لم تكن الريح تعصف هذه المرة، لكنها كانت تنوح بخفوت، كأن العالم نفسه ينوح على مصيرٍ مجهول ينتظرهما.

البطل، متشحًا بالسواد، كان يمشي بخطوات مثقلة، حاملاً جسد يوكيو الهزيل على ظهره.

كل نفس كانت يصدره من صدرها كان أشبه بآه خافتة تمزق الهواء البارد من حولهما.

على البعد، بين الضباب، ظهرت أطلال مدينة صغيرة تترنح على شفا السقوط.

عند البوابة، استوقفهما حراس ذوو ملامح متجهمة.

عيونهم الشاحبة حدقت في الفتاة المغماة على ظهره، ثم نظروا إلى البطل كما لو كان نذير شؤم.

"مريضة؟"

سأل أحدهم بصوت أجش.

هز البطل رأسه.

"تسمم... بحاجة لطبيب."

تردد الحراس للحظة، ثم أشاروا له بالدخول دون كثير من الجدل، كأنهم قد فقدوا القدرة على الاكتراث لمآسي الغرباء.

في ممرات المدينة الموحلة، هرول البطل بلا وجهة واضحة حتى لمح كوخًا صغيرًا عليه علامة باهتة تمثل رمز الطب القديم.

طرق الباب بعنف.

فتحت الباب عجوز قصيرة القامة، بعيون ضيقة ورأس مكسو بالشيب.

حدقت فيه لحظة، ثم أشارت له بالدخول دون كلمة.

مددت يوكيو على سرير خشبي ضيق، وجلس البطل يراقب العجوز وهي تفحصها بعمق، تدقق في الأوردة الداكنة التي بدأت تتسلل تحت جلدها.

بعد صمت ثقيل، رفعت العجوز رأسها ونظرت إليه نظرة خالية من الأمل.

"السم... نادر. قديم. شيء لم أره منذ عقود."

صمتت ثم أضافت، وكأنها تشفق عليهما:

"لا علاج له هنا. ولا حتى في المدن الكبرى... هذا السم مصمم ليس فقط لقتل الجسد... بل لطمس الاحتمالية ذاتها."

انقبض قلب البطل.

لأول مرة منذ وقت طويل، شعر بالضعف الحقيقي، بالعجز.

"ألا يمكن فعل شيء؟" سأل بصوت أجش.

تنهدت العجوز ببطء.

"أستطيع تأخير الموت... ليس أكثر."

جاء الليل، والبطل جالس إلى جوار يوكيو، يراقب صدرها يرتفع وينخفض بتقطع.

وجهها، في وهج النار الخافتة، بدا شاحبًا كالأشباح، وعيناها مغمضتان كأنها تحلم بكوابيس العالم السفلي.

شعرها الأسود الحريري كان متناثرًا حول الوسادة كأن الليل ذاته قد استلقى هناك.

يدها الصغيرة كانت مغطاة بضمادات بالية تفوح منها رائحة الأعشاب.

رآها تتلوى مرة من الألم، ثم تهدأ كأنها تغوص أعمق في الظلمة.

اقترب منها أكثر، لمس جبينها بأنامله المتخشبة من القتال، وهمس:

"لن أدعك تموتين."

تنهدت العجوز وهي تمسح جبين يوكيو بقطعة قماش مبللة بالأعشاب.

نظرت نحو البطل بنظرة غامضة وقالت:

"رغم كل شيء... لا يزال هناك أمل... لكنه بعيد، محفوف بالمخاطر."

اقترب البطل أكثر، قلبه يخفق بشدة.

"أين؟ قولي لي أين؟"

أغمضت العجوز عينيها كأنها تستحضر الخرائط القديمة:

"هناك ثلاث طرق، ثلاث أماكن فقط قد تملك العلاج لسم كهذا."

رفعت ثلاثة أصابع متعرجة.

"الأولى: عائلة والفورد، بيت القوة القديمة. لديهم أسرار القصص وقوانين الاحتمالية، وقد يملكون وسائل لإنقاذها... إن وافقوا."

شهق البطل بخفوت. يوكيو نفسها من عائلة والفورد... لكن هل يستطيع الوصول إليهم؟ وهل سيقبلونه؟

تابعت العجوز بصوت خافت:

"الثانية: قصر الكيمياء الأول... حيث تجمع السحرة والخيميائيون الأوائل. قصر مهجور مليء بالجنون والتجارب المنسية. قد تجد علاجًا... أو قد تموت قبل أن تصل إليه."

