الفصل الخمسمائة والأربعة والخمسون: التعاون
____________________________________________
كانت هناك أيضًا قوى نافذة شتى في هذه البلدان الأربعة، فبعضها تهيمن عليه العائلات، وبعضها الآخر تسيطر عليه الطوائف، بينما تخضع دول أخرى لحكم الديانات. كان المشهد يبدو فوضويًا، بل إن حقيقته كانت أشد فوضى مما يبدو عليه، وما إن علم غو شانغ بهذه المعلومات حتى بادر بالتحرك على الفور.
سعى غو شانغ لإنفاق أموال طائلة في سبيل ابتياع أسرار المهارات من بعض الطوائف الكبرى في الأنحاء، بيد أن رجاله أرسلوا إليه بعد يوم واحد خبرًا يقينًا باستحالة سلوك هذا الدرب. فالمحاربون الأقوياء في هذا العالم يحظون بمكانة بالغة الأهمية أيًا كان موضعهم، ولذا فإن أساليب التدريب، باعتبارها السبيل الرئيسي لصقلهم، لم يكن من السهل تسريبها مهما بُذلت في سبيلها من موارد أو قُدمت من أثمان باهظة.
وبالطبع، كان مردّ ذلك إلى قلة الموارد التي يملكها غو شانغ في الوقت الراهن، ولكن بعد عدة أيام، جاءه رجاله ببشرى سارة، إذ أنهم تمكنوا بعد إنفاق الكثير من المال من الاستحواذ على مزاد علني، وقد أرسل أحدهم إليه قبل يومين مخطوطة لمهارة تتعلق باختراق عالم الإدراك الغامض.
وبعد رحلة طويلة استغرقت يومًا آخر، تمكن غو شانغ أخيرًا من رؤية مخطوطة مهارة عالم الإدراك الغامض موضوعة أمامه فوق الطاولة. فتح الرسالة وألقى عليها نظرة سريعة، فلم تكن الفنون القتالية في هذا العالم تختلف كثيرًا عن مثيلاتها في العوالم الأخرى.
كان العالم المكتسب يقتصر على فتح خطوط الطاقة في الجسد، وتغذية البدن، وصقل العظام، أما ما يُدعى بعالم الفطرة فكان أبسط من ذلك، إذ يهدف إلى تقوية جميع وظائف الجسد البشري، بالإضافة إلى وجود طاقة تُدعى طاقة الفطرة، وهي طاقة قادرة على إطلاق هجمات بالغة القوة، كما يمكن استخدامها للشفاء.
بيد أن عالم الإدراك الغامض كان مختلفًا عن عوالم الفنون القتالية في الأماكن الأخرى، فقد كان أشبه بقوة خارقة، إذ يستطيع المرء من خلال تأمل بعض النقوش الغامضة فهم المعنى الخفي الكامن وراءها. ووحده النجاح في إدراك هذا الجوهر الحقيقي يمنح صاحبه فرصة الدخول إلى ذلك العالم، حيث تتضاعف قوة المحارب بشكل هائل ويتمكن من فتح سلسلة من القدرات المذهلة.
'يا له من عالم غريب، ما إن تنتهي الفنون القتالية حتى تبدأ الخوارق مباشرة.'
بعد أن تنهد في نفسه، شرع غو شانغ في التأمل فورًا. كانت المهارة التي جلبها رجاله عبارة عن رسمة مرفقة ببعض الإرشادات، وقد ترك فيها محارب قديم أثرًا من إحساسه الغامض. فالنقوش التي يتأملها اللاحقون ما هي إلا تجسيد لمشاعر غامضة خلّفها بعض الأقوياء بعد أن طبعوا فيها جوهر إدراكهم الحقيقي.
وفي ظل هذه القواعد، كلما كانت سلالة الدم أقرب إلى أولئك الأقوياء، زادت فرصة فهم المعنى. وهكذا، استطاع غو شانغ أن يتخيل بوضوح مدى ازدهار الفنون القتالية المرتبطة بسلالات الدم في هذا العالم، وقد أثار ذلك فضوله أكثر بشأن تلك البلدان التي تحكمها الديانات والطوائف، ففي ظل قاعدة بهذه القوة، لا بد أن تكون أي سلطة مرتبطة برباط الدم، فما بالك بدولة بأكملها.
نبذ غو شانغ كل الأفكار الغريبة التي راودته، وشرع في التأمل على الفور. لقد تجاوز فهمه منذ زمن طويل حدود هذا العالم، فبمجرد أن ألقى نظرة واحدة، نجح في استيعاب الجوهر الحقيقي. ويمكن القول إنه قادر على فهم أي مهارة على الفور مهما كان نوع العالم، ما لم تكن ذات شروط معقدة بشكل استثنائي، ولم يكن لهذا الأمر علاقة بمؤهلاته الخاصة.
بعد أن استشعر ما يسمى بالجوهر الحقيقي، لاحظ غو شانغ على الفور أن جسده بدأ يتغير ببطء.
"مثير للاهتمام، مثير للاهتمام حقًا..."
