الفصل 004
كان البطل يسير منذ ساعات طويلة، قد تغلغل في قلب الليل، وها هو الآن يقترب من المكان الذي أخبره خليدوس أن يذهب إليه للحصول على إجابات.
المكان، الذي لم يُذكر اسمه، كان في أعماق الغابة المظلمة، حيث لا تُسمع سوى أصوات الرياح بين الأشجار المتشابكة، وكأنها تهمس بأسرار لا يفهمها أحد.
ما الذي يبحث عنه في هذا المكان؟ وما الذي يخبئه له؟ الإجابات التي وعده بها خليدوس كانت غامضة، لكن البطل لم يتردد. كان قلبه يعلمه أن عليه المضي قدمًا، وأنه في مكان ما، في هذا الظلام، سيجد جوابًا لسؤاله الأهم: من هو؟
على الرغم من أن خطواته كانت متسارعة، إلا أن شعورًا غريبًا كان يرافقه. كان يحس بحضور شيءٍ غير مرئي، يتابعه من بعيد. لكن عندما يلتفت لا يرى شيئًا.
ثم توقف فجأة.
أمام ناظريه، كانت الأرض تُفتح أمامه كأنها بوابة عملاقة، وكأنها تخرج من داخلها نبضات مظلمة، وكأنها تحترق في صمتٍ بطيء.
كان الطريق الذي أمامه ضيقًا، غير ممهد، مليئًا بالحصى والأشواك. ومع ذلك، لم يتردد.
خطا خطوة، ثم أخرى، وكلما تقدم، كان يشعر بشيء من الضغط، وكأن الأرض نفسها تراقبه.
كان أمامه الآن مدخل كهف ضخم، معتم، لكن هناك شعاع خافت من الضوء يُضيء المسافة بينه وبين المدخل.
دخله بهدوء، وأصوات خطواته ترتد على الجدران المظلمة.
وفي الداخل، كانت الجدران مغطاة بنقوش قديمة، تُرسم فيها قصص لم يُقرأ عنها من قبل، وكأنها تتحدث بلغة مفقودة، تحكي ماضيًا عتيقًا، تاريخًا لا يسجله أحد.
بينما كان يسير في أعماق الكهف، بدأ يشعر بشيء غريب في الهواء.
كانه شيء يشبه الفوضى الساكنة، يشق الفضاء، ويملأه بالرهبة.
ثم، وصل إلى غرفة صغيرة، باردة ومظلمة، بها حجرٌ كبير في المنتصف.
على الحجر، كان يوجد كتاب ضخم، جلده أسود كالحبر، وكأن الزمن نفسه قد ابتلع كلماته.
وقف البطل أمام الكتاب.
أمسك به، ولم يكن هنالك صوت سوى دقات قلبه التي تدوي في أذنه.
هل هو هنا؟
هل هذه هي الإجابة التي كان يبحث عنها؟
فتح الكتاب بحذر، ثم بدأت الكلمات تظهر على الصفحات ببطء.
لكن هذه المرة… الكلمات لم تكن مكتوبة بخط اليد.
كانت تظهر وكأنها تتشكل من جديد، كما لو أن الكتاب كان يكتب نفسه.
كانت الكلمات الأولى:
"أنت هنا لأنك تبحث عن نفسك."
ثم تبعتها جملة أخرى:
"لكن، هل أنت مستعد لتحمل الأثمان؟"
اختفى الضوء فجأة.
ارتجف الكتاب في يده، والهواء حوله أصبح ثقيلًا، كأن شيئًا كان يقترب.
من خلفه، في الظلام، سمع صوتًا خافتًا، ثم همسات تُقال بصوت غير واضح:
"سوف تعرف الحقيقة… لكن الحقيقة ليست دائمًا ما نتوقعه."
توقف قلبه عن الخفقان للحظة.
استدار خلفه فجأة، لكنه لم يرَ شيئًا.
كانت الجدران صامتة، والكلمات اختفت من الكتاب.
ثم ظهر أمامه ظل.
كان ظلًا طويلًا، هائلًا، بلا ملامح، لكن قوته كانت تقطر من بين أطرافه.
كانه يتشكل من الفوضى ذاتها.
ابتسم هذا الظل، أو هكذا بدا.
ثم قال بصوت عميق، يرن في أذنه:
"أنت في المكان الصحيح، ولكن هل أنت مستعد لما سيأتي؟"
توقف الزمان وكأن السؤال علق في الفضاء.
ثم أجاب البطل، بصوت هادئ لكنه مليء بالعزيمة:
"أبحث عن الإجابات، وسأتحمل الثمن."
الظل اختفى فجأة، وعادت الغرفة إلى هدوئها السابق.
لكن الكتاب في يد البطل أصبح أثقل، وكأن شيئًا قد حل فيه.
كان الكتاب يحمل أسرارًا، لم تُكتب بعد، وكان البطل الآن في منتصف الطريق بين الأسئلة، والإجابات التي ستغير مصيره.
وفي قلب الكتاب… بدأت الكلمات تظهر من جديد، ولكن هذه المرة، كانت مختلفة:
"الكتاب يكتب مصيرك، لكنه لا يكتب الحقيقة كلها. الحقيقة ستكون لديك حين تجد نفسك بين السطور."
تراجع البطل خطوة إلى الوراء، ثم نظر إلى الكتاب الذي كان يحمل بين يديه.
كانت القصة قد بدأت، لكن لم يكن لديه أي فكرة عما ينتظره في الصفحات القادمة.
هل ستقوده الكلمات إلى النهاية، أم سيكون هو من يكتب نهايته؟
الفصل 004 - الجزء الثاني
في لحظةٍ ضبابية، وبينما كان البطل يقف في قلب الغرفة الصغيرة التي تحتوي على الكتاب، شعر بشيء غريب ينمو حوله، شيء غير مرئي ولكنه ملحوظ.
