لقد حدث هذا في العشر أيامٍ التي كان يتم بها البحث عن الأميرة بعد هروبها.
تم توكيل بعض الجنود بالبحث عن الساحرة التي اخترقت نظام القلعة.
فقد كان من غير المنطقي أن يقتحم دخيل القصر دون أن ترصده المتحسسات السحرية، لذا كان هذا يعني أن هناك شخصاً قد عبث بنظام القلعة وأطفأه مؤقتاً.
نظام القلعة لم يكن بسيطاً بحيث يمكن لأي شخصٍ اختراقه، لذا فقد عنى هذا أن شخصاً مع مستوى عالي من السحر قد قام بإختراقه.
بالنسبة للأمير كانت هذه مسألة خطيرة لا يمكن تجاهلها، لذا أمر بعض جنود الجيش الملكي بما في ذلك كاي بالبحث عنه وامساكه.
وللتأكد من أن الساحرة لم تتنكر بهيئة رجل من الجيش تم تركيب كاشفٍ سحريٍ على البوابة التي سيخرجون منها دون علمهم.
وعندما عبر كاي من البوابة أصدر الكاشف انذاراً، ففي الواقع لم يكن الكاشف السحري يستشعر وجود الساحرات بل وجود النساء وعلى وجه الدقة الطاقة السحرية التي كانت خاصةً بالنساء.
لذا استشعار الكاشف السحري للطاقة السحرية كان يعني وجود إمرأة والذي عنى بالتأكيد أنها الساحرة.
فلم قد توجد إمرأة في الجيش الملكي المليء بالرجال؟
لكن الجنود لم يعلموا، أن كاي كان دائماً متنكراً بهيئة فتًى، بل ظنوا أن الساحرة قامت بحجزه أو في أسوء الأحوال قتله ثم تنكرت على هيئته.
وهكذا وبلا رحمة، تم إحراق كاي ظلماً حتى الموت.
بعدما حصل قاموا بتفتيش كل مكان بحثاً عن كاي الحقيقي، لكن بلا جدوى، لذا افترضوا أن الساحرة قتلته وأحرقت جثته.
ولم يفترضوا أبداً أن كاي في الواقع،
كان فتاة.
***
"صدقوني أنا لست الساحرة!"
"أمازلت تنوين الكذب حتى وأنتِ على وشك أن تحرقي؟!"
"أخبرينا أين أخفيتي السيد كاي؟؟!!"
صرخ كاي الذي تم ربطته بعمودٍ خشبي استعداداً لحرقه ببراءته، لكن لم يبدو أن من حوله كان يفكرون حتى بتصديقه.
"كما أخبرتكم أنا كاي ولست الساحرة!!"
'انهم لا يصدقونني إطلاقاً'
لم يعلم كاي لم كان الجميع يتهمونه بأنه الساحرة، لقد حدث كل شيء فجأةً والآن هم يرفضون تصديقه.
حاول اقناعهم بكل جهده بأنه كان كاي ولكن بلا جدوى وانتهى به الأمر بأن يتم ربطه هكذا.
أشعل جنديٌ بعض النار بغصن شجرةٍ وألقاها فوق كومة الحطب الموضوعة أسفل كاي وهكذا بدأت النار تكبر أكثر فأكثر كلما ألقوا لها المزيد من الحطب.
شعر كاي باللسع أسفل قدميه وقرر الإستعانة بأمله الأخير، بالشخص الذي وثِق به أكثر من أي أحد آخر.
"سيد هاروكي أنت تصدقني صحيح..؟"
لقد كان هاروكي.
"أرجوك صدقني أنا كاي ولست الساحرة!
لا أعلم لما أطلق الجهاز انذاراً ولكن
أنا متأكدٌ من وجود خطأٍ ما!!
لذا..!"
'حتى لو لم يصدقني الجميع، أنا متأكدٌ من أنك سوف تصدقني!
لذا أرجوك..!'
التمس كاي بقشته الأخيرة بوجهٍ يائسٍ ولكن-
"فلتخرسي!
لا أريد أن أسمع اسم السيد كاي يلفظ بلسانك القذر!!"
تم رفضه بلا رحمة.
رد هاروكي على كاي بتعبيرٍ لم يسبق له أن رآه على وجهه من قبل لكنه كان تعبيراً يعرفه جيداً.
لقد كان تعبير شخصٍ ينظر إلى أكثر شيءٍ يكرهه في العالم.
"لماذا..؟"
'لماذا؟؟؟!!!
لقد ظننت أنك ستصدقني حتى لو كذبني الجميع!!
