ساي وقف بصمت، يراقب المشهد. يده كانت متقرحة ومخدوشة من كثرة قبض السيف، وعيناه لا تزالان تلمعان بلمعان متعب. كان يستطيع أن يشعر بثقل الليلة الماضية يجثم على كتفيه، لكنه كان يعلم أن المعركة انتهت — مؤقتًا فقط.
في زاوية الساحة، جاسمين كانت تمر ببطء بين المصابين، تبتسم ابتسامة هادئة لكل من يلتقي بعينيها، تضع يدها برفق على كتف جندي منهك أو تهمس بكلمات تشجيع لخادمة باكية. كانت ملامحها لا تزال تحمل ظلال القلق، لكنها تجاهد لإبقاء صورتها القوية أمام الجميع.
أما أزيم، فكان يقف قرب إحدى النوافذ المدمرة، ذراعيه معقودتان وصدره مائل قليلًا إلى الأمام، عيناه الرماديتان تراقبان المشهد دون أي انفعال. عندما مرت يوكيو أمام النافذة، نصف واعية ومتكئة على ذراع ساي، رفع أزيم حاجبه قليلًا وكأن عقله التقط شيئًا مثيرًا للاهتمام، لكن دون أن يعلّق. هو لم يتحدث إليها بعد، ولم يعرفها مباشرة، لكن نظراته لم تخفِ فضوله.
ساي جلس بعدها بجانب سرير يوكيو عندما أدخلوها إلى إحدى غرف القصر. ظل صامتًا، يراقب وجهها الشاحب وأنفاسها الضعيفة. للحظة، مد يده بتردد، لامس أصابعها الباردة بخفة، ثم ارتبك وسحب يده بسرعة، كأن قلبه خفق بقوة مباغتة أخافته.
خرج من الغرفة ليلتقي بجاسمين، التي كانت تنتظره في الرواق، ووجهها يحمل تعبًا لا يمكن إخفاؤه.
قالت بصوت منخفض: "شكراً لأنك عدت بها. لا أعرف كيف سنواجه ما هو قادم، لكن… نحن سنحتاجكم قريبًا. الأمور هنا أعقد بكثير مما ظننتم."
ساي تنهد، يمرر يده في شعره المتعب.
"أنا أعرف… وأنا مستعد."
من بعيد، بقي أزيم واقفًا، ينظر إليهم للحظة، ثم استدار ببطء، عينيه الرماديتين تتأملان الأفق… وكأن هناك عاصفة جديدة تلوح في الأفق، لا يعلمها أحد سواه.
بعد أن غادرت جاسمين الغرفة لتمنحهم بعض الخصوصية، جلس ساي بهدوء على الكرسي قرب يوكيو. كان يتأمل يدها الصغيرة، وقد شعر للمرة الأولى منذ وقت طويل بثقل لم يكن ناتجًا عن القتال فقط… بل عن كل ما جرى.
لكنه انتبه فجأة عندما سمع صوتًا هادئًا من الخلف.
«هل تعرف حقًا… من تتعامل معهم؟»
التفت ساي ليرى أزيم يقف هناك، يضع يديه خلف ظهره، ينظر إليه بنظرة عميقة لا تنتمي لرجل عابر.
ساي قال بحذر: «أنت تتحدث عن من؟»
أزيم تقدّم ببطء، خطواته بلا صوت، وكأنه ظل.
«الكاتبين… أولئك الذين يديرون خيوط القصص من وراء الستار. الكاتب المزيف الذي قاتلته هنا مجرد دمية. هناك عشرات… مئات منهم، يتحكمون في مصائر الناس، يسرقون الاحتمالية، يختلقون المآسي… وكل ذلك لأنهم يمتلكون حق الكتابة.»
ساي عبس قليلًا، قبضته اشتدت فوق ركبة يوكيو دون أن يشعر.
«…أعرف أن هناك من يعبث بالخيوط. لكنك… تبدو كأنك تعرف أكثر.»
أزيم توقف، عينيه تلمعان وكأنهما تخفيان شيئًا كبيرًا. ثم قال بصوت منخفض: «ليس فقط أناس يعبثون، ساي. هؤلاء ليسوا مجرد كُتّاب عاديين. لديهم السلطة لتغيير الواقع كما يريدون.»
