"اممم المعذرة..
ألا تظن أنهم تأخروا كثيراً..؟"
تحدثت كايا التي لم تستطع التحمل لفترةٍ أطول بتوترٍ إلى هاروكي.
لقد مر وقت طويل مذ ذهب رين للبحث عن ريا، لكن لم يعد أي منهما بالرغم من مرور الكثير من الوقت.
الوقت الذي مضى كان سيكفي للذهاب والعودة من المدينة المجاورة ولكن رين وريا اللذان كان من المفترض أنهما مازالا في المدينة نفسها لم يعودا بعد لذا لم يسع كايا سوى الشعور بالقلق.
بالإضافة إلى أنها لم تستطع تحمل البقاء مع هاروكي لفترةٍ أطول لذا تحدثت بالرغم من التوتر الذي شعرت به.
"ربما من الأفضل أن نذهب للبحث عنهم..؟"
"أعتقد أنه من الأفضل لو لم نفعل ذلك
ان جاوؤا بعد ذهابنا ولم يجدانا فسيبدآن بالبحث عنا"
لكن الجواب الذي وصلها كان عكس ما تمنت أن سماعه.
والمشكلة أنها لم تستطع أن تجادل لأن كل ما قاله كان صحيحاً، لذا لم يكن لديها خيارٌ سوى التنهد بخيبة أمل.
"معك حق.."
'كنت أريد اختلاق حجة للهروب ولكن يبدو أنني لم أنجح'
ابتعلت كايا احباطها حيث فشلت خطتها تماماً.
كانت تخطط للذهاب للبحث عن ريا ورين رفقة هاروكي ثم الانخراط مع الحشد والانفصال عنه ولكن تم احباط خطتها تماماً لذا لم يسعها سوى التنهد بما يكفي لاسقاط السماء.
"بالمناسبة.."
لكن وكما لو أن حتى ذلك لم يكن متاحاً لها، فقد تحدث معها الشخص الجالس أمامها فجأة.
"هل سبق لكِ أن تدربتي على المبارزة؟"
وسأل عن آخر سؤال أرادت أن تُسألَ عنه.
"هاه؟لا..
لم تسأل مثل هذا السؤال فجأة..؟"
عضت كايا شفتها وأجابت بصوتٍ متوتر أثناء خفض رأسها لمحاولة اخفاء تعبيرها قدر الإمكان.
"لا شيء ظننت فقط أنكِ فعلتي بسبب الخدوش التي على يديك"
"اوه هل هذا صحيح.."
أجابت كايا بصوتٍ مهتزٍ أثناء انزال يديها من فوق الطاولة.
سواء كان ذلك بسبب التوتر أو بسبب العادة فقد نسيت اخفاء يديها التي كانت أهم دليلٍ على هويتها.
حتى لو لم يتم التعرف عليها بسبب تغير شكلها وجنسها فقد كان من الممكن التعرف عليها من يديها.
كانت يدها تصرخ بكونها يد مبارز.
شتمت كايا بداخلها لنسيانها مثل هذا الشيء الأساسي وحاولت اختلاق عذرٍ للخروج من الموقف الحالي.
ثم وكما لو أنها وجدت شيئاً، فقد تحدثت أثناء اللعب بيديها لمحاولة تخفيف التوتر الذي شعرت به.
"حسناً أنا أستخدم السكين يومياً بسبب طبيعة عملي لذا ربما يكون بسبب ذلك..؟"
"ربما يكون هذا صحيحاً"
كانت الخدوش الناتجة من استعمل السكين مختلفةً تماماً غن الخدوش الناتجة من تعلم المبارزة لكن هاروكي لم يرد المجادلة بشأن ذلك.
اذا كانت كايا لا تريد الحديث عن ذلك فلم يكن لديه سبب للحفر أكثر، لذا تخطى الأمر كما لو لم يكن بالشيء المهم.
ثم وكما لو كان لديه المزيد لقوله فقد فتح فمه بابتسامةٍ مريرة أثناء النظر إلى كايا.
