18 - عدالة الملك -1- King's Justice √

في حانة الساحرة كان پول يقدم خدماته المعتادة و قد ارتسمت على وجهه ابتسامة مريبة رغم شائعات ملاحقة دان له، لكن الحانة قد أصبحت في يد الجنود بالفعل و لن يستطيع الوصول إليه، الجميع كانوا يتحدثون عن هذه الواقعة، إعتقد پول أنه بإمكانه تقديم آداء أفضل من هذا، التنكيل ب جيري حتى أغمي عليه لم يكن سيئا... و لكن لما لا يجعل الوضع مبهرجا أكثر بعد.... أخذ يوزع على الحضور أقداحا مجانية من نبيذ مصنوع من ثمار مزرعة آل تريكستار خصيصا لعرضه الأخير، تراه يتنقل كالنحلة الرشيقة بينهم و هو يفعل ذلك رغم بعض بدانته و هو يستمع إلى رجال يسيل لعابهم و تفوح منهم رائحة السُّكر... البعض يقول أن وريث عائلة تريكستار قد حشد جيشا لإجلاء أخيه و البعض الآخر يقول أنه هو التالي و يفترض به أن يكون متحصنا في بيته و علت القهقهات و أصبح الأمر مدعاة للسخرية، لم يكن ليحدث هذا لو أن اللورد ميروسلاف تريكستار لازال حيا، قال أحدهم بسخرية: لتكن الآلهة في عون الفتى الأشقر (يقصد دان) لو كنت مكانه لكنت متجها إلى إحدى المدن الحرة الآن. و ختم كلامه بقهقهة.

- أجل معك حق ، لا ينبغي أن تعبث مع فرسان المعبد. أضاف آخر.


لكن كان ل پول خبر آخر يود أن يذيعه على الملأ و هو ما رسم ابتسامة سعيدة بلهاء على وجهه وجه، تناول كأس رنانة و طرق عليها بظهر خاتم له لينال انتباه الحضور و قال:

- أيها الأهالي الأعزاء، أيها الزبائن الموقرون، أيها الحضور الكريم لقد تشرفت بخدمتكم لهذه المدة، لقد كنتم دائما مصدرا لجيبي الممتلئ. قال ضاحكا و تابع قوله: إلا أنني لم أبحث عن الثروة بالعمل ساقيا في الحانة كل ما كنت أريده قد شارف على نهايته... لهذا لنشرب نخب آخر ليلة لحانة الساحرة.


جميع الأهالي الحاضرين قد رفعوا أقداحهم عاليا... ضاحكين سعداء أو ربما كانوا يبدون كذلك بسب الخمر و بدءوا بالفعل بتجرع ذلك النبيذ الجميل...


البعض يرغب ب عاهرة الآن و الآخر يريد أن يصارع أحدهم حتى الموت... راقبهم پول و هو مبتسم إبتسامة شيطانية جميلة، بذهن خال من الندم شاهدهم يصارعون من أجل البقاء ... عدالة الآلهة تتحقق، في النهاية هؤلاء كلهم رجال مزيفون كاذبون... رجال مصلحة و لو كان ميروسلاف تريكستار حيا لكانوا كالنعاج المطيعة له، لكن لأن أبناءه من بعده لم يقدروا على جمع شتاتهم فقد قرر هؤلاء الكاذبون عند أول وضع حرج يدعو إلى الحاجة أن يخذلوهم، ثم إنه لربما بعض من هؤلاء كانوا ضمن الرجال الذين اقتحموا بيته في تلك الليلة المشؤومة و تسببوا في مأساته و دمروا حياته و كل ما يحب فكر پول... الكل اختنقوا و تهاوت جثثهم الضخمة أمامه مسقطة كل ما أمامها كالجبال الجليدية التي تحدث انهيارات ضخمة و هو يراقب أصوات أنينهم في بهجة... إنها فائدة أخرى لأن تكون تاجر توابل محنك، فبعد كل شيئ ستتعلم أن هناك سلعا أخرى لا تقل أهمية عنها مثل؛
" السم"... أجل و مع خطة محكمة و بعض التسهيلات من جنود الملك و خدام المعبد يستطيع استغلال حماقة هؤلاء الغادرين و قتلهم دفعة واحدة و الفضل يعود لصديقه "بيلبو" الذي جلب له سما فتاكا من القرن الهادئ. عم الصمت بعد أن قضى الجميع نحبه و حان وقت تنظيف الفوضى المخلفة، الجنود الذين كانوا في المكان قد غادروه لكن شخصا واحدا لم يبدو كجندي قد ظل في مكانه، شخص متوشح بالسواد لا يرى وجهه أو ما يكون و حتى بعد أن عمت الجثث المكان لازال يملأ قدحه و يشرب و كأن هذا ليس من شأنه...
إذا كان جنديا فلم لم يغادر و إذا كان من الأهالي فلم لم يمت.