ساي نظر إليه بتساؤل، لكنه لم يجرؤ على سؤال المزيد، فاستمر أزيم في حديثه:
«كان لي شخص عزيز، أخت. كانت تملك قدرة عظيمة على تغيير الأشياء. لكن الكاتبين لا يحبون من يخرج عن النص…» أزيم أمال رأسه بشكل خفيف. «أختي حاولت الهروب من قبضتهم… ولكنهم أزالوها من القصة. لا أثر لها الآن.»
ساي فغر فاه، لكنه لم يعرف كيف يرد. كان قد سمع عن الكاتبين قبلًا، لكنه لم يفهم تمامًا عمق قوتهم أو تأثيرهم.
«ماذا تعني ب"أزالوها"؟» سأل ساي بصوت منخفض.
أزيم هز رأسه، ووجهه صار أكثر صلابة: «أزالوها كما لو أنها لم تكن يومًا موجودة. لا ذاكرة، لا ذكرى، لا سطر واحد يثبت أنها كانت هنا.»
توقف أزيم للحظة، يبدو أنه يكبح شيئًا في داخله قبل أن يضيف بصوت خافت، كأنه يقول لنفسه: «وأنا لن أسمح لهم أن يفعلوا ذلك لأحد آخر.»
ساد صمت طويل. حتى أنفاس يوكيو الضعيفة بدت مرتفعة في ذلك الجو المكتوم. ساي همس: «ولهذا تكرههم…»
أزيم لم يرد فورًا. كان هناك شيء في نبرته يثير شكوك ساي، ولكن في النهاية قال، محاولًا إخفاء الألم خلف برودته: «ولهذا سأقضي عليهم.»
ساي نظر إلى يوكيو، ثم إلى أزيم، وشعر بثقل أكبر يسقط على كاهله. كان يظن أن مشكلته محصورة في إنقاذ رفيقته وإنهاء الشياطين الصغيرة التي يواجهها… لكنه بدأ يدرك أن هناك يدًا أكبر، شيئًا أوسع بكثير.
قال ساي أخيرًا، وهو ينظر مباشرة في عيني أزيم:
«…سأصل إلى النهاية بنفسي. أيا كانت هذه اللعبة… لن أسمح لأحد بكتابة قصتي.»
رفع أزيم حاجبًا خفيفًا، وكأن في عينيه للمرة الأولى بريق تقدير صغير، قبل أن يعود للجمود.
«سنرى، ساي… سنرى.»
بعد أن غادرت جاسمين الغرفة لتمنحهم بعض الخصوصية، جلس ساي بهدوء على الكرسي قرب يوكيو. كان يتأمل يدها الصغيرة، وقد شعر للمرة الأولى منذ وقت طويل بثقل لم يكن ناتجًا عن القتال فقط… بل عن كل ما جرى.
لكنه انتبه فجأة عندما سمع صوتًا هادئًا من الخلف.
«هل تعرف حقًا… من تتعامل معهم؟»
التفت ساي ليرى أزيم يقف هناك، يضع يديه خلف ظهره، ينظر إليه بنظرة عميقة لا تنتمي لرجل عابر.
ساي قال بحذر: «أنت تتحدث عن من؟»
أزيم تقدّم ببطء، خطواته بلا صوت، وكأنه ظل.
«الكاتبين… أولئك الذين يديرون خيوط القصص من وراء الستار. الكاتب المزيف الذي قاتلته هنا مجرد دمية. هناك عشرات… مئات منهم، يتحكمون في مصائر الناس، يسرقون الاحتمالية، يختلقون المآسي… وكل ذلك لأنهم يمتلكون حق الكتابة.»
ساي عبس قليلًا، قبضته اشتدت فوق ركبة يوكيو دون أن يشعر.
«…أعرف أن هناك من يعبث بالخيوط. لكنك… تبدو كأنك تعرف أكثر.»
أزيم توقف، عينيه تلمعان وكأنهما تخفيان شيئًا كبيرًا. ثم قال بصوت منخفض: «ليس فقط أناس يعبثون، ساي. هؤلاء ليسوا مجرد كُتّاب عاديين. لديهم السلطة لتغيير الواقع كما يريدون.»
