في باطن القصر، حيث الجدران مشبعة بعطر الأفيون والحنين، كانت جاسمين تُسرع الخطى، تحمل يوكيو بين ذراعيها كجسدٍ لا يجب أن يبرد، كأمل لا يجب أن يُطفأ.

وصلت إلى غرفة العلاج السرية، حيث تنمو الأعشاب تحت أضواء أرجوانية خافتة، وبدأت على الفور بتجهيز المحاليل، تقرأ نبض يوكيو بعينيها، تراقب التغيرات في الاحتمالية المنهارة بداخلها، تهمس بكلماتها الخاصة:

"لن تموتي هنا… ليس بعد… ليس الآن."

لكن… قبل أن تمدّ يدها لتضع الترياق، تجمّد الهواء.

ظلال سوداء انبثقت من الزاوية المعتمة من الغرفة، والبرد الغريب تسلل كهمس ليل، وانبثق من خلفها شكل لا يُشبه البشر.

استدارت جاسمين فجأة… ورأته.

الخادم… أو بالأحرى، الكائن الذي كان يتخفى في جسده.

ظهره الآن محني كجناح خفاش، عيونه تتوهج بالأحمر القاني، قرونه نمت حتى شقّت جبهته، وأسنانه تلمع كسكاكين ملوثة بالسم.

قبل أن تصرخ، اندفع.

اصطدمت به، ارتطما بالأرض، تحطّم الطاولة، تناثر الزجاج، وارتجت الغرفة كلها.

بكل خسة، مدّ مخالبه نحو جسد يوكيو الممدد على سرير الحجر، وبدأ بامتصاص بقايا احتمالية قصصها. كانت تتلاشى من جسدها بخيوط شفافة، تتكسر في الهواء وتدخل جسده، يُغذي نفسه بها.

صرخت جاسمين:

"توقف!! ابتعد عنها!"

لكن الكائن ضحك، ببطء وخبث.

قال بصوت خفيض متشقق:

"سنوات… وأنا أقتات على هؤلاء المرضى. هل تساءلتِ يومًا لماذا لم ينجُ الكثير؟"

تجمد الدم في عروقها.

"أنتَ… كنت تقتلهم؟!"

"باسمكِ، وبعلمكِ، وبعينيكِ الغافلتين. أنتِ كنتِ أداة مثالية... عطر نقي يخفي رائحة الدم. وكلما نمتِ، نمتُ."

ثم اقترب منها، وبنظرة شرسة قال:

"والآن… آن أوان الحصاد الأخير."

اندفع نحو يوكيو مجددًا. لكن جاسمين، مدفوعة بشيء لم تفهمه، ألقت بنفسها أمام الفتاة، وامتصّت الضربة بدلًا عنها.

صرخة ملأت المكان. أظافره اخترقت جانبها، الدم تناثر على البلاط، عيناها اتسعتا بالألم.

وقع جسدها بجانب يوكيو، تنهّدت بصعوبة، ثم نظرت للفتاة الهامدة وقالت:

"سامحيني… سامحيني على جهلي… على سكوتي."

في تلك اللحظة، تذكرت كلمات البطل — الجملة العابرة التي لم تأخذها بجدية آنذاك:

"بعض القصص لا تُعالج بالترياق… بل تُكتب من جديد."

أغمضت عينيها، وفتحت راحة يدها حيث كانت تحمل كتابها الصغير — كتاب القصص. لم تكن هناك صفحة فارغة… ولكن حين سقطت دموعها عليه، انشقت صفحة جديدة من ذاتها.

بدأت الكلمات تُكتب وحدها.

"قصة: زهرة تتفتح في السم… جاسمين أفرودايت، التي اختارت أن تُكفر خطاياها بالقصة الوحيدة التي لم تتعلمها… التضحية."

أضاء الكتاب بنور زمردي ناعم. احتمالية جديدة، لم تكن طبية، ولا سحرية… بل إنسانية.

رفعت جاسمين يدها المرتعشة، وتحركت قوة جديدة من بين أصابعها، لتنسج خيطًا واقيًا من الاحتمالية حول يوكيو، حاجزًا عن امتصاصه، ومرسلة صدمة مؤلمة للكائن الشيطاني، أجبرته على التراجع.

