وسط دمار القصر المحترق، وبين الحطام المتناثر والدماء المختلطة بالرماد، وقف البطل وساي، يتبادلان النظرات مع الرجل الغامض صاحب الفأس وسحر الانفجارات، الذي أجهز على الكاتب المزيف وسحق كتابه. الهواء كان ثقيلًا، تفوح منه رائحة الاحتراق والدم، بينما لا تزال ألسنة اللهب تلعق جدران القصر المتهالكة.
وفي تلك اللحظة… تحركت جاسمين. رفعت يدها بتعب، وأمرت بهمسٍ حاد:
«أيها الجنود… انهضوا.»
كأن الكلمات امتلكت قوة خاصة، انتفضت أجساد الجنود الممددة أرضًا واحدًا تلو الآخر. عيونهم المرتبكة بدأت تضيء مجددًا، عائدة من الظلمة التي فرضها الشيطان وسرقته لاحتماليتهم. صرخ أحدهم:
«القائدة جاسمين… هل نحن…؟»
أجابتهم بنبرة قوية رغم جراحها:
«لقد عدتم. احتمالية أفرودايت لا تُسلب بسهولة. قاتلوا… قاتلوا من أجل هذه الأرض!»
ارتفعت صرخات الجنود، ورُفعت أسلحتهم مجددًا. صاروا كأنهم قوة جديدة، متعطشة لتعويض ما فُقد منهم. انطلقوا نحو أنصاف الشياطين الذين ما زالوا يتكاثرون من الظلال، وبدأت المعركة تتحول تدريجيًا من يأسٍ إلى بصيص أمل.
وفي وسط هذا الزخم، كانت يوكيو ما تزال مستلقية بجانب الحائط المتهالك. تنفست البطل بقلق، ثم ركض نحوها، جاثيًا على ركبتيه بجانبها، يراقب وجهها الشاحب. همس:
«يوكيو… أرجوك.»
انفتح جفنها الأيسر ببطء… ثم الأيمن. نظرت إليه بعينين مظللتين بتعب عميق، وصوتها بالكاد يخرج:
«هل… ما زلنا… نحلم؟»
ابتسم البطل بمرارة، ثم قال:
«لا، نحن في قلب الجحيم… لكننا سنخرج منه.»
حاولت يوكيو النهوض، لكن جسدها ارتجف، فسندها البطل بذراعيه.
في تلك اللحظة، ارتجّ القصر مجددًا. كان الرجل الغامض قد أنهى نصف الشياطين، لكن لا يزال هناك عدد يتكاثر بلا توقف. التفت الرجل نحو البطل، صائحًا:
«إنها عدوى القصص! كل قصة شيطانية تُقتل… تولد من ظلها أخرى أضعف، لكنها أكثر عددًا!»
أدرك البطل معنى الكلمات. إذا استمرت المعركة على هذا النحو، سينهار كل شيء رغم استعادة الجنود. نظر نحو ساي، الذي ما زال يقاتل إلى جانب الرجل الغامض، ثم نحو جاسمين، التي كانت تستخدم آخر ما تبقى من احتماليتها لدعم الجنود والشفاء.
رفع البطل رأسه للسماء السوداء، وهمس لنفسه:
«لابد أن نفعل شيئًا…»
لكن قبل أن يكمل، ظهر فوقهم ظلٌ ضخم، أكثر سوادًا من أي شيء رآه.
شيء لم يكن شيطانًا فقط… بل كان قصة شيطانية قديمة، ابتلعت آلاف القصص الأصغر، تجمع في هيئة عملاقة. جثم فوق القصر، يحني رأسه الشبيه بتنين ضبابي، وعيناه اللامعتان تتطلعان مباشرة نحو يوكيو.
في تلك اللحظة… شعرت يوكيو بشيء يناديها من داخل كتابها.
رفعت يدها المرتجفة ببطء، ولمست الغلاف، فظهر على الجلد شعار درع وسيف فضيان، يتوسطهما تنين أسود ينظر للخلف، يقف على كتاب مفتوح.
فتحت عيناها فجأة، وبدت فيهما لمعة مختلفة. همست بصوت خافت، لكنه مليء بالإصرار:
«أنا… من عائلة والفورد.»
التفت البطل نحوها بدهشة، لكنها لم تمنحه وقتًا للتساؤل. نهضت، رغم ألمها، وأشارت بيدها نحو السماء.