ساي نظر إليه بتساؤل، لكنه لم يجرؤ على سؤال المزيد، فاستمر أزيم في حديثه:
«كان لي شخص عزيز، أخت. كانت تملك قدرة عظيمة على تغيير الأشياء. لكن الكاتبين لا يحبون من يخرج عن النص…» أزيم أمال رأسه بشكل خفيف. «أختي حاولت الهروب من قبضتهم… ولكنهم أزالوها من القصة. لا أثر لها الآن.»
ساي فغر فاه، لكنه لم يعرف كيف يرد. كان قد سمع عن الكاتبين قبلًا، لكنه لم يفهم تمامًا عمق قوتهم أو تأثيرهم.
«ماذا تعني ب"أزالوها"؟» سأل ساي بصوت منخفض.
أزيم هز رأسه، ووجهه صار أكثر صلابة: «أزالوها كما لو أنها لم تكن يومًا موجودة. لا ذاكرة، لا ذكرى، لا سطر واحد يثبت أنها كانت هنا.»
توقف أزيم للحظة، يبدو أنه يكبح شيئًا في داخله قبل أن يضيف بصوت خافت، كأنه يقول لنفسه: «وأنا لن أسمح لهم أن يفعلوا ذلك لأحد آخر.»
ساد صمت طويل. حتى أنفاس يوكيو الضعيفة بدت مرتفعة في ذلك الجو المكتوم. ساي همس: «ولهذا تكرههم…»
أزيم لم يرد فورًا. كان هناك شيء في نبرته يثير شكوك ساي، ولكن في النهاية قال، محاولًا إخفاء الألم خلف برودته: «ولهذا سأقضي عليهم.»
ساي نظر إلى يوكيو، ثم إلى أزيم، وشعر بثقل أكبر يسقط على كاهله. كان يظن أن مشكلته محصورة في إنقاذ رفيقته وإنهاء الشياطين الصغيرة التي يواجهها… لكنه بدأ يدرك أن هناك يدًا أكبر، شيئًا أوسع بكثير.
قال ساي أخيرًا، وهو ينظر مباشرة في عيني أزيم:
«…سأصل إلى النهاية بنفسي. أيا كانت هذه اللعبة… لن أسمح لأحد بكتابة قصتي.»
رفع أزيم حاجبًا خفيفًا، وكأن في عينيه للمرة الأولى بريق تقدير صغير، قبل أن يعود للجمود.
«سنرى، ساي… سنرى.»
في الخارج، كانت الشمس قد ارتفعت أكثر، وكأنها تراقبهم بصمت، شاهدة على بداية تحالف هش… وربما بداية حرب طويلة.
بعد لحظات من الصمت التي تلت كلمات أزيم، تساءل ساي عن شيء آخر، شيء كان يطرحه في ذهنه منذ لحظة اللقاء مع التنين.
قال ساي بصوت منخفض: «التنين قال شيئًا غريبًا… قال: إذن أنت من اختاره ملك ▣▣… احمي وريثة ملك الفوضى ولو كلفك ذلك حياتك.»
أزيم نظر إليه بحذر، عينيه تتسعان قليلاً كأنه يفكر في الرد. ثم قال، محاولًا الحفاظ على بروده: «وريثة ملك الفوضى؟ هذا جزء من اللغز الأكبر.»
سكت أزيم للحظة وكأن الكلمات تتراقص في ذهنه، ثم أضاف: «الملوك ليسوا مجرد أناس يراقبون. هم جزء من بنية أكبر، يتنقلون بين العوالم، يحملون القوة لكتابة القصص والاحتمالات. إذا قال التنين ذلك، فهذا يعني أنك لست مجرد شخص عادي في هذه اللعبة. أنت اختيرت من قبل ملك.»
سكت ساي للحظة، كان هناك الكثير ليعالجه. اختياره من قبل ملك، ووريثة ملك الفوضى، والكلمات التي قالها التنين، كلها كانت أشياء تتساقط عليه كقطع من لغز لا يمكنه حلّه.
«ولكن... من هو ملك ▣▣؟» سأل ساي، محاولًا أن يفهم.
أزيم تنهد وأجاب بنبرة مليئة بالغموض: «ملوك الفوضى ليسوا من هذا العالم. إنهم قوة تتجاوزنا، تتجاوز حتى الكُتّاب أنفسهم. يمكنهم أن يشكلوا القصص بأيدهم. لكن لماذا اختارك ملك ▣▣؟ هذا سؤال أكبر من أن أجيب عليه. ربما... لأنه يراهن على شيء فيك. ربما هو يرغب في أن تكون أداة في حرب أكبر من أي شيء يمكننا فهمه.»
