هجاناً مالوم زيراخ

اختفى عن الأنظار بسرعته المعهودة دون أن يضيف شيئًا والغضب يتفجر بداخله ليمتطي حصانة الأسود القاتم ياجر، وما أجمله من حصان ضخم الجسد شديد القوة حالك السواد، متوجهًا لمكانه الذي يستريح فيه أسفل شجرة الشلمان في غابةٍ تدعى غابة الياكور حيث حيوانات الياكور القاتلة. تلك الشجرة ذات الأوراق الضخمة كأنها آذان الفيلة الملونة بمائة لونٍ، يتدلى منها ثمرها الفضي كأنه المرجان الأبيض، ينتظر أقرب حيوانٍ يدنو منه ليقطعه بسيفه ويثر أشلاءه في كل مكانٍ؛ فلقد اعتاد هذا الأمر منذ الصغر، كان كلما غضب أتى إلى هنا وانتظر الياكور الشرس الذي يخشاه الجميع من شدة شراسته فانقض عليه بسيفه وأخرج كل غضبه الدفين فيه، فوقتها يكون أكثر شراسةً من الياكور، يظل ينظر في عينيه وكأنه يتحداه قائلًا له:

(هل أنت من يهابك الجميع فلم لا أهابك؟!

إذنْ أنا أقوى من الخوف، أن أقوى منهم جميعًا، فلماذا يعلو فوقي أحد؟ لماذا يأخذ كوبر هذه المكانة؟ منذ الصغر وهو على هذا الحال، محبوب من الجميع، يلقى الرعاية من الملك والفرسان والحاشية وقت قائدنا الهالك ياشان الذي كان يعامله على أنه ولده، لابد أن ينتهي هذا الأمر وفي أقرب وقتٍ).

يدنو من الشجرة ثم يجلس يتذكر أيام صباه، كم كانت صعبةً وأليمةً، كم كان بها القليل من لحظات السعادة التي يتشبث بها كلما شعر بالوحدة. ما زال يتذكر تلك الطفلة الجميلة هجانا ذات العينين السوداوين الساحرتين وهي تذهب وراءه أينما ذهب، تبتسم له ابتسامات إعجابٍ وكأنها تقدسه، تسعد كلما هزم أحد الأشبال في نزال صغار الفرسان، تظل تذكر اسمه بصوتٍ مرتفع حتى يضحك جميع الأشبال من هذه الفتاة البلهاء، كان يمل منها في بعض الأحيان من كثرة ارتباطها به ولكنه كان يسعد كثيرًا عندما ينظر إليها فيراها تتأمله ببراءتها القاتلة التي تهزه من الداخل، وحينما يُحس بأن هذه الجميلة لا ترى أحدًا من الفتيان غيره وكأنه هو الفتى الأوحد، شعر بأنها الوحيدة التي أحبته دون غيره فتعلق بها حتى أصبحت هي حلمه الذي يحلم به كل ليلةٍ. ما زال يتذكر جيدًا هذا الأب القاسي الذي ظل يضربها لعلمه أنها تذهب وراءه في كل مكانٍ يذهب إليه في ساحات المعارك،

اقترب الأب منه محذرًا قائلًا بلهجة سخريةٍ:

–من أنت أيها القزم الصغير؟ومن أهلك حتى تتجرأ وتصادق طفلتي الصغيرة؟ ألا تعلم من أنا؟

–لا سيدي، لا أعلم ولا أهتم لذلك.

