في اللحظة التي أمسك فيها ساي بالسيف بكلتي يديه، وهو يشعر بالحرارة تتسلل من مقبضه إلى عمق عظامه، لمع ضوء خافت على صفحة الكتاب التي يحملها في جيبه الداخلي.
لم يكن قد لاحظه من قبل، لكن الآن…
كأن الكلمات كانت تنتظره ليكتشفها في هذه اللحظة تحديدًا.
أخرج الكتاب ببطء، بينما يده الأخرى لا تزال تمسك بالسيف المشبع بالاحتمالية.
كانت الصفحة الوحيدة مفتوحة، والعبارة محفورة عليها، لا بالحبر، بل كأنها محفورة بظل ضوءٍ بعيد:
"أحسنتَ بالتذكُّر… لكنّها مجرد البداية."
توقف ساي، وعيناه تتسعان، يقرأ الكلمات ثانية، ثم ظهرت جملة أخرى، تسللت أسفلها كما لو كان الكتاب يكتبها أمامه مباشرة:
"فلا تغترّ… ولا تنسَ هدفك: الوصول للنهاية… وكتابة قصتك… بمفردك."
وفي أسفلها، توقيع صغير، لكنه لم يكن اسمًا…
كان مجرد الأحرف الثلاثة:
"S.A.I"
شعر ساي بقشعريرة تسري في عموده الفقري.
من الذي كتب هذا؟
كان يعلم أن هذه الأحرف تخصه… لكنها لم تصدر منه.
رسالة من ماضٍ؟ من مستقبل؟ من كاتب يراقبه؟
ابتسم ابتسامة خافتة، قبل أن يعيد الكتاب إلى جيبه.
رفع رأسه نحو الشيطان، الذي بدأ يتحرك نحوه ببطء، وعيناه تشعان بغضب متجدد.
قال ساي، بنبرة مليئة بإصرار غريب:
"هذا اسمي… وهذه قصتي… لكن النهاية؟
لن تكون إلا من كتابتي أنا."
ثم اندفع نحو الشيطان، بينما الكلمات الأخيرة تتردد في ذهنه كنبض قلب:
"فلا تغتر… ولا تنسَ هدفك…"
وفي تلك اللحظة، شعر ساي أنه ليس مجرد مقاتل يحمل سيفًا، بل كاتب… يقاتل ليكتب آخر كلمة بيده، لا بيد غيره.
لم يكن الهواء عاديًا تلك الليلة.
كانت الذرات نفسها ترتجف تحت وطأة الاحتمالية المتكدسة بين السماء والأرض.
وقف ساي وسيف يوكيو في قبضته، يواجه ذلك الكيان المتحول أمامه.
الشيطان… لم يعد يحمل شكل الخادم، بل وحشًا لا ينتمي للعالم.
جلد داكن، أجنحة مكسورة، قرنان يلتفان للخلف، وعينان متوهجتان كجمرتي نار في عتمة الهاوية.
لكن ساي لاحظ شيئًا…
حين خطا خطوة للأمام، سمع أصوات أنين خافتة تحت قدميه.
نظر أسفل…
وعلى امتداد الساحة، كان الجنود… عشرات، بل مئات منهم، ملقون أرضًا، أجسادهم ترتعش، أعينهم نصف مفتوحة، كأنهم عالقون بين الحياة والموت.
أدرك الحقيقة في لحظة:
"لقد سرق الشيطان احتماليتهم… هو يغذي نفسه منهم!"
شد ساي قبضته على السيف، وأحس بالاحتمالية تتصاعد فيه.
لكن فجأة، تذكر… لو أطلق قوته كاملة هنا، فإن ما تبقى لهؤلاء قد يمحى.
"تبًا…" همس، وهو يشهق ببطء.
رفع عينيه نحو الشيطان، الذي ابتسم بسخرية، وكأنما قرأ أفكاره.
"لقد ربطني بالأرض… كل ضربة مني ستؤذيهم أيضًا…"
لوح الشيطان بمخالبه، فانطلقت موجة حمراء نحو ساي.
انحرف بسرعة، تناثر الغبار، ترك أثرًا محترقًا على الأرض.
ثم اندفع، لكن… في اللحظة الأخيرة، خفف من قوته، جعل ضربته أكثر تركيزًا، أقل انتشارًا.
التقت سيوفهما.
صوت الحديد وهو يصرخ كان أعلى من الرعد.
ارتد ساي للخلف، قلبه ينبض كطبول الحرب.
"أحتاج لطريقة… كي أرفع القتال… دون أن أزيد الجرح هنا…"
كان الشيطان يضحك، يتقدم بثقة، يمد مخالبه الطويلة، بينما من خلفه، كانت جاسمين على ركبتيها، تضم يوكيو المصابة، تمد يدها نحو تعويذات معقدة تحيط بها.
صرخ ساي داخليًا:
"لا يمكنني إطالة القتال أكثر… وإلا…"
اندفع الشيطان، هاجمه بمزيج من القوة والاحتمالية المسروقة.
رفع ساي سيفه، صد الضربة، لكن انزلق إلى الخلف، قدماه تحفران خطين عميقين في الأرض.
رفع رأسه، شعر بقطرة دم تنزل من جبينه.
ابتسم بخفة.
"سأكبح قوتي… لكني لن أتوقف."
ثم أغلق عينيه لحظة، استدعى قصته — ملتهم القصص — لكن ليس بكاملها.
أبقى خيوط الاحتمالية ملتفة حول قلبه فقط، لا تنفلت إلى الخارج.
فتح عينيه.
كانتا مثل مرآتين تعكسان الظلمة… والنور.
"إن لم أستطع القتال بسيفهم… فسأقاتل بسيفي أنا."
وانطلق.
هذه المرة، كانت خطواته أدق، ضرباته أقصر، لكنها مركزة…
كان يحفر في دفاعات الشيطان ببطء، كمن يحفر نفقًا وسط جدار فولاذي.
الشيطان صاح، هاج، مد جناحيه، أطلق عاصفة حمراء أغرقت نصف الساحة.
لكن ساي… قفز فوقها، كأنما يسير فوق خيط رفيع من الاحتمالية،
ودار حول الشيطان، ثم غرز سيف يوكيو في جناحه المكسور.
صرخ الوحش.
لكن ساي لم يتراجع.
اقترب أكثر… حتى أمسك بقرنه الملتف، شدّه بقوة، ثم همس:
"لستُ هنا… لأكون ضحية قصتك."
وسحب السيف، ليغرسه في عنق الوحش.
تردد صدى الانفجار داخل الساحة، لكنه كان انفجارًا صامتًا…
كأنما الحكاية نفسها تنفست الصعداء.
ظل ساي واقفًا، يلهث، بينما الجنود الملقون حوله بدأوا يتحركون ببطء، تعود إليهم أنفاسهم، عيونهم.
رفع عينيه نحو جاسمين، التي جلست قرب يوكيو، عرق يتصبب على جبينها، لكنها ابتسمت له ابتسامة صغيرة.
"انتهى…؟"
لكن ساي، رغم ابتسامته، لم يستطع أن ينفي القلق الذي ظل يخيم عليه.
لأن ذلك الصوت… تلك الكلمات في كتابه… لا تزال تتردد داخله:
"أحسنت بالتذكر… لكنها البداية فقط."
نظر ساي إلى السماء المظلمة فوقه، وسأل نفسه:
"فأي قصة… تنتظرني بعدها؟"