"في الواقع أنتِ تذكرينني بصديقٍ لي كان لديه الكثير من الخدوش أيضاً بسبب أنه كان يتدرب بجدٍ كل يوم"
"كان؟هل هو لم يعد يتدرب بعد الآن؟"
'هل هو يتحدث عني؟سأتظاهر بعدم المعرفة'
عرفت كايا الشخص المقصود لكنها قررت التظاهر بالعكس حيث لم يكن هناك شيء جيد سيأتي من اكتشافها لذا حاولت التظاهر بالجهل قدر الإمكان.
"لقد مات.."
"فهمت"
"..."
"..."
أجاب هاروكي بتعبيرٍ حزينٍ على سؤال كايا ثم ساد الصمت لفترة حيث لم يكن هناك شيء آخر للحديث عنه.
ولم يكن ذلك سيئاً بأي شكلٍ من الأشكال بالنسبة لكايا التي لم تُرِد أن يتم الحديث عنها أكثر من ذلك لمنع أي فرصةٍ لاكتشافها.
لكن وكما لو أن ما تريده لم يكن مهماً، فقد تحدث معها هاروكي ثانيةً.
"لقد أردت سؤالك عن هذا منذ البداية ولكن لم تتح لي الفرصة لفعل ذلك"
"م.ماذا؟"
نظر هاروكي بوجه جادٍ إلى كايا لذا لم يسعها سوى أن تشعر بالتوتر مما هو قادم.
"هل أنتي..."
'عل عرف هويتي الحقيقية؟؟!!!'
شعرت كايا بالخوف من احتمالية أن حديثه السابق عنها كان مجرد تمهيدٍ أو اختبارٍ للتأكد من هويتها لذا ابتلعت قلقها أثناء شدِّ ثوبها في انتظار كلمات هاروكي التالية.
"بخير؟"
لكن ما خرج كان مختلفاً تماماً عن توقعاتها.
"عفواً؟"
"لم تبدي على ما يرام طوال اليوم"
"اوه..
اه أنا بخير تماماً"
أجابت كايا بشكلٍ أخرق على السؤال الذي لم تتوقعه البتة والذي كان يشبه هاروكي تماماً.
ثم وكما لو تم تخفيف توترها قليلاً فقد رفعت عينيها قليلاً ونظرت إلى هاروكي ثم تحدثت.
"إذا كانت هذه هي المسألة فماذا عنك؟"
"أنا؟"
أمال هاروكي رأسه كما لو أنه لم يفهم ما كانت كايا تتحدث عنه لذا لم يكن أمامها خيارٌ سوى التوضيح.
"أنت أيضاً لم تبدو بخير.."
"اه...في الواقع لقد توفي صديقي المقرب مؤخراً"
"اوه..هل هو نفس الشخص الذي كنت تتحدث عنه قبل قليل؟"
"أجل"
"هل كان يعمل في الجيش أيضاً؟"
"أجل"
"بالتفكير بالأمر لقد سمعت عن موت شخصٍ من الجيش مؤخراً هل هو نفس الشخص؟"
"أجل"
استمرت كايا بطرح الأسئلة وأجاب هاروكي فقط بإجابات قصيرة.
بدا أنه قد تم عكس الأدوار عندما كان هاروكي هو من يبادر بالحوار سابقاً.
ثم وكما لو أن كايا كانت تطرح كل هذه الأسئلة للوصول إلى نقطةٍ معينة، فقد فتحت فمها بتعبيرٍ قاتمٍ إلى حدٍ ما.
"لكن هل هذا سبب يدفعك للإكتئاب إلى هذه الدرجة؟
لقد مرت فترة على وفاته بالفعل؟
ألا...
تستطيع نسيان أمره..؟"
"..."
