13 - الارك الثاني : النظام الظالم

غادر الرفاق ( اقليم ريفر ) بعدما اطاحو بحاكمه ، وحررو كل الاسرى ، واعادو شملهم مع اهلهم ، غادرو الاقليم بعد ان عاشو الكثير خلال تواجدهم هناك ، فهاهي الذكريات تتصاعد الى ذهن زيكسل دفعة واحدة ، تلك الصدفة الجميلة التي جعلته يلتقي بالتوام ، ذلك القتال الصعب الذي جعل بلاك ينظم له ، وتلك المصيبة التي حلت بالمعبد واجعلت عيني جينييس ينفتحان للعالم ويقرر مرافقتهم ، بعد مسيرة اربعة ايام داخل ( اقليم سيريوس ) الذي كان تحت حكم احد جنود الكنيسة ، كان الرفاق يمشون بوتيرة ثابتة في مكان ما داخل غابة " رايغر " ، فجاة واذا برائحة لحم محترق قوية جدا ، جعلت الجميع يرغب بالتقيئ ، وصلت تلك الرائحة المقززة قبل صرخات متتالية ، انطلقو نحو مصدر الصوت ، كان بعيدا بعض الشيئ ، لكنهم تتبعو مصدر الدخان المنبعث ، حتى وصلو الى المكان المنشود ، كانت قرية صغيرة وسط الغابة ما ان دخلوها ،حتى سقطت عليهم الصدمة كالصاعقة ، لم يستطيعو امتصاص الصدمة بعد ، كان منظرا يقشعر له البدن ، لم يستطيعو التحرك لعدة ثواني من هول المشهد ، امراة مصلوبة وسط القرية ، والنيران تنهش ما بقي من لحم ملتصق بعظمها ، فلم يبقى هناك ملامح على وجهها من شدة تفحمها ، كان خلفها عدد كبير من الرجال والنساء مصلوبين ، ينتظرون الاعدام حرقا هم الاخرون ، لاحول ولا قوة لهم ، كانت نظرات مكبوتة على اعينهم ، مزيج من الياس والخذلان ، الحزن والغضب ، مسيطرا على كل واحد منهم ، وكان يقف امامهم ثمانية من الرجال ، كان لهم زي ابيض موحد ، وصليب ابيض كبير ، بطول اللباس ، لم يتعرف زيكسل عليهم ، فلم يكونو من فرسان الامبراطورية ، وكان باقي اهل القرية محيطون بهم ، لم يفكر زيكسل كثيرا ، فقد عادت به الذاكرة الى قريته ، الاعدام الجماعي الذي حدث في قرية زيفا ، ما حدث للعمة هيماري هناك ، لم يستطع تمالك نفسه ، لكن قبل تحركه حتى ، اظرم الحراس النار في باقي المصلوبين ، هنا اشتعل غضب زيكسل لاقصاه ، كانت ملامح زيكسل مرعبة جدا ، لدرجة ان من معه قد شعرو بالرعب منها ، لكن فجاة وقبل ان يتدخل زيكسل بثانية واحدة ، حتى تدخلت فتاة مراهقة ، كان لها شعر اصفر كصفرة خصلات الشمس ، وعينان زرقاوتان كزرقة انهار ريزاكون ، وتلبس لباسا ابيضا كبياض ثلوج جبال استريف ، وتملك سلسلة ذهبية رقيقة ملتفتا على طول ذراعها الايمن ، تدخلت بسرعة ووقفت بين المصلوبين و باقي الحراس ، ثم وبحركات خاطفة متسارعة منها ، اطفات النيران قبل ان تنتشر في كامل اجسادهم ويكونو قطعة فحمية كمن سبقتهم ، لكن هنا حدث امر غريب ، فلا احد من الحراس الثمانية حاول منعها او ايقافها ، وكانها كانت اعلى مرتبة منهم ، حتى ولو ان نظرات الانزعاج كانت بادية على وجوههم ، لكنهم انسحبو بسبب تلك الفتاة والمرارة على وجوههم، صحيح انها لم تستطع الوصول باكرا لانقاذ تلك المراة المتفحمة ، لكنها وصلت في الوقت المناسب قبل ان يصير باقي الشخاص رمادا هم الاخرون ، غادر الحراس مع الفتاة ، وكانها كانت في صفوفهم ، واسرع اهل القرية وزيكسل بتحرير باقي المصلوبين وانزالهم وتحريرهم من الاصلبة الخشبية النصف مشتعلة ، لكن اغرب ما حصل ، ان الفتاة لمحت زيكسل وبقيت تحدق فيه قبل مغادرتها طول الطريق ، وكانها كانت تعلم بما كان سيقدم عليه ، لم يفهم زيكسل الامر ، بل لم يعره اهتماما اصلا ، اسرع بانقاذ باقي المعدمين ، لكن للاسف حروقهم كانت خطيرة جدا ، فصحيح انهم لم يموتو بعد ، لكن بهاته الحروق لن يصمدو كتى صباح اليوم التالي، اسرع طبيب القرية وابنته اليهم ، حاولو معالجة حروقهم بادواتهم البسيطة ، لكن تلك الحروق كانت خطيرة جدا ، وكانها تحتاج معجزة لتشفى او شيئ من ذلك القبيل ، كل ماكان باستطاعتهما فعله ، هو تغليف اماكن الحروق بنباتات ( الارفيلا الحمراء ) بعدما جمعها زيكسل والتوام ، وساعد جينييس وابنت الطبيب في تجهيزها ، لخبرتهما في هاته المجالات ، ( الارفيلا الحمراء : نباتات صيفية ، لها خاصية امتصاص الحرارة واستهلاك قليل للمياه ) ، امضى كل سكان القرية في محاولة نجدة المصابين ومساعدتهم بشتى الطرق الممكنة ، لكن لا شيئ ، فكل دقيقة تمر كانت حالتهم تزداد سوء ، وكان عددهم يتناقص باستمرار ، كانو يفقدون شخصا كل ساعة تمر حتى بقي ثلاثة اشخاص فقط ، كان التوتر والقلق يزداد مع كل ضحية تموت

