بينما انحنى ساي فوق جسد الشيطان، يراقب أنفاسه المتقطعة، رأى تلك العينين الحمراوين تفقدان بريقهما شيئًا فشيئًا.

لكن الشيطان… لم ينظر إليه.

بل مد بصره نحو جاسمين، التي كانت لا تزال قرب يوكيو، تنظر إليه بتعبٍ، بدموع لم تنزل.

ابتسم ابتسامة باهتة، كشعلة شمعة على وشك الانطفاء.

"آنستي… جاسمين…"

صوته كان واهيًا، أشبه بهمسة، لكنه حمل رجفة… رجفة لم تكن موجودة من قبل.

جفلت جاسمين، وارتجفت شفتيها.

اقتربت منه ببطء، كأنها تريد أن تفهم… أو لعلها أرادت أن تسمع آخر كلماته.

"كنت… معكِ… طوال هذه السنين… أنا… لم أكن… أريد أذيتكِ…"

أغمض عينيه قليلًا، ثم فتحهما، ونظرة أسى صادقة بدت، ولو للحظة، في عمق الظلام داخله.

"كنتُ… أبحث عن مكان… مكان… أنتمي إليه…"

ارتعشت جاسمين.

خطوة أخرى نحو جسده شبه المتفحم، يدها ترتفع قليلًا.

"كل ما فعلتُه… كان لأحمي هذا المكان… بطريقتي…"

"لكي أبقى… جزءًا من قصتكِ…"

تسمرت جاسمين في مكانها.

عيناها البنفسجيتان، للمرة الأولى، بدتا وكأنهما تبحثان عن إجابة…

وكأن قلبها يوازن… بين كل تلك الخطيئة… وكل تلك الذكريات.

"آسف… آنستي…"

تنهد الشيطان، وبدا كأنه يبتسم مجددًا.

"كنتُ أعلم… أنكِ ستكتشفين يوماً ما… لكنني تمنيتُ… أن أتظاهر بالنقاء… ليومٍ آخر فقط…"

ثم أغمض عينيه نهائيًا، وجسده بدأ يتلاشى… يتحول إلى رماد داكن، حمله الهواء، ناثرًا إياه فوق جراح المدينة.

وقفت جاسمين، تحمل في عينيها خليطًا لا يوصف من الألم، الخيانة، والشفقة.

أدارت رأسها نحو ساي، ثم نحو السماء.

"حتى الظلال… لها مشاعر… لكنها لا تبرر الظلام."

قالتها بهدوء، لكنها بدت كمن تتحدث لنفسها، أكثر مما تخاطب الآخرين.

ورغم كل شيء… سقطت دمعة واحدة، هادئة، على الأرض أمامها.

ثم استدارت، وعادت إلى حيث ترقد يوكيو، وضعت يدها على جبينها.

"لن أخونكِ أنتِ أيضًا…"

همست… بصوت عاقد العزم.

وبينما كان الرماد يتلاشى في الريح، رفع ساي رأسه نحو الأفق المظلم، وهو يشعر أن القصة… قد تعمقت أكثر مما توقع.

...

ساد الصمت بعد أن اختفى الرماد في الريح، وكأن السماء نفسها امتنعت عن البكاء… أو ربما احترمت حداد الأرض.

وقف ساي مكانه، يتنفس ببطء، يحاول استيعاب كل ما حدث. نظر إلى جاسمين، فوجدها جاثية بجوار يوكيو، يدها لا تزال على جبينها، بينما طاقة ضعيفة من الاحتمالية الخضراء تحيط بكفها… تحاول أن تُبقي ما تبقى من نور داخل جسد يوكيو.

كان وجه جاسمين شاحبًا، عيناها متعبتين، لكن فيهما وهجًا لا ينطفئ.

اقترب ساي، خطواته ثقيلة، محاطة بذكريات صراع لم ينتهِ بعد.

"كيف حالها…؟"

سأل بصوت خافت، وكأنه يخشى الإجابة.

