46 - " الرسام" ، " ساحر الخوف "

اشعلت مصابيح جعلت جزءًا من الظلام بالإنقشاع حتى تبينت السلاسل التي جعلتني معلقاً من يداي الاثنتين و انا جاثٍ على ركبتاي .

كان في الظلام الذي ظهر جزء منه بفعل النور خمس كراسي امامي و يجلس عليها خمس رجال انيقين لم أعرف انهم رجال حتى ظهرت سيقانهم من الظلام .

_ اين انا ؟ سألت في حيرة .

لم يرد على سؤالي احد منهم .

اطلق احدهم ضغطاً مهولاً جعل قواي تختفي تدريجياً و لم اكن حتى قادرًا على لمس الأرض حيث كان الضغط يضغط على جسدي للأسف و كانت السلاسل تشدني للأعلى.

تغيرت خصائص المكان فوراً و اختفى الضغط و اختفت معه السلاسل مما جعل سيطرة النور ستود في المكان الجديد .

كان رأسي لا يزال مقوساً للأسفل حتى رفعت لأرى طاولة مستطيلة امامي و يجلس عليها خمس رجال انيقين حتى اومأ احدهم إلي بالنهوض .

_ من انتم ؟ سألت بينما كنت انهض رويداً.

اومأ رجل لي بالجلوس على الكرسي الذي كان امامهم جميعاً .

بدأت احرك عيناي في المكان الغريب الذي كان معظمه من السحاب .

جلست على الكرسي حيث بات الصمت لمدة طويلة بيننا حتى تحدث رجل بسرعة :

_ مرحباً بك.

عاد الصمت لمدة اطول من المرة الأخرى حتى نفد صبري فقمت بضرب الطاولة المستطيلة بقوة حيث اطلقت تهديداً علني عليهم :

_ لو لم يتحدث احد الآن و يجيب على أسئلتي فسوف اخسف بكم و بهذا المكان الغريب دون رحمة ، هل فهمتم ؟! قلت بسخط واضح .

أنطلق ضغط عالي بأضعاف الضغط السابق حيث كان جسدي يتضاغط بسرعة حتى انني ظننت انني سوف اتقلص حتى اصبح كالذرة .

عاد الظلام من جديد لكن دون السلاسل و مع اختفاء الضغط سقطت على يداي اتنفس بذعر .

رفعت رأسي حيث رأيت الشيء الوحيد الذي كان قادرًا على تدمير كل شيء في لمح البصر .

طيف يجلس على كرسي ملكي بتكبر واضح مسنداً قبضة يده على خده الايسر و يراقبني دون اكتراث لوجود كياني امامه ، بينما لم يكن يظهر عليه اي ملامح .

تسلط الخوف على قلبي و دون ان افكر في العقوبات سألت مرتجفاً :

_ من انت ؟

" صمت "

" صمت "

و من ثم عدل جلسته و قال بصوت هادئ و مرعب :

_ " ملك المستقبل " .

استيقظت مفزوعاً حيث امسكت على صدري متألماً من الخوف الذي كان ليفطره .

استدعيت احد الجنود الذي كان معالجاً ماهراً و طلبت منه رؤية ما املكه من خوف في قلبي الذي كان اشبه بالمرض الذي يمسك بالقلب و يقرصه بقوة .

_ سيدي عليك الاسترخاء لمدة فهذا الذي بقلبك ليس مجرد خوف بل هي يد ساحر الخوف . تحدث الجندي بصرامة .

_ ساحر الخوف ؟!

_ اجل ، هذا الساحر يستطيع قتل اي شخص بالخوف فقط حتى دون قتاله و لكن و لسبب من الاسباب لم تمت ايها الأمير فقد استطعت مقاومة الخوف الذي في قلبك .

كتمت في صدري عن الذي سمعته في الحلم لانني ظننت انه كان مجرد وهم من الساحر الذي قال الجندي عنه .

اخذت ما مجموعه ثلاث ساعات فوق فراشي بحيث استجمعت قواي و اخذت قسط من الراحة كافي لأجل حالتي الحرجة السابقة .

قمت بأخذ القليل من الوقت الاستحمام و قصصت شعري الطويل حتى اصبح كأي طول عادي للرجال .

احميت جسدي قليلاً و ارتديت ملابسي و قلنسوتي السوداء في حين طرق احدهم الباب بهدوء .

توجهت نحو الباب و استشعرت قوة الشخص الذي كان يقع خلف الباب ، للمرة الاولى كنت سوف اقول طفل! ، لكن كانت إمرأة و كانت اضعف من اللازم .