لقد وثقت بأنك ستفعل..!!!
لا..
لقد تمنيت أن تفعل
لذا..
لم تنظر إلي بهذه الطريقة الآن..؟'
تبللت عينا كاي الذي لم يستطع منع نفسه من الشعور بالإحتراق في حلقه.
لقد وصلت النار إلى ركبتيه تقريباً لكنه لم يستطع الشعور بها.
فقد كان ألم قلب أكبر بكثييراً مما شعرت به قدماه.
كان من الغير المفهوم إذا ما كانت السخونة التي شعر بها في وجهه إثر النار التي تشتعل أسفله أو بسبب شعوره البغيض بالخيانة.
'هذا لا يهم بعد الآن..
لقد انتهى الأمر
...
أتمنى لو استطعت توديع ريا على الأقل'
فكر كاي بوجهٍ بدا وكأنه فقد كل شيء ثم أغمض عينيه.
ارتفعت النار حتى وصلت أعلى العمود.
كان الشيء الوحيد الذي يمكن رؤيته بعد إطفاء النار،
هي خصلة الشعرِ البيضاءَ نصفِ المحترقة.
***
"تم إيكالنا بمهمة البحث عن الساحرة؟"
"أجل هذه أوامر مباشرة من الأمير"
تحدث كاي الذي تم جمعه وبعض الجنود بواسطة رين في الصباح الباكر وأخبرهم بشكلٍ منفصل بأوامر الأمير التي تقضي بالبحث عن الساحرة.
"سوف نخرج من البوابة الجنوبية صباح الغد"
"حاضر سيدي"
أجاب الجنود على أمر رين ثم تفرقوا، كاي الذي كان يتجه إلى مكتبه بعد سماع الأوامر انغمس في تفكيرٍ عميق.
'لقد توقعت أنهم سيرسلوننا للبحث عن الساحرة عاجلاً أم آجلاً ولكن لم أتوقع أن يرسلوا جميع القوات الرئيسية لأجل ذلك'
وبالطبع كانت القوات الرئيسية تعني هو ورين وهاروكي وجميع قادة الفصائل الثلاث الأخرى بالإضافة إلى بعض الجنود التابعين لهم.
لم يكن يتم إرسال كاي مع رين في كثييرٍ من الأحيان حيث حمل كل منهم منصباً مهماً وقوةً معتبرة لذا كان من الغباء إرسال هذان الشخصان معاً إلا إذا كان من أجل غزو مملكةٍ أخرى.
إذا لم يكن من أجل ذلك فسيكون القرار الأكثر تكتيكيةً هو جعل كلٍ منهما يقود مجموعته الخاصة، لاستغلال القوى بشكلٍ أفضل.
لكن الآن ليس فقط كاي ورين ولكن هاروكي قائد الفصيل الأول وقادة الفصائل الثلاث الأخرى كان يتم إرسالهم جميعاً معاً من أجل البحث عن الساحرة، لذا لم يكن من الغريب أن يشعر كاي بالحيرة بشأن ذلك.
'ستكون مشكلة إن هاجم أحد القلعة أثناء غيابنا'
بالطبع ليس وكأن الجنود الآخرين لم يكونوا أقوياء ولكن بالتأكيد غياب القوات الرئيسية سيحدث ثغرة في موازين القوى لذا سيكون من السيء إن هاجم أحدٌ القصر في ذلك الوقت.
في أسوء الأحوال سيتم إغتيال الملك والأمير والذي ربما سيؤدي إلى دمار المملكة.
'وأيضاً لمَ البوابة الجنوبية؟
نحن نستخدم دائماً البوابة الشمالية للخروج
لدي شعورٌ سيءٌ حيال هذا'
لقد مضى حوالي أربع سنوات منذ إنضمام كاي إلى الجيش الملكي ولكن سيكون من المقبول القول أنه لم يستخدم البوابة الجنوبية أبداً.
بالأحرى لم يحتج إلى إستخدامها، حيث تم استخدام البوابة الجنوبية غالباً للمهمات التي تحتاج إلى سريةٍ وتكتم والتي غالباً ما قام بها الفصيل الثالث الذي كان مختصاً بهذه الأمور.
أما كاي الذي كان يعتبر أحد الأوجه المهمة للجيش الملكي كان يقوم غالباً بالمهام التي تحتاج إلى تشهير، مثل القضاء على الوحوش، إعدام المجرمين علانية، غزو الممالك الأخرى.