رفعت جاسمين رأسها، التقت عيناها بعينيه، وكان فيهما خليط من الأسى والرجاء.

"إنها معلقة…" قالت، "السم عميق جدًا… لكنني منحتها كل الاحتمالية التي أملكها. لن أصمد طويلًا."

توقف ساي عند قدميها، ثم جثا بجانبها، ينظر إلى وجه يوكيو الهادئ… بدا وكأنها تغفو وسط حلم بعيد، رغم شحوب ملامحها وخفوت أنفاسها.

"هل هناك أمل…؟"

قالها ساي، وهو يشد قبضته.

أغمضت جاسمين عينيها لحظة، ثم فتحتها ببطء.

"بصيص… ضوء صغير جداً… لكنه موجود."

ثم أضافت، بصوت أضعف:

"لكنني… لم أعد أملك ما يكفي… ولا حتى قصر أفروديت كله يملك احتماليات كافية لمثل هذا السم."

صمت الاثنان.

كانت الريح قد هدأت، والمدينة في الخارج بدأت تستعيد وعيها بعد معركتها مع الظلال.

ثم، فجأة، فتح كتاب ساي بين يديه من تلقاء نفسه… تراقصت الكلمات على صفحاته، ثم كُتبت جملة جديدة، بحبر أسود يتوهج:

"ما تزال هناك طرق… ما تزال هناك قصص… لكنك ستدفع الثمن. — S.A.I"

قرأ ساي الكلمات بصوت مرتجف، بينما نظرت جاسمين بدهشة إلى الكتاب.

"ما معنى هذا…؟"

سألت.

أغلق ساي الكتاب ببطء.

"لا أعرف بالضبط…"

قال، ينظر إلى السماء من النافذة المكسورة،

"لكن يبدو أن قصتنا… لم تنتهِ بعد."

ثم وقف، يتطلع إلى الأفق، إلى الطريق البعيد، حيث تبدأ طرق جديدة، وتنتظر أجوبة أعمق.

"سأجد الطريق."

قالها، وقد امتلأت عيناه بالعزم.

استدار نحو جاسمين، ابتسم ابتسامة صغيرة لكنها صادقة.

"شكراً… على كل شيء."

رفعت جاسمين يدها، بالكاد قادرة على الوقوف.

بينما كانت جاسمين تجلس بجوار يوكيو، تراقب بصمت تعرجات وجهها الباهت، لاحظت لمعانًا خافتًا من معصمها الأيسر. نظرت بانتباه، ثم اقتربت أكثر… كانت هناك ساعة جيب فضية، مربوطة بحزام أسود جلدي، شبه مخفية تحت كم ملابس يوكيو الممزقة.

مدّت جاسمين يدها بحذر، رفعت الساعة، ومسحت سطحها بلطف، فانكشف النقش بوضوح تحت ضوء المشعل القريب.

عيناها اتسعتا، وتراجع أنفاسها نصف خطوة.

على سطح الساعة كان شعار محفور بدقة لا تخطئها عين أفروديت:

درع فضي وسيفان متقاطعين، يتوسطهما تنين أسود ينظر للخلف، يقف على كتاب مفتوح.

"هذا… مستحيل…"

تمتمت جاسمين بصوت منخفض.

رفع ساي بصره إليها، وقد لاحظ ارتباكها المفاجئ.

"ما الأمر؟ تعرفين هذا الرمز؟"

سأل، يقترب منها.

نظرت إليه، وفي عينيها لمعة حذرة.

"أنت… ألا تعرف؟"

قالت ببطء.

هز رأسه.

"هي تحمل ختم عائلة والفورد…"

قالتها جاسمين، وكأنها تنطق اسمًا يحمل وزن قرون،

"أحد أعظم بيوت الكيمياء والاحتمالية… وأخطرها أيضاً."

توقف ساي، وهو يحاول استيعاب الكلمات.

"أعرف الاسم… لكن… لم أكن أعلم أنهم مهمون لهذه الدرجة."