«هذا الظل… هذه القصة… ستكتب بدمائنا إن لم نوقفها الآن.»
ابتسم البطل، رغم خوفه، وقال:
«إذن لنكتبها… معًا.»
وفي الخلف، كانت جاسمين تنظر إليهما، متأملة شعار عائلة والفورد على ساعة يوكيو، وهي تدرك للمرة الأولى من تكون هذه الفتاة التي أنقذوها…
وبدأت معركة النهاية الأولى.
بينما كانت يوكيو مستلقية، أنفاسها ضحلة، والدماء تلطخ ملامحها، كانت الظلال تقترب… أنصاف الشياطين التفّت حولها كذئاب جائعة، وكل خطوة منهم تسحب من احتمالية المكان.
وفي تلك اللحظة، دوى زئير لم يشبه أي شيء سمعوه من قبل.
رفع الجميع رؤوسهم نحو السماء، حيث انشقّت الغيوم، وانطلقت نار سوداء عبر الأفق. ظهر التنين… ضخم، أسود، تتلألأ عيونه كالذهب المنصهر، وأجنحته ممدودة كستائر الليل.
لكن التنين لم يحمل أي شعار. لم تكن عليه علامات عائلة، ولا ختم، ولا رمز. كان مجرد تنين حر… لكنه نظر مباشرة إلى يوكيو، وكأنه يعرفها.
هبط بقوة جعلت الأرض تهتز، ونفخ اللهب حولها دائرة، فاصلاً إياها عن الوحوش. ثم أطلق زئيرًا آخر، نثر أنصاف الشياطين في الهواء كأوراق الخريف، وأحرقهم بلهبٍ أسود لم تستطع القصص الملعونة مقاومته.
البطل، الذي تجمد مكانه لحظة، شعر بشيء خفي: لم يكن هذا مجرد وحش… كان شيئًا أكبر من الحكايات العادية.
ثم حدّق التنين بالبطل للحظة قصيرة، قبل أن يحني رأسه نحو يوكيو، ويلتف بجناحيه ليحميها… وكأنه حارسٌ قديم، ظهر أخيرًا… دون أن يُستدعى.
وسط فوضى المعركة، كان البطل يركض بين جثث الشياطين وأنصافها، متعرّجًا بين اللهب والدخان، بينما في حضنه يوكيو، تتنفس ببطء، تكاد أنفاسها تختفي بين يديه. أصوات المعركة خلفه كانت تبتعد شيئًا فشيئًا، لكنه لم يشعر بالأمان… لأن الخطر الحقيقي لم يكن قد ظهر بعد.
وفجأة، خيّم صمت غريب على المكان.
توقف الجنود عن القتال، تجمدت أنصاف الشياطين في أماكنها، حتى اللهب الذي كان يلتهم جدران المدينة بدا وكأنه خمد للحظة… وكأن العالم كله حبس أنفاسه.
رفع البطل نظره إلى السماء، حيث كانت الغيوم تتكاثف، سوداء، تتداخل في دوامة عملاقة فوق المدينة. برقٌ خاطف قطع الظلام، ثم تبعه زئير… زئيرٌ لم يشبه صوت أي مخلوق عرفه أو سمع عنه.
دوّى الزئير عبر المدينة، جعل الأرض تهتز، وانشقّت السحب لتكشف عن مخلوق ضخم… تنين أسود، بجناحين واسعين كأنهما يغطيان السماء، وعينين ذهبيتين تشعّان وهجًا يخترق الظلام.
هبط التنين من بين السحب، أجنحته تصفع الهواء بقوة كادت تطرحه أرضًا. ومع كل رفّة جناح، انتشرت موجات من الرياح جعلت أنصاف الشياطين يتراجعون، وبعضهم سقط أرضًا من قوة الضغط وحدها.
فتح التنين فمه، أطلق لهيبًا أسود قاتمًا، امتد كالنهر، يلتهم كل ما يمر به. لم يكن لهبًا عاديًا… بل نارًا كأنها تحمل داخلها ظلالًا، صرخات، وحكايات مجهولة.
أحرقت اللهب أجساد أنصاف الشياطين، مزّقتهم، ومسحتهم من الوجود كأنهم لم يكونوا. ومع كل زئير، ومع كل نفحة، كانت احتمالية المكان تتغيّر… كأن وجوده ذاته يعيد كتابة القوانين من جديد.
