مرت الايام وسيرافين لم يغادر جناحه. لم يتحدث مع احد فقط ترك مصيره للقدر ليقرر ماذا يفعل به.
لكن القصر تغير... او ربما هو من تغير.
الخدم اصبحوا يتجنبونه. خطواتهم تتسارع كلما اقترب منهم, وجوههم تتجمد حين يمر بجانبهم, وكانهم يهمسون خلف ظهره:
"انه وريث الشمال... ابن الظلال. "
حتى كبير الخدم, الذي كان سابقا يتحدث اليه بصرامة, صار يتحدث بخوف مكتوم, صوته يرتج حين يناديه:
"سيدي سيرافين وال... والدك يطلب لقائك. "
رفع سيرافين راسه ببطئ, وقال بصوت منخفض بارد:
"حسنا...."
***
غرفة الدوق, في اعماق القصر, كانت مظلمة, جدرانها مغطاة باقمشة سوداء ورمادية, والهواء فيها ثقيل, يلامس الرئة وكانك تستنشق ذحانا خفيا.
وقف هناك... الدوق راين لوثران.
رجل طويل, مهيب, شعره رمادي غامق, عيناه باردتان كالجليد, يرتدي عباءته بشعارات لايفهمها سوى من خاض الف معركة, الهواء من حوله ثقيل لايحتاج الى كلام كثير... وجوده وحده كاف لجعل القلب يتوقف.
'كما هو متوقع من شخص وصل مستواه الى SS ' تمتمت مع نفسي, قوطع حبل افكاري جراء سماع صوت بارد, ولكنه هادئ في نفس الوقت.
قال الدوق دون ان ينظر الى ابنه:
"حالتك ظهرت اخيرا... متاخرا كما هو متوقع. "
لم اجبه, ولم اتسائل عن كيف علم ففي الاخر هو وجود من SS.
تبع الصمت همسات النيران في الموقد, ثم قال الدوق:
"بعد شهر... ستدخل اكادمية نيفاريا. لا مجال للرفض ."
نظرت اليه, وترددت للحظة ثم قلت:
"هل... تظن انني مستعد? "
ضحك الدوق, لكنها لم تكن ضحكة فرح, بل سخرية باردة:
"انت لست مستعدا لاي شيء, ولكنك ستذهب. لانك ابني. لا تنس ذلك... "
ثم اضاف, بنبرة خالية من اي مشاعر:
"لا تعلق امالك على احد. هذا العالم لا يرحم الضعفاء, حتى لو كانوا من دمي. "
سيرافين عض على شفتيه. تلك الكلمات... لم تكن مجرد تهديد.
كانت الحقيقة.
حين خرج من الغرفة, شعر بان الظلال تتبعه, وتهمس له باسم لم يعرف معناه بعد...
"فانغارد الظل... وريث الدم المختوم. "
***
سيرافين وقف في صمت, عينيه معلقتان على تلك الفتاة الصغيرة وهي تركض في الممر بخفة, تحمل منشفة بين يديها النحيلتين. لم تكن تشبه اخته في الملامح, بل في الطريقة... في تلك البراءة العفوية, في ضحكتها السريعة, وحتى في عقدة شعرها المرتجلة التي كانت اخته ترفض ان تصلحها.
للحظة, ارتبك. قلبه انقبض دون سبب مفهوم, او بالاحرى... لسبب لم يشا مواجهته. صورة اخته عادت كطيف خاطف, ترتدي نفس البياض, بنفس خطواتها الخفيفة, بنفس الصوت الصغير وهي تناديه باسمه...
لم يكن سيرافين من النوع الذي يسمح للماضي بالتسلل, لكنه اليوم شعر ان جرحه لم يلتئم كما اعتقد. شد قبضتيه خلف ظهره وهمس في نفسه:
"هل سوف تتذكرني? كما اتذكرها. ام انها نسيتني بالفعل. "
تنهد بعدما راى تلك الفتاة الصغيرة تهرب منه بعدما راته.
لكن سرعان ما غلف تعابيره بذلك الجمود. المعتاد لا يجب ان يراه احد على هذا الحال. تلك الطفلة لا ذنب لها... لكنها اشعلت شيئا خفيا فيه, شيئا يشبه الحنين... وربما الالم.