ضحكت جاسمين بسخرية قصيرة، ثم أغمضت عينيها.

"ليست مجرد عائلة مهمة… إنهم أسطورة حية. كل فرد منهم قصة، وكل قصة سلاح، وكل سلاح مفتاح أو قفل. وجودها هنا… يعني الكثير… بل أكثر مما توقعت."

سكتت لحظة، ثم أضافت، تنظر بعمق إلى يوكيو النائمة:

"…ولكنه يعني أيضًا أن أعداءهم… ليسوا قليلين."

كان ساي ينظر إلى الساعة بين يديها، وقد شعر بثقل جديد فوق كتفيه، ثقل اسم لم يفهم بعد معناه، لكنه أدرك أن الظلال حول هذه الفتاة… أعمق بكثير مما ظن.

أعاد جاسمين الساعة إلى معصم يوكيو، وكأنها تعيد لها هويتها.

ثم رفعت بصرها نحو ساي، بنظرة تجمع بين الحذر والتقدير.

"كنت محظوظًا إذ وجدت طريقك إليّ… لكن حظك ربما ينفد قريبًا."

أدار ساي عينيه نحو النافذة، حيث كان الليل يخفي مدينة السم والدواء في عباءته.

"أنا لا أعتمد على الحظ…"

قال بهدوء،

"أنا أبحث عن قصتي."

ابتسمت جاسمين ابتسامة صغيرة، مرهقة.

"إذن… استعد… لأن قصتك على وشك أن تصبح أكثر تعقيدًا مما حلمت به."

وساد الصمت مجددًا، قبل أن يهتز جدار بعيد بانفجار صغير، تلاه صراخ في الخارج.

لم يكد الصمت يطول بين ساي وجاسمين، حتى اخترق القصر صوت خطوات ثقيلة، ثابتة، يتردد صداها في الرواق الحجري.

ثم سُمِع صوت بابٍ يُفتح بقوة، وصدى طبول خافتة بدا كأنها تنبض مع الخطوات.

التفتت جاسمين بسرعة نحو الباب، بينما وقف ساي أمام يوكيو بحركة غريزية، قابضًا على مقبض سيفها.

....

"هذا الصوت… ليس من الشيطان وحده."

همست جاسمين، وأمسكت بعصاها الطويلة المزينة بورود جافة.

وقف ساي ينظر نحو الباب، عاقدًا حاجبيه.

ثم، دون مقدمات، اندفع الباب مفتوحًا بعنف، ومعه دخلت موجة هواء باردة محملة برائحة الورق المحترق والحبر العفن.

وفي عتبة الباب، وقف رجل نحيف، قصير القامة، بثياب رثة، معطفه مغطى ببقع حبر سوداء، وعلى كتفه حقيبة مملوءة بأوراق ممزقة. عيونه غائرة، وشعره مبعثر كأنه لم ينم منذ سنوات.

لكن أكثر ما جذب الانتباه… كانت الأوراق الممزقة المعلقة في الهواء خلفه، تدور كأنها أسراب غربان بلا أجنحة.

نظر الرجل إليهم، وابتسم ابتسامة مائلة، مليئة بالحقد.

"أخيرًا وجدتكما… صاحب القصة المكسورة… وابنة أفروديت."

قال بصوت خشن.

تقدمت جاسمين خطوة، رافعة عصاها.

"من أنت؟!"

سألت، وقد ظهر في عينيها بريق التحفز.

ضحك الرجل ضحكة قصيرة.

"أنا؟ مجرد… كاتب."

ثم رفع يده اليمنى، ولوح بكتاب صغير أسود، على غلافه علامة ملطخة بالحبر.

أكمل، صوته ينخفض إلى همس:

"أو ربما… مجرد كاتب مزيف، كما يسميني أساتذتي…"

رمق ساي الرجل، شعر بشيء مألوف في حضوره… ثم همس لجاسمين:

"أعتقد أنه مصدر تلك القصة… القصة التي حولت خادمك شيطانًا."