نظر ساي إلى يوكيو التي كانت لا تزال نائمة، ملامح وجهها تظهر تحت الضوء الخافت. ثم قال، وهو يتنهد: «لكن لماذا وراثة ملك الفوضى؟»
أزيم أدار رأسه، وأخذ خطوة للأمام، وكأنه يشير إلى شيء غير مرئي. «ورثة ملك الفوضى هم من يمتلكون القدرة على تدمير ما لا يمكن تدميره، على قلب المعادلات. إذا كانت يوكيو هي وريثة ملك الفوضى، فهذا يعني أنها تحمل في دمها سرًا يخص تدمير النظام ذاته. والآن، أنت محكوم بحمايتها. لكنني أعتقد أن هناك شيء آخر وراء هذا، شيء لا يظهر لنا بالكامل.»
ساي شعر بارتباك. كان عليه أن يفهم كل هذا... وأن يتعامل مع الأمر الذي سيكلفه حياته. كانت هذه الكلمات أكثر من مجرد تهديد. كانت سبيلاً لفهم مصيره.
«إذن، هل ستكون حياتي محكومة بحماية يوكيو؟» سأل ساي بحدة.
أزيم أومأ برأسه ببطء. «إذا كان ما يقوله التنين صحيحًا، فإن حياتك أصبحت جزءًا من قصة أكبر بكثير. قد تكتشف ذلك قريبًا… أو ربما قد لا تكتشفه أبدًا.»
لحظة صمت أخرى مرت. والجو بينهما أصبح مشحونًا أكثر مما كان من قبل. كان هناك شيء أكبر من أن يراه ساي، كان ثقل الخيارات والقرارات يضغط عليه.
«إذا كانت هذه القصة كُتبت لي... فإنني سأعيشها حتى النهاية.» قال ساي، عاقدًا العزم.
أزيم قال بصوت هادئ: «لكن تذكر هذا جيدًا، ساي... ليس كل ما يُكتب هو بالضرورة ما تريده أنت. وستكتشف ذلك قريبًا.»
ساد الصمت من جديد، لكن هذه المرة لم يكن صمتًا فارغًا… بل محمّلًا بثقل مصيرين متشابكين.
ثم سمعا صوتًا ناعمًا، متكسرًا، خرج من ناحية السرير:
«…ملك الفوضى؟»
فتح ساي عينيه بدهشة، نظر نحو يوكيو التي بدأت تتحرك ببطء، وعيناها السوداوان تنظران إليه بحيرة، كأنها سمعت جزءًا من الحوار وهي تغفو وتستفيق.
«يوكيو؟» قالها ساي بصوت خافت، وتقدّم نحوها فورًا.
أغمضت عينيها لثانية، ثم تمتمت: «سمعتك تتحدث… التنين قال إني وريثة؟»
أزيم ظل واقفًا في الظلال، لم يقترب، لكنه راقبها بعين فاحصة.
«هل تذكرين شيئًا؟» سألها ساي بلطف، وهو يجلس إلى جانبها.
يوكيو لم تجب مباشرة، بل ظلّت تحدق في السقف لثوانٍ، ثم قالت ببطء:
«هناك أصوات… منذ زمن بعيد. حلم؟ لا… كأنه كان داخلي. كلما اقتربت من الموت، ترددت تلك الكلمات… كأن هناك من يحاول استدعائي.»
أزيم قال فجأة: «الورثة لا يُختارون عشوائيًا. ملك الفوضى ليس كيانًا عاديًا. هو أحد الملوك الأربعة الذين بُني هذا العالم على آثار قصصهم.»
ساي استدار إليه، وسأله: «ملوك؟ أي ملوك تتحدث عنهم؟»
أزيم صمت قليلًا، ثم قال بصوت منخفض:
«ملك الفوضى…
ملك النسيان…
ملك النهايات…
وملك التخطيط…»
تردد ساي، ثم سأل: «وماذا عن ملك ▣▣؟ التنين قال إنني من اختاره…»
تغيرت نظرة أزيم فجأة. الصرامة في وجهه تحوّلت إلى تحذير دفين، ثم قال:
«ذلك… ليس من الملوك الأربعة.»
