ضرب الشيطان جناحيه الهائلين، فاهتزت الجدران، وتناثر زجاج النوافذ كأمطار شظايا حول الغرفة. وقف البطل بثبات، يرفع سيف يوكيو أمامه، والعرق يقطر من جبينه، بينما يلمع طرف النصل بوميض باهت، كأن السيف نفسه يقاوم الموت.

زمجر الشيطان، أطبق مخالبه الحادة، ثم اندفع كالسهم نحوه، تاركًا أثرًا من الدخان الأسود خلفه.

تحرك البطل.

خطوة جانبية سريعة، وانحنى بزاوية ضيقة، فانفجرت الأرض خلفه تحت ضربة الشيطان. لف جسده، وانقض بسيف يوكيو على جناح الوحش، ضاربًا عظمًا صلبًا كالفولاذ، فصدر صوت احتكاك كصرير الموتى.

تراجع الشيطان، أصدر زئيرًا قاسيًا، ثم التفت بعينيه المتوهجتين مباشرة إلى البطل.

"ما أنت إلا إنسان صغير… لا احتمالية تكفيك!" قال الشيطان بصوت كالكهوف العميقة.

رد البطل بابتسامة شاحبة، رغم الألم في جسده:

"أعرف… لكنني أقاتل كما لو أنني أملك كل الاحتماليات."

ركض نحو الوحش مجددًا، السيف يلمع بخيوط ضوء أمل أخير، قفز، ضرب، ارتطم بجناح، التوى في الهواء، ثم انقلب وسقط على ركبته، لاهثًا.

أدار الشيطان جسده، وضرب بجناحه البطل في الحائط، فتشقق الحجر، وسقط الغبار فوقه.

لكن البطل لم يستسلم.

مسح الدم عن فمه، ووقف مجددًا، خطوات متعثرة، عيناه تشتعلان بعزم.

في الخلف، كانت جاسمين تهمس تعاويذها، صفحات كتابها تدور كعجلة، ترسم دوائر ضوء أخضر حول يوكيو. كان الوقت ينفد.

زمجر الشيطان، ثم ركض بسرعة لم يتوقعها البطل. أطبق على كتفه بمخلب هائل، ورفعه عاليًا، ثم رماه على الأرض بقوة، حتى اهتزت القاعة.

صرخ البطل من الألم، لكنه جر جسده بصعوبة، وتقدم خطوة أخرى.

"لماذا… لا تسقط؟" سأل الشيطان مستهزئًا.

أجاب البطل وهو ينهض ثانية، ماسكًا السيف بيد دامية:

"لأنني… لست وحدي. هذا السيف ليس ملكي وحدي… هذه الاحتمالية ليست ملكي وحدي."

عندها، سطع ضوء خافت من سيف يوكيو، كأن أثرها، إرادتها، قصتها، قد تركت فيه بصمة لا تزول.

شهق الشيطان، تراجع خطوة، وعيناه تتسعان لرؤية ذلك النور الغريب.

"مستحيل… أنت مجرد حامل… مجرد بشر…!"

تقدم البطل، رغم كل الألم، رغم كل الجراح، ورفع السيف عاليًا.

"لا… أنا جزء من هذه القصة."

وقف أمام الوحش، ثابتًا، بينما تدور قصص جاسمين كعواصف خلفه، تمده بشعاع رقيق، طفيف، لكنه كافٍ تمامًا.

"أنا… ملتهم القصص."

واندفع نحو الشيطان، بينما ارتفعت في الخلف تعاويذ جاسمين، تتوج اللحظة بلحن أخير بين الموت والحياة.

...

كان الضوء الخافت يتراقص فوق أطلال القاعة المتهاوية. صدى المعركة السابقة لا يزال يتردد في الجدران المتصدعة، أنفاس البطل اللاهثة، ووشوشات جاسمين وهي تحافظ على سريان الاحتمالية حول جسد يوكيو المنهك.

لكن الأمور لم تنتهِ بعد.

وقف الشيطان منتصبًا، يلتف حوله دخان داكن كثيف، كأن الظلال قد استقرت على جسده وجعلت منه تمثالًا من العدم.

ابتسم وهو يخطو خطوة نحو البطل، ثم قال بنبرة هادئة عكس كل عنفه السابق:

"حسنًا… إن كنت ملتهمًا للقصص، دعني أريك قصتي."

ثم فعلها.

رفع يده ذات المخالب السوداء، فتوهجت عيناه بنور أحمر قانٍ، وانشق الظلام من حوله كصفحة ممزقة.