كان الأمر أشبه بانفجار مؤشر قدرته الفريدة التي امتلكها سابقًا، إذ بدأت لياقته البدنية تتحسن ببطء مع مرور الوقت. وبهذه الوتيرة، سيستغرق الأمر نحو نصف شهر للوصول إلى الحالة القصوى. جلس غو شانغ على كرسيه، وقد غمرته مشاعر شتى وهو يفكر في نفسه.
'كنت أخطط في الأصل لاستغلال قوة الأمير الثالث لاختراق عالم الإدراك الغامض، لكنني لم أتوقع أن أخطو إليه مباشرة بسبب هذا الأمر.'
ورغم أنه اخترق تدريبه، لم يكن بوسعه التخلي عن خط الأمير الثالث. وبعد أن استدعى بضعة رجال من المقربين إليه، استعلم بعناية عن سرعة توسع عصابة التنين الأزرق. فقبل نصف شهر، وبفضل دفعه القوي، أُطلقت بعض الاستراتيجيات التجارية الجديدة في عشرات المدن الصغيرة، مما جلب له ثروة هائلة في فترة وجيزة. ورغم أن ذلك قد لفت انتباه بعض القوى الكبرى، إلا أن الأمر كان لا يزال في حدود المسموح به.
"اذهبوا واجمعوا كل الأموال."
أصدر غو شانغ أمرًا آخر، ثم صبّ كل طاقته في النصف شهر التالي على استشعار التغيرات التي تطرأ على جسده. وكما تخيل تمامًا، بلغت قوة جسده ذروتها مرة أخرى بعد نصف شهر من التحسن، واكتسب بالإضافة إلى ذلك قدرة جديدة، وهي التحكم في الماء. بمعنى أعمق، كان بإمكانه التحكم في أي سائل يراه، لكنه لم يستطع خلق السوائل من العدم.
كان غو شانغ يتمشى في الحديقة، وبمجرد فكرة خطرت بباله، سقط طائر كان قد حطّ على كتفه أرضًا على الفور. فالتحكم في السوائل يشمل بطبيعة الحال الدم في جسد الإنسان، وكذلك السائل الدماغي الشوكي وما شابهه، وطالما كان الهدف في نطاق سيطرته، فبإمكانه القتل على الفور.
وبالطبع، كلما زادت قوة الهدف، ضعف هذا التحكم. وأمام من هم أقوى منه بكثير، يمكن القول إن هذا النوع من التحكم الداخلي لا تأثير له على الإطلاق، ولا يسعه حينها إلا استخدام المياه في العالم الخارجي أو السوائل الأخرى لشن هجمات متعددة.
سار في جولة طويلة أخرى في الحديقة، واستوعب قدرة التحكم في الماء بالكامل، وكانت العملية برمتها سهلة للغاية، ففي نهاية المطاف، لقد امتلك قدرة مماثلة من قبل. وما إن انتهى من كل ذلك، حتى وجده تشاو لاو سان، فقد حان الوقت المتفق عليه مع الأمير الثالث دوان هونغ يو، وكان الطرف الآخر ينتظره في القاعة.
نفض غو شانغ أكمامه وسار ببطء بجسده النحيل نحو القاعة. وفي وسط القاعة الفخمة، كان دوان هونغ يو لا يزال يرتدي رداءً أسودًا، وقبعة من الخيزران، وقناعًا.
"الرئيس تشانغ، لقد انقضى شهر كامل، أتساءل ما الذي فكرت فيه."
وبينما كان يتحدث، شعر غو شانغ بخيط من نية القتل ينبعث من الطرف الآخر. وبعد اختراق تدريبه، كان قد تأكد تمامًا من مستوى تدريب الأمير الثالث، والذي كان مطابقًا تمامًا لما أخبره به النظام، فقد كان هذا الرجل في ذروة عالم الإدراك الغامض.
"بالطبع لقد فكرت في الأمر بوضوح."
وقف غو شانغ ووضع كومة من الأظرف على الطاولة، ثم قال بهدوء: "من الآن فصاعدًا، أنا رجل سموّك. هذه هي هداياي، والتي يمكن القول أيضًا إنها عربون استسلامي."
عند سماع هذا الرجل يناديه بسموّك، بدا الذهول واضحًا على الأمير الثالث، فقد كان حذرًا للغاية طوال العملية، فمن أين كشف هويته؟ في تلك اللحظة، تقدم تشاو لاو سان وقال للأمير الثالث الحائر: "في النصف شهر الماضي، استولت عصابة التنين الأزرق على خمسين بالمائة من الصناعات التي في أيدي الأمير الأول، والأمير الثاني، والأمير الرابع، وكلها عمليات استحواذ مشروعة..."
"وبالإضافة إلى ذلك، لدينا أيضًا بعض الأسرار الصغيرة عن الطرف الآخر."
"آمل أن تنال إعجاب سموّك."
بعد أن قال ذلك، انحنى تشاو لاو سان وغادر المكان، ولم يتبق في القاعة سوى دوان هونغ يو الذي ازداد ذهولًا، وغو شانغ الذي لم ترتسم على وجهه أي تعابير.