كان الغبار معلقًا في الهواء، يعانق أنقاض المدينة الساقطة كضباب باهت، بينما شق البطل طريقه إلى الخارج بخطوات بطيئة وثابتة.
على ظهره، كانت يوكيو والفورد، ملفوفة بعباءته السوداء، خفيفة كقصاصة ورق، لكنها أثقل من الجبال في قلبه. كل نفس تصدر منها كان صراعًا بين الحياة والموت، وكأن كل خفقة قلب تحكي قصة معركة داخلها.
أصابعها، التي كانت تلوح بالسيف قبل لحظات بشراسة لا تصدق، ارتخت الآن فوق كتفه، بينما تدلى سيفها بزاوية حزينة إلى جانب فخذه.
كان صدره يعلو ويهبط ببطء، ليس من التعب، بل من الإصرار. خلفه، كانت الهايدرا قد تحولت إلى غبار منسي، مجرد ذكرى لأسطورة لم تعد تنتمي لهذا العالم.
رفع رأسه، فرأى السماء تلوح بلون نحاسي، شمس المغيب كانت تغوص ببطء خلف الأفق، تسكب ضوءها الأخير فوق الحطام.
كانت الرياح تعوي، لكنها لم تستطع محو الآثار التي خلفها القتال: شقوق على الأرض، دم متخثر، ورائحة الرماد الممزوجة بالقدر.
توقف لحظة فوق أطلال بوابة المدينة.
نظر خلفه بصمت... نحو كل شيء تركه خلفه: الأحلام القديمة، الخوف، والضعف.
ثم ضم قبضته بحذر على بقايا قصة "صائد التنانين" التي خبأها في عباءته. كانت القصة تنبض بوهج خافت، وكأنها تنتظر اللحظة المناسبة لتُفتح صفحة جديدة.
قال همسًا وكأنه يخاطب السماء:
"لن ينتهي شيء هنا... لن ينتهي شيء حتى أقرر ذلك بنفسي."
وشد قبضته أكثر على يوكيو.
ومضى قدمًا.
كان الطريق أمامه مغطى بالظلال الطويلة للأطلال المهجورة. بدا وكأنه يمشي عبر تاريخ منهار، كل حجر شاهدًا على نضال الذين حاولوا كتابة قصصهم وفشلوا.
لكن الآن... كانت قصتهم مختلفة.
كانت قصتهم قد بدأت للتو.
....
بعد ساعاتٍ من السير عبر أرضٍ متشققة ومغطاة ببقايا الخراب، لمح البطل كهفًا صغيرًا بين الصخور، فتحته بالكاد تكفي لدخول شخصين.
اقترب بحذر، وبتنهدٍ ثقيل دخل إلى الظلام البارد، حاملاً يوكيو على ظهره.
أراحها بلطف فوق كومة من العشب اليابس التي وجدها قرب الجدار الحجري، ثم جلس إلى جانبها، يتأمل ملامحها الشاحبة.
تنهد بخفة، وهو يخلع عباءته السوداء ويضعها فوقها لتحتمي من برودة الليل.
"لا يمكنني تركك هكذا..." تمتم، وكأن كلماته تحاول أن تملأ الفراغ القاسي حوله.
مد يده إلى حقيبتها الجلدية الصغيرة التي كانت معلقة على خاصرتها.
فتحها برفق، وكأنه يخشى أن يوقظها، وبدأ بالبحث فيها.
داخل الحقيبة وجد بعض الضمادات الملفوفة بعناية، قنينة ماء صغيرة، وعلبة معدنية تحوي قطعًا من الخبز اليابس والفواكه المجففة.
ابتسم بسخرية باهتة وهو يهمس:
"دائمًا مستعدة، أليس كذلك؟"
أخرج الضمادات، وقام بتمزيق قميصه الداخلي ليصنع منه قطع قماش إضافية.
بدأ بتنظيف الجرح بقطعة مبللة بالماء، رغم أن أصابعه كانت ترتجف قليلًا، إما من الإرهاق أو من خوفه عليها.
بينما كان يلف الضمادات حول ذراعها المصابة، شعر بأنفاسها تضعف قليلاً.
اقترب منها أكثر وهمس:
"تمسكي... لم أصل بك إلى هذا الحد لكي أدعك تنهارين."
ببطء، أسند رأسها إلى ركبته وأخذ قطعة صغيرة من الخبز، بللها بالماء حتى تطرى قليلًا، ثم قربها إلى شفتيها المغلقتين.
"هيا، تناولي قليلاً..." قال بنبرة حنونة وهو يلمس شفتيها برفق بالخبز.
بصعوبة، استجابت يوكيو، فتحت فمها قليلًا وكأنها تقاتل في حلم بعيد، وابتلعت القطعة الصغيرة.
أرخى كتفيه براحة خفيفة، لكنه لم يبتسم.
العالم لا يمنح راحة كاملة.
