بدأ القصر الملكي في حالة تأهب لحدثٍ سعيد بضخامته غير المعهودة، فهو يكاد يكون أكبر القصور الملكية في ممالك السبعين باباً، دخل الملك ليخبر إبنته بما دار بينه وبين كوبر وهو يعلم ردة فعلها مسبقاً، ظهرت السعادة على وجهها قائلة:

"أبي، أهو من طلب منك ذلك أم أنت؟

"سؤال لم أتوقعه، ولكن إجابته ليست مرعجةً بالنسبة لي، فعلى الرغم من أنني أنا من بدأت بالمبادرة في هذا الأمر لأني أعرف حياءه سيمنعه أن يحدثني في أمر الزواج في هذا التوقيت بالذات، فإني رأيت في عينيه نفس النظرة التي أراها في عينيك الآن. حبيبتي هميانا..هل تعتقدين أنني أهتم بسعادة أحد في السماء الأولى أكثر من اهتمامي بسعادتك؟"

"بالطبع يا أبي، أنا أعلم جيداً مدى حبك لي، فمنذ أن ماتت أمي وأنت تغالي في الحرص على راحتي."

"إذن فاعلمي أنني أكثر من يشعر بك دون أن تتكلمي، لن أخفيك سراً لقد سعدت كثيراً عندما شعرت أنكما منجذبان لبعضكما، فكم تمنيته لك من قبل، فكوبر هو أجدر الفرسان المملكة بك وهو الوحيد الذي من الممكن أن أستأمنه عليك، استعدي يا حبيبتي، بعد يومين سيكون أكبر زفاف في تاريخ مملكة هازان."

"كم أحبك يا أبي! فكم أنت ملك وأب عظيم"

بدأ الجنود في إذاعة الخبر في المملكة بسرعة بالغة . كان هاشام وزافار يتجولان في شارع الملك تاروت وهو الجد الخامس للملك هاروت، هذا الشارع هو أحد شوارع حي الذهب، ففي هذا الحي بنيت كل المباني بالعاج الأحمر الزهري المأخوذ من عظام الباكور الضخم ، ورصعت بالذهب الأبيض ، فيه من المباني الشاهقة ما يولد الرهبة من المكان ، ألوانه متعددة تخطف الأبصار ، به أشجار السابان الكثيفة التي يتدلى منها ثمرها المبهر ، إنها ثمرة السابان العسلي التي ينضح أعلاها قطراتِ من العسل في مذاقه ولكنه شديد البياض كاللبن ، كم كان الجو صافيًا خلابا ! بدا وكأن السعادة قد غمرت كل شيء ، فقد لاحظا كم بدت السعادة على وجوه أهل

المملكة عند سماعهم خبر زفاف الفارس الأول وقائد الجند الفاتح والبطل كوبر هامان على أميرتهم الجميلة هميانا . تعجب زافار من ردة فعل أهل المملكة فسأل هاشام قائلاً:

"لم أر أهل هازان بهذه السعادة من قبل ! هل كل هذه السعادة لأمر الزفاف فقط أم لشيء آخر لا أدركه؟"