وقف البطل مذهولًا، يحمل يوكيو بين ذراعيه، وعيناه لا تفارقان ذاك المخلوق.
ثم، فجأة، استدار التنين نحوه. التقت عيناه الذهبيتان بعيني البطل، نظرة قصيرة… عميقة… كأنها تحمل معرفة لم يُفصح عنها بعد.
ثم حنى التنين رأسه، وبدأ يلتف بجناحيه حول يوكيو، بهدوء… يحميها من العالم الخارجي، كما لو كان يعرفها… أو ينتظرها منذ زمن طويل.
كان البطل واقفًا بلا حراك، فمندهشًا للغاية ليجد نفسه عالقًا بين الحقيقة والخيال. في تلك اللحظة، شعر بشيء غريب يزداد في قلبه. شيء عميق وجارف، يشبه الارتياح… وربما الخوف.
وفي تلك اللحظة، ظهر صاحب الفأس. كان قد وصل إلى ساحة المعركة للتو، يركض بأقصى سرعته وبخطوات ثقيلة، والفأس الكبير الذي يحمله يهتز بيديه الهزيلتين، ويبدو كأنه يحاول تجنب سقوطه مع كل خطوة.
«أين أنتم يا شباب؟!» صرخ بصوت عالٍ، وكان واضحًا أنه لا يعرف ما يحدث من حوله، فقد كانت الموجات النارية لا تزال تندفع في كل اتجاه. «يا إلهي! لا أعتقد أنني وقعت في المكان الصحيح!» أضاف وهو يلوّح بالفأس في الهواء بحركة غير متوازنة، مما جعله يفقد توازنه ويسقط مباشرة على الأرض. انفجرت ضحكة خافتة من أحد الجنود الذين كانوا يستعدون للقتال.
وعلى الرغم من جو المعركة القاسي، كانت تلك اللحظة الكوميدية تشتت بعض التوتر، حيث بدأ الجميع يبتسمون بشكل غير إرادي.
أعاد صاحب الفأس التوازن لنفسه وركض مجددًا، هذه المرة وهو يمسك بفأسه بكل قوته، «لن أقف هنا وأنتظر أن يسحقني التنين، سأخوض المعركة!»
في الوقت نفسه، كانت جاسمين تحدق في المشهد بصمت، لكن قلبها كان مليئًا بالشكوك. ومع ذلك، حاولت الحفاظ على هدوئها وسط الحريق والموت المنتشر حولها. وعندما رأت كيف بدأ التنين يتراجع خطوة بخطوة نحو يوكيو، توترت بسرعة.
«جاسمين، لا!» صرخ البطل. «عليك أن تعالجي يوكيو، هي الوحيدة التي يمكنها إنهاء هذه الفوضى!»
ورغم الخوف الذي كان يسيطر على جاسمين، إلا أنها استدارت وحركت يدها بسرعة، وشعرت بالقوة السحرية تتدفق عبر أصابعها. انتقلت الأحرف المتوهجة عبر الهواء، ثم انتشرت في دائرة ضخمة حول يوكيو، تضاعف الاحتمالية بشكلٍ رهيب.
البطل، في الوقت ذاته، كان يكسب الوقت بصعوبة. كان يحاول الإبقاء على المخلوق المجهول في حالة ثابتة، لأنه كان يعلم أن هذا هو الوقت الوحيد.
لكن التنين لم يتوقف، بل أطلق موجة ضخمة من النار السوداء، مما دفع البطل إلى القفز بسرعة، بينما كان صاحب الفأس، الذي بدا في حالة غير مستقرة تمامًا، حاول الهجوم على التنين بتهور… لكن تنينًا أسودًا بهذا الحجم كان يشكل تهديدًا أكبر من أي فأس مهما كان ضخمًا. وسقط صاحب الفأس على الأرض مرة أخرى، ولكن هذه المرة فأسه ارتطم بشدة بجنبه، مسببًا شرارًا عالٍ!
صرخ أحد الجنود قائلاً: «هل تعتقد أنه سيقضي على التنين بفأسه؟!»
ثم، بعد أن هدأ الجو قليلاً، استمر التنين في حماية يوكيو، حيث كان يلتفت مرة أخرى نحو البطل نظراته الذهبيّة، وكأنها تقول له: «حافظ عليها… نحن بحاجة إليها…».