[منظور نير ڤيرتون]
في قاعة الانتظار، لم يكن هناك هواء لنتنفسه. كان هناك فقط... توتر.
توتر كثيف، مادي، كأنه ضباب غير مرئي يضغط على الصدور ويجعل كل نبضة قلب تبدو كقرع طبول جنائزية.
كنا جميعًا، نحدق في شاشة البلورة العملاقة، عيوننا متسمرة على المشهد المستحيل الذي كان يتكشف في الساحة.
لقد توقفت عن كوني مجرد مبارزة.
لم تعد رقصة من الفولاذ والجليد.
لقد تحولت إلى حرب. حرب بين فلسفتين، بين قوتين بدائيتين من الشمال المتجمد، كل منهما يحاول محو الآخر من الوجود.
كانت سيلين قد أطلقت العنان لجحيمها. "سجن الجليد الأبدي". لم يكن مجرد قفص، بل كان عالمًا صغيرًا من الموت، ينهار على نفسه، قضبانه السوداء الحادة كانت تطحن كل شيء في طريقها.
وكان كايلين، في مواجهة الفناء، قد تخلى عن كل شيء، وأصبح تجسيدًا لفلسفته. "الفراغ".
اصطدمت القوتان.
لم يكن هناك انفجار بالمعنى التقليدي.
كان هناك... تمزق.
صرخة صامتة من الواقع نفسه وهو يتمزق. انفجرت موجة من الضوء والطاقة، بيضاء وزرقاء وسوداء، عنيفة جدًا لدرجة أن البلورة التي كنا نشاهد من خلالها تشققت، والصورة أصبحت مشوشة ومليئة بالضجيج السحري.
اهتزت الأرضية الحجرية لقاعة الانتظار تحت أقدامنا، وسقطت بعض قطع الغبار من السقف العالي.
في الشرفة الإمبراطورية، وقف الإمبراطور وجميع "الأجنحة السبعة" على أقدامهم، وجوههم أقنعة من الصدمة والتركيز الحاد، وهم يشاهدون الحاجز السحري للكولوسيوم يتوهج بعنف، يصارع لاحتواء هذه القوة الكونية التي أطلقها اثنان من المراهقين.
استمر الأمر لثوانٍ بدت كأنها دهر.
ثم، ببطء، بدأ الضوء يخفت. بدأ الغبار السحري يستقر.
وعاد المشهد ليظهر على البلورة المتشققة.
الصمت الذي تلا ذلك كان أعمق وأكثر رعبًا من أي ضجيج.
الساحة... لم تعد موجودة.
الرمال الذهبية الجميلة، والأرضية الحجرية القديمة تحتها، كل ذلك اختفى. حل محله حفرة ضخمة، مشوهة، قطرها مئات الأمتار.
كانت الأرض في داخلها مزيجًا بشعًا من الزجاج الأسود المنصهر، الذي كان لا يزال يتوهج بحرارة خافتة، وشظايا من الجليد الأسود الحاد، التي كانت تنبعث منها برودة قاتلة.
كانت ساحة معركة من الجحيم، ولدت من اصطدام النار المتجمدة والفراغ المطلق.
وفي وسط هذا الخراب، كانا هما.
"كان كايلين قد سقط."
كان ممددًا على ظهره في قلب الحفرة، وجسده بالكاد يمكن تمييزه عن الأنقاض المحيطة به.
زيه الرمادي كان قد تحول إلى خرق محترقة وممزقة. جسده كان خريطة مروعة من الجروح.
كانت هناك حروق سوداء، عميقة، على ذراعيه وساقيه، ليست حروق نار، بل حروق فراغ، كأن أجزاء من وجوده قد تم محوها.
وكانت هناك جروح أخرى، قطوع عميقة، كريستالية، من شظايا الجليد التي اخترقت درعه وجلده، وكان الدم يتسرب منها ببطء، ويتجمد على الفور ما إن يلامس الأرض.
سيفه، ذلك النصل الفولاذي البسيط، كان ملقى بجانبه، وقد انكسر إلى نصفين.
كان ساكنًا، فاقدًا للوعي. شبح مكسور في قلب الدمار الذي ساعد في صنعه.
وعلى بعد أمتار قليلة منه، كانت سيلين واقفة.
"محطمة، ومحترقة، ولكنها واقفة."
كانت بالكاد تقف. كانت تتكئ على سيف جليدي أسود جديد كانت قد شكلته، وتستخدمه كعكاز.
ساقها اليسرى كانت ملتوية بزاوية غير طبيعية، ومن الواضح أنها مكسورة.
زيها الأبيض والأزرق كان ممزقًا، ومحترقًا في أماكن، وملطخًا بدمها الأزرق الباهت.
وجهها الجميل، الذي كان دائمًا قناعًا من الكمال، كان الآن شاحبًا كالموت، وعليه خدوش عميقة، وشفتها السفلى تنزف.
كانت تلهث، وأنفاسها تخرج كغيوم بيضاء في الهواء البارد للساحة المدمرة.
كانت ترتجف بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ليس من البرد، بل من الإرهاق المطلق، ومن بقايا القوة الهائلة التي مرت عبر جسدها.
لكنها كانت واقفة.
وهذا... كان كل ما يهم.