إنه يبدو ضخما للغاية... كانت أعين پول قد رأت من قبل مصارعين عمالقة ذي قامات غير بشرية لكن هذا الشخص كان أضخم من رأى حتى الآن... لابد و أنه شخص غريب عن المكان، كتفاه عملاقتان و ذراعاه ك جذوع الشجر لو يمتطي حصانا فإنه سيبدو مهرا صغيرا بين ساقيه المدرعتين، هل هو جيري؟ تساءل پول... لا حتى جيري سيبدو قزما أمام هذا الرجل ثم إنه مصاب... هل هو أحد رجال دان قد جاء ليستنطقه؟ لم يعرف له رجلا كهذا...: من أنت يا هذا؟ سأل پول بوجل.

لكن الرجل لم يجب... لم يبرح مكانه، حمل قنينة الشراب و لوح بها إشارة إلى أنها قد صارت فارغة، فهم پول الأمر... و قال: لم يعد هناك شراب كما أن المكان قد أغلق.

نهض الرجل من مكانه و ببعض من الخطوات التي هزة عروش المكان وقف أمام پول لقد كان أضخم مما يبدوا إنه كالعملاق...: أ أنت حاصد الأرواح؟ سأله پول بيأس...

وضع العملاق ظهر يده على كتف پول، بدا يده أثقل من أن يكون مجرد يد و أمسك بمؤخرة رأسه، جعل ذلك پول يشعر بضغط مهول... قوة حضور هذا الشخص مهولة ليس كأي شيئ رآه مسبقا... لم يسبق له أن ارتعب من رجل من قبل رغم أنه رآى سفاحين و جنودا و مصارعين و عبيدا مخصيين مدربين على القتل لكن هذا الشخص إنه الموت بعينه... قال الرجل بصوت ليس كأي صوت... صوت غليظ قوي و له صدى مخيف صوت عميق يجعل الوحوش ترتعب: هل تريد أن تعرف إسمي.


- أأأ...أ... أأجل.


- أنا... ثيودور ديلجرانج... عدالة الملك.

للحظات بدا أن پول لم يستوعب ما سمعه للتو... هو يعلم أن الملقب ب "عدالة الملك" هو جلاد الملك الخاص و هو مشهور بالفعل لكنه لم يتوقع أن يرسل الملك جلاده لإقامة الحد على أحد من العامة، مع ذلك فهذه خطوة جريئة تؤكد على أن مكانة الملك و الآلهة مكانة عالية لا يمكن المساس بها، كما أن السير؛
"ثيودور ديليجرانج" رجل مخيف بالفعل و سيبث الرعب في قلوب الأهالي، لكن المراسم تتم في ساحة عامة حتى يشهد الجميع تنفيذ عدالة الملك و دان شقيق جيري لن يقف مكتوف اليدين و إن كان يبدو ظاهريا أنه لا فرصة له أما هذا الرجل الذي اختلطت رائحة دماء من قتلهم برائحته، إنه المنفذ الأول لعدالة الملك حتى صار هو عدالة الملك بنفسه.