أدرت مقبض الباب حتى تقدمت الإمرأة بشكل يثير الشك نحوي ، لم نتنظر لحظات حتى تحدثت :

_ خدمة الغرف ، هل تسمح لي سيدي بالدخول إنها المرة الثالثة و الخمسون منذ ان طرقت بابك للمرة الأولى قبل ثلاث ساعات لكنك لم تجب .

لقد اتضحت لي الصورة بسرعة حيث كان الظلام يعزل الصوت الخارجي بسبب الجندي الذي عالجني و اراد مني ان ارتاح قليلاً فقد تكفل بالأمر .

اخذت المفتاح من جيبي و ناولته إياها حيث قلت دون اكتراث :

_ هاك ، قومي بالتنظيف حتى إنتهائك من الغرفة و غادري مع وضع المفتاح امام الباب الرئيسي .

قالت بتوتر :

_ لكن سيدي وضع المفتاح أمام الباب هكذا دون مراقبة قد يجعل احد الأشخاص يسرقه منك.

قد وكلت احد الجنود بالمراقبة و تماشياً معها قلت بتهكم :

_ لا تقلقي انا ساحر مميز لدي طرقي .

فتحت ثغرها من الدهشة و تألقت اعينها بالحماس حتى انحنت احتراماً لي بعد ذلك و هي تقول :

_ اعتذاراتي سيدي الساحر الجهل يرافق الجميع و لا يمكن صده إلا بالمعرفة .

عادت إلى استقامتها و هي تغير مشاعرها من الحماس و الدهشة الى الخجل حالما لاحظتها تمسك معصمها الايسر .

_ اا استسمحك عذراً سيدي لكن انا اعتبر من عائلة جميع افرادها سحرة متقنين لكل العناصر و لكنني كنت اضعفهم فتمت إهانتي و التبرأ مني و إخراجي من تلك العائلة حتى وصلت هنا اعمل بجد حتى استطيع العيش ، لذا و إن سمحت لي ، هل يمكنك تدريبي على السحر ؟

قلت برد واحد :

_ لا ، لقد وجدت طريقكِ بنفسك ، انتي هنا تعيشين براحة اكثر مما يعيشه الناس الآخرون الذين يتمتعون بالقوة فكل هذا لا يعني الراحة في حياتهم مثلك ابقي كما انت و أيضاً لقد اتت الحرب كل الاشخاص يهتمون بأنفسهم لا غير .

كانت ستكمل لكنني غادرت المكان قبل اكمالها فقد تكشف امري انني ليست بساحر بالاصل لكن كلامي كان سيكون منطقياً بالنسبة لها .

لا زلت امشي وسط الناس الذين تصيبهم الريبة مني فقد اعتدت عليهم فهم مجرد شكاكون يذهب شكهم عند أول حقيقة يرونها .

كانت هيرين تجلس برفقة رجلان اخران مجوارها حيث كانوا يتبادلون الكلام و النكت بينما كنت امشي بحيث أرى شيئاً مثيراً للإهتمام يجعلني سعيدًا في فترة بقائي في كاسنك .

لقد تكفل لاتروس بالنسبة للمكان الذي سوف اقيم فيه انا و الجنود الباقين و الذي كان مكان كبير محصن كالقلاع التي لم ارها إلا في الكتب الخيالية آنذاك في عالمي .

اخذت قسطاً من الراحة بعد ان تعبت عيناي من كثرة البحث المستمر في أنحاء المكان و المدينة .

إتكأت على احد الجدران الذي كان بالقرب من منزل احد التجار .

" تنهدت "

فعلت نطاق واسع من الظلام مما جعلني ابحث عن اي شيء بسرعة خيالية بينما كنت جالساً على الأرض .

رأيت في الرؤية الظلامية التي كانت تعطيني الرؤية في النطاق الواسع للظلام طفلين صغيرين يتسولان في احد طرقات المشي في الجزء السكني الثاني للمقيمين .

كان أحدهما صبي بعمر الرابعة و الآخر فتاة بعمر الخامسة عاماً .

ظللت في مكاني اراقبهما بصمت حيث التسقت يد ناعمة على كتفي في حين كوني في الرؤية الظلامية .

عودة الى رؤيتي الخاصة و رأيت فتاة بعمر الخامسة عشر تبتسم لي مع يدها الممدودة على كتفي.

انزلت يدها بلطف من على كتفي حيث اومأت بإستغراب .

_ ما الأمر ايها الغامض ؟! قالتها و لا تزال الإبتسامة ترافقها .

_ ماذا ؟ انا الذي يفترض به ان يسأل . تحدثت بطفولية عابرة تناسب عمرها .

اطلقت تنهيده مع القليل من الكلام الغير مفهوم .

_ ظننتك تريد مساعدة لا اكثر . قالت بلطف .

_ لا! ، انا بخير . قلتها بكذب حيث كنت اتمزق من الملل .