"لقد... فازت..." تمتمت، والصوت خرج مني كهمس مذهول. "تمامًا كما ذكر في الرواية."
بعد كل تلك الفوضى، كل تلك الانحرافات، كل تلك الوحوش غير المتوقعة... عادت القصة لتفرض نفسها.
عادت الحبكة لتجد طريقها. النتيجة النهائية... كانت هي نفسها.
سيلين دي فالوا... هي من ستواجه الفائز من مباراتي أنا وسيرافينا في النهائي.
شعرت بأن قيود القدر، التي ظننت أنني بدأت أكسرها، تلتف حولي مرة أخرى، وتشد قبضتها.
"الفائزة..." دوى صوت الحكم، الذي كان يرتجف هو نفسه.
"هي... سيلين دي فالوا!"
لم يكن هناك تصفيق. لم يكن هناك هتاف.
فقط ذلك الصمت المروع، الممزوج بأصوات أنين مكتومة قادمة من بعض الطلاب في المدرجات الذين لم يستطيعوا تحمل المشهد.
ركض المعالجون إلى الساحة، وجوههم أقنعة من الهلع والكفاءة المهنية.
أحاطوا بكايلين، وبدأوا في إلقاء أضعف أنواع تعاويذ الشفاء، يائسين لتثبيت حالته قبل نقله.
مجموعة أخرى توجهت نحو سيلين، لكنها أوقفتهم بإشارة ضعيفة من يدها.
"أستطيع... السير." قالت بصوت أجش، وبالكاد مسموع.
وبدأت تسير، تعرج بشدة، وتتكئ على سيفها الجليدي، خارجة من ساحة انتصارها المدمر، ورأسها مرفوع بكبرياء محطم.
في قاعة الانتظار، كان الصمت أثقل من أي وقت مضى.
نظرت إلى سيرافينا. كانت لا تزال هادئة، لكنني رأيت، بـ "عين الحقيقة"، أن هالتها المتقلبة كانت تدور بسرعة أكبر، وفيها ومضات من اللون الأحمر الحاد. لم تكن خائفة. كانت... متحمسة.
هذا المستوى من الدمار، هذا العرض للقوة المطلقة... لم يخفها، بل أثارها.
"يا لها من وحوش،" تمتمت، وأنا أنظر إلى صورتي سيلين وكايلين على الشاشة.
"نعم،" جاء صوت سيرافينا الناعم من جانبي.
"لكن حتى
الوحوش... يمكن ترويضها."
دوّى صوت المدير مرة أخرى، وهذه المرة، كان صوته يحمل نبرة من الإرهاق والجدية المطلقة.
"بسبب الدمار الهائل الذي لحق بالساحة الرئيسية، والذي سيتطلب إصلاحه وقتًا طويلاً وسحرًا معقدًا... سيتم تأجيل المباراة نصف النهائية الأخيرة، بين الأميرة سيرافينا ڤاليراك ونير ڤيرتون، إلى الغد."
"سيتم عقدها في الساحة المدرعة الثانوية. استعدا."
تنهدت بارتياح لم أكن أعرف أنني أحتاجه. يوم آخر. أربع وعشرون ساعة أخرى من الحياة، قبل أن أواجه شيطاني الخاص.
غادرنا قاعة الانتظار بصمت، كل منا يتجه إلى جناحه.
لكنني كنت أعرف أنني لن أستطيع الراحة.
عقلي كان يعج بالأفكار، بالتحليلات، بالخوف.
معركة كايلين وسيلين لم تكن مجرد قتال. كانت درسًا.
لقد أظهرت لي حدود القوة.
كايلين، بـ "فراغه"، كان يمثل الكمال المطلق للمهارة الفردية.
سيلين، بسيطرتها على البيئة، كانت تمثل الكمال المطلق للسحر الاستراتيجي.
وقد حطم كل منهما الآخر.
وأنا؟ أين مكاني بين هذين العملاقين؟
قوتي كانت فوضوية، غير مستقرة. وحشية، لكنها تفتقر إلى الانضباط.
إذا واجهت كايلين، ففراغه سيبتلع فوضاي.
وإذا واجهت سيلين، فنظامها الجليدي سيجمد فوضاي.
وفي النهاية، سأواجه سيرافينا. التي لا تقاتل بالقوة، بل بالعقل.
شعرت باليأس يزحف في عروقي مرة أخرى.
"أنا لست مستعدًا،" فكرت، وأنا أقف أمام باب جناحي. "أنا لست قويًا بما فيه الكفاية."
لكن بعد ذلك، تذكرت.
تذكرت تلك الليلة في الممر، وذلك الرجل الرمادي الذي يراقبني من الظل.
تذكرت كلماته.
"عقلك... صاخب جدًا."
"إذا لم تجد السلام، أو على الأقل السيطرة، فسيأكل كليهما، ويترك وراءه فراغًا."
لقد كان على حق.
لم تكن قوتي هي المشكلة.
بل كنت أنا.
صراعي الداخلي، خوفي، غضبي، ذكرياتي... كلها كانت تسمم ظلامي، وتجعله فوضويًا.
"السلام... أو السيطرة."
دخلت غرفتي، وأغلقت الباب. لم أذهب إلى السرير. لم أطلب طعامًا.