"بل لأكثر من أمر يا زافار؛ أولها النصر المؤزر لنا وإخضاع مملكة هازل تحت حكمنا؛ فالآن ننهي حربا دامت لأعوام طويلة بيننا وبين مملكة هازل منتصري، هذا النصر العظيم لهو أمر يدعو كل أهالي مملكة هازان للفخر والسعادة، والثاني هو سعادتهم بأن هناك احتفالاً كبيراً سيسعد فيه الجميع بالعطايا والمنن التي لا حصر لها ، وأنت تعلم كم هو حب الملك لابنته الوحيدة ، والثالث هو سعادتهم بملكهم القادم كوبر هامان فهو كما تعلم محبوب من الجميع ؛ فلقد لقبوه بسيد الشجعان وحامل الختم الذهبي الذي أهداه له الملك من قبل تكريا له على شجاعته ، وأنت تعلم قدر الختم الذهبي الذي لم يحمله إلا أبرز ثلاثة فرسانِ في تاريخ مملكة هازان: الفرسان المغاوير (هالشع - هاشوم بيراط) وهم أصحاب التماثيل الثلاثة التي وضعت أمام باب حصن المملكة ليتذكر جميع أهل ممالك السبعين بابا أن مملكة هازان هي من أنجبت هؤلاء الفرسان العظام ، وها قد أتي رابعهم بل أقواهم كوبر هامان هادم باب حصن هازل وقاهر خازن هازل الفارس الشرس المدجج بالغضب إدشانوز، أليست كل هذه الأمور كافية لتجعلهم في قمة السعادة؟"

"حقًا هاشام أنت الفارس المفوه للملكة ، كلامك دائما يعبر عن فهم العميق لكل ما يدور من حولك؛ لذلك يثق كوبر فيك بشكل كبير، فهو يدرك أنك داهية لاتتكرر."

يضحك هاشام قائلاً: "هل هذا مدح أم ذم أيها السخيف؟"

"الاثنان معا يا صديقي، فأنا أمدح ذكاءك وأذم مكرك الذي سيجعلك في القريب الفارس الأول بعد أن يكون كوبر ملكا.

"لا يمكن أن يحدث ذلك في وجود هيكون شيراز، أنسيته؟"

"لم أنسه يا صديقي ، أنا أعرف جيدا مدى قوة هيكون وشجاعته غير المحدودة، كلنا رأينا بطولاته المبهرة وكأنه فارس من سماء أخرى ولكني أرى أن طموحه الزائد سيرسله إلى التهلكة في القريب العاجل، فعندما يكون كوبر ملكا لن يسمح بأن يكون هيكون هو قائد الجند حتي لوكان هو الفارس الأول."

بدا القصر في أبهى زينته استعدادًا لهذه المناسبة السعيدة ، الكل مشغول بتجهيز الزينة وإعداد الفقرات المبهرة التي سيتحدث عنها أهل المملكة ولفترة طويلة ، الكل يعمل بسعادةٍ وحماس فرحا بملوك المملكة القادمين ، ولكن شيحان خادم القصر وكاتم سر الملك كان يعد العدة التنفيذ ما اتفق عليه هو وهيكون ، فقد بدأت ساعة العمل لما دبروا له طويلاً لهذه المناسبة وهي الفرصة الكبرى لهم ليخطفوا الأميرة وسط الهرج دون أن يشعر أحد.

دخلت الملكة نازلين على الملك لتهنئه قائلةً:

"زواج مبارك مولاي، كم أنا سعيدة لصغيرتي هميانا!"

أجابها وفي عينيه شك لما قالته:

"أسعيدة حقا يا هازلينا من أجل ابنتي أم أنك تجاملينني؟"

"أتشك في حبي لأميرتنا مولاي؟! لقد كنت بمثابة أمها بعد وفاة سيدتي الملكة هانا، وحتى في حياتها عندما كنت أنا وصيفتها كنت أرعى هيمانا بالليل والنهار وأنت تشهد على ذلك مولاي."

"نعم هازلينا، نعم أنا أذكر ذلك ولكني لا أرى السعادة في عينيك، هل لك رأي آخر في هذا الزواج؟"

"أهناك رأي بعد رأيك مولاي، أنت ملكنا الحكيم والأعلم بكافة شئون المملكة."

"إذن فاذهبي إليها وكوني معها فهي بحاجة إليك في هذه الأوقات عوضا عن أمها."

