16 - هذا كله بسببك It's all because of you

دي روز: هذا كله بسببك.

كان النهار قد انتصف عندما طرقت إحدى الخادمات بابها قائلة: سيدتي الملك يريد لقائك، كانت قد غابت في النوم بعد بكاء غير منقطع، بكت رغما عن نفسها، مزقت ملابسها عن جسدها بعنف و رمت نفسها في الفراش. كررت الخادمة على مسمعها: سيدتي الملك يريد لقائك، إنه يرغب أن تتواجدي معه على الإفطار، لقد أخر إفطاره و هو ينتظرك.

"الملك"، هي لم ترد أن يدعوها الملك هي ترغب فقط بأب حنون يهتم بها و تجده حين تريده. فكرت في أن ما فعلته كان خاطئا تماما لقد عرضت حياتها و حياة شقيقها الأصغر و كذلك الخادمة لخطر محدق، لم يكن يتوجب عليها أن تصر كل ذلك الإصرار على الخروج و من دون حماية، لكن رغبتها كانت مساعدة أخيها الأصغر فلا طالما أرادته أن يكون طبيعيا، كما أرادت لوالدها أن يلتفت إليهم و يغدق عليهم بعضا من حنانه، حتى والدتها لم تكن تهتم.

ظلت الخادمة واقفة خارجا عند باب غرفتها و راحت تكرر طرقه قائلة
" الملك يطلبك سيدتي الأميرة"

"الأميرة" هي لم تعتد على حياة الأميرات حتى الآن، و يبدو أنها لن تعتاد أبدا، لم تكن هنالك فتيات حولها، كل النساء كانوا خادمات أو نساء الحرم الملكي، نساء في خدمة الملك أو في خدمة متعته و طبعا لم تكن رفقة والدتها ودودة.

إفتقدت إلى روح الصداقة، فتاة في مثل عمرها و في مثل ميولها تتشارك معها اليوميات و تتقاسم برفقتها الإهتمامات، أحست نفسها وحيدة، لكن "صوفيا" كانت بادرة أمل، قد تكون خادمة و لكنها رفيقة أيضا، تساءلت عما حل بها بأسف حتى ألكس كان قد أحبها و هو لا يحب الآخرين بسهولة، حديثه معها باسترسال فقط يدل على مدى إعجابه بها.