بل جلست في وسط الغرفة، في وضعية التأمل.
لم يكن لدي وقت للتدريب الجسدي. لم يكن لدي وقت لتعلم تعاويذ جديدة.
كان لدي ليلة واحدة فقط.
ليلة واحدة لأواجه أكبر عدو لي.
نفسي.
وأجد... ذلك الهدوء.
ذلك الهدوء الذي يسبق... الموت.
...
...
...
الليل الذي تلا إعلان مباريات الدور نصف النهائي لم يكن ليلًا عاديًا.
كان وحشًا صامتًا، يلتهم الوقت ببطء، ويترك وراءه فراغًا مشحونًا بالترقب والقلق.
كل ظل في جناحي الفاخر كان يبدو أطول، وأقتم. كل همسة ريح كانت تبدو كصدى لاسم خصمي القادم: سيرافينا.
قضيت الساعات الأولى بعد عودتي من قاعة الانتظار في حالة من الشلل التحليلي.
كنت أسير ذهابًا وإيابًا في غرفتي، كحيوان محبوس في قفص، وعقلي يعيد عرض كل لحظة من مبارزاتها، كل ابتسامة ملائكية، كل كلمة مسمومة.
كيف أقاتل شبحًا؟ كيف أهزم عدوًا سلاحه هو عقلي أنا؟
الإرهاق، ذلك العدو القديم، بدأ يطالب بحقه.
جسدي، الذي لم يتعافَ تمامًا من جحيم جزيرة السيادة، كان يتوسل إليّ للراحة.
وروحي، التي تمزقت بين اليأس والحقد والتحدي، كانت على حافة الانهيار.
"النوم..." تمتمت، والكلمة بدت كأنها ترف لا أستحقه.
"أحتاج فقط... أن يتوقف كل شيء. ولو لساعات قليلة."
استسلمت أخيرًا. سحبت جسدي المنهك، وتجردت من زيي الرسمي الذي كان يشعرني بالاختناق.
لم أزعج نفسي بارتداء ملابس نوم. وقفت للحظة أمام المرآة، أنظر إلى الجسد الذي أسكنه.
نحيل، شاحب، ومغطى بشبكة من الندوب الباهتة والجديدة، كل ندبة تحكي قصة معركة يائسة.
لم يكن جسد بطل. كان جسد ناجٍ.
انزلقت بين الملاءات الحريرية الباردة لسريري الضخم. كانت ناعمة، ومريحة بشكل مقزز.
شعرت وكأنني أغرق في بحر من الرفاهية التي لم أعد أشعر بأنني أستحقها.
أغلقت عيني، وأجبرت عقلي على الصمت. طردت صورة سيرافينا، وصورة كايلين، وصورة والدي.
ركزت فقط على الظلام خلف جفوني، ودعته يبتلعني. ببطء، ببطء شديد، بدأ ضجيج العالم يتلاشى.
بدأت أنجرف بعيدًا، نحو ذلك النسيان المؤقت، والمرحب به، الذي يسمى النوم.
كنت على الحافة. على وشك أن أسقط في بئر اللاوعي...
عندما تغير شيء ما.
لم يكن صوتًا. لم يكن حركة.
كان... تغيرًا في الهواء.
الهواء في غرفتي، الذي كان دافئًا وهادئًا، أصبح فجأة باردًا.
باردًا بشكل حاد، جاف، كأنه هواء قادم من قمة جبل متجمد.
وأصبح ثقيلاً، كأن وجودًا هائلاً قد دخل الغرفة، وأزاح الأكسجين بوزنه المطلق.
ثم، شممتها. رائحة خافتة، غريبة. رائحة الأوزون الذي يتخلف عن السحر القوي، ممزوجة بشيء آخر، شيء قديم، كرائحة الحجر الرطب في معبد منسي، ورائحة النجوم الباردة.
تجمدت.
لم أفتح عيني على الفور.
غريزة البقاء التي تعلمتها بالطريقة الصعبة كانت تصرخ في وجهي.
"لا تتحرك. تظاهر بالنوم. أنت لست وحدك."
قلبي، الذي كان قد بدأ يهدأ، انفجر في سباق محموم، يدق بعنف في صدري كأنه طائر محبوس يحاول كسر قفصه.
ببطء شديد، فتحت جفوني، مجرد شق رفيع، بالكاد يسمح للضوء بالمرور.
ورأيتها.
وكل قطرة دم في عروقي تحولت إلى جليد.
كانت تقف في وسط غرفتي، بالقرب من نهاية سريري، كأنها شبح تجسد من ظلال القمر التي كانت تتسلل من النافذة.
لم تكن مجرد شخص. كانت تجسيدًا للخطر الصامت.
كانت صورة ظلية داكنة، يحددها معطف طويل، واسع الأكمام، ذو ياقة مرتفعة تخفي عنقها، وتمنحها هالة طقوسية، غامضة.
وشاح أسود كان يلتف حول نصف وجهها السفلي، كأنه يحمي سرًا قديمًا، أو يمنع العالم من رؤية حقيقتها المروعة.
لم يكن مرئيًا منها سوى... عينيها.
كانتا جمرتين من ضوء بنفسجي متوهج، عنيف، تنبعث منهما طاقة لا تنتمي إلى هذا العالم، كأنهما نافذتان تطلان على قلب عاصفة كونية.