ذهبت الفتاة مع طريقها حالما عودت الى الرؤية الظلامية من جديد اركز على تصرفات الطفلين .

كان الفتى يراقب وجه اخته الحزين بينما كان رأسه متكئاً على فخذيها و هو يلاعب وجهها للتخفيف عن حزنها .

كان الناس عندما يرمون القليل من النقود إليهما تهم الأخت الكبرى بأخذ النقود من على الارض و دسها في جيبها .

ملابسهما التي كانت ممزقة علامة كافية للفقر و شعرهما الفوضوي كان علامة أخرى .

**

حل الليل و قد بت اليوم كله في مكاني اراقبهما بصمت ، عندما باتت أعينهما تلمع بالنعاس اتى رجل ذو ملابس مشبوهة مقززة و قام بأخذ الطفلين معه .

عادت رؤيتي فوراً و تحركت داخل الظلام بسرعة استشعر وجودهما لأرى ماذا سيفعل بهما .

دخل الرجل مع الطفلين الذين كانا شبه نائمين الى مخزن كبير بحيث دخلت دون ان يستشعر وجودي حيث قام بإشعال الأضواء التي الكانت في المخزن و بدأ في نزع ملابس الطفلين في الليل البارد .

كانا مرهقين لم يقويا على المقاومة.

بعد انتهاءه من نزع ملابس الطفلين قام بسكب العملات المعدنيه من ملابسهما و بدأ في عدها حتى انتهى .

_ انتما الأثنين لماذا لا تعملان اكثر! كل مرة اخذ منكما النقود تكون اقل من الليلة التي قبلها. تحدث الرجل بسخط عالي .

قام الرجل برمي ملابس الطفلين و بدأ في ضربهما بوحشية كنت أرى كل ذلك و انا غير قادر على تصديق ذلك ، انهما ألطف من ان يعاملا هكذا .

بدآ في البكاء و كان يزداد ضربه لهما كلما بكيا ، كان قلبي يتمزق بغل و عندما كاد الرجل ان يضرب الفتاة الكبرى لمرة أخرى ظهرت من الظلام و بسرعة و غضب اطلقت عليه قرصاً من عين النهاية .

_ عين النهاية [ فناء للفراغ ] .

بدأ الرجل في التلاشي حيث انزلت قلنسوتي السوداء من على رأسي و ذهبت إليهما .

بدأ الطفلين في الخوف مني جراء رؤيتهم لذلك الرجل و هو يتلاشى ، قمت بأخذ ملابس الطفلين و قمت بإلباسهم إياها .

حالما انتهيت نظرت إليهما و مسحت دموعهما و قلت بحزن :

_ أنا آسف لأنكما عانيتما منه ، انا هنا الآن سوف اعتني بكما .

حالما انتهيت من كلامي قام الطفلين بمعانقتي فوراً مع بكائهما المستمر .

استدعيت الجندي المعالج خصيصاً لهما فقد كانت جروحهما و الكدمات التي كانت على وجهيهما مؤلمة لعمرهما .

عندما أردت ان انزع ايديهما قالت الأخت الكبرى بصوت مكسور :

_ ارجوك لا تدعنى و تذهب !

نزعت يدهما من على ظهري و قلت بعد ان استقام ظهرهما و كانا قد وجها نظرهما إلي :

_ انا لن اتخلى عنكم ، انتما الآن معي لن يجرأ احد على الإقتراب منكما ، و الآن سوف يعالجكما هذا الجندي لكي تستطيعا العودة الى طبيعتكما .

امسك الجندي الأخ الصغر و بدأ في معالجته.

_ احسنت صنعاً ايها الأمير ، لقد كان هذا كرماً منك ان تقوم بحماية طفلين لا يقويان على الدفاع عن نفسيهما . قال الجندي بينما كانت الأخت الكبرى تجلس على فخذي و هي متمسكة بي للغاية .

_ ما اسمكما ايها الصغرين ؟ سألت بينما اجابت الأخت الكبرى و هي تشير إلى نفسها قإلتاً.

_ انا ادعى إجلا . و من ثم اشارت إلى اخيها و قالت _ و هذا اخي يدعى ب كيرا .

ابتسمت لشدة لطافة تقديمها لإسمها و لإسم اخوها .

_ اين والداكما ؟ هل يعرفان انكما هكذا ؟ سألت مع ابتسامة لا إرادية .

_ في الواقع لا علم لنا من هما والدانا فنحن وجدنا منذ ان ولدنا في هذه المدينة دون اب و لا حتى ام فقد تم استغلالنا من هذا الشخص الغريب طيلة الثلاث سنوات التي عشناها هنا .

اخذتني العاطفة فعانقتها بقوة .