بخطواته التي تجعل الأرض ترتعش تحت الأقدام غادر "عدالة الملك" حانة الساحرة التي تزينت بعشرات الجثث في آخر ليلة لها و تنفس پول الصعداء بعد شعوره المطول بالشلل جراء قوة حضور ذلك الرجل المخيف، لكن لم يأبى أن تنتهي هذه الليلة دون أن يترك بصمة خاصة يتذكرها العام و الخاص لبقية الليالي القادمة و برشاقة أفعى ماكرة جمع كل المشاعل و المصابيح و أوقد نارا في المكان مستعينا ببعض الحطب والزيت حيث كان قد جهزهما سابقا.

"دع الألعاب النارية تبدأ"


و طفقت النار تلتهم كل شيئ متغذية على الحطب وصولا إلى جثث ضحايا پول الذين جعلهم السم الموضوع في الشراب يتلوون و هم يختنقون قبل أن يلقوا مصرعهم. جعلت النيران من الحانة شعلة ضخمة من اللهب و الشظايا التي أضاءت عتمة الليل و تحولت إلى حريق غاشم أيقظت ألسنة لهبه من حول المكان و احتشد الناس و سرعان ما بدأوا في إخماد الحريق العظيم في هول مما رأوه و وقف پول على مقربة يشاهد رجالا صارخين يتبادلون ديلان الماء و ألسنة اللهب تلفح كل من يحاول أن يعترض طريقها و في النهاية لم يتبقى شيئ سوا رماد أسود يدر في العيون و أحصى الأهالي قتلاهم و اعتقد الجميع أن الحريق هو ما أوذى بهم و لا أحد شعر بالثعبان الأقرع و هو ينسحب من المكان تاركا خلفه جثث ضحايا انتقامه التي شوهتها النيران و رعب الأهالي و حزنهم على من فارقوهم.


أطلق الحصان الأسود العظيم صهيلا خفيضا مع صبيحة اليوم الجديد و ربت دان على ظهره بلمسة حانية و هو يوثق السرج قائلا: "إهدأ يا ميجور"

نظر عن كثب إلى السحابة التي تكونت عند عمود ضخم من الدخان الأسود المنطلق من بلدة ساوث بارك على بعد أميال قليلة من مزرعة العائلة، كانت الرياح تموج في جنبات الإسطبل مصدرة أصوات كالهمس ، و شعر دان بها كأنفاس باردة قاسية على وجهه لكنه لم يبالي ، كل ما أثار انزعاجه هو شعوره بالعجز عن إيجاد أخيه ، و ذلك الكابوس الذي أرق لياليه ... كابوس مليئ بالغربان السوداء الساقطة .

متسلحا بسيف والده ذو اللمعة على نصله المصقول ، إعتلى دان صهوة حصانه العملاق و نكزه لينطلق منفردا شاعرا بالخيبة ، خيبة مريرة ... شعر أنه أدنى من الأرض ، حتى حلفاء والده تخلوا عنه و عن أخيه ، شعر أنه قد تم خذلانه .. الغضب و العجز يثقلان كاهله ، لكنه بعد كل شيئ لم يستطع لوم أحد غير نفسه فنفوذ فرسان المعبد متزايد و الناس أصبحوا يجنون أقل في كل عام لهذا حتى من كانوا يعتبرون سادة المكان صاروا يشعرون بالعجز الآن و قد تم تسويتهم بعامة الناس و مساكينهم . كل ما جال في خاطره هو أن الأمل لازال قائما لإنقاذ شقيقه فمراسم تنفيذ عدالة الملك أكبر من هذا الهدوء و لابد أن يظهر رأس الخيط عاجلا أم آجلا .