قررت أخيرا النهوض، صوت الخادمة خارجا بدأ يصبح مزعجا، كشرت عن تعابير غير ودودة و تصرفت بلؤم حيث لم تجب الخادمة التي ظلت واقفة و لابد و أن شيئا من التعب قد نال منها.
نظرت إلى نفسها في المرآة و رأت فتاة صغيرة بشعر مبعثر و جسد شبه عار، فتاة صغيرة تم دفعها إلى حدود تحملها، رغبت كثيرا في أن تذهب لأبيها بحالها هذه لعله يشفق عليها و يدفع نفسه للسؤال عن سبب وصولها إلى هذه الحال، ربما حضن أبوي سيجعل الجليد الذي يغلفها يذوب و يعيدها زهرة جميلة بعطر فواح، فحالها الآن قد صار كزهرة ذابلة. فكرت في خطئها و مقتت نفسها بسبب ذلك، خطأ كذلك لا يغتفر، لعل والدها غاضب منها للغاية، إذا ذهبت إليه هكذا و هي تبدو كالساحرة الشمطاء قد لا يريها شفقة و لا رحمة، جعلها ذلك بين البينين، سئمت كونها الفتاة الرقيقة المطيعة و أرادت أن تجعل حماسة و روح التمرد تتدفقان داخلها لكنها خائفة من ردة فعل عنيفة قد يصدرها والدها أو في هذه الحالة "الملك".
تعارض داخلها صوتان بسبب مشاعرها الآنفة صوت يخبرها قائلا: " إذهبي إليه هكذا، بثياب ممزقة و شعر أشعث ليعرف ما حل بك، ليعرف أنك رغم كل شيئ فتاة منكسرة تحتاج عاطفة الأب ليتساءل ما بك و ليحضنك ليمارس واجبه الأبوي أم أن الآباء حين يصيرون ملوكا يتجردون من مشاعر الأبوة. بينما ردد الآخر: إنهضي و رتبي نفسك و تصرفي بحزم، لا تظهري انكسارا، كوني قوية و متأنقة فقد يكون غاضبا للغاية فتطلبين صفحه و تقولين "جلالة الملك ٱعف عني" أو ربما هو لا يذكر الأمر أو يتجاهله و كل ما يريده مجرد إفطار عائلي بحضور الملكة الوقور، و كئابة ألكسندر المعتادة و طيش إلين المزعج و خدم محيطين بهم، سيكون إفطارا عاديا معتادا من أيام خلت حين كان الرجال لا يزالون ينادونه باللورد و كان لازال يتحلى بروح الأبوة.
في النهاية قررت أن تتبع الصوت الذي يخبرها ان تبدو قوية و أن تعيد ترتيب نفسها، رغم أن ذلك سيكبت روحها المتمردة و إن بدت مجرد نزوة صباحية عابرة إلا أن شعورها كان حقيقيا، كل هذا الوقت كانت تشعر أنها دمية جميلة محتجزة داخلة زجاجة أو بتعبير أصح، كانت تشعر أنها زهرة جميلة في غابة بعيدة موحشة.
سارت متجهة نحو قاعة الطعام الرئيسية، كانت قاعة واسعة باردة موحشة و قاتمة، توسطتها طاولة في غاية الطول، تساءلت بروحها المتمردة ما الغاية من طاولة كهذه و لا تذكر أبدا أنه قد أقيمت وليمة عظيمة تملأها كلها، على كل حتى الزهد لم يكن أبدا من شيم الملوك.
لم يكن الملك قد حضر بعد و لا حتى أي شخص آخر، كل تلك الضجة التي أصدرتها الخادمة كانت هراءا فارغا، كان الإفطار مجهزا لشخصين فقط، وضعت الأطباق و الصحون و الملاعق جهة المقعد الرئيسي و المقعد الموالي له جهة اليمين و علت المقعد الرئيسي نافذة كبير على الجدار المنتصب خلفه، تشكلت على شاكلة الوردة و سمح حجمها للنور بالتسرب ليضيئ شيئا من عتمة المكان. زاد غياب الملك من قلقها، توترت و ارتبكت، قررت الجلوس و الانتظار، لعله استغرق في واحدة من اجتماعاته، كان الاستغراق في النوم بعيدا عن شخص في مقامه، و بالحديث عن ذلك لم تره نائما منذ مدة طويلة، تراه في النهار و لا تراه في الليل، لكنها لازالت تذكر حين رأته عندما كانت أصغر بسنوات، رأته صدفة يتقلب مع إحدى نساء المتعة على سريره، كانت متواجدة في جناحه في وقت متأخر لغاية قد نسيتها، صدمت لما رأته، إمرأة أخرى مع والدها غير والدتها، كانت فكرتها عن العالم طفولية للغاية و لم تعلم أن النبلاء يفعلون أشياء رذيئة كهذه حيث يتجردون من نبالتهم يرغبون دائما بشابة على قدر من الجمال تتلوى على فرشهم وبدا لها أن أصح وصف لهم في هذه الحالة هو "الخبثاء".

فكرت في أن أباها و لربما قد تأخر لنفس السبب، فرج امرأة مغر منعه من الوصول في الموعد و تجريد الموقف من التوتر الذي يعتريه، بالطبع كل نساء المملكة طوع للملك و قد يكون ضائعا في تأوهات إحداهن. أفكار شاذة و مقرفة جابت ذهنها، جعلت الطعام الذي وضع أمامها يبدو منفرا، كل العالم بذا كذلك أيضا في تلك اللحظة، رغبت في التقيئ بدل الأكل.
و بالحديث عن الأكل فقد تزينت السفرة بأطباق من الأضلاع المشوية بالثوم و الأعشاب، إلى جانب ذلك الحساء الحلو الثخين المصنوع من اليقطين، لم يبدو كإفطار لها بل بدا أشبه بطعام مصارع، أطباق قليلة لم تصل إلى نفسها بل إنه لم تكن لها رغبة في الأكل، كل ما أرادته كان معرفة لما أرداها الملك لوحدها على مائدة إفطاره.