كانت تحمل سيفين من نوع كاتانا. أحدهما كان يستريح على كتفها، في تحدٍ صامت، والآخر كانت تمسكه في قبضتها المنخفضة، جاهزًا للضرب في أي لحظة.
وقفتها كانت ثابتة، واثقة، كأنها لا تنتظر المعركة، بل تراقب من سيجرؤ على البدء بها.
"عين الحقيقة" انفجرت في عقلي، ليس كهمس، بل كصرخة رعب.
الهالة التي رأيتها... جعلت كل ما رأيته من قبل يبدو كلعبة أطفال.
كانت هالة أرجوانية مرعبة.
لم تكن مجرد لون، بل كانت عاصفة حية من الطاقة المدمرة، تدور حولها بعنف مكبوت، كثيفة لدرجة أنها كانت تشوه الهواء من حولها.
كانت أقوى من هالة "الناحب الشاحب". ربما بنفس مستواه.
هذا الكائن الذي أمامي... كان قادرًا على محو هذا الجناح بأكمله من الوجود بلمح البصر.
من هذه؟ ماذا تريد؟ كيف دخلت إلى هنا، إلى قلب أكاديمية سيلفانوس المحصنة؟
كل جزء من كياني كان يصرخ بالهرب. لكن جسدي كان مشلولاً تمامًا.
لم يكن شللاً جسديًا، بل شللاً فرضته إرادتها، فرضته هالتها الساحقة.
كنت مجرد فأر، تجمد في مكانه أمام نظرة أفعى.
ثم، تحركت.
انزلقت عبر الغرفة بصمت مطلق، كأنها تطفو فوق الأرض.
اقتربت من سريري، خطوة تلو الأخرى.
مع كل خطوة، كان البرد يزداد.
كنت أرى أنفاسي تتجمد في الهواء أمامي.
توقفت بجانب سريري مباشرة. كانت
تطل عليّ من الأعلى، وعيناها البنفسجيتان المتوهجتان هما الشيء الوحيد الذي أراه في الظلام.
لم أستطع قراءة أي تعبير فيهما.
كانتا مجرد بئرين من القوة الخالصة، والغموض المطلق.
رفعت يدها ببطء. كانت ترتدي قفازًا أسود، رقيقًا.
مدتها نحوي. نحو رأسي.
أردت أن أصرخ. أردت أن أستدعي السيف الأسود. أردت أن أفعل أي شيء.
لكنني لم أستطع.
لامست أصابعها الباردة جبهتي.
لم تكن لمسة. كانت غزوًا.
شعرت ببرودة جليدية، حادة، تخترق جمجمتي، وتتجمد في دماغي، وتشل كل فكرة، كل مقاومة.
ثم، تغير كل شيء.
الواقع... ذاب.
لم تكن بوابة سحرية. لم يكن انتقالاً آنيًا.
شعرت بأن غرفتي، سريري، جسدي، كل شيء، يتم طيه على نفسه، كقطعة من الورق.
شعرت بأنني أُسحب عبر نفق من الظلال البنفسجية والسوداء، بسرعة تتجاوز الفكر.
سمعت صوت تمزق، ليس صوتًا مسموعًا، بل صوت شعرت به في روحي، صوت تمزق نسيج المكان والزمان.
الرحلة استمرت لجزء من الثانية، ولدهر كامل في آن واحد.
ثم، قُذفت خارجًا.
ارتطمت بأرضية صلبة، باردة، كأنها عظام مصقولة.
العالم حولي كان لا يزال يدور.
استغرق الأمر مني عدة ثوانٍ لأستعيد بعضًا من حواسي.
رفعت رأسي، وأنا ألهث، وقلبي يدق بعنف كأنه سيحطم أضلاعي.
"أين... أنا؟"
الكلمات خرجت مني كحشرجة.
كنت في تلك القاعة المستحيلة.
قاعة العرش المنسية، ذات الجدران العظمية، والسقف الذي يبكي ظلامًا.
المرأة ذات العيون البنفسجية، كانت تقف بجانبي، كحارس صامت.
لكن نظري لم يكن عليها.
كان على العرش.
العرش المكسور.
كان يجلس عليه رجل عجوز.
"لوهلة، لم أعرفه."
هذا الكائن المحطم، المثير للشفقة... لم يكن يشبه ذلك السامي القديم، الهادئ، الذي قابلته في الكهف الجليدي.
لم يكن يشبه ذلك الكيان الذي أعطاني السيف، وأنقذني من الموت.
كانت هناك قطعة قماش سوداء، متفحمة عند الحواف، تلف الجزء العلوي من وجهه بالكامل، تغطي كلا عينيه، وتُربط بإحكام خلف رأسه. كان من الواضح أنها تخفي خرابًا مروعًا تحتها.
ذراعه اليسرى كانت مفقودة، مقطوعة من فوق الكتف، والجرح كان مغطى بضمادات داكنة، قديمة، لكنني استطعت أن أرى وميضًا خافتًا، خبيثًا، من طاقة فاسدة يتسرب من خلالها.
رداؤه البسيط كان ممزقًا، وكشف عن جسد نحيل، مغطى بشبكة من الندوب القديمة والجديدة.