تحركت عربات تقل جنودا ينفخون الأبواق و يقرعون الطبول بسلاسة في الشوارع المهجورة ، ثلة من الرجال قد لقوا حتفهم ليلة الأمس في حريق غاشم كاد في شيئ من الغفلة أن يمتد إلى البيوت التي حول الحانة فيتسبب في كارثة لا نظير لها ، أعادت تلك المشاهد إلى أذهان الناس ذكريات من عام الغزو ، حيث كان الجنود يحرقون أي بيت أو إصطبل أو مزرعة لا يتم إخلاءها لهم فيضرمون النار غير آبهين بمن فيها ، الكل يتذكر كيف انتهت سيرة واحدة من أعرق العائلات في ساوث بارك عائلة "بلاك ستار" حينما رفض أفرادها الإستسلام لترهيب الجنود لهم ، الكل يذكر صراخ كبيرهم و صغيرهم رجالهم و نسائهم و هم يحترقون ، كان ذلك أشد ترهيب رآه أهالي ساوث بارك في حياتهم ، أن تحترق عائلة من أربعة أجيال حتى الموت فذلك أمر فضيع و لا يمكن تحمله ، رغم ذلك البعض يعتقد أن هناك من نجا منهم في تلك الليلة و لكن يظل هذا كلاما غير مؤكد في كل الأحوال .

وصل پول إلى الساحة العامة متوشحا برداء طويل خشية أن يتعرف إليه أحد و قد وجد الناس قد احتشدوا في حلقة دائرية حول أحدهم و راح يتجاوز الناس في الحشد ، كان الرجل الذي اجتمع حوله الناس يصرخ مخاطبا بصوت خالطه الأنين و الدموع ؛

( إلى متى ؟ إلى متى نظل صامتين و نحن نرى أن تجاوزات رجال المعبد ....؟ ) و انقطع صوته.

حاول پول تخطي المزيد من الناس كي يرى من هو المتحدث و راح ينسل بين الحضور وصولا إلى مقدمة الحشد ، كان الرجل المتحدث عجوزا يرتدي أسمالا مهلهلة و قد غزا شعر لحيته الأبيض الطويل وجهه و راح يتحدث مترنحا باكيا و بدا عليه الألم الشديد من الفقد و قد واصل حديثه بعد أن تقيأ شيئا من الشراب الذي كان يصبه في معدة خاوية من القنينة التي كانت في يده:

( بالأمس فقدت ستة أبناء في الحانة المحترقة ، ستة أبناء يا إلهي كلهم كانوا هناك يحتفلون بعيد ميلاد أصغرهم . )


و انفجر الرجل باكيا وقد خر على وجهه و الدموع قد أحرقت عينيه كما يحترق الزيت بالنار .

تهامس الناس بحزن على حال الرجل العجوز و عشرات من أمثاله ، و هتفوا ضد الملك و جنود المعبد و في خضم هذا شعر پول أن شيئا ما يخزه في قلبه ، بالأمس كان يعتقد أن أولئك الرجال يستحقون الموت دون استثناء ، لكنه لم يدرك أو لم يلحظ أن من بينهم كان هناك أناس لا يستحقون أن يصيبهم شيئ بغير ذنب ، شعر كما لو أنه هو واقف مكان ذلك الرجل يرثي عائلته التي فقدها قبل سنوات ، لكنه قرر أن ينسحب قبل أن يسمع المزيد و قبل أن يحضر الجنود لتفريق هذا الحشد و اعتقال من يقع بين أيديهم .


وصل دان إلى البلدة و هو ينشد أن يجد شيئا يقوده لمكان جيري ، لكن ساوث بارك بدت كمدينة أشباح ، حتى الجنود الذين اعتادوا التواجد على قارعة الطرقات قد اختفوا ، هذا حقا مريب فكر دان و راح يقترب من على صهوة جواده الضخم من مصدر عمود الدخان و أدرك بسرعة أنها طريق مألوفة كان قد سلكها سابقا مع جيري ، بلا شك هذه الطريق تؤدي إلى أشهر حانة في البلدة كلها ، و لكن غرابة المكان توحي بأنه الهدوء قبل العاصفة .