وفجأة… لم يعد البطل في القاعة.

بل وجد نفسه في فراغ.

لا ضوء.

لا ظل.

لا زمن.

مجرد فراغ… وصدى صوته الخاص يسأله:

"من أنت؟"

ارتبك. تحرك خطوة، فلم يسمع صوتًا. لا صدى. لا إحساس بوجود الأرض تحت قدميه. كأن الجاذبية نفسها قد نسيت كيف تمسك به.

حاول أن يتحدث، أن ينطق باسمٍ، لكن فمه لم ينتج أي صوت.

ركض.

صرخ.

دق صدره بيده.

لكن لا شيء تغير.

ثم بدأت الصور تظهر.

أولها: عربة محترقة.

رأى نفسه واقفًا وسط النيران، يداه ترتجفان، رجلٌ ما يصرخ من بعيد: "خذها وهرب!"

ثم وجه فتاة، عيناها دامعتان، وقلبه يخفق بقوة لا يعرف لها اسمًا.

لكن ما اسمها؟ من كانت؟ ما الذي حدث؟

ثانيها: خنجرٌ مغروس في صفحة كتاب.

وقف فوق جثة رجل غريب، دماء سوداء تسيل على الأرض، ويداه ملطختان بها.

كان يحمل كتابًا، غلافه نصف ممزق، والصفحات تنزف احتمالية.

من قتله؟ ولماذا؟

ثالثها: الكوخ. بداية الطريق.

رأى نفسه يخرج من باب كوخ خشبي، وحقيبته فارغة. لا ماضٍ يحمله، ولا هدف أمامه. فقط إحساس بالتيه… باللاشيء.

ثم ظهر ظلٌ أمامه في الفراغ. كان يشبهه، لكنه خاوٍ.

"أنت لا تعرف من أنت."

"أنت مجرد صدى… كذبة أكلتها من قصة ميتة."

"أنت من دون اسم، ومن لا اسم له، لا وجود له."

انهارت روحه لحظة.

لكن فجأة… تردد صوت آخر.

يوكيو.

"ألازلت على قيد الحياة؟"

"لن أسامحك إن مت."

ثم جاسمين:

"لست وحدك… أنت الآن جزء من قصتنا."

وتبعها صوت آخر… أعمق… أقدم… كما لو أنه خرج من جذور روحه:

"لقد أعدت تسميتك… لأنك نسيت من أنت."

ثم تهاوت السماء الرمادية، ومعها انهار الجدار الذي حجب الذاكرة.

فجأة… ظهرت صورة.

طفل صغير في ساحة تدريب.

عيناه تشتعلان. اسمه يصرخ في عقله، مكتوم، مشوّش، لكنه يعود ببطء… ببطء…

أصوات أخرى تتردد:

"ناديه باسمه!"

"إنه هو… الناجي من مجزرة النصل الأسود…"

"إنه… ساي!"

ثم تدفقت كل الذكريات كطوفان:

– تدريبه في الظلال.

– سنواته وهو يطارد ظله الخاص.

– فقدانه لإخوته.

– صفحته البيضاء التي كُتبت بعد خيانة عظيمة.

وفي منتصف الفراغ… فتح البطل عينيه.

صرخ، لا بصوت، بل بقصة.

مزق جدار العدم بسيف يوكيو، الذي اشتعل بلون احتمالية دافئة، ليس بلونها فقط، بل برائحة دمائها، بعنادها، بصراخها السابق:

"احذر!"

وقف ساي، للمرة الأولى باسمه، داخل الفراغ.

وقال بصوت واضح:

"أنا ساي. ابن القصة التي التهمتني. وأنا الآن من يكتب النهاية."

اختفى الفراغ.

عاد إلى القاعة. كل شيء كان يحدث في ثوانٍ، لكن داخله، كانت أعوامًا من التيه.

رأى الشيطان أمامه، متفاجئًا.

"لقد عدت…؟" قال الشيطان، مذهولًا.

أجاب ساي، بنبرة ثابتة، وعيناه لا ترفان:

"بل وجدت نفسي. والآن… سأُعيدك إلى القصة التي خرجت منها، ولن تخرج منها ثانية."

أغمض ساي عينيه، وأعاد إمساك السيف.

المعركة الحقيقية بدأت للتو. ولكن هذه المرة…

لم يكن البطل تائهًا.

كان ساي.

الاسم الذي استعاد قصته.

2025/05/08 · 3 مشاهدة · 871 كلمة
tls777
نادي الروايات - 2025