مرت الأيام بطيئة على فيكس، لكن الترقب في داخله كان يشتعل. اللقاء الأول مع جينكس كان كافياً ليترك بصمة في ذهنه، لكن الغموض الذي أحاط بها جعله يرغب في المزيد.
كان الليل قد بدأ يلف الزون بردائه الثقيل، حيث بدت المدينة وكأنها تغرق في بحر من الأبخرة والإضاءة الباهتة. فيكس، بيديه المغطاة بالقفازات الهيكستيكية، وقف على حافة أحد المباني المطلة على شارع ضيق مليء بالأنقاض.
"هل تعتقد أنها ستظهر الليلة؟" جاءت كيرا من خلفه، صوت خطواتها الخفيف يتردد عبر السقف المعدني.
"ربما." قال فيكس، نبرته لا تحمل يقيناً، لكنه بدا وكأنه يحاول إخفاء توتره.
"أتعلم، كنت أظن أنني قد فهمتك. لكن هذه المرة..." توقفت كيرا، نظراتها كانت تحمل خليطاً من الحذر والإحباط. "لا أستطيع فهم ما تفكر فيه."
"لا بأس بذلك." قال فيكس، وهو ينظر إلى الشارع أسفله. "أنا نفسي لا أفهم كل شيء."
---
ظهور غير متوقع
بينما كانا يتحدثان، انطلقت من بعيد ضحكة مألوفة، حادة وصاخبة. التفت الاثنان نحو مصدر الصوت، لكن كيرا كانت أول من تحدث.
"تبا... إنها هي."
من بين الأنقاض في الشارع، ظهرت جينكس، بشعرها الأزرق الطويل المتمايل مع خطواتها المتراقصة. كانت تمسك بيدها قاذفة صواريخ صغيرة، بينما عينيها اللامعتين تبحثان عن شيء تسلي به نفسها.
"يا لها من ليلة جميلة!" صاحت، صوتها يرتفع كأنه أغنية. "لكنها ستكون أجمل إذا أضفنا... بوم!"
"فيكس، لا تفكر حتى في النزول إليها." قالت كيرا بحذر وهي تضع يدها على سلاحها.
"لن أفعل شيئاً متهوراً." قال فيكس، لكنه بدأ يتحرك نحو السلم.
"توقف! قلت لا!"
تجاهلها، ونزل بهدوء إلى الشارع. كان يعلم أن جينكس لم تلاحظ وجوده بعد.
---
الخطوة الأولى نحو التواصل
وقف فيكس على بعد عدة أمتار منها. كان بإمكانه رؤية التفاصيل الدقيقة على قاذفتها المليئة بالرسومات العشوائية، وكأنها لوحة فنية تعكس عقلها الفوضوي.
"جينكس." قال بهدوء، لكن كلمته كانت كافية لجعلها تلتفت بسرعة.
"أوه، أنت مجدداً!" قالت بابتسامة واسعة، لكنها سرعان ما تحولت إلى عبوس مزيف. "هل أتيت لتتجسس؟ أم لتكون الضحية التالية؟"
"لا هذا ولا ذاك." قال بثبات، يديه مرفوعتان في إشارة إلى أنه غير مسلح.
"إذن لماذا أنت هنا؟" سألت وهي تميل رأسها، عينيها تلمعان بشكوك وفضول في آن واحد.
"أردت أن أتحدث."
"تتحدث؟" ضحكت بصوت عالٍ. "الناس لا يأتون إلى الزون السفلي للتحدث، يا فتى. إما أنك غبي، أو أنك تريد شيئاً مني."
"ربما القليل من الاثنين." قال بابتسامة خفيفة.
---
حوار الفوضى
جينكس تقدمت نحوه بخطوات بطيئة، وكأنها تدرس كل حركة يقوم بها. توقفت على بعد خطوات قليلة منه، ونظرت إليه بتعبير غريب.
"حسناً، فلنلعب لعبة صغيرة." قالت وهي ترفع قاذفتها على كتفها. "إذا كنت تريد التحدث، عليك أن تجيب على سؤال."
"ما هو السؤال؟"
"لماذا لا تخاف مني؟ الجميع يخاف مني."
صمت فيكس للحظة، ثم قال: "لأنك لا تخيفينني. أنتِ فقط... حقيقية."
"حقيقية؟" كررت الكلمة وكأنها لم تفهمها.
"نعم. لستِ مثل أي شخص آخر هنا. الجميع يتظاهرون. الجميع يحاولون أن يكونوا شيئاً ليسوا عليه. لكنك أنتِ... لا تحاولين ذلك. أنتِ تعيشين كما تريدين. وهذا شيء أقدره."
جينكس نظرت إليه بعيون مفتوحة على مصراعيها، ثم قالت: "إما أنك عبقري... أو أحمق. ولم أقرر بعد."
"لست مضطراً لاتخاذ قرار الآن."
---
كيرا تتدخل
من بعيد، كانت كيرا تراقب المشهد، لكنها لم تستطع البقاء صامتة أكثر. نزلت إلى الشارع، ووقفت بجانب فيكس.
"هذا يكفي." قالت بحزم. "لا أعتقد أن هذا سينتهي بشكل جيد."
جينكس نظرت إلى كيرا وضحكت. "أوه، يبدو أن لديكِ حارس شخصي. لكنها ليست جيدة جداً في عملها."
"وأنتِ تبدين كأنك تحاولين قتلنا فقط لأنك تشعرين بالملل." قالت كيرا بحدة.
"هذا ما أفعله! وأنا أستمتع به كثيراً!" قالت جينكس، ثم فجأة وجهت قاذفتها نحو كيرا.
لكن فيكس خطى أمام كيرا، ورفع يده. "لا حاجة لذلك. إذا كنت تريدين شيئاً، خذيني أنا."
جينكس توقفت، ثم خفضت قاذفتها وقالت بابتسامة خبيثة: "أنتِ محظوظة، يا صديقتي. لديك شجاع هنا يود أن يكون درعك."
---
بداية الانسجام
قبل أن تغادر، توقفت جينكس ونظرت إلى فيكس مرة أخرى. "أنت مثير للاهتمام. ربما أراك لاحقاً. لكن لا ترفع توقعاتك. الفوضى لا تصادق."
"أنا لا أطلب صداقة. فقط فرصة." قال بهدوء.
ابتسمت جينكس ابتسامة صغيرة، ثم استدارت واختفت بين الظلال.
كيرا تنهدت وقالت: "هذا كان جنوناً. لو كانت قد ضغطت على الزناد، لكنا الآن مجرد بقايا."
"لكني حي. وهذا يعني أنني فعلت شيئاً صحيحاً."
"أو أن حظك جيد جداً."
---
النهاية المؤقتة
بينما عادا إلى المخبأ، لم يستطع فيكس منع نفسه من الابتسام قليلاً. كان يعلم أن الطريق ما زال طويلاً، لكن تلك اللحظة، مهما كانت قصيرة، كانت كافية ليشعر بأنه أقرب قليلاً لفهم جينكس.
النظام تحدث في عقله
:
"هذه ليست نهاية اللعبة، فيكس. إنها مجرد بداية. والفوضى دائماً تأتي بسعر."
ابتسم فيكس وقال: "أعرف. لكنني مستعد
لدفعه."
.........
شكل مقرب لكيرا