حل الألم في أطرافه المخدرة و شعر بأجله يقترب ، لم يكن مستيقظا و لا فاقدا للوعي بل كان يحتظر و قد لفه الظلام من كل جهة و رائحته أصبحت كزريبة ملأى بقذارة الخنازير ، كان قد توقف عن الشعور بقدمه التي تهشم مشطها ، ريقه قد أصبح جافا و قد رغب بشدة في احتساء الشراب قبل موته لكن كل ما تلفظ به كان ؛ دان دان دان
و كأنها ترانيم الصلاة الأخيرة ، بدا كما لو أن الآلهة ستستجيب له لو استمر قليلا بعد ، لكنه لم يدرك أن خطوات سريعة تقترب في الرواق المؤدي إلى الزنزانة التي يتواجد فيها ، حسنا ستبدو الزنزانة أفضل بكثير من هذا المكان بل لا مجال للمقارنة البتة ، إدراكه للوقت قد اختفى و شعوره بالجوع كذلك ما عاد يلازمه ، و لم يعد قادرا على اشتمام الرائحة الكريهة فأنفه قد اعتاد عليها بالفعل ، كل ما كان يزيد في عذابه هو شعوره بالضمأ الشديد و رغبته في احتساء الشراب ، لكن ما كان يحصل عليه في الأيام القليلة الماضية هو بعض حليب الخشخاش المقاوم للألم ، أدرك أن هؤلاء القوم يريدونه حيا بعد كل شيئ ، لكنهم أيضا يريدونه مهزوما لا يقوى على النظر في عيني جلاده .


دعت الحاجة إلى دستة من الرجال لحمل جثته الضخمة ، (اللعنة على هذه الرائحة) قال بعظهم ، (حتى حاصد الأرواح لن يقترب منه و هو بهذه الرائحة) ، تم رميه كالكلب الأجرب في عربة تجرها ستة خيول كاملة ، حتى هي شعرت بالتوتر يقف على شفير الخوف مطلقة صهيلا مسموعا. أحاط بالعربة بضعة من الفرسان و المشاة و تم تجهيز عربات أخرى تقل أعدادا أكبر من الجنود و عربة أخرى مخصصة لضيف الشرف ، الرجل الأبرز في كل المشهد ؛ عدالة الملك بنفسه ، كل من رآه كان يشعر بنبض قلبه يتوقف للحظة ، هذا الرجل هو أكثر من قطع الرؤوس عبر التاريخ الممتد عبر ألوف السنين ، إنه تجسيد الموت بعينه ، لكن أكثر ما يجلب الإنتباه غير ضخامته المفرطة التي تجعل أي شخص يقف أمامه يبدو كالقزم هو سيفه الذي يحمله على ظهره و الذب يجعل أي سيف آخر يبدو كسكين مطبخ ، سيفه كان عبارة عن صفيحة ضخمة من المعدن السميك الذي يقال أنه معدن أسطوري من القارة المظلمة ، لم تكن أطراف السيف حادة ما يجعله يعلق بالضحية مسببا جرحا غائرا لا يمكن علاجه و ألما فضيعا يؤدي إلى الموت ، إنه قادر على شق عنق حصان ضخم فما بالك بعنق إنسان ، هذا السيف المشاكس يقطع دون إذن صاحبه ، مقبضه ضخم بحيث أن عشرة من الرجال الأقوياء لا يستطيعون حمله و تسديد ضربة واحدة به ، باختصار هذا السيف هو الموت بعينه و هذا ما يفسر إسمه <ديث/الموت> .