_ ايها الأمير لقد عالجته ، هل تأذن لي ان اخذ الفتاة لمعالجتها ؟ تحدث الجندي بإحترام و وقار .

مررتها له حتى امسكها و قام بفحصها بالكامل حتى انتهى .

_ سيدي الأمير هل تريد شيئاً اخر لقد انتهيت .

شكرته و ادخلته في الظلام .

نهضت ببطء من على الارض و امسكت ايديهما .

_ الآن حان وقت الرحيل .

[ منظور تونايزر ]

بعد ان عشت مع الرجل ذو القلنسوة السوداء بدأت اعلم كل شيء حصل و سوف يحصل .

لقد علمت أيضاً مكان ابني و زوجتي و علمت ماذا سيحصل معهما ، رغم ذلك لم يكن لي اي يد لتغير ماذا سيحدث لهما ، و ربما سوف ألتقي بأخي مجدداً .

_ ايها " المكان " لقد حان الوقت . تحدث الرجل ذو القلنسوة السوداء .

_ لقد حان وقت ماذا ؟ انا لا افهم .

_ فقط نم و بمجرد إدراكك سوف تعرف ماذا يجري .

نزعت قبعتي من على رأسي بينما غادر الرجل الغرفه الحجرية التي كنا فيها للنوم .

إستلقيت ببطء بسبب الفراش القاسي الذي كان تحتي .

اجريت بعض التجارب في رأسي و تخيلت اشياء كثيره ، رغم عدم تقديم موضوعه بشكل مفصل كنت سوف اتذكره لكنه طرى على رأسي فجأة بينما كنت اتخيل .

حتى لكونها قصة لم تحدث بعد استطعت تخيل مدى قوته المرعبة ، لقبه يليق به " الخيال " .

اغمضت عيناي فجأة دون علمي بعد ان تعمقت في التفكير و التخيل .

**

شعرت و في تلك اللحظة ان شيئا من جسدي قد خرج كما لو كان كل شيء املكه .

انفصلت مشاعري عن جسدي و بدأ استشعر وجود شخص بين الظلام العجيب في الأمر انني ادركت كل هذا و انا نإم لم استيقظ بعد .

_ هل هذا جيد هل تشعر بالراحة ؟ ، او ربما لا.. لا دعني اجرب هذا ، نعم هكذا جيد ، و الآن هل تشعر بالراحة ؟ تحدث رجل قبل ان استيقظ بثوان .

_ ما هذا بحقك ؟ لماذا انا هنا ؟ سألت مفزوعاً .

لقد اخرج روحي من جسدي و قد اجلسني على كرسي في الفضاء الفارغ بينما كانت عيناي تلمحان كوكب الارض الذي كان تحت كرسيي .

_ ماذا ألم يعجبك المكان ؟ حسنا.. حسنا لا بأس في ذلك ، سوف نغير هذا المكان لأجلك .

فجأة تغير المكان السيء لأسوء .

_ ثقب اسود ؟! صرخت من الرعب الذي كان معي منذ ان عرفت ماذا سوف يفعل الثقب الاسود إذ إقترب منه اي جسم له كتلة او لم يكن له كتلة .

رغم انني كنت اعرف مسبقاً الجاذبية التي بحوزته إلا انه لم يملك اي جاذبية و كأنه مجرد زينة .

_ لا تقل لي انه لم يعجبك رغم ان البشر يحبون رؤيته على ارضهم ، انسى ذلك فقط انتم غرباء على كل حال . تحدث الرجل الاصلع بكل ضجر .

بدأت عيناي تلمحان جسماً غريباً في نقطة قريبة من الثقب الاسود ، ربما ان كنت اتذكر كانت تدعى ب " نقطة الحدث " .

_ هيه انت هل ترى ذلك الجسم هناك ؟ سألت بينما كنت اشير إلى شيء صغير جداً .

_ هل تقصد ذلك الرجل ؟ لا... لا تخف ان ذلك الرجل من سمح لي ان استضيفك هنا لكن المكان لم يعجبك على ما اظن . رد الرجل الاصلع .

تغير المكان إلى نقطة فارغة لا يوجد بها اي شيء غيرنا .

_ و الآن هل المكان هنا افضل ؟ سأل الرجل الاصلع .

_ نعم اظن ذلك. قلت بينما كنت اعتاد على المكان الذي لم يكن شيء بالأصح .

_ حسنا ماذا تريد مني الآن ؟ سألت .

_ لقد ظننت انه اخبرك بهذا لكنه ليس شيئاً جديداً منه ، لكي اوضح لك كل شيء انا ادعى

ب " الرسام " .

2023/09/21 · 33 مشاهدة · 2326 كلمة
seasoned
نادي الروايات - 2025