أنهى تضميدها بإحكام، وأعطاها رشفة صغيرة من الماء، ثم جلس إلى جانبها، عينيه مثبتتين على مدخل الكهف المظلم.
السكون كان ثقيلاً، لا يكسره إلا صوت تنفسهما البطيء.
في داخله، كان يعلم...
المعركة لم تنتهِ بعد.
لكن في تلك الليلة، كانت النجاة في حد ذاتها نصرًا كافيًا.
مد يده إلى كتابه، وشعر بصفحة جديدة ترتجف تحت أصابعه، تنتظر أن تُكتب عليها مغامرة أخرى.
لكن الليلة... فضل أن يؤجل الكتابة حتى شروق الشمس.
كانت يوكيو مستلقية بسلامٍ مكسورٍ على الفراش الخشن من العشب الجاف.
غطى جسدها النحيل عباءة سوداء ثقيلة، ولكن بعض التفاصيل لم تستطع الظلال إخفاءها.
شعرها الأسود الحريري انسدل حول رأسها كستارٍ مبللٍ بالليل، خصلات طويلة تغطي جانب وجهها وتستريح فوق عنقها الأبيض النقي.
كانت وجنتاها شاحبتين، كما لو أن الحياة قد نزحت منهما مؤقتًا، لكن ذلك الشحوب لم ينجح في أن ينتزع من ملامحها طابعها الهادئ الفريد.
أنفها الصغير المستقيم، شفاهها الوردية التي بدت نصف مفتوحة مع تنفسها الواهن، كل شيء فيها كان كأنه لوحة مرسومة بإتقان حزين.
عيناها المغلقتان، التي طالما لمع فيهما سواد لا متناهٍ، بدا عليهما الآن ظل من الإرهاق، وكأنهما تخفيان خلفهما ألف قصة لم تُحكَ بعد.
كانت ضمادات بيضاء تلف ذراعها ورقبتها بعناية، لكن آثار الجهد والمعركة ظهرت جلية على بشرتها.
يدها اليسرى التي لا تزال تحمل بعض القوة، كانت ترتخي بجانبها، بينما يدها الأخرى امتدت بخفة نحو السيف الذي وُضع قربها، وكأن حتى في نومها لا تستطيع التخلي عن سلاحها.
رغم أن جسدها بدا صغيرًا ومرهقًا تحت وطأة الألم، إلا أن مظهرها لم يفقد شيئًا من وقاره الصامت.
بدت كجندي شاب نام بعد معركة شرسة، أو كزهرة نادرة كسرتها الرياح، لكنها لا تزال تحتفظ بجمالها المهيب.
كان من السهل، في تلك اللحظة، أن ينسى الناظر كل قسوة العالم حولهما...
وينحني احتراما لصمود فتاةٍ مثل يوكيو.
حدق البطل طويلاً في ملامح يوكيو النائمة، قلبه يعتصره مزيج غريب من الغضب والشفقة.
لم تكن يوكيو مجرد محاربة قوية أو صاحبة قصص عظيمة، بل كانت إنسانة، نادرة، هشة في لحظات كهذه.
اقترب بهدوء، جاثياً بجانبها.
مد يده وخفف بعض خصلات شعرها الحريري العالق على جبينها المتعرق، ولمس بأطراف أصابعه برودة جلدها.
الضمادات التي وضعها لم تكن كافية، والسم الذي تسلل إلى جسدها لا يزال يعربد في عروقها.
صوت أنفاسها المتقطعة كان كسكاكين تخترق صدره.
زمّ شفتيه بحدة، ثم حسم أمره.
انحنى أكثر، بحذرٍ بالغ، ومرر ذراعه خلف ظهرها النحيل وذراعه الأخرى تحت ركبتيها.
رفعها من الأرض بسهولة، وإن شعر بضعفها يتسلل إليه كهمسة مؤلمة.
كانت خفيفة بشكل مبالغ فيه، كما لو أن جسدها قد استهلكته الاحتمالية والسم معاً.
تأكد من أن سيفها معلق بإحكام إلى جوارها، ثم لف العباءة السوداء حول جسدها الصغير لحمايتها من برد الليل القارس.
شد قبضته عليها، وكأن خوفه من فقدانها كان يكاد يتغلب على ثقله الشخصي.
وقف بثبات، عينيه تتفحصان الأفق الرمادي الخارج من أنقاض المعركة.
كانت الأرض من حوله لا تزال تفوح منها رائحة الرماد والدم.
همس لنفسه، وكأنه يقسم:
"سأجد لكِ طبيبًا... سأعيد لكِ صحتك، مهما تطلب الأمر."
ثم بدأ في السير، خطواته ثقيلة لكنها حاسمة، يحمل على ظهره أكثر من مجرد جسد جريح — كان يحمل عبئًا أثقل: عهدًا صامتًا بأن يحميها... مهما كان الثمن.