وقف دان أمام الرماد الذي خلفه حريق الليلة الماضية و هو يتساءل عن الجنون الذي هيمن على ساوث بارك ، ما هذا بحق السماء ، لماذا تمادى الجنود كثيرا فيما يفعلونه ؟ لماذا يدفعون الجميع إلى عنق الزجاجة ؟ لن ينتهي هذا الأمر على خير ، و بينما هو غارق في تفكيره سمع جلبة على مقربة من المكان ، رآى الناس يهرولون في اتجاه واحد و علا في مكان غير بعيد صوت الأبواق و طبول لم يسمعها من أيام الغزو ، كانت أشبه بأنغام الحرب كل هذا قد أثار فزع الطيور التي راحت تحوم فوق المكان في دائرة و لكن ما زاد من قلق دان هو صوت الغربان الذي بعث فيه مشاهد من كوابيس أرقته لليال ماضية .

- ( ماذا يحدث هناك ؟ ) مشيرا إلى المكان الذي يتجه نحوه الجميع .
سأل أحدهم بعد أن استوقفه معترضا طريقه بحصانه .


- ( عدالة الملك تقام في ساحة البلدة . ) أجاب الرجل .


فزع دان لما سمعه من فم الرجل و أيقن أن جيري لابد و أن يكون في ذلك المكان و دار على عقبيه بحصانه الذي رفع قائمتيه الأماميتين متأهبا و دوى صوت الغربان في الآذان و خطف البرق الذي مرق في السماء الأبصار و تزلزلت المواطئ بهزيم الرعد و بدا كما لو أن نهاية العالم تقترب ، غلى دمه و أسرعت نبضات قلبه و استعد لدفع حياته ثمنا لمن يحاول أن يمس أخاه بسوء و انطلق يشق الريح على صهوة جواده .

نصبت أبراج حول الساحة و استعد منها رماة السهام و انتشر الجنود حول المكان و في الأرجاء و اصطف البعض أمام موقف الحشد لاعتراض أي متطفل على المراسيم المقدسة ، إنه يوم تشهده الآلهة و الرجال على حد سواء .
حضر القاضي الممثل للملك و كبير كهنة المعبد "الفزاعة" ، لا أحد يعلم لما يطلق عليه هذا الإسم ، البعض يقول أنه لم يرأس محاكمة نجا منها أحدهم ، كلهم يموتون رغم أن الآلهة معروفة بالعدل إلا أن من يحمل سيف العدل هنا لم يخطأ عنقا قد أراد أن يشقها من قبل .
رفرفت الرايات الخفاقة في المكان ، راية الملك المتمثلة في زهرة حمراء وسط بياض من الحرير المزينة أطرافه بخيوط مذهبة و احتشد عدد كبير من الناس قبالة خشبة العرض الرئيسية و جهز العامود الذي سيسند إليه جسد الضحية لتضرب عنقه ، و خطب الفزاعة قائلا تحت أنظار پول المتخفي في مكان ما في مقدمة الحشد :


( اليوم نقف أمام الآلهة و الرجال لنشهد عدالة الملك ، و نحن كلنا ثقة بأن العدالة ستسود كل البشر لهذا أطلب أن يحضر المتهم لنبدأ مراسم المحاكمة قبل أن نشرع في تنفيذ الحكم . )


أحضر الجنود جثة جيري الضخمة التي فاحت منها رائحة القذارة ، و أجثي على ركبتيه و يداه موثقتين بإحكام إلى الخلف و هو يشعر بالدوار يعصف بدماغه ، سأله القاضي :


( هل أنت هو جيري إيلوين تريكستار إبن ميروسلاف إيلوين تريكستار ؟ )


لم يجب جيري لأنه لم يكن في تمام وعيه و لم يفتح عينيه بل كان بين عالمي الأحياء و الأموات. في خضم الموقف تجمعت الغيوم السوداء فوق الرؤوس و أمر الفزاعة فأحضر الجنود ديلانا من الماء البارد الذي سكب على جيري جاعلا إياه يستفيق مرتعشا ، و كرر عليه القاضي السؤال فأومأ بالإيجاب غير مدرك للأمر حتى ، بدت له الأصوات بعيدة و غير واضحة ، غير أن صهيلا مألوفا كسر حالة جيري هذه و جعله يرفع رأسه عاليا ليرى إن كان ما يسمعه صحيحا أم لا ، تقدم الحصان الأسود الضخم و دان على ظهره ما تسبب في ابتعاد الناس المحتشدين من أمام طريقه كي يتجنبو أي إصابة محتملة ، نفخت الأبواق و صاح دان :

- ( أخي .. ) .