كانت الأفكار و الخيالات تجوب ذهنها عندما دلف الملك القاعة بخطوات كبيرة، كان دائما ما يخطط لتوسعة هذه القاعة حيث تكون الطاولة الرئيسية متوافقة مع الجدار في شكل متواز بينما تتعامد موائد مرتفعة تملأ القاعة حيث يسعه أن يولم لألف شخص. تبعه عدد من الحرس و الخدم انبثقوا من خلفه منقسمين إلى مجموعتين " الحرس" في جهة و "الخدم" في الجهة المقابلة تماما و على يمينيه رئيس الحرس "جريجور تانيس" ذي الملامحة المتيبسة الخشنة حتى بدت القاعة أكثر وحشة للأميرة ما إن رأت ملامحه تلك و كأن أحدا لم يحدثه من قبل عن الابتسام. أما يسار الملك فقد تواجد رئيس الخدمة السير "ويلي" كل ما يمكن أن يوصف به هو أنه ابن ***** لشدة حقارته.

كان الملك يرتدي معطفا جديدا من الصوف الرمادي الثقيل بدا انيقا و متقن الصنع بحرفية يدوية عالية، تزين بحاشية من الساتان الأبيض بينما خلا رأسه من التاج و سرح شعره شديد السواد إلى الخلف بمستخلص زيتي ذي رائحة اللوز ما منحه منظرا براقا و تغلغل إلى عينيه بعض الضوء جعلهما تبدوان صافيتين عذبتين، منحه ذلك منظرا رجوليا وسيما، فكرت الأميرة حين رأته أن كل النساء سيرغبن برجل كمثله، إنه حقا وسيم المنظر و قور المحظر، أعاد لها ذلك الذكريات من أيام غابرة حين كانت أصغر عمرا و كان أكثر شبابا و لربما كلما مرت السنين صار أكثر شبابا.

جلس الملك معتدلا بينما خفضت الأميرة رأسها إلى حين أن يأذن لها، كانت محمرة الوجه مستغرقة في شم رائحة اللوز المنبعثة منه، منحها ذلك طعما منعشا بدد معه بعضا من وحشة المكان. كانت قد ارتدت قلادة كان قد أهداها إياها في عيد ميلادها السادس، لم يكن ليذكر ذلك بالطبع أو هذا ما بدا لها. صفق الملك بيده ليبتعد الجميع، الطعام كان قد بدأ يبرد بالفعل، وقف السير "تانيس" بالقرب إلى أن أومأ له الملك لينصرف هو الآخر ففعل فورا بينما ظلت الأميرة خفيضة الرأس مطأطأة الكيان إلى أن قال بصوت رخم ملأ صداه القاعة رغم هدوءه: إرفعي رأسك يا ساره!
خفق قلبها خفقة مدوية، كل ما اعتقدته أنها هنا للتأنيب لا غير، لا أحد يعرف ما يجوب خاطر الملك، في غبطته يكون هادئا و في سخطه يكون كذلك أو أشد، رعب الهدوء الذي يسبق العاصفة يقف على شفير التوتر.
كرر الملك كلامه على غير عادة الملوك: إرفعي رأسك يا ساره!
رفعت رأسها بينما أبقت عينيها منخفضتين، كأنها اول مرة تقابل ملكا.
- ألا تأكلين؟
رفعت منديلا لتطوقه حول عنقها منسدلا على فستانها لكي لا يطاله أي طعام منسكب، تناوالت ملعقة و همت بالحساء الثخين أولا حتى قاطعها بقوله: الأضلاع أولا، لذتها تكمن في كونها ساخنة، لكن الطعام برد بالفعل لم يضعو أغطية للأطباق.
حديثه العفوي أو المصطنع بالنسبة لها كان مقدمة لسوء قادم، إستجمعت بعضا من الشجاعة لتقول بصوت مرتجف: بصحتك جلالتك، لكن لا رغبة لي في الأكل، معدتي تمتنع.
- لا! لا تقولي ذلك، هل تريدين أن تراك ممرضة.
- لا، جلالتك! إنه مجرد توتر ألغى شهيتي.
- و مما ذلك؟
- أقلق بشأن أخي ألكسن..
لم تكمل كلامها لتنظر إليه، كان قد أوقف الشوكة التي تحمل شيئا من اللحم و هي في الطريق إلى فمه، نظرته شديدة الحدة ترعب الخصوم فمابالك بفتاة صغيرة -على حد اعتقادها-
قال بزجر: الخادمة التي قامت بخطفكما نالت ما تستحق كما أن ألكس قد أصبح آمنا و كذلك أنت لذا قلقك ليس في محله. و أضاف بعد أن تابع تناول الطعام الذي كان قد أوقفه: كل من يعرض عائلتنا و أفرادها للخطر لن يحصل على أي رحمة بتاتا.
"قامت بخطفكما..." ، "نالت ما تستحق..." هز حديثه عن الأمر بهذه الطريقة كيانها، إنها تعلم أي معنى يحمله، و في كلامه التمست لوما مبطنا؛ "تنال الخادمة جزاء ما ارتكبته الأميرة"، إنه ظلم كبير، أرادت فقط أن تقول: "الخطأ خطئي أنا، أنا التي أصررت عليها بالخروج خلسة فلماذا تعاقب بمفردها" لكن لومه المبطن لها كان يعني أن أصحاب المقام ينبغي ألا يظهر خطأهم للعامة، رغم ذلك فهمت ما يدور هنا، هو يعلم أنها كانت سبب ما حدث، معاقبة الخادمة كانت لتغطية الوضع و الآن و من خلال هذه الجلسة وجها لوجه سيقوم بإنزال عقابه بها أيا كانت صورته ففي النهاية هذا هو الملك الحازم لا يمر منه خطأ دون عتاب أو عقاب.
أطرق والدها برأسه و تابع: كنت أفكر كثيرا في الآونة الأخيرة، أنت أميرتي الوحيدة لهذا يجب أن أتدبر أمرك بحذر و أنت بدورك يجب أن تعرفي واجباتك كونك أميرة.