أومأت جاسمين ببطء، ثم التفتت للرجل.

"هل أنت من كتب له قصته؟"

ابتسم الكاتب، وألقى بالكتاب نحوهم، لكنه توقف في الهواء فجأة، وبدأ يتمزق، وأطلقت الأوراق الممزقة خيوط حبر سوداء تشق الهواء نحو الأرض.

"لم أكتب له وحده…"

قال، ونبرة صوته تتحول إلى ظلال:

"لقد كتبت لآلاف مثله… كلهم باعوا احتمالياتهم… مقابل وهم صغير من القوة."

ضاقت عينا جاسمين.

"لماذا؟ ما هدفك؟"

أدار الكاتب المزيف رأسه ببطء، وعيناه تتحركان نحو ساي، ثم يوكيو المستلقية.

"هدفي… أن أكتب قصة واحدة فقط… أقوى من كل القصص."

ضحك ضحكة عالية، ثم أضاف:

"ولأكتبها… أحتاج إلى كل الاحتمالات… كل الحكايات… كل الأحلام المسروقة."

في تلك اللحظة، اندفعت إحدى الأوراق الممزقة نحو ساي بسرعة، لكنه رفع سيفه وقطعها في الهواء.

نظر الكاتب المزيف نحوه، وعيناه تضيئان ببريق أسود.

"لكن أنت…"

"أنت تحمل قصة… لا أستطيع قراءتها…"

تقدم خطوة، ثم اثنتين.

"ولهذا…"

"…علي أن أفتح كتابك بنفسي."

انتشر ظل أسود من قدميه، بدأ يزحف عبر أرض القصر، كأن الحبر يستولي على الأرضية.

نظر ساي إلى جاسمين.

"احمي يوكيو… سأوقفه."

ابتسم الكاتب المزيف ابتسامة ملتوية.

"أوقفني؟ لا يا صديقي…"

"…أنا هنا… لأكملك."

ثم ارتفعت الأوراق الممزقة، كأنها خناجر، وشكلت حول الكاتب جناحين من قصص ناقصة، تهتز كأنها ستنفجر.

رفع ساي سيف يوكيو، وأخذ نفسًا عميقًا، شعر بثقل لا يوصف على كتفيه.

في تلك اللحظة، سمع صوتًا مألوفًا ينبثق من كتابه الخاص، كالهمس في أعماق ذهنه:

"احسنت بالتذكر… ولكنها مجرد البداية… فلا تغتر وتنسى هدفك بالوصول للنهاية… وكتابة قصتك بمفردك.

— S.A.I"

اتسعت عينا ساي، وشد قبضته على السيف.

"كتابة قصتي بمفردي، هاه؟"

همس لنفسه.

ثم اتخذ وضعية القتال.

"إذن لنكتب صفحة جديدة الآن."

وهجم.

بينما كان ساي يندفع بسيفه نحو الكاتب المزيف، اهتز القصر فجأة، وارتجت جدرانه كأن زلزالًا ضربه. لم يكن ذلك بسبب معركة ساي والكاتب… بل بسبب شيء آخر.

من الظلال، ظهرت أشكال مشوهة… أنصاف شياطين.

كانت أجسادهم نصف بشرية، نصف وحشية، أنياب طويلة، عيون حمراء، وجلد رمادي عليه شقوق يتسرب منها دخان أسود. خرجوا من الشقوق في الأرض والجدران، يزحفون، يركضون، يتسلقون، كأنهم يفرون من أعماق قصة ملعونة.

صرخت جاسمين:

"أنصاف شياطين…! إنهم يتغذون على القصص المنقوصة…!"

وقف ساي في مكانه، يراقبهم وهم يحيطون بهم كطوفان مظلم.

لكن قبل أن يبدأ الهجوم، انفجر كتاب الكاتب المزيف فجأة!

لم يكن من فعل ساي أو جاسمين.