لكنني عرفته. من ذلك الحضور القديم، ومن ذلك الحزن الذي لا قرار له والذي كان ينبعث منه.
إنه هو. "بلا قدر".
لكن قدره... كان يبدو قاسيًا بشكل لا يصدق.
...
...
...
كنت لا أزال راكعًا على الأرضية التي تشبه العظام المصقولة، أحاول أن أجعل العالم يتوقف عن الدوران.
الهواء في هذه القاعة المستحيلة كان ثقيلاً، باردًا، ومشبعًا برائحة حزن قديم.
أمامي، كانت تقف تلك الحارسة ذات العيون الأرجوانية المتوهجة، كشبح من الانتقام.
وعلى العرش المكسور، كان يجلس الخراب المتجسد، الرجل الذي أنقذني مرتين، والذي كان الآن مجرد بقايا محطمة لكائن سامي.
"نير ڤيرتون..."
صوته، رغم ضعفه، كان لا يزال يحمل ذلك العمق، ذلك الوزن الذي يهز الروح.
قبل أن أتمكن من طرح أي سؤال ، تذكرت. تذكرت ذلك اللقاء الأول، في قلب الجحيم المتجمد، وذلك التعريف المستحيل الذي قدمه عن نفسه.
الكلمتان قفزتا من ذاكرتي إلى شفتي، ليس كسؤال، بل كهمس مذهول، كأنني أحاول أن أتأكد من أنني لم أكن أهذي.
"بلا قدر؟"
في اللحظة التي خرجت فيها الكلمتان، رأيت الفتاة تستدير نحوي فجأة.
التوهج في عينيها البنفسجيتين ازداد حدة، ليس بغضب، بل بنوع من الإرهاق المطلق، والامتعاض الذي لا حدود له.
نظرت إليّ، ثم إلى سايلس الجالس على العرش، وأطلقت تنهيدة طويلة، حادة، كصوت تمزق الحرير.
"ما مشكلتك مع هذه الألقاب بحق الجحيم؟"
قالت، وصوتها كان يقطر سخرية متعبة، وهي توجه كلامها إلى سايلس.
"بلا قدر؟ قاتل الخلود؟ كاسر القدر؟ هل أنت طفل في الخامسة من عمره يختار أسماءً لألعابه؟"
تجمدت. هل... هل هي توبخ هذا الكائن المرعب؟
لكن سايلس، بدلًا من أن يغضب، أدار رأسه المغطى بالقماش الأسود قليلاً في اتجاهها.
"ماذا؟" قال، وصوته كان يحمل نبرة من البراءة المصطنعة، الطفولية، التي كانت أشد إثارة للقلق من أي تهديد.
"أليس لقبًا جميلاً؟ إنه عميق. وفلسفي."
"إنه سخيف،" ردت الفتاة بحدة. "وهو السبب في أن الجميع يطاردونك. لو أنك سميت نفسك 'بوب البستاني'، لما اكترث بك أحد."
بقيت أحدق فيهما، وعقلي عاجز تمامًا عن معالجة هذا الحوار العبثي.
هل هذان هما الكائنان اللذان يرتجف منهما الكون؟ يبدوان كجد عجوز ومساعدته المراهقة في شجار منزلي.
وكأنما شعر بارتباكي، أو ربما ملّ من توبيخها، أدار سايلس وجهه نحوي مرة أخرى.
"نير..." قال، وهذه المرة، كان صوته يحمل نبرة مختلفة، نبرة من الفضول الهادئ.
"من أي عائلة تنتمي؟"
السؤال، في بساطته، صدمني. كان غير متوقع تمامًا. شعرت بالتوتر يعود إليّ.
لماذا يسألني هذا الآن؟ ماذا يهم اسم عائلتي في هذا المكان الذي يتجاوز كل العائلات؟
"أنا... من آل ڤيرتون،" أجبته، وشعرت بوزن الاسم، بكل ما يحمله من ظلام وقوة، يتردد في هذه القاعة الفارغة.
لم يعلق سايلس. فقط بقي صامتًا، كأنه يخزن هذه المعلومة في أرشيفه اللامتناهي من المعرفة.
شعرت بالجرأة للحظة. إذا كان هو يسأل، فيمكنني أنا أيضًا أن أسأل. نظرت إلى الحارسة الشبحية التي كانت لا تزال واقفة كصقر مستعد للانقضاض.
"وأنتِ... من أي عائلة؟" سألت، محاولاً أن أجعل صوتي يبدو طبيعيًا قدر الإمكان.
تفاجأت الفتاة بسؤالي. اتسعت عيناها البنفسجيتان قليلاً، ومالت برأسها، كأنها لم تفهم السؤال.
"عائلة؟" كررت الكلمة، كأنها مصطلح غريب وتافه. ثم نظرت إليّ بازدراء بارد.
"أنا لا أمتلك مثل هذه الأشياء الضعيفة. أنا أتبعه هو." أشارت برأسها نحو سايلس. "هو كل ما أحتاجه."
صمتت للحظة، ثم ضاقت عيناها.
"وأيضًا، ما الهدف من هذا السؤال السخيف؟ هل تحاول جمع المعلومات؟"
لم أستطع الرد. كلماتها كانت قاطعة، وباردة، وكشفت عن ولاء مطلق، وعزلة أعمق من أي شيء عرفته.