"أميرة" مرة أخرى، لم تشعر أنها أميرة قط، عادة لا تكون هذه هي الصورة المتخيلة حول الأميرات بل عندما يحضر لقب أميرة أي أحد سيتخيل فتاة جميلة في عمر الزهور و في جمالهن، فستان جميل و شعر مصفف بعناية جواهر تزينها و خدم محيطون بها، هدايا يومية و شبان نبلاء وسيمون يطلبون ودها كأنها كنز نفيس يتنافس عليه أبناء الملوك و النبلاء.
وعت جيدا ما يعنيه كلام والدها، أو "الملك" طالما يستخدم كلمة "أميرة" و ليس عبارة "إبنتي العزيزة" أو "الغالية" ، فكرت كم أن حظها سيئ، طالما هي أميرته الوحيدة فلماذا لا يعاملها على هذا الأساس، لا تريد دلالا بل حنانا. فهمت ما يعنيه، هيا خطته منذ زمن أن يستخدمها كورقة سياسية لكنه الآن سيفعل ذلك كعاقب أكثر من كونه ورقة. سيبعدها إلى قلعة من قلاع النبلاء لكي يقيم صلحا أو تحالف، أو سيبعدها فقط لمجرد إبعادها، إنهارت آمالها، خفق قلبها و بدت صورت الأب العتيقة معتمة في عينيها، إنكسر شيئ في داخلها و أرادت أن تنهض فورا فقالت: بصحتك مجددا جلالتك، هل تأذن لي بالانصراف معدتي غير قادرة على استقبال أي طعام.
ماكان جوابه سوا أن أومأ لها بأن لها ما أرادت فهذه هي طريقته في الكلام، فقط ما قل و دل.
أسرعت خطاها و هي تنصرف، بدا لها أن مخرج القاعة يزداد بمرور الخطوات كأنها أخذت وقتا أكبر من المعتاد في قطعها، إتجهت مباشرة إلى الخارج لتقابلها الساحة التي توسطتها النافورة، إستندت بيدها على الجدار بينما وضعت يدها الأخرى على صدرها حيث خفق قلبها بعنفوان بالغ، أغطش النور بصرها إلى أن استاعدته لترى شقيقها الأصغر "ألكسندر" يحدق بشرود إلى ما يشبه العمود أو أنه خازوق، قربت نظرها لترى جيدا ما شغل أخاها لينظر بكل جوارحه، نظرته كانت باردة قاتمة بعينيه اللتين اختلف لونهما، كان ينظر لرأس "صوفيا" المقطوع الموضوع على ذلك الخازوق في مشهد شنيع، خفق قلبها حتى كاد ينفجر و ضعت يدها على فمها لتمنع نفسها من الشهيق لكنها لم تستطع أن تمسك دموعها و داخلها يقول "هذا كله بسببك".

2019/11/24 · 393 مشاهدة · 1971 كلمة
Leo
نادي الروايات - 2024