○جينيس : حالتهم تزداد سوءا ، ان لم نفعل شيئا ، لن يبقو احياءا ليشهدو طلوع الشمس
●زيكسل : الا يمكننا فعل شيئ
◇الطبيب : للاسف ، قريتنا لا تملك معدات طبية عالية ، كل ما يمكننا استخدامه هو علاج الاعشاب في مستوى متوسط ، لا غير
●زيكسل : لا يمكننا تركهم على هاته الحالة ، لا بد من وجود حل ما
◇الطبيب : انا حقا اسف ، لو كانت عندي المعدات اللازمة ، والنوعية الممتازة للاعشاب الطبية ، لكان بامكاني فعل شيئ
●زيكسل : اذن ومن يملكها

تردد الطبيب للحظات ، قبل ان تكسر ابنته اوليفر ذلك الصمت ( فتاة قروية شابة ، بلباس ريفي تقليدي ، بشعر وعينين بنيتين ، تضع زهرة على شعرها )

□اوليفر : هناك اشاعات عن مشعوذة ، بامكانها علاج مثل هاته الحالات بسهولة

انتفظ زيكسل من مكانه

●زيكسل : حقا ، اين هي
◇الطبيب : اوليفر توقفي ، لا يمكننا المخاطرة بذلك ، انت تعلمين القوانين الصارمة للكنيسة ، بشان التعامل مع الساحرات ، هاذا امر محرم ، ستكون.عواقبه جد وخيمة علينا وعلى باقي اهالي القرية
□اوليفر : وهل المفترض منا ان نبقى بدون حراك ، ومشاهدتهم يموتون ببطئ
◇الطبيب : لكن ...

قبل ان يكمل كلامه قاطعته ابنته

□اوليفر : هاذا يؤلمني كما يؤلمك تماما ، من المفترض ان نكون نحن اليد الشافية لهاته القرية ، من الفترض ان نشعر اهلها بالامان ونعالج جروحهم وامراضهم متى ما مرضو او اصابتهم مصيبة ، لكن في الاونة الاخيرة لا ارى غير الموت هنا ، اذا بقي الامر على هاذا الحال ، لن يبقى احد حي في هاته القرية ، اكانت امي لترضى بذلك

ساد صمت خفيف ، بعد اخر كلمت تفوهت بها ، فقد لمست الوتر الحساس ، لكن زيكسل كسر ذلك الصمت بعفويته المعتادة

●زيكسل : اخبروني بمكان هاته الساحرة ، سابحث عنها بنفسي ، واحظرها الى هنا

□اوليفر : لا يمكنك ذلك
●زيكسل : ماذا تعنين
□اوليفر : هاذا ان وافقت على مساعدتك ، لن تصلو الى هنا في الوقت المناسب ، فمنزلها بعيد جدا من هنا
●زيكسل : كم يبعد ؟
□اوليفر : مسيرة يوم كامل على عربة يجرها حصان ، ويوم اخر للعودة
○جينيس : سيكون الاوان قد فات
●زيكسل : تبا ، ما الذي بامكاننا فعله

هنا تدخل الطبيب وصورة حزن على وجهه

◇الطبيب : بامكانكم حملهم الى هناك ، ذلك سيقلص الوقت المستغرق ، لكن ذلك لا يضمن نجاتهم قبل وصولكم

اندهش كل من في الغرفة وانظارهم باتجاه الطبيب ، فهاهو يعطيهم الحل الانسب ، بعدما كان معارضا للفكرة من اولها ، حتى ولو كان كلامه يحمل بعض الافكار السلبية

●زيكسل : ساحملهم على ظهري ، واشق طريقي باسرع ما يمكنني
جينيس : هاذا مستحيل ، لن تستطيع ذلك لوحدك
☆التوام : نحن سنرافقه ، فنحن الاسرع هنا
◇الطبيب : هاذا افضل ، سيحمل كل منكم شخصا واحد ، هاذا سيسرع تحركاتكم
○جينيس : بقي امر الاحداثيات
◇الطبيب : اسلكو اتجاه الساعة الثانية ، دون انحراف ، ستصلون الى هناك بحلول الظهيرة
☆التوام : سنظمن لك الوصول ابكر من ذلك بكثير
●زيكسل : كيف سنعرف اننا وصلنا
◇الطبيب : عندما تجد نفسك اما احد معالم " ستون سيركل "

هلم زيكسل والتوام بالخروج ، هناك وجد بلاك متكا على الