ظلّ الجميع صامتًا لبرهة، كما لو أن الكلمات لا تزال تتردّد في جدران الغرفة. الشرارات التي انبعثت من الكتاب تلاشت، لكن الأثر لم يتلاشَ معهم.

ساي قال بعد لحظة:

«أحيانًا… أشعر أن هناك من يكتب فوقنا، ويضحك علينا. لكن هذه الرسالة… لم تبدُ كأنها من كاتب.»

أزيم اكتفى بهزة رأس صغيرة، ثم قال:

«ليست من كاتب. ملك الفوضى… لا يتبعهم. إنه خارج كل نظام… حتى نظامنا.»

جاسمين، بهدوءها المعتاد، جمعت الأكواب الفارغة، وأعادت ملء الشاي، ثم وضعت كوبًا جديدًا أمام يوكيو دون أن تقول شيئًا. حركة بسيطة، لكنها مليئة بالاحترام.

يوكيو لم تبتسم، ولم تشكرها.

لكنها نظرت إليها للحظة طويلة… وكأنها تعترف بشيء دون أن تنطق به.

ثم قالت، موجّهة كلامها نحو ساي هذه المرة:

«الرسالة كانت لي، لكن… أن تكون شاهدًا عليها، يعني أنك الآن… جزء من القصة أكثر مما تظن.»

ساي ردّ بهدوء، وهو يرفع كوبه:

«أنا لم أطلب الدخول فيها، يوكيو. لكنني دخلت، وسأكمل.»

صوت أزيم جاء كظل خافت:

«فقط تأكد أنك تعرف الثمن، ساي. هذا الطريق… لا يترك من يسلكه سليمًا.»

ابتسم ساي، مرّ بطرف إصبعه على حافة الكوب وهو يقول:

«ربما… لكنني تعبت من الطرق السليمة.»

ضحك صغير… قصير… خرج من أنف يوكيو. لم يكن واضحًا، لكن جاسمين لاحظته، ورفعت حاجبًا بدهشة صامتة.

لم يكن ذلك ضحكًا حقيقيًا.

لكنه كان أول كسر في الجدار البارد الذي يُحيط بيوكيو.

ولأول مرة، منذ وقت طويل… شعرت المجموعة وكأنها لا تجمعها المعركة فقط.

بل شيء آخر… غامض، غير مكتمل.

ربما بداية… لصداقة لم تولد بعد، لكنها تبحث عن فرصة لتتنفس.

هدأت الأحاديث قليلًا، وصوت ارتشاف الشاي عاد يملأ الفراغ. كانت الشرارات قد تلاشت منذ دقائق، لكن أثرها ظلّ معلقًا في الجو، مثل أثر برق بعيد.

جاسمين قالت وهي تنظر في فنجانها، كأنها تقرأ المستقبل بين الأوراق:

«عندما ترانا نتحرك، ونفعل، ونقاتل… لا تفترض أننا نتحرك وحدنا، ساي.»

ساي رفع نظره نحوها، حاجبًا واحدًا مرفوعًا.

«ماذا تقصدين؟»

أزيم، الذي كان مستندًا إلى الحائط بصمت، قال بصوته العميق:

«نحن… مثل كثيرين غيرنا، نعمل تحت رعاية ملوك.»

ساي اتجه بنظره إليه، بحذر:

«أيّ ملوك؟»

نظر أزيم إلى يوكيو لوهلة، ثم تحدث بهدوء:

«أنا… تحت رعاية ملك التفجير. إنه لا يعطيني الأوامر، لكني أقبل المهام منه. كل مهمة تحمل احتمالية ضخمة… وكل احتمالية تزيد من قصتي.»

ساي تراجع في كرسيه قليلًا، وكأن شيئًا في داخله توتّر.

«ملك التفجير؟ يبدو… غير مستقر.»

ابتسم أزيم بسخرية:

«بالضبط. ولا أحد يعمل معه طويلاً دون أن يفقد شيئًا. لكنني لا أبحث عن الاستقرار.»