ارتجف الهواء من كلماتها.

ذلك القصر كان مجرد أسطورة في معظم القصص.

رفعت أصبعها الثالث، كأنها تثقل بكلمتها الأخيرة:

"أما الطريق الثالث... فهو عند عائلة أفرودايت، ورثَة أسرار السموم والعلاجات. عائلة مشهورة بالجمال والسم والموت... إن قبلوا منحك علاجهم، فهو لا يأتي مجانًا."

صمتت العجوز لحظة، ثم أضافت بنبرة مشؤومة:

"كل طريق من هذه الطرق محفوف بالمخاطر... وربما تخسر حياتك قبل أن تخطو خطوة واحدة داخل أراضيهم."

ثم رمقت يوكيو الممددة بأنفاسها المتقطعة، وقالت بنبرة حاسمة:

"لكن إن بقيت هنا... فستموت قبل أن تبزغ الشمس الثالثة."

أغمض البطل عينيه، وشعر بثقل القرار يهوي فوق كتفيه.

ثلاث طرق، ثلاث اختيارات... وكلها قد تودي به إلى الهلاك.

فتح عينيه، وثبّت نظره على وجه يوكيو.

لم يكن بحاجة إلى التفكير.

"سأسير في أي طريق... سأحطم أي جدار... فقط ابقي على قيد الحياة."

وهكذا، مع أول خيوط الفجر، غادر البطل كوخ العجوز...

البطل كان يربط حقيبته بخيوط مشدودة، يضم أطراف المعطف حول جسدها بعناية، يستعد للانطلاق.

وقبل أن يخطو خارجًا، تناهى إليه صوت العجوز من خلفه، بنبرة لا تقبل الجدل:

"إلى أين تظن نفسك ذاهبًا؟"

التفت نحوها بهدوء، لكنه لم يُجب.

اقتربت بخطى ثقيلة وقالت:

"لا تذهب إلى عائلة والفورد. ليس بعد."

"لماذا؟" سألها وقد ارتسمت الحيرة على وجهه.

"لأنهم ليسوا كما تعتقد. قوتهم... نعم، عظيمة. لكن قلوبهم؟ محصنة. إن لم تكن من دمهم، فأنت غريب لا يُرحّب به، حتى لو كنت تحمل جسد إحدى بناتهم على ظهرك."

نظر إلى يوكيو النائمة، ثم همس: "إنها ابنتهم..."

هزت العجوز رأسها:

"هي، نعم. لكنهم لن يصدقوا أنك جلبتها بمحض وفائك. وربما، فقط ربما، سيرونك تهديدًا أو خادعًا."

سكتت لحظة ثم أكملت:

"وأما قصر الكيمياء الأول... فهو بعيد، بعيد جدًا. لن تصل إليه وهي على هذا الحال. المسافة ستقتلها."

اقتربت منه، وضعت يدها على كتفه.

"أذهب إلى قصر عائلة أفروديت. إن كانوا لا يملكون العلاج... فلن يملكه أحد. هم سادة السموم، يعرفونه كما يعرفون أنفاسهم."

"ولكن..." قال وهو يتردد، "يُقال إنهم لا يساعدون أحدًا دون مقابل."

"نعم..." تمتمت العجوز.

"لكنهم أيضًا لا يرفضون من يجلب لهم قصةً لم يسمعوا بها من قبل. وربما... فقط ربما... تكون قصتك أنت ما سيُنقذها."

رفع البطل عينيه ببطء.

"أين أجدهم؟"

أشارت إلى الجنوب، حيث تتكاثف الغيوم وتبدأ الأرض بالتغير.

"جد عربة ذاهبة لمنطقة عائلة افرودايت فحالة هذه الطفلة لا تحتمل التاجيل... كما انا انصحك الا تكشف عن هويتها كفرد من عائلة والفورد لسلامتكما."

انحنى البطل للعجوز قليلا تقديرا لقلقها ومساعدتها لهم

ثم خرج من الكهف دون أن ينبس بكلمة.

كانت خطواته ثقيلة، لكن عينيه ثابتتين.

على ظهره... كانت قصة لم تكتمل بعد.

2025/04/30 · 25 مشاهدة · 845 كلمة
tls777
نادي الروايات - 2025