئًا. كان... جائعًا.
لقد واجه الألم، واحتضنه، وحوله إلى جزء من فراغه.
"لم يبدأ بعد، يا أميرة."
نهض. لم يترنح. كانت وقفته ثابتة، راسخة، رغم جروحه.
وابتسم.
ابتسامة خفيفة، باردة، لكنها كانت أشد رعبًا من أي تهديد.
"اللعنة..." تمتمت سيرافينا في قاعة الانتظار، وعيناها الرماديتان متسعتان.
"لقد... لقد استمتع بذلك."
بدأت المعركة الحقيقية.
معركة بين وحشين.
لم تعد معركة تكتيك، أو فلسفة.
أصبحت معركة إرادات، معركة وحشية، دموية، بلا خوف.
اندفعت سيلين، وسيفاها الجليديان يرسمان قوسين من الموت الأزرق.
اندفع كايلين لملاقاتها، وسيفه الفولاذي يغني أغنية الحرب.
كلاااااااااااااااااااانغ!
صوت اصطدام الفولاذ بالجليد المسحور كان يصم الآذان.
انفجرت موجة من الطاقة الباردة من نقطة الاصطدام، وتناثرت شظايا الجليد والشرارات الفولاذية في كل مكان.
تراجعا خطوة إلى الوراء، وكلاهما ينظر إلى الآخر بصدمة خفيفة.
قوتهم كانت متساوية بشكل مرعب.
ثم هاجما مرة أخرى.
تحولت الساحة إلى ضباب من الحركة. كان من المستحيل متابعة ما يحدث.
لم يكن هناك سوى ومضات من الأزرق والرمادي، وأصوات الصدام العنيفة التي لا تتوقف.
كانا يمزقان بعضهما البعض.
سيف سيلين الأيمن تمكن من اختراق دفاع كايلين، وترك جرحًا جليديًا عميقًا على صدره.
صرخة مكتومة خرجت من كايلين، لكنه تجاهل الألم، واستغل تلك الفتحة ليضرب بسيفه، ويحطم سيف سيلين الأيسر إلى غبار بلوري.
لم تهتم سيلين. في جزء من الثانية، تشكل سيف جليدي جديد في يدها اليسرى.
كانت تقاتل بقوة لا تنضب، تستمد طاقتها من الجليد الذي يغطي الساحة، من البرد الذي كان جوهر وجودها.
وكايلين كان يقاتل بقوة الإرادة الخالصة.
كل جرح كان يجعله أسرع، وأكثر دقة. كل قطرة دم كانت تشحذ تركيزه.
الدم كان في كل مكان. دم كايلين الأحمر القاني، الذي كان يتجمد ما إن يلامس الأرض.
ودم سيلين القرمزي الباهت، الذي كان يسيل من جرح أحدثه كايلين على ذراعها، ويتحول إلى بلورات صغيرة قبل أن يسقط.
كانا يصرخان الآن. ليس بكلمات، بل بزئير بدائي، حيواني. زئير الألم، والغضب، والبهجة الوحشية للقتال.
"هذا... هذا ليس قتالاً،" تمتم ثيرون، ووجهه شاحب. "هذه... مجزرة."
الحشود كانت صامتة تمامًا، تشاهد في رعب وصمت. لقد نسوا أنهم في منافسة.
كانوا يشاهدون حربًا حقيقية، حربًا بين شتاء الشمال نفسه، وفراغه الصامت.
استمر القتال. خمس دقائق. عشر. خمس عشرة.
لم يتعبا. لم يتوقفا.
كانا آلتين للموت، مصممتين لتدمير بعضهما البعض.
لكن شيئًا ما كان يتغير.
الجليد الأسود على أرضية الساحة... بدأ يتشقق. ليس بسبب القتال، بل بسبب شيء آخر.
بدأ يتوهج.
توهج أحمر خافت، من الأسفل.
"عين الحقيقة" لنير كانت تصرخ في عقله.
"الساحة... الساحة لا تستطيع تحمل هذا القدر من القوة! إنها على وشك الانهيار!"
في الشرفة الإمبراطورية، وقف الإمبراطور.
"أوقفوا المباراة!" صرخ. "الآن!"
لكن الأوان كان قد فات.
في الساحة، جمعت سيلين كل قوتها المتبقية في هجوم أخير.
"سجن الجليد الأبدي!"
ارتفعت أعمدة الجليد من الأرض، لتشكل ذلك القفص الكروي
المميت حول كايلين.
وجمع كايلين كل قوته المتبقية.
"فراغ."
لم يهاجم. بل أصبح هو الفراغ.
اصطدم القفص به.
ولم يحدث انفجار.
بدلاً من ذلك، بدأ القفص الجليدي يتآكل، يتحول إلى غبار أزرق.
وبدأ جسد كايلين يصبح شفافًا، كأنه هو الآخر على وشك أن يتلاشى.
كانت قوتهما تلغي بعضها البعض، في عملية فناء متبادل.
وفي تلك اللحظة، انفجرت الساحة.
بووووووووووووووووووووووووووم!
انفجار هائل من الطاقة البيضاء والزرقاء، ابتلع كل شيء، وأعمى كل من كان يشاهد.