سكت، ثم أضاف:
«ملك ▣▣ ليس اسمًا يمكن نطقه. لا يُعرف من هو، ولا ما هو، ولا أين يوجد. هناك فقط إشارات، همسات… وقصص منسية تقول إنه لم يُخلق مثل الآخرين، بل تسلل إلى القصة من خارجها.»
ساي شعر بقشعريرة تمر في ظهره، لكن أزيم تابع:
«حتى بين الكاتبين، لا يعرفه إلا أقل من خمسة. وهناك من يقول إن من يعرف اسمه… يُمحى.»
يوكيو همست، وهي ما تزال نصف غائبة عن الوعي:
«لكنه اختارك، ساي… لماذا؟»
نظر ساي إلى راحة يده كأنه يتوقع أن يجد شيئًا مكتوبًا هناك، ثم تمتم:
«لا أعلم… لكنه كلّفني بحمايتك. حتى الموت.»
قال أزيم:
«ربما اختارك لأنه لا يريد أن تنهض الفوضى مرة أخرى… أو ربما يريدها أن تشتعل. مع هذا الكيان، لا يمكنك معرفة ما إذا كنت قطعة… أو الكاتب.»
حلّ المساء، وغمرت الغرفة أشعة رمادية من شمس توشك على المغيب. كان الهواء ساكنًا، لا يحمل تهديدًا ولا وعدًا… مجرد سكون ثقيل.
يوكيو جلست على الفراش، جسدها مستقيم رغم الضمادات، وعيناها ترقبان كل شيء بصمت مطلق. لم يكن في ملامحها ألم، ولا حتى راحة… فقط حياد صارم كأنها ما زالت داخل معركة لم تنتهِ بعد.
ساي جلس بالقرب منها، يراقبها من حين لآخر، لكنه لم يُحسِ بجواب. كانت يوكيو غارقة في صمتها، لا تُظهر أي مشاعر، كما لو أنها تنتمي إلى عالم آخر.
فجأة، دخلت جاسمين حاملة صينية شاي صغيرة. بخفة، وضعت الأكواب أمامهم، ثم جلست على حافة السرير في الزاوية، وكأنها تفضل البقاء على مسافة من الجميع.
قال ساي، محاولًا كسر الصمت:
«أظننا نستحق لحظة راحة، ولو قصيرة.»
يوكيو لم ترد. مدت يدها وأخذت كوب الشاي بصمت، شربت منه رشفة صغيرة دون أن يتغير شيء في ملامحها.
أزيم الذي كان يعدّ بعض الأكواب لنفسه، نظر إليها وقال:
«لقد صمدتِ أمام السم بشكل غريب. أغلب من يواجه هذا النوع ينهار خلال دقائق.»
قالت بصوت رتيب:
«لدي مقاومة. السم ليس ما كاد يقتلني.»
سأل ساي بقلق:
«إذن ماذا؟»
أجابت، وهي تمسك بكوبها بلا تردد:
«نفدت احتماليتي. جسدي ما زال قويًا… لكن قصتي لم تعد تحتمل المزيد.»
عمّ الصمت للحظة، ولكن في أعماق كل واحد منهم كانت هناك أسئلة لم تجد إجابات بعد.
قال ساي أخيرًا:
«قصتك… سيئة لهذه الدرجة؟»
نظرت إليه، نظرة خالية من الندم أو الألم، فقط حادة وواضحة:
«لا يوجد شيء جيد في ماضٍ لا يرويه أحد. الحياة الصعبة لا تُكسبك احتمالًا… إنها تسرقه.»
ثم أعادت نظرها إلى الجدار المقابل، كأنها أنهت الحديث.
أزيم، الذي كان ينظر في الأرض، همس:
«بعض القصص تُبنى من الحطام… لكنها تحتاج كاتبًا يعرف كيف يحوّل الألم إلى قوة.»
ردت يوكيو، دون أن تنظر إليه:
«وأنا لا أؤمن بالكُتّاب.»
لكن، مع ذلك، لم يكن هناك قسوة في نبرتها، بل مجرد تأكيد على أن هذه اللحظات لا تعني لها الكثير. كانت هادئة، كما لو أن الحديث كان مجرد روتين عابر.