"وهل هناك من يعوض ملكتي هانا ،عليها من ربنا الرحمة ؟ سيدي كن مطمئنا على أميرتنا الصغيرة ، ستكون تحت عيني دائما"

قالت هذه الكلمات وهي تقصد ما لم يفهمه الملك؛ لقد أرادت أن تحذره بهذه الكلمات حتى يتم لها المراد ، فالخطة كما أرادت هي وهيكون تسير في مسارها الصحيح . دخلت على هميانا التي تعرف جيدا أن هازلينا لا تحبها ولكنه مجرد قناع ترتديه وتخلعه وقتما تشاء.

رسمت على وجهها ابتسامةً مزيفةً قائلة:

"عرس مبارك صغيرتي هميانا؛ كم أنا سعيدة من أجلك!"

"ممتنة لمشاعرك هازلينا ."

"كوبر ابن عمي هو خير فرسان المملكة ، وهو الأجدر بك."

"حقا! مع أنك لم تذكر به خير من قبل ، ماذا تغير الأن؟"

"كلامي في حقه من قبل كان خاصاً باختلافنا على بعض شئون المملكة ، ولكني في داخلي كنت أعرف جيدا كم هو فارس أسطوري ليس مثله أحد؟."

"أتمنى أن يكون هذا هو رأيك حقا هازلينا."

"هذا هو رأيي دائما حبيبتي هميانا ، كم أتمنى لك زواجا مباركا.."

غاب ضوء النهار وانقضى ليأتي اليوم الموعود الذي ينتظره الجميع، البعض ينتظر الفرح والسعادة ، والبعض الآخر ينتظره للانتقام ، بدا كل شيء هادئا وسط صمتِ غريب قبل أن تدق طبول مؤذن القصر لتخبر عن ضرر قد وقع.

اجتمع جند الفيلق الأعظم بسرعتهم المعهودة أمام البهو الملكي ليروا ماذا حدث ، نظر كوبر إلى الملك يتبعه الفرسان وفي أعينهم نظرة تساؤل ، ماذا حدث؟ وقف الملك شاخصا بصره نحو فرسانه قائلا بصوتِ يملؤه الغضب:

"لقد خطفت الأميرة هميانا بالأمس وتركت هذه الرسالة معلقة على كرسي العرش."

اقترب كوبر منه بسرعة بالغة أخدًا منه الرسالة وفي عينيه فزع على حبيبته ثم بدأ يقرأ قائلا:

"من هيكون شيراز فارس السماء الأول إلى الملك هاروت ملك هازان ، إذا وضع لك ضوء النهار وذهبت لترى أميرتك الجميلة فاعلم أنها تحت قبضتي الآن ذاهبا بها إلى مملكة بابليون أقوى ممالك السبعين بابا بمباركة الملك العظيم بلشون خامون ومعي زوجتك الجميلة هازلينا وخادمك الأمين شيحان ، فقد ساعداني كثيرا في مهمتي المقدسة ، لا تعجب من فعلتي تلك ، فلطالما تحملت ظلمك لي وأن الوقت لكي أسترجع كرامتي ، إذا أردت السلامة لابنتك فعليك بسحب جند من مملكة هازل ليدخلها فرسان بابليون وجنودهم ، وإن لم تفعل فستبقى الأميرة الجميلة هميانا خادمة في بلاط الملك بلشون إلى نهاية عمرها ، ملك مملكة هازل القادم هيكون شيراز."

صدم الجميع من هول هذه الخيانة المروعة وكأن ألسنتهم قد عجزت عن الكلام .

سأل كوبر قائلا:

"ماذا ترانا فاعلين الآن سيدي في هذه الخيانة القاتلة؟"

"وهل ترك هيكون لنا خيارا يا كوبر؟ لقد طعنني بسهم مليء بسم خيانته ، كيف فعل هذا؟! وإن كان فعل فكيف بهازلينا وشيحان بماذا أغراهما هذا الخائن؟ أنا لا أكاد أصدق أن هذا الأمر قد وقع حقا ، أميرتي الصغيرة بين أيدي هؤلاء الخونة الآن! يا لمصيبة مملكة هازان! إنها وصمة عار ستظل في جباهنا أبد الدهر.