كانت تتنفس بصعوبة، نزيفها لا يتوقف، لكن عينيها لم تفقدا صفاءهما.

قالت له:

"لن أسمح لك بعد الآن… أنتَ لم تكن إلا ظلي… وأنا قررت أن أحرقه."

...

دوى صراخ جاسمين في أعماق القصر، كطعنة خاطفة مزقت الصمت.

توقف قلب البطل لحظة، وارتجف جسده كما لو أنه أصيب بصدمة كهربائية. لم يفكر… لم يحلل… فقط اندفع، حاملاً سيف يوكيو في يده اليمنى، بينما اليسرى تقبض على غمده كأنما لو فقد قبضته لسقط العالم.

ركض عبر الممرات الزجاجية كظلٍ ممزق، كريح حادة، عيناه تبحثان عن مصدر الصرخة، وداخل رأسه كانت تنفجر آلاف السيناريوهات:

"هل أتى متأخرًا؟

هل خُدعت مجددًا؟

هل ماتت؟

هل ماتوا؟

هل نجا أحد؟

هل كانت ثقة جاسمين في غير محلها؟

هل سيف يوكيو يكفي؟

هل هو يكفي؟"

خطوة تلو الأخرى، كانت قدماه تضربان الأرض كقرع طبول حرب، وكلما اقترب، ارتفعت احتمالية الخسارة في قلبه.

ثم… وصل.

الغرفة انفجرت أمامه كجحيم حي.

كائن الشيطان، وقد مزق جلده البشري، يتلوى كالظل فوق الأرض، عيون حمراء تتوهج، قرون ملتوية كسكاكين قديمة، أجنحة خافتة تنفث سم الاحتمالية السوداء في الهواء، وجاسمين، واقفة تتنفس بثقل، جسدها مغطى بالدماء، سحرها يتأرجح كوميض يحتضر.

لكنها ما تزال واقفة… تحمي يوكيو بجسدها، بكتابها، بيدين مرتجفتين ولكنهما ثابتتان.

لم يتردد البطل لحظة.

قفز.

صوت الريح تشقق خلفه، وسيف يوكيو اشتعل بضوء باهت من ذكراها. ارتطم بساحة المعركة كما ترتطم نيزك من الإرادة في قلب الظلام، وهاجم الشيطان بضربة جانبية كادت تمزق أحد أجنحته.

زمجر الكائن، وانقلب للخلف.

قال البطل بصوتٍ حازم، وهو يتقدم بثبات:

"عالجيها، جاسمين. هذه ليست معركتك الآن. أنتِ الوحيدة القادرة على إنقاذها."

نظرت إليه، ودموعها تشق طريقها بصمت.

"لكنه… سيقتلك."

ابتسم البطل بهدوء، ورغم الدماء والخدوش، كانت عيناه ثابتتين:

"لن يفعل… ليس قبل أن أفقد آخر احتمالية لدي."

ترددت لحظة… ثم أومأت.

جاسمين سحبت كتابها، عضت طرف إبهامها، وأسقطت قطرة دم على الصفحة الأخيرة.

ببطء، بدأت الصفحة تُضيء، ثم تشتعل… ثم تُفتح أمامها مجموعة من القصص الجديدة، بعضها طبي، بعضها متعلق بالتضحية، وبعضها قصص لم تُكتب بعد… قصص لأناس أنقذتهم، وقصص لأناس خانتهم… لكنها كانت كلها صادقة.

قالت هامسة:

"قصة جاسمين أفرودايت… التي قاتلت أخيرًا."

وانتشرت الاحتمالية من يديها كضوء زمردي ناعم، أضاء الغرفة، وبدأت تُغذي جسد يوكيو من جديد، خيطًا خيطًا، نفسًا نفسًا.

في هذه الأثناء، وقف البطل بين الشيطان وجاسمين، كل ضربة من خصمه كادت تُنهيه، وكل حركة دفاعية منه كانت تُكلفه تمزقًا جديدًا في جسده.

لكنه لم يتراجع.

كان يعلم أن الأمر ليس فقط حماية فتاة، ولا هزيمة كائن شيطاني… بل كان يُقاتل من أجل أن تُمنح القصة فرصة ثانية، حتى لو كانت الأخيرة.

2025/05/06 · 2 مشاهدة · 797 كلمة
tls777
نادي الروايات - 2025