لقد أرادت كايا أن تسأل هاروكي لم كان مكتئباً إلى هذا الحد؟
لم أصبحت بشرته شاحبةً إلى هذه الدرجة؟
لم يبدو أنه أصبح أنحف؟
صحيح أن كاي وهاروكي كان مقربين إلى حدٍ ما ولم يمر سوى أسبوعٍ على وفاته ولكن هل كان ذلك سيدفعه إلى هذا الحد حيث كان الموت شيئاً شائعاً لمن يعملون في الجيش؟
بالطبع كون الأمر شائع لم يعني أن الشخص لن يشعر بالحزن لكنه على الأقل سيعلمه كيفية التحكم بمشاعره وفصلها عن عمله، تماماً مثلما فعل رين.
لكن لماذا كان هاروكي على هذا النحو؟
تساءلت كايا بجديةٍ لذا انتظرت اجابة هاروكي بفارغ الصبر.
في هذه الأثناء، فتح هاروكي فمه وأغلقه عدة مرات كما لو كان ينظم ما سيقوله.
وبعد فترةٍ من القيام بذلك.
"في الواقع.."
تحدث أخيراً.
"ما يجعلني أشعر بشعورٍ سيءٍ ليس هذا"
"إذاً ماذا؟"
ضيقت كايا عينيها أثناء التفكير بإجابة هاروكي.
'إذا لم يكن هذا ما جعله يصبح هكذا إذا ماذا؟؟'
لكن وكما لوأنه كان ينوي الشرح على أي حال، فقد تابع هاروكي حديثه.
"انه ليس وكأني لست حزيناً على وفاته، بالعكس أنا حزينٌ جداً ولكن..
مؤخراً كانت هناك فكرةٌ تأبى الخروج من عقلي..
أستمر بالتفكير بها إلى الدرجة التي تشعرني أشعر بالجنون..
هل حقاً الشخص الذي أحرقناه كان الساحرة؟"
"هاه؟"
"أظل أفكر بماذا لو كان الشخص الذي أحرقناه هو في الحقيقة السيد كاي؟
ربما في ذلك الوقت كان هناك عطلٌ في الكاشفات وأخطأت بالسيد كاي على أنه الساحرة؟
ماذا لو..
ماذا لو أن السيد كاي لم يُقْتل على يد الساحرة..
بل قُتِل على أيدينا...؟
هذه الأفكار تأبى مغادرة رأسي الي الحد الذي جعلني أبدأ بالاقتناع بها"
كان من السخيف التفكير في ذلك.
هل كان من الممكن أن يكون هناك عطلٌ بكاشفات القلعة الملكية التي كانت الأفضل من نوعها في جميع أرجاء المملكة؟
لكن لسببٍ ما لم يستطع هاروكي التوقف عن التفكير في ذلك.
لم يعلم سبب تفكيره في ذلك.
ولا سبب إخباره كايا لذلك.
ربما لأنها ذكرته بكاي بطريقةٍ ما؟
أو لأن تعبيرها الحالي كان مثل التعبير الأخير لكاي؟
التعبير الذي لم يستطع نسيانه
التعبير الذي استمر في التفكير به
التعبير الذي كان سببه
مهما حاول لم يستطع محوه من ذاكرته
لو كان ذلك التعبير الذي رآه في الواقع يخص كاي فما الذي كان عليه أن يفعله؟
هل سيستطيع طلب مغفرته؟
كاي الذي التمس به في لحظاته الأخيرة لكنه دفعه بكل قسوةٍ بسبب مشاعره.
هل يستطيع حتى التفكير بطلب مغفرته؟
كانت هذه هي أفكار هاروكي التي انغمس بها طوال الأسبوع الفائت بعد موت كاي.
وبدا أنها تسيطر عليه بشكلٍ أسوء في هذه اللحظة لدرجة أن نسي حتى أنه كان يتحدث مع شخصٍ ما.
ثم، وكما لو أنه لاحظ شيئاً ما فقد رفع رأسه ونظر إلى كايا.
كان تعبيرها الذي نظر إليه تماماً مثل تعبير كاي الذي يتذكره.
نفس التعبير الذي لم يستطع نسيانه.
إذا كان هناك فرق بينهما.
فسيكون الجنون الواضح الذي كان ينبعث من عينيها.