–أنا أنا مالوم زيراخ أيها الشقي انا أكبر كبراء هذه المقاطعة، إياك أن أراك هنا مرةً ثانيةً وإلا قطعت قدميك فجعلتك تزحف كالثعابين. شعر أنها هي الوحيدة التي أحبته في هذا العالم الموحش الذي يعيش فيه، كم بحث عنها من قبل فلم يجدها وكأنها كانت حلمًا في خياله، علم أنها ذهبت مع أبيها لمكانٍ بعيدٍ لا يعرفه أحد، ظل يبحث عنها كلما ذهب إلى مكانٍ جديدٍ كأنه يريد أن يخبرها بأنه أصبح أحد أهم رجال المملكة، يريد أن يقول لها أنا لم أنسكِ في يومٍ من الأيام، مازلت أتذكر بكاءك علي عندما أخذك أبوك عنوةً ولم أستطع أن أفعل شيئًا؛ فوقتها لم أكن شيئًا، نظراتك تلك لم تفارقني أبدًا، حتى في حروبي كنت معي. أسند ظهره إلى الشجرة وأغمض عينيه وراح يتذكر، يشعر أنها تقترب منه وكأنها نسمة هواءٍ في يوم شديد الحراراة، يشعر بدفء يديها على عينيه، يلتفت بصوت الحالم قائلًا:

–(هجانا).

تنظر له باستغرابٍ واستنفارٍ قائلةً:

–من هجانا تلك؟ أتعرف فتاةً غيري هيكون؟

–هازلينا!! من أتى بك إلى هنا؟

–ليس هذا هو جواب سؤالي هيكون، من هجانا تلك؟

–ما بك هازلينا أتحاسبينني؟ ألا تعرفين طبعي؟

–هيكون تعلم أنني مجنونةً بك وتستغرب من غيرتي عليك، هيكون أنا أكاد أختنق حينما أبعد عنك، ألا تعرف مدى حبي لك؟!

–معذرةً ملكتي فأنا لست في حالتي.

–لقد عرفت ما دار بينك وبين كوبر فعرفت أني سأجدك هنا، ألم تُطلعني على سرك من قبل؟

–ولكن هذا المكان خطر عليك إنه مليء بالياكور.

–أأنت حقًّا خائف علي؟

–بالطبع ملكتي.

–لا تخف، خادمتي شونا دائمًا معي لا تفارقني إلا وأنا مع الملك، والسائق الأخرس هو من يقود العربة الملكية.

–إذنْ فلتعودي الآن وأنا سآتي بعدك بقليلٍ، اذهبي الآن هازلينا.

–قبل أن أذهب يجب أن تخبرني من هي هجانا تلك التي تناديني باسمها؟

–سأخبرك فيما بعد، اذهبي الآن قبل أن يلتف إلينا أحد فتكون كارثة لنا جميعًا.

–ما بك؟ لم أعهد منك هذا الخوف من قبل! أنسيت من أنت؟ أنت هيكون شيراز أقوى فرسان مملكة هازان، أنت السيد القادم لهذه المملكة.

–أعلم ذلك جيدًا، ولأنني اقتربت من هدفي عن أي وقتٍ مضى يجب علي أن أكون حريصًا الآن، ما أكيد له منذ زمن طويل أنا وأنت قارب على التنفيذ فيجب علينا الحرص عن أي وقتٍ سابقٍ.

–أقابلت الملك بلشون؟

–بل هو من أتى إليَّ متنكرًا في صورة عجوزٍ من هازل ودخل على خيمتي وبارك الخطة المحكمة التي أرسلتها له مع شيحان خادم القصر.

–أوافق شيحان على الذهاب إلى مملكة بابليون بنفسه؟

–وافق بعد الإغراءات التي قدمتها إليه، تعرفين جيدًا كم هو مولع بحب الامتلاك، لقد خبرني بعد مقابلته أن الملك بلشون رحب بالخطة وقرر أن يأتي لمملكة هازل ويرى بأم عينه سطوتنا عليها، إنه الآن ينتظر بلهفةٍ تنفيذ خطتنا، وإني لأشد منه شوقًا.

–وأنا لا أقل عنكما يا فارس قلبي، تعلم أني لا أطيق العيش مع هذا الملك الهرم أكثر من ذلك، إن أكاد أكره نفسي بسببه، لقد كاد صبري ينفد.

–لا عليك هازلينا، ما هو إلا زمن قصير ونجد أنفسنا ملوكًا على هازل، ووقتها سيعلم هذا الفارس المغرور من هو فارس هازان الأول.

2019/11/14 · 383 مشاهدة · 835 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024