تدخل مقدام قائلا: "إذا أمر مولاي ذهينا وراء هم؛ إما لحقنا بهم فأحضرناهم ، وإما ذهبنا إلى مملكة بابليون فاقتحمناها مثلما فعلنا في مملكة هازل ثم أحضرناهم جميعا بين يديك سيدي.

إجابه الملك بصوت مكسور قائلا: "مهلا يا مقدام فليس الأمر بهذه السهولة، فبابليون ليست كهازل، إن بها فرسانا مغاوير ، ألم تسمع من قبل بخازن بابليون الفارس الصلب قادس هامازان؟ إنهم ينسجون حوله الأساطير متباهين ببطولاته التي لا تنتهي ألا تعرف أنه يوجد بها مساخيط جن السماء الثانية يحكمهم بلشون كيفما شاء ؟ من المؤكد أن أحدهم هو من حمل الأميرة ومن معها ليصلا بأمان إلى بابليون دون أذي قبائل الهجع ومتاهة السراب الأحمر وقوة وحوش الطاموس ، فهيكون ليس بغبي حتى يترك لنا رسالته دون أن يكون متأكدًا من وصوله بأمان إلى مملكة بابليون لقد دبروا لهذه الخيانة تدبيزا محكما وأرانا قد وقعنا في شباك مكرهم."

"إذن ماذا علينا أن نفعل سيدي؟ أنترك لهم هازل وهي التي وقعت بين أيدينا بعد حروب استمرت آلاف السنين؟ إن تركناها لهم فستقوي شوكتهم باتحادهم مع مملكة بابليون فنكون فريسة سهلة بين أيديهم"

قال كوبر بنبرة تحدٍ: "لدي خطة جريئة مولاي وأرجو أن توافقني عليها"

"قل ما عندك يا كوبر فأنا في أشد الحاجة إلى أفكارك الجريئة عسى أن يكون بها الخير."

"سأذهب أنا وفرسان الفيلق الأعظم وراء هم وسأترك مقدام هنا ليكون قائدا للجند بدلا مني ليكون درع المملكة من أي هجوم محتمل فنكون قد أصبنا الهدفين معاً"

"ولكن كيف يواجه جنود الفيلق الأعظم وحدهم جيشا جرارا على رأسهم فارس مثل قادس هامازان ، ألم تسمع عنه من قبل ؟ هذا يعد انتحار!"

"مولاي، هذا هو أنسب الحلول، فلو خرج الجيش بكامله لكل هذه المسافة السحيقة لضعف قبل أن يصل إلى هناك، وستكون هزيمته مؤكدة هذا فضلا عن أن المملكة ستكون بلا حكاية مما يجعلها عرضة لأي هجوم محتمل من إحدى الممالك المجاورة ، أما أمر ذهابي إلى مملكة بابليون ودخولي إليها فسيكون حتميا ، وسأطلب (عهد هدجعون)"

"عهد هدجعون! أتريد أن تقاتل فارسهم الأول في سبيل ما أتيت من أجله؟

"نعم سيدي"

"هذه مخاطرة كبيرة يا كوبر ومن الصعب أن أضحي بك وأنت خير فرسان المملكة ، أليس هناك بديل آخر بدلا من هذه المخاطرة غير الآمنة ؟"

"ليس أمامنا خيار آخر مولاي."

قال زافار بحماسة: "أنا أرى أن ما قاله كوبر هو أفضل مخرج لنا مما نحن فيه ، ثق يا مولاي في قوة فرسانك وتوفيق الله لهم."

اقترب الملك من كوبر وفي عينه قلق دفين قائلا: "آمالنا متعلقة الآن بين أيديكم فرسان الفيلق الأعظم، أعانكم الله لما أنتم مقبلون عليه."

2019/11/30 · 384 مشاهدة · 1675 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024