ثم تحركت عينا ساي إلى جاسمين، التي كانت هادئة كعادتها.

قالت بهدوء مدهش:

«وأنا… رعايتي عند ملكة الألف داء ودواء. مهامي… ليست دائمًا قتالية. أحيانًا أُنقذ… وأحيانًا أختبر وجعًا لا يُشفى إلا بالاحتمال. هي تمنحني أدوات الشفاء، لكن بثمن دائم.»

ساي تمعّن فيهما، صامتًا لوهلة.

«إذًا أنتما لستما مجرد مقاتلين… بل شخصيات تُبنى في مسارٍ مرسوم.»

جاسمين نظرت إليه نظرة رقيقة، وقالت:

«نعم… لكننا نحتفظ ببعض المساحة لاختيار ما نكون. ليس كل من يعمل تحت ظل ملك… عبد له.»

أزيم أضاف ببرود:

«وأحيانًا… نعمل معهم لنصل لأهدافنا نحن، لا أهدافهم.»

ثم التفت إلى ساي، وقال بنبرة أثقل:

«وأنت؟… تحت رعاية من أنت؟»

ساي صمت. نظر إلى يوكيو للحظة، ثم إلى كتابها المغلق.

«…لا أحد.» قالها بثقة غامضة.

«لكن يبدو أن أحدهم اختارني… دون أن يسألني.»

كانت عين يوكيو تراقبه، ثم قالت بهدوء دون أن تنظر إليه:

«إن صحّ ما قاله التنين… فاختيارك لم يكن بسيطًا. ملك ▣▣ ليس من الملوك الأربعة، بل شيء آخر. لا أحد يعرف اسمه… ولا نطق رمزه.»

أزيم رفع حاجبًا قليلًا، للمرة الأولى يبدو مهتمًا.

«ملك خارج التوازن؟… هذا يغير الكثير.»

ساي تمتم، وهو ينظر إلى يده:

«أنا لا أفهم ما يعنيه كل هذا… لكني سأفهم. بطريقتي.»

يوكيو أغلقت عينيها للحظة وقالت بنبرة باردة، لكن فيها ود مغطّى:

«لا تتأخر كثيرًا في الفهم، ساي… فالعالم لا ينتظر من لا يفهم.»

....

كان اليوم باهتًا، وكانت السماء مغطاة بغيوم ثقيلة، وكأنها تستعد لعاصفة. حين كان الخدم في القصر يقومون بأعمالهم اليومية، توقفت واحدة منهم، تُدعى لينا، عند الباب الخلفي، حيث لاحظت شيئًا غريبًا.

رجل… كان ممددًا أمام بوابة القصر، مستلقيًا على الأرض كجثة، جسده مغطى بالتراب، وعيناه نصف مفتوحتين، وكأن الحياة قد تخلت عنه تمامًا. في يده اليمنى كان ممسكًا بشيء غريب، كتابه، نصف محترق، الأوراق مشوهة من الحواف. صرخت لينا بصدمة، ركضت نحو المكان، وعندما اقتربت، شعرت بشيء غير مريح يملأ الجو.

«أين الخدم؟» صرخت بصوت عالٍ.

عندما وصل الجميع، بدأوا في رفعه بلطف، ونقلوه إلى داخل القصر بسرعة. كان جسده واهنًا للغاية، عيناه زائغتين، وكأن ما رأته لينا كان جزءًا من كابوس.

في غرفة صغيرة داخل القصر، وضعوا الكاتب على السرير، وأخذوا يعتنون به. كان أنفاسه ثقيلة، كأنها تقاوم الحياة نفسها. الكتاب كان لا يزال في يده، مع بقايا الكتابة التي بالكاد كانت تظهر بين صفحات الكتاب المتفحمة.

اقترب منه ساي أولًا، وعينيه تركزان على الرجل. لم يكن ذلك أول مرة يرى فيها شخصًا في حالة ضعف، لكن شيئًا في هذا الكاتب كان يثير فضوله. جاسمين وقفت خلفه، متأملة الموقف بعناية، بينما يوكيو، كعادتها، كانت تراقب دون أن تبدو منزعجة بشكل خاص.

قال ساي، بصوت هادئ لكنه حازم:

«من أنت؟ ولماذا جئت إلينا في هذا الوقت؟»

الكاتب، الذي كان يئن في البداية، رفع رأسه ببطء. وكانت عيناه مليئتين بالحزن، لكن أيضًا بشيء آخر، شيء غامض. نظر إلى ساي، ثم إلى جاسمين، وأخيرًا إلى يوكيو، وكأنهم كانوا آخر من بقي في هذا العالم بالنسبة له.

«اسمي فاليرين.» قالها بصوت ضعيف، وأخذ نفسًا عميقًا.

«كنتُ كاتبًا في صفوف الكتّاب العظماء، كنت أكتب قصصًا تحمل الحياة والموت، وتحدد مصير من حولي. لكنني… خالفتهم.»

توقف لبرهة، كأن الكلمات كانت تشق طريقها بصعوبة، ثم قال بنبرة مليئة بالمرارة:

«لقد خالفتهم، خالفت ملك الكتّاب. كان هو الذي يسيطر على مصيرنا، على كل شيء. لكنني تمردت عليه. كتبت قصصًا لنفسي، تمزق الكتاب الذي كان يحدد مصيري، فطارده "الكتّاب الزائفون".»

أخذ نفسًا عميقًا، وعينيه تبتعدان عنهم للحظات كأنه كان يستعيد لحظات مؤلمة.

«لقد بدأوا مطاردتي، حاولت الهروب، لكنهم لم يتركوني. نقابة الكتّاب لا تعرف الرحمة.»

كان المكان هادئًا لثوانٍ قبل أن يضيف:

«لكن هناك شيء أكبر من ذلك، شيء أفظع مما يمكن أن يتخيله أي شخص. قبل آلاف السنين، كانت هناك المكتبة العظيمة في شرق القارة، مكتبة تحتوي على أقدم وأقوى القصص… التي كانت قادرة على تغيير مصير أي شخص. لكن قبل أن تصبح القصص ملكًا للجميع، قامت معركة مدمرة بين الملوك. ملك الفوضى دمر المكتبة، سحقت تحت أقدامه... لكن هناك جزءًا صغيرًا من تلك القصص التي نجت. جزءٌ لا يزال مختبئًا في أنقاض المكتبة. تلك القصص القديمة… التي يمكن أن تغير كل شيء.»

صمت فاليرين، وعيناه مليئتان بالندم. كان الكتاب في يده لا يزال متوهجًا ببقايا احتمالية قديمة، كأنما يملك سحرًا قديمًا.

«أنا بحاجة إلى مساعدتكم. لقد تمزقت جزء من كتابي، والآن أصبحت ضعيفًا جدًا. فقط تلك القصص القديمة من المكتبة العظيمة يمكنها أن تعيد لي جزءًا من قوتي. لكنها في مكان بعيد، تحت الأنقاض، وسط أرض الموتى.»

كانت جاسمين تنظر إليه بشك، بينما عيون ساي كانت مليئة بالاستفهام.

«لماذا نحن؟ لماذا تطلب منا مساعدتك؟»

قال فاليرين بنبرة هادئة، كأنما ينطق بأمر صريح:

«لأنني لا أستطيع فعلها بمفردي. إذا كنت أريد العيش… إذا كنت أريد أن أكتب من جديد، يجب أن أعود إلى تلك القصص القديمة. لكنني سأكون مستعدًا لرد الجميل لكم. سأعطيكم أي شيء تريدونه مقابل مساعدتكم. سأقوم بأي شيء تطلبونه مني.»