"ها"
لم تستطع كايا التي استمعت إلى حديث هاروكي الحفاظ على هدوءها بعد الآن.
بدا أن زناداً قد تم سحبه في مكانٍ ما من جسدها.
لذا لم يسعها سوى الضحك أثناء وضع يدها على وجهها.
الدموع التي حبستها بكل جهدها كانت الآن تتسرب مثل الينابيع.
بدا أن جهدها السابق كان عديم الفائدة
"آنسة كايا؟"
تفاجأ هاروكي من كايا التي بدأت بالبكاء فجأة لذا نادى اسمها بقلق، لكن كايا لم تستطع أن تسمع ما كان يقوله ونظرت إليه بالنار تغلي في معدتها ثم تحدثت إليه بصوتٍ من الصعب معرفة ما إذا كان يُعَبِر عن الغضب أو الحزن.
"ماذا لو كان ذلك صحيحاً؟"
"هاه؟"
"أنا أسألك ما الذي ستفعله إذا كان ذلك صحيحاً؟!!"
بصقت كايا الكلمات التي لم يجدر بها قولها
الكلمات التي حاولت إخفاءها
عميقاً جداً
في أبعد مكانٍ داخل قلبها.
ما الذي ستفعلونه إذا علمتم بالحقيقة؟
كيف ستجعلونني أسامحكم؟
أرجوكم..
دعوني أسامحكم.
***
"آنسة ريا؟
آنسة ريا
آنسة ريا هل تسمعييني؟"
في هذه الأثناء تحدث رين إلى ريا التي ذهبت بعيداً بأفكارها إلى الدرجة التي لم تستطع سماعه فيها.
"اه، آسفة لقد شردت قليلاً"
خدشت ريا رأسها بتعبيرٍ اعتذاري.
"لا بأس"
لكن رين أجاب أثناء التلويح بيده فقط كما لو لم يكن بالأمر الجلل.
عند رؤية ذلك أعطته ريا ابتسامةً متكلفة ثم بدأت بالتهام المثلجات بسرعة.
وبمجرد انتهاءها من ذلك قامت من مكانها وتحدثت أثناء اخفاض رأسها للنظر إلى رين الذي كان ما يزال جالساً يتناول المثلجات خاصته.
"الآن وقد انتهيت من المثلجات خاصتي فلنذهب لملاقاة هارو وكايا بسرعة!"
أرادت ريا العودة بسرعة حيث بدا أن البقاء مع رين يعطيها أفكاراً غريبة.
وفوق كل ذلك لم ترد أن تبدأ بالشعور بالغيرة من كايا لذا احتاجت إلى العودة بسرعة قبل أن تتعمق مشاعرها السلبية أكثر.
لكن رين الذي لم يعرف مشاعرها حدق بها فقط بتعبيرٍ متفاجئ.
"هل أنهيتها بهذه السرعة؟؟
انتظري قليلاً أنا لم أنهي خاصتي بعد"
"أنت بطيء جد-"
لفت ريا جسدها وبدأت بالسير أثناء أثناء السخرية من رين، لكنها لم تستطع انهاء جملتها حتى وبدأت تنظر بهستيريةٍ حولها.
'ما كان هذا؟؟؟!!
لقد شعرت بالقشعريرة من رأسي إلى أخمص قدمي!!
في مكانٍ ما..
هناك كميةٌ كبيرةٌ من الطاقة السحرية تتسرب!!!
اذا تم اطلاقها..
فسنمحى من الوجود!!!!
بحق الجحيم ما الذي يفكر به الشخص الذي يحاول اطلاقها!!؟؟'
في مكان ما، كان هناك شخص يقوم بتجميع كميةٍ كبيرةٍ من الطاقة السحرية،
لقد كانت الكمية التي ستجعل مدينةً كاملة تختفي بلا أثر.
لذا ان لم يفعلوا شيئاً بشأن ذلك.
فسيتم محوهم من الوجود كما لو لم يكونوا موجودين أبداً.