لذا استخدم غالباً البوابة الشمالية التي تطل على شعب المملكة والذي كان لأجل رفع مستوى المملكة من خلال جعل شعبها يكونون شاهدين على كونه يدافع عنهم ويحميهم.
نعم انها مثل هذه السياسة في العصور الوسطى.
'على أي حال...
لم أرى ريا مؤخراً
هي في العادة تأتي كل يوم
أتساءل إن حصل لها مكروه..!
لا، دعنا لا نفكر في هذا كثيراً
ربما هي مشغولةٌ فقط.
اتمنى ذلك...'
طمس كاي شعوره السيء الذي كان يشعر به وعاد إلى العمل.
ومن هذا القبيل، يوم البحث عن الساحرة قد أتى.
***
"فلتشكلوا صفاً ثم ابدأوا بعبور البوابة"
أمر رين الجنود المتجمعين أمامه، واستجابة لطلبة شكل الجنود صفاً ثم بدأوا بالخروج من البوابة واحداً تلو الآخر.
'ما خطب كل هذا؟
نحن لا نقوم بكل هذه الأشياء عادةً..'
في العادة لم يجروا مثل هذه الشكليات، بالطبع كان يقومون بالحد الأدنى للحفاظ على وجه الفرسان الملكيين ولكن لم يكن هناك شيءٌ مثل أن يعبروا واحداً واحداً في صف، لذا لم يكن لدى كاي خيارٌ سوى الشعور بالغرابة.
وأخيراً جاء دور كاي للعبور لذا خرج من البوابة أثناء فرد كتفيه، لقد كان مظهره يشرح بالتأكيد كيف أصبح نائب الجيش الملكي.
كان الجنود ليكونوا فخورين بمظهر نائبهم الذي يعطي انطباعاً بالكرامة لولا-
تووووت
الصوت الذي تم اطلاقه بمجرد عبوره.
كان رين ينظر بذهول بينما حدق الآخرون في كاي ببساطة كما لو أنهم لا يفهمون ما يجري.
"ما الذي تفعلونه بوقوفكم هكذا!
انها الساحرة أمسكوا بها!"
تحدث الصوت والذي كان يعود إلى الشخص الذي نقل أوامر الأمير إلى رين قبل ثلاث أيام، حيث كان أحد المشاركين في مهمة الإمساك بالساحرة حسب أوامر الأمير.
"امسكوا بها!!"
أعاد الصوت رين الذي بدا أن عقله ذهب بعيداً لوهلةٍ إلى رشده وسرعان ما أصدر الأوامر، لم يستطع الجنود فهم ما يجري تماماً لكنهم لم يستطيعوا تجاهل أوامر القائد لذا اندفعوا باتجاه كاي.
"مهلاً لحظة ما الذي تتحدثون عنه"
سأل كاي الذي كان في حيرةٍ من أمره بسبب اندفاع كل الجنود نحوه بشكلٍ مفاجئ لكن لم يُسْمع الرد، أمسك بعض الجنود به وطوقه الآخرون في حال حاول الهروب.
في هذه الأثناء اقترب رين من كاي وتحدث إليه بنبرةٍ مليئة بالغضب.
"أنت ما الذي فعلته بكاي وأين هو الآن!!؟؟"
"ما الذي تتحدث عنه أنا أقف أمامك الآن؟؟!!!"
لم يستطع كاي فهم ما يجري وحدق بذهول في رين الذي كان يصرخ فيه بلا سبب.
"كفاكِ كذباً لقد أكدت الكاشفات السحرية للتو أنك الساحرة!"
"أنا لست كذلك!!!"
تحدث رين بغضبٍ ورد كاي أيضاً بنفس النبرة كما لو أنه لا يستطيع تحمل أن يتم اتهامه بلا سببٍ فجأة، ولكن كما لو أنه وجد أن الحديث مع كاي لم يكن ليؤدي إلى نتيجة، هز رين رأسه وقال أثناء النظر إليه.
"يبدو أني لن أصل لشيءٍ من الحديث معك
قيدوها!!"
حسب أوامر رين همَّ الجنود بتقييد كاي، حاول كاي المقاومة ولكن ذلك كان بلا فائدة، فمهما بلغت قوته لم يستطع التغلب على رين فقط، فكيف سيكون الأمر عند اضافة هاروكي وقادة الفصائل وعدداً لا بأس به من الجنود؟
باختصار كان من المستحيل المقاومة.
وهكذا تم تعليق كاي بعمودٍ وإحراقه ظلماً دون أن يملك الفرصة للدفاع عن نفسه أو لإثبات براءته.