قالت يوكيو بصوتها الهادئ الذي يطغى عليه اللامبالاة:

«قصص قديمة… ماذا يمكننا أن نفعل بها؟»

لكن في أعماق قلبها، كانت تعلم أن هذه القصص قد تكون أكثر من مجرد كلمات… ربما هي مفتاح لقوة مفقودة.

ساي نظر إليها، ثم عاد ليحدق في فاليرين.

«سنساعدك… ولكننا نريد شيئًا محددًا. شيء لا يتعلق بالقصص فقط.»

فاليرين نظر إليهم، عينيه مليئتين بالجدية، ثم أومأ برأسه ببطء.

«اتفقنا. ستحصلون على ما تريدون، لكن عليكم أن تكونوا مستعدين. الرحلة ستكون طويلة، والتهديدات كثيرة. لن تكون المكتبة العظيمة مجرد خرائب قديمة… سيكون هناك من يحاول منعنا.»

بعد ساعات من وصول الكاتب فاليرين، وانفضاض الاجتماع الأولي، انسحب الجميع إلى غرفهم ليفكروا فيما سمعوه. الليل بدأ يزحف فوق المدينة، وكانت الأنوار في القصر خافتة، تتراقص كظلال باهتة على الجدران.

بعد أن انتهى الجميع من مناقشة خطة الانطلاق إلى أنقاض المكتبة العظيمة، تفرّق الرفاق داخل القصر للاستعداد. ساي وجاسمين انشغلا بفحص الخرائط وبعض المؤن، بينما ظل فاليرين مستلقيًا ليرتاح قليلاً، وقد عاد لون الحياة تدريجيًا إلى وجهه.

في الممر الطويل الذي يقود إلى الشرفة الخلفية، كانت يوكيو تقف وحدها، ساكنة كعادتها، تحدق في السماء التي بدأت تتلون بلون الغروب، والسيف معلق إلى ظهرها كالظل.

اقترب منها أزيم بهدوء، خطواته صامتة كعادته، قبل أن يقول دون أن يرفع صوته:

«يوكيو… أيمكنني سؤالك شيئًا؟»

لم تلتفت إليه، لكنها ردّت دون تردد:

«قل.»

اقترب قليلاً، مترددًا لوهلة، ثم نطق:

«هل تعرفين… لماذا دمّر ملك الفوضى المكتبة العظيمة؟»

مرّت لحظة صمت طويلة.

بدت على وجه يوكيو لمحة تفكير عميقة، لم تكن تتوقع هذا السؤال تحديدًا. لكنها قالت في النهاية، بصوت هادئ خالٍ من التوتر:

«لا.»

التفتت إليه الآن، عيناها السوداوان لا تومضان، ملامحها لا توحي بكذب أو صدق… فقط صدق جافّ خالٍ من المجاملة.

«كل ما أعرفه… أنه فعلها. الباقي… مجرد روايات وأساطير، ولم أكن أملك رفاهية الاهتمام بها.»

رفع أزيم حاجبًا خفيفًا، لكنه لم يُعلّق، واكتفى بالتحديق في الأفق مثلها.

يوكيو أضافت، بصوت منخفض قليلًا وكأنها تشرح دون عاطفة:

«أنا لا أعبد الملوك… حتى ملك الفوضى. إن كنتَ تبحث عن معنى أعمق، فلن تجده عندي. أنا فقط أعيش.»

أومأ أزيم ببطء، ثم همس كمن يتحدث إلى نفسه:

«لكن بعض الأفعال… لا تكون بلا سبب.»

لم تجب يوكيو. كانت الريح قد بدأت بالهبوب، تحمل معها رائحة بعيدة كأنها من الماضي… أو من بقايا المكتبة.

تركها أزيم هناك، وغادر دون كلمة أخرى.

أما هي، فوقفت وحدها، تتأمل الأفق، والسكون يحف بها كأنها تمثال… تمثال يحمل قصة لم تُكتب بعد.

2025/05/20 · 0 مشاهدة · 1533 كلمة
tls777
نادي الروايات - 2025