كان الظلام أكثر كثافة الآن، يضغط على عقله، على قلبه، وكأن الجدران نفسها بدأت تتحرك ببطء نحو الداخل.
قبل أن يستطيع استيعاب ما يحدث، خرج من الظلام الذي يحيط به شخصٌ آخر.
شخصٌ ضخم، يرتدي زيًّا أسود من رأسه حتى أخمص قدميه.
الستار الأسود يغطيه بالكامل، مع ملامح مشوهة تكاد تكون غير مرئية.
الظل حوله مشدود، وكأن الأرض نفسها قد ابتلعته، وتركته يغمره هذا السواد العميق.
الجزء الوحيد الواضح كان عيونه، وهما نقطتان متوهجتين في داخل الظلام.
وقفت الغرفة ثابتة، بينما كانت أنفاس البطل تتسارع.
نظراتهما تلاقت للحظة، وكان كل منهما يشعر بأن الآخر يحمل معه جزءًا من الأسرار، جزءًا من الحقيقة التي كان يبحث عنها.
ثم، دون كلمة، تقدم المجهول نحو البطل.
كل خطوة كانت تُصدر صدى غير طبيعي، كما لو أن الأرض تحاول أن تبتلع كلماته.
قال المجهول بصوتٍ جاف، مغلف بالظلام:
"لقد تأخرت. والكتاب ليس كل شيء."
لم يرد البطل، لكنه شدّ قبضته على سيفه وأخذ خطوة للأمام، مستعدًا للاقتراب من هذا الكائن المجهول.
في اللحظة التالية، ارتفعت السيوف.
حركة واحدة خاطفة، وضربات موجهة سريعة، ولكن البطل كان يُصدّ الهجوم، في كل مرة.
رغم قوته، إلا أن سيف المجهول كان سريعًا ومشعًا بحركة ظلاله، وبدأ البطل يشعر بثقل غير طبيعي في يده.
السيف الذي يحمله كان ثقيلًا، وكأن سيف المجهول كان لا يوازن فقط جسده، بل روحه أيضًا.
الضربات تتسارع، والشرر يطير بينهما، بينما السيوف تصطدم بصوت مدوي في هذه الغرفة العتيقة.
البطل كان يظن أنه على وشك أن ينقض على خصمه، لكنه كان يجد نفسه في كل مرة يسحب السيف ويميل جسده بشدة كي يتجنب ضربة قاتلة أخرى.
المجهول لم يتوقف عن الهجوم.
سيفه يندفع بأقصى سرعة، وفي كل مرة كانت يد البطل ترتجف تحت ثقل السيف، كان السيف يزداد صعوبة.
وكأن السيف نفسه كان يُثقِل حركة البطل.
ركض البطل ببطء، مع حركة إيقاعية، يقاوم ضربات خصمه.
لكن في لحظةٍ حاسمة، بينما كان يراوغ، شعر بأن قوته قد بدأت تخونه.
لم يستطع الاستمرار في دفع السيف.
كل ضربة كانت تجعل جسده يزداد ضعفًا، حتى أنه شعر أنه يكاد يسقط.
في لحظةٍ خاطفة، وبضربة مفاجئة، هَوى سيف المجهول في يد البطل، وأخرج منه آخر رمق من قوته.
أراد أن يصرخ، لكن فمه كان جافًا، وكأن الأنفاس كانت تخرج منه بصعوبة.
ورغم كل هذا، كان عليه أن يقاوم.
تمسك بالسيف، محاولة جديدة لتفادي هجوم آخر، لكنه كان في قلب المعركة بلا أمل.
وشعور الضعف في قلبه أصبح أكبر من أي وقت مضى.
المجهول، بدوره، اقترب منه أكثر.
كان يراه ساقطًا، ضعيفًا، ومع ذلك ظل يبتسم، وكأن المعركة كانت أكثر من مجرد قتال جسدي.
قال المجهول بصوت منخفض، لا يرحم:
"أنت هنا لأنك تبحث عن إجابات، ولكنك لم تستعد للسعر."
أغمض البطل عينيه في لحظة شعورٍ بالهزيمة، لكنه لم يستسلم.
بينما يده تتراخى تدريجيًا عن سيفه، ألقى نظرة على الكتاب الذي كان لا يزال في حوزته.
هزته الكلمات التي كانت قد كُتبت فيه.
"الكتاب يكتب مصيرك، لكنه لا يكتب الحقيقة كلها. الحقيقة ستكون لديك حين تجد نفسك بين السطور."
في تلك اللحظة، أحس بشيء داخل نفسه يتحرك.
كانت قوته تتدفق من جديد، ليست فقط من سيفه، بل من إيمانه بالأمل.
ثم، بخطوة أخيرة، سحب نفسه عن الأرض ووجه سيفه مباشرة نحو المجهول.
لكن المجهول لم يرفع سيفه هذه المرة.
وقف ببساطة، وكأن اللعبة قد انتهت.
قبل أن يسحب سيفه الأخير، قال المجهول:
"ستعود، وسأنتظرك."
ثم اختفى في الظلام.
بقي البطل في الغرفة، محاطًا بالظلال.
سيفه كان ثقيلًا في يده، لكن مشاعر من الإرادة المتجددة بدأت تتملكه.
كان يعلم أنه سيتعين عليه العودة إلى هذا المكان يومًا ما… عندما يكتشف ما الذي يخبئه له الكتاب.
هل سيكتشف ما وراء الظلام؟
هل ستكون هذه المعركة بداية رحلةٍ جديدة أم أنها كانت مجرد بداية لفهم ما هو أكثر غموضًا؟