بل ظهر رجل، طويل القامة، عريض المنكبين، يرتدي عباءة سوداء بها خطوط حمراء متوهجة، وقناع معدني يغطي نصف وجهه، يقف فوق حاجز حجري محطم في أعلى القاعة. في يده اليمنى فأس ضخمة، وفي اليسرى كرة من اللهب المشتعل.

"كُتب الرداءة لا تستحق الوجود."

قال بصوت أجش، منخفض، ثم ألقى كرة اللهب نحو كتاب الكاتب.

انفجرت الكرة النارية كشمس صغيرة، وأحرقت الكتاب بلحظة، قبل أن يتمكن الكاتب المزيف من الرد أو الدفاع.

"لا… لا…!!"

صرخ الكاتب، بينما سقط على الأرض متألمًا، يمسك صدره وكأن قلبه نفسه احترق مع صفحات كتابه.

رفع الرجل فأسه، قفز من الأعلى، وسقط أمام الكاتب مباشرة، ثم بدون تردد، ضربه بالفأس وسط صدره.

ارتج المكان مع صوت الضربة.

شهق الكاتب شهقة أخيرة، قبل أن يتلاشى جسده في غبار أسود تبعثر في الرياح.

ثم رفع الرجل رأسه، نظر إلى ساي وجاسمين بنظرات باردة، كانت عينيه تلمعان بحقد عميق… ليس تجاه الشياطين… بل تجاه كل كاتب يحمل قلماً.

"اللعنة على كل من يخط قصة لا يستطيع إنهاءها."

قالها بمرارة، كأنه يحمل جرحًا قديمًا.

لكن لم يكن هناك وقت للحديث.

أنصاف الشياطين هجموا دفعة واحدة!

أمسك الرجل فأسه بيد، ورفع يده الأخرى نحو السماء.

"سحر الانفجارات: المتواليات الأربع!"

أربع دوائر سحرية ظهرت فوق رأسه، تدور بسرعة، ثم أطلقت عشرات الانفجارات المتتالية على الشياطين.

تناثرت أجسادهم، تحولت إلى رماد، لكن المزيد ظل يزحف من الظلال.

انضم ساي للمعركة، ركض بجانبه، سيف يوكيو يشع بوميض خافت.

"معًا!"

قال ساي.

ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة.

"لننهي هذه القصة قبل أن تتسع أكثر."

اندفع الاثنان معًا، الفأس يضرب من جانب، السيف يلمع من الآخر، وسط ضجيج الانفجارات، صرخات الشياطين، والظل الذي يحاول التهام كل ضوء.

بينما في الخلف، جلست جاسمين بجانب يوكيو، تمد يدها بتعويذة طبية معقدة، تحدق إلى الأمام، قلبها يدق بعنف.

همست لنفسها:

"هذه ليست معركة قصص وحدها… هذه معركة مصير."

في عينيها… ظهر تصميم جديد.

وفي السماء فوق القصر، بدأ الغيم يتحرك… كأن شيئًا أعظم قادم.

بينما كانت السماء تموج فوق القصر، تتكدس الغيوم السوداء كستارة تنذر بالمجهول، اندفع ساي والرجل الغامض وسط ساحة الدمار. كان ضوء الانفجارات يلتمع على وجهيهما، يتراقص فوق الشظايا المشتعلة، بينما تتكسر أجساد أنصاف الشياطين كدمى من طين هش.

رفع الرجل فأسه عالياً، ودارت حوله دوامة من النار، ثم لوّح به إلى الأمام، فانطلقت موجة لهب عريضة، اجتاحت الصفوف الأولى من الوحوش، حوّلتها إلى ظلال متبخرة.

لكن لم يكن هذا كافيًا.

أصوات زحف جديدة بدأت تتصاعد… كانت الشقوق تتوسع، والفجوات في الجدران تتكاثر، ومن كل واحد منها خرجت شياطين جديدة… أكبر، أشد سوادًا، أكثر التواءً.