في تلك اللحظة، نظرت إليها جاسمين، التي كانت تراقبهم عن كثب، وقالت بهدوء:
«ربما لا يؤمن أحد بالكُتّاب، لكن أحيانًا… القصص هي التي تختارنا، حتى دون أن نعلم.»
لم تجب يوكيو، فقط أعطت إشعارًا بصوت منخفض جدًا، ربما كان نوعًا من التقدير الهادئ لها.
في تلك الغرفة المظلمة، كانوا جميعًا يحملون قصصًا لا تكتبها الأيدي… لكنهم، لسبب ما، كانوا معًا الآن، في نفس المكان.
كانت المجموعة مجتمعة حول الطاولة الصغيرة في الزاوية. جاسمين تصبّ الشاي بصمت، حركاتها دقيقة كأنها طقس اعتادت عليه، بينما أزيم ينظر إلى الخريطة المنشورة على الطاولة. ساي جلس مقابله، يحاول التركيز، لكن نظراته كانت تتسلل إلى يوكيو من حين لآخر، كأنه يراقب عودتها التدريجية إلى الحياة.
يوكيو، في المقابل، كانت تقلب صفحات كتابها القديم، ببطء، بلا اهتمام ظاهر. لم تقل شيئًا منذ دقائق، لكن صمتها لم يكن فارغًا… بل كان أشبه بدرع غير مرئي.
قال أزيم، دون أن يرفع نظره:
«نحتاج لمعرفة دوافع الملوك الأربعة. ملك التخطيط تحديدًا لا يتحرك إلا إذا رأى نتيجة حتمية.»
جاسمين علّقت:
«أحيانًا لا نحتاج إلى تحليل الملوك… بل إلى إقناعهم أن قصتنا تستحق الاحتمالية.»
ساي التفت إلى يوكيو:
«هل قال لك التنين حقًا… أنك وريثة ملك الفوضى؟»
توقفت يد يوكيو عن تقليب الصفحات، دون أن تنظر إليه.
«قال: "احمِ وريثة ملك الفوضى… ولو كلّفك ذلك حياتك."»
قبل أن يعلّق أحد، انبعث ضوء خافت من بين صفحات الكتاب.
شرارة… ثم أخرى.
نقطة بيضاء صغيرة، ثم انفجار صامت لا يُسمع، بل يُحَسّ.
ساي وقف فورًا، يده على مقبض سلاحه.
أزيم شحب وجهه، وجاسمين شهقت دون صوت.
لكن يوكيو لم تتحرك.
كانت تنظر إلى الكتاب، الذي فتح نفسه على صفحة لم تكتبها هي.
الكلمات ظهرت بلون غريب… كأنها مزيج بين النور والظل، تتوهج وتخفت، وكأن الاحتمالية نفسها تكتب.
يوكيو قرأت بصوت خافت، لكن كافٍ ليصل إلى الجميع:
«لا تخافي من الفوضى التي تسكنك.
هي جزء منك، وهي جزء من كل شيء حولك.
وإن حاصركِ الظل، تذكّري:
من يحميه ملك الفوضى، لا تلمسه قوانين هذا الكون.»
عمّ الصمت.
أزيم همس:
«مستحيل… هل هذا…؟»
جاسمين وضعت يدها على صدرها، متأثرة:
«رسالة حقيقية… من ملك الفوضى؟»
ساي جلس ببطء، ملامحه بين الذهول والتساؤل:
«لماذا الآن…؟»
أغلقت يوكيو الكتاب، وكأن ما حدث لم يهزها، لكنها قالت بصوتٍ أقل حيادية هذه المرة، فيه نغمة خافتة من الود وهي تنظر إلى ساي:
«ربما… لأن قصتي بدأت تتحرك مجددًا. أو ربما… لأننا لم نعد غرباء تمامًا.»
رفعت كوب الشاي، شربت رشفة، ثم أضافت دون أن تنظر إلى أحد:
«لكن لا تبنوا على هذا أملًا زائفًا. الرسائل لا تصنع النهايات… فقط تمنحك لحظة لتتنفس.»
ورغم برود نبرتها، شعروا جميعًا أن هذه كانت أوضح لحظة إنسانية منها منذ بداية الرحلة.