"وما هي عائلته هو؟" سألت، وأشرت برأسي نحو سايلس، محاولاً تغيير الموضوع، ومحاولة يائسة لفهم أي شيء.
ضحكت الفتاة ضحكة خافتة، خالية من أي مرح.
"عائلته؟" قالت بسخرية. "ربما عائلة آل قدر، أو كاسر القدر، أو صانع الألقاب السخيفة. أو أي شيء آخر من هراء ألقابه التي يخترعها كل قرن. لا تسأل أسئلة غبية."
"يكفي."
صوت سايلس الهادئ قطع سخريتها. لم يكن أمرًا، بل كان يحمل نبرة من التعب، من الحزن.
استدار "وجهه" نحوي مرة أخرى.
"نير ڤيرتون،" قال ببطء. "أجبني على سؤال واحد. بصدق."
"هل تعرف ماذا حدث... في غابة خشب الفضة؟"
السؤال... هبط عليّ كجبل من الجليد.
غابة خشب الفضة.
رحلة الموت.
عقلي بدأ يبحث، يحفر في الذكريات.
أتذكر. أتذكر إعلان الأستاذ ألاريك.
أتذكر رعبي. أتذكر يأسي في العربة. أتذكر وصولنا إلى حافة الغابة.
ثم...
لا شيء.
فراغ.
فجوة سوداء، هائلة، في شريط حياتي.
الذكرى التالية كانت لي وأنا أستيقظ في جناح الشفاء، مع الآخرين، وأشعر بذلك الخزي من "الفشل الفخري".
ماذا حدث في تلك الأيام؟ ماذا حدث للوحش من الرتبة السابعة؟ ماذا حدث لتضحية الأستاذ ألاريك؟
لقد رأيتها في ذاكرتي المتلاشية من قبل. لكن الآن... حتى ذلك الصدى قد اختفى.
لم أعد أتذكر أي شيء عنها.
رفعت رأسي، ونظرت نحو سايلس، والكلمات لم تكن ضرورية.
لا بد أن الرعب والارتباك المطلق على وجهي كانا إجابة كافية.
"كما توقعت،" تمتم سايلس، وصوته كان يحمل ثقل الكون. "الضباب الثاني... لقد أكل تلك الذكرى أيضًا."
"ضباب؟" تمتمت، والصوت كان يرتجف.
"ماذا... ماذا تقصد؟"
لكن سايلس لم يجب.
بدلاً من ذلك، نهض من عرشه المكسور، وهو يترنح قليلاً. الفتاة كانت بجانبه على الفور، تسنده.
"لا وقت للشرح،" قال، كأنه قرأ أفكاري. "هناك أمور أكثر إلحاحًا."
مشى نحوي، ووقف أمامي. لم أستطع رؤية عينيه، لكنني شعرت بهما، تفحصانني، تقرآنني من خلف ذلك القماش الأسود.
وضع يده النحيلة، المرتجفة، على كتفي. شعرت بقوة هائلة، قديمة، تتدفق منه، ليس كطاقة، بل كحقيقة.
"هناك لعبة أكبر تُلعب، يا نير ڤيرتون،" قال بهدوء مرعب. "لعبة لم تكن جزءًا منها حتى الآن. لكن يبدو أن القدر، أو شيء آخر، قد قرر أن يرميك في وسط الرقعة."
"وأنا..." صمت للحظة. "أنا بحاجة إلى أن أعرف... ما إذا كنت بيدقًا... أم ملكًا."
لم أفهم. لم أفهم شيئًا.
لكنني شعرت بأن العالم من حولي بدأ يهتز، ليس جسديًا، بل وجوديًا.
شعرت بأن كل ما أعرفه، كل ما أظنه حقيقيًا، على وشك أن يتغير إلى الأبد.
...
...
...
في لحظة، كنت أقف في قاعة العرش الميتة، وفي اللحظة التالية، تلاشى ذلك العالم العظمي كأنه حلم، وحل محله صمت مختلف، وألوان مختلفة.
وجدت نفسي واقفًا في غرفة لا تشبه أي شيء رأيته من قبل. لم تكن هناك نوافذ، ولا أبواب واضحة.
الجدران، والأرضية، والسقف، كلها كانت مصنوعة من مادة تشبه بلور الجمشت الأرجواني الداكن، وكانت تنبض بضوء خافت، هادئ، من الداخل، كأنني أقف في قلب جوهرة كونية عملاقة.
الهواء كان ساكنًا، باردًا، ويحمل رائحة غريبة، نظيفة، كرائحة الفراغ بين النجوم.
كان سايلس يجلس على مقعد حجري أسود بسيط في وسط الغرفة، وظهره المحني يوحي بإرهاق لا يمكن وصفه.
ومورنا كانت تقف بجانبه كحارس ظل، عيناها البنفسجيتان المتوهجتان هما مصدر الضوء الأكثر عنفًا في هذا المكان الهادئ بشكل مرعب.
كنت لا أزال أحاول أن أستوعب حقيقة أن ذاكرتي قد تم التلاعب بها مرة أخرى، وأن كارثة "غابة خشب الفضة" كانت فراغًا أسود في عقلي، عندما أدار سايلس وجهه المغطى بالقماش نحوي.