- ( دان .. ) . أجاب جيري .


إعترض الجنود طريق دان برماحهم ذات الرؤوس المعدنية المذببة ، و بدأت السماء ترسل قطراتها المائية في جو كئيب لم يخلو من صوت الغربان المحلقة و أضواء البرق التي تخطف الأبصار ، قال قائد الحرس :


- ( تراجع ، إياك أن تحاول مقاطعة المراسيم المقدسة و إلا فإنك ستقضي على أية فرصة محتملة لنجاة المتهم . )

إستل دان سيفه بشجاعته المعهودة وسط أنظار جيري الذي استعاد وعيه برؤية شقيقه ، قال دان غير آبه للتحذير :


- ( فكوا وثاقه و سنرحل من هذا المكان و كأن شيئا لم يكن !! )

- ( لست في موقف يسمح لك بإلقاء الأوامر ، حركة واحدة و نسقطك من على حصانك ميتا ، إذا أردت أن تأخذ العدالة مجراها و تحل عدالة الملك و الآلهة فل تتراجع . )

- ( تبا للملك و الآلهة ها قد أصبحت آثما لما لا تأخذني مكانه ؟ )

- ( تراجع !! )

تابع القاضي المراسيم المقدسة قائلا :


- ( جيري إيلوين تريكستار إبن ميروسلاف إيلوين تريكستار ... )

- ( اللورد ) غمغم جيري .

- ( تقف هنا بحضور القاضي الذي ينوب عن جلالة الملك إليوت سليل عائلة دي روز ملك روز و حاميها و سليل الملوك الأوائل ، موحد الأراضي ، الغازي قاهر الأعداء و المرتدين حامي الدين و خادم الآلهة و ثيودور ديليجرانج جلاد الملك لتنفيذ عدالة الملك أمام الرجال و الآلهة ، حد الخروج عن طاعة الملك و شريعة الآلهة و الإهانة العلنية للمقدسات ، لكن قبل ذلك ستتم المحاكمة أمام أنظار العامة ، هل لك أي اعتراض أو التماس ؟ )


- ( اللعنة على الملك اللعنة على الآلهة ) .
أجاب جيري بغير تردد .


- ( ما حكم الرجال على هذا المتهم ؟؟ ) سأل القاضي .

صرخ الجميع : {مذنب}


- ( اللعنة عليكم جميعا ... ) انتفض جيري مصرخا .

- ( الحد هو قطع الرأس ) قال الفزاعة .

لكن جيري قاطعه قائلا :

- ( لدي التماس . )

- ( مرفوض . ) أجاب الفزاعة ، لكن جلاد الملك أراد أن يسمع ما سيقوله جيري ، فرد قائلا :
- ( لنستمع إلى ما لديه . )

- ( أطالب بمحاكمة من نوع آخر ، أنا مصارع قبل كل شيئ و لدي فخري الذي أعتز به لهذا أطالب بمحاكمة عن طريق القتال .... )

قال جيري بصوت يأكله اللهاث و الأنفاس الحارة و لمع البرق خاطفا معه أبصار الحضور على مرأى و مسمع دان ، و ابتسم السير ثيودور مما سمعه و قد أعجب بشجاعة جيري رغم موقفه هذا .

يُتبع .

____________________________________

معلومات متوفرة حاليا :


الفزاعة : لقب يطلق على القاضي الذي يدير المراسيم المقدسة . ( المحاكمة)


القارة المظلمة ( دارك لاند / Dark- land ) قارة أسطورية لا تتوفر عنها معلومات حاليا .


شكراً

# Leo

2019/11/24 · 318 مشاهدة · 3365 كلمة
Leo
نادي الروايات - 2024