نظر ساي إليها بعينين يملؤهما التركيز، ثم إلى الرجل بجانبه.

"إنهم لا يتوقفون…!"

قال ساي وهو يرفع سيف يوكيو الذي بدأ يخفت نوره.

أجاب الرجل بصوت هادئ، لكنه يحمل إرهاقًا عميقًا:

"لأن القصص التي خرجوا منها… لم تُغلق بعد."

اندفع أحد الشياطين، كان جسده مغطى بصفائح سوداء كأنها دروع محروقة، وعيناه تلمعان بضوء جمر. هجم بفكّيه الضخمين نحو ساي، الذي انحرف جانبيًا، ثم ضربه بالسيف في خاصرته، لكن النصل ارتد كما لو اصطدم بصخر.

"معدنه غير عادي…!"

قال ساي بين أنفاس متقطعة.

لوّح الرجل بفأسه، ضرب رقبة الشيطان، لكنها لم تُقطع بالكامل.

رفع الرجل يده الأخرى:

"سحر الانفجار: الارتكاز الداخلي!"

توهجت دائرة سحرية أسفل الشيطان مباشرة، ثم انفجرت بعنف، فمزقته من الداخل إلى أشلاء متطايرة.

في هذه اللحظة، صرخة اخترقت الهواء.

التفت ساي بسرعة، قلبه يقفز في صدره.

كانت جاسمين.

كانت تجثو بجانب يوكيو، تحيطها دوائر علاجية تتوهج باللون الفضي، بينما جسد يوكيو يرتجف، وعرق بارد يغطي جبينها. كانت جاسمين تضغط بيديها على صدر يوكيو، تحاول إبقاء نبضها ثابتًا.

"الاحتمالية… تتسرب… بسرعة…!"

همست جاسمين، كأنها تكلم نفسها.

رأى ساي ذلك، رأى كيف بدأت خطوط ضوء تغادر جسد يوكيو… تذوب كأطياف تتلاشى في الهواء.

في تلك اللحظة، بدأ كتاب ساي يهتز.

فتح ساي الكتاب بسرعة.

كانت هناك جملة مكتوبة:

"احسنت بالتذكر… لكنها مجرد البداية. فلا تغتر… ولا تنس هدفك… الوصول للنهاية وكتابة قصتك بمفردك. — S.A.I"

توقف ساي للحظة، كأن الكلمات جمّدت الزمن.

لكن قبل أن يستوعب معناها، ظهر ظل خلف جاسمين… الشيطان الهارب… لم يمت.

كان جسمه محترقًا، مكسورًا، نصف وجهه ذائب، لكن عينيه تتوهجان بالكراهية.

"إنها… فرصتي الأخيرة…"

همس الشيطان، قبل أن ينقض على جاسمين من الخلف!

صرخ ساي:

"جاسمين…!"

اندفع بكل سرعته، سيف يوكيو في يده، جسده يمزق الرياح.

لكن الرجل الغامض كان أسرع.

رفع فأسه، وألقى به كشعلة نارية ضخمة نحو الشيطان، فاصطدم الفأس بظهره، وغرس نفسه عميقًا.

ارتج جسد الشيطان، ثم التفت بنظرة مسمومة، لكنه قبل أن يتحرك، انفجر الفأس… وانفجر الشيطان معه… وسط ضوء أحمر كالشمس المشتعلة.

دفع الانفجار جاسمين بعيدًا، لكنها تماسكت، وصرخت:

"ساي… أكمل القصة… قبل أن تُكتب النهاية بغير قلمك…!"

توقف ساي… شعر بشيء يضغط على صدره.

لكن لم يكن هناك وقت.

من بين الغبار، كان الشياطين الآخرون ينهضون مجددًا…

وفي السماء، برقت صاعقة… وكأن الحكاية نفسها تفتح بابًا جديدًا.

2025/05/12 · 1 مشاهدة · 2258 كلمة
tls777
نادي الروايات - 2025