لم يكن "ينظر"، لكنني شعرت بتركيزه، كأنه شعاع من الظلام يستقر عليّ.
"نير ڤيرتون،" قال بصوته الذي كان كصوت احتكاك الصخور.
"ذلك القناع الذي وجدته في الكهف... أنت تمتلكه، أليس كذلك؟"
تجمدت. كيف؟ كيف يمكنه أن يعرف؟ لقد استدعيته وتخلصت منه في وعيي فقط. لم يره أحد.
"نعم،" فكرت، والصدمة تفسح المجال لمنطق بارد ويائس.
"بالتأكيد يعرف. لقد كان ذلك كهفه. لقد قادني القدر، أو هو، إلى هناك. لم يكن أي شيء مصادفة."
"نعم،" قلت، وصوتي خرج أجشًا. "إنه معي."
أومأ سايلس برأسه ببطء.
"جيد. على الأقل أنت لست غبيًا بما يكفي لتكذب عليّ."
صمت للحظة، ثم أضاف، وصوته أصبح أثقل، وأكثر قتامة.
"أتعلم حجم المشكلة التي أحدثتها؟"
"مشكلة؟" كررت الكلمة، وشعرت بالارتباك والغضب يتصاعدان في داخلي.
"ذلك القناع..." قال سايلس "اسمه الحقيقي هو 'قناع العدم'. وهو ليس مجرد قطعة أثرية. إنه... التحفة الملعونة SSS051."
"تحفة ملعونة؟" تمتمت، والكلمات بدت غريبة، مسرحية.
"ماذا يعني ذلك بحق الجحيم؟"
لم يرد سايلس مباشرة. بدلاً من ذلك، سأل سؤالاً آخر، سؤال بدا غير مرتبط تمامًا.
"نير، أنت تعرف قوة عائلتك، صحيح؟" قال.
"قوة والدتك، ليليث؟ البشرية الثانية الحالية التي وصلت إلى الرتبة الثامنة، 'متجاوز'، من بعدي أنا."
صدمة أخرى. والدتي... بقوة سايلس؟
"إذا كانت عائلة ڤيرتون تمتلك كائنين بهذه القوة،" تابع سايلس، وصوته أصبح كصوت معلم يشرح حقيقة قاسية.
"فلماذا لا يصبح آل ڤيرتون هم الحاكمون بدل الإمبراطورية؟ لماذا لا يجلس والدك على العرش الذهبي؟ هل تظن أن السلام الهش بين عائلتك والإمبراطور سببه لطف ڤيرتون، أم دبلوماسية ثيودور؟"
ساد صمت مطبق. لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة من قبل.
"لا،" قال سايلس. "السبب هو أن الإمبراطورية، رغم أنها لا تمتلك سوى شخص واحد في الرتبة السابعة، إلا أنها تمتلك شيئًا آخر. شيئًا يحافظ على التوازن."
"الإمبراطورية تمتلك تحفًا ملعونة من المستوى SS."
"ما هي التحف الملعونة بحق الجحيم؟!" صرخت، ولم أعد أحتمل هذه الألغاز.
تنهد سايلس. "اجلس، يا فتى." أشار بيده نحو مقعد حجري آخر ظهر من العدم.
"سيكون هذا شرحًا طويلاً."
جلست، وشعرت بأنني تلميذ على وشك أن يسمع درسًا سيغير نظرته للعالم إلى الأبد.
"التحف الملعونة،" بدأ سايلس، "ليست مجرد أسلحة سحرية قوية.
ليست كالسيف الذي تحمله، أو القلادة التي فزت بها.
تلك أشياء صنعها البشر أو الأجناس القديمة، وتخضع لقوانين السحر. أما التحف الملعونة... فهي ليست من صنع أحد. إنها أشياء... خرجت من النظام الطبيعي."
"إنها كالأخطاء البرمجية في نسيج الواقع. شظايا من عوالم ميتة، أو أدوات تركها الساميون وراءهم، أو حتى... أفكار مجنونة تجسدت وأصبحت مادية.
لا أحد يعرف مصدرها الحقيقي. كل ما نعرفه هو أنها خطيرة، وأنها لا تتبع أي منطق."
"كل تحفة تحمل نقوشًا غريبة، غير مفهومة، لا تشبه أي لغة معروفة. وهذه النقوش هي مصدر قوتها، ولعنتها. ولكي نصنفها، لكي نحاول يائسين أن نفهمها، قمنا بترقيمها حسب مدى تهديدها وخطورتها."
ظهر في الهواء بيننا وهم ثلاثي الأبعاد لثلاثة أحرف، تتوهج بضوء أحمر خافت: S، SS، SSS.
"S،" قال سايلس، وهو يشير إلى الحرف الأول.
"يرمز إلى 'خطر شديد' تحفة من هذا المستوى هي سلاح قوي، لكنه قابل للسيطرة نسبيًا.
سيف يمكنه قطع الروح، درع يعكس كل أنواع السحر... أشياء قوية، لكن يمكن حراستها، أو إخفاؤها، أو حتى استخدامها من قبل شخص يمتلك الإرادة الكافية."
انتقل إلى الحرف الثاني.
"SS،"
"يرمز إلى 'خطر سيادي' هذه هي التحف التي تمتلك الإمبراطورية بعضا منهت.
التحفة في هذا المستوى لم تعد مجرد أداة. إنها تمتلك وعيًا بدائيًا، أو تأثيرًا لا يمكن السطيرة عليه كليًا.
كتاب قد يمنحك معرفة كونية لكنه يلتهم عقلك ببطء. جوهرة قد تسمح لك بالتحكم في الطقس، لكنها تغير شخصيتك مع كل استخدام.
هذه التحف لا يمكن استخدامها بأمان. يجب مراقبتها بعناية فائقة، أو نفيها إلى أبعاد جيبية، كما فعلت والدتك."
شعرت بالبرد يسري في جسدي. المكتبة... لم تكن مجرد سجن.
كانت منفى لقطعة أثرية من مستوى SS... هي نفسها.
"ثم..." قال سايلس، وصوته انخفض إلى همس مرعب.
"هناك الـ SSS."
"خطر 'سامي' خطورة قصوى. مجرد وجود تحفة من هذا المستوى في العالم يعتبر إعلانًا لكارثة.
إنها لا تهدد شخصًا، أو جيشًا. إنها تهدد... كل شيء. مدينة بأكملها، مملكة، وربما... قارة."
"والأرقام التي تتبع الأحرف ليست عشوائية،" أكمل، كأنه يستمتع برعبي.
"كل تحفة نكتشفها، تُعطى رقمًا تسلسليًا.
SSS051... هذا يعني أن قناعك هو التحفة الحادية والخمسون من هذا المستوى التي تم تسجيلها في تاريخ هذا العالم. وكلما قل الرقم، كانت التحفة أقدم، وأقوى، وأكثر... جنونًا."
بقيت أحدق فيه، وعقلي يغلي. قناعي... هو كارثة متنقلة.
"وذلك القناع..." تابع سايلس، وعاد إلى الموضوع الرئيسي.
"كان مختلفًا. لقد كان محجوبًا بطريقة ما لا أعرفها. كان في الكهف، نعم، لكنه كان غير مرئي، غير محسوس. لا يمكن لأي سحر، ولا أي سامي، أن يعرف مكانه أو يتتبعه. كان نائمًا."
"ولكن بعد إخراجك له، بعد أن ربطت روحك به، استيقظ. وصرخ. صرخته لم تكن مسموعة، بل كانت صرخة وجودية، تردد صداها عبر الأبعاد."
"وحدثت كوارث. هناك بعض المخلوقات، بعض الكيانات، التي تستطيع أن تشعر بهذا النوع من الصراخ. ولقد استجابت. لقد فتحت بوابة كانت مغلقة منذ دهور."
"أنت لا تتذكر ذلك،" قال سايلس، وهو يرى الارتباك على وجهي.
"لأن ذاكرتك قد مُحيت. لكن كل ما حدث في غابة خشب الفضة... كل تلك الوحوش، وذلك الوحش من الرتبة السابعة الذي سقط ميتًا من السماء، وذلك الشيطان الذي ظهر من العدم... كل ذلك... كان بسببك."
"بسببي؟" الكلمة خرجت كأنها اختناق. "خشب الفضة... ما الذي فعلته؟"
هز سايلس رأسه. "حتى أنا لا أعلم التفاصيل كاملة. بعد دقائق من ظهور ذلك الشيطان الذي سقط من السماء، لم أستطع رؤية شيء.
كأن ستارة من الظلام قد هبطت، وحجبت كل شيء حتى عني.
كل ما أعرفه هو أن هناك شيئًا قد تغير بشكل جذري في ذلك اليوم. وأن الأستاذ ألاريك، وسبعة عشر طالبًا، قد تم محوهم من الوجود، ومن ذاكرة الجميع تقريبًا، لإخفاء ما حدث."
"وأنت... كنت في مركز كل ذلك."
شعرت بأنني على وشك أن أفقد وعيي مرة أخرى. الأستاذ ألاريك... الطلاب... ماتوا؟ ومُحوا؟ بسببي؟
"لكن... كيف؟ أنا كنت في الأكاديمية!"
"هل كنت؟" سأل سايلس بهدوء.
"أم أن هذه هي الذاكرة التي زُرعت في عقلك، لتغطية الفراغ؟"
لم أعد أعرف شيئًا.
"والآن..." قال سايلس، منهيًا حديثه.
"لم يعد هناك شيء يمكننا فعله حيال ذلك."
"لا أحد يستطيع أخذ القناع منك الآن. لقد فعلت ما لم يجرؤ أحد على فعله. لقد ربطته بروحك."
"لقد ارتبطت بروحك... لعنة."
بقيت جالسًا هناك، في الغرفة الأرجوانية الصامتة، والعالم الذي كنت أعرفه، القصة التي كنت أظن أنني أفهمها، قد تحطمت إلى ملايين الشظايا من حولي.
لم أكن مجرد شخصية في رواية سخيفة.
لم أكن مجرد بيدق في لعبة قدر.
لقد أصبحت... أنا نفسي... مركز الكارثة.
وكنت أحمل في روحي... قنبلة موقوتة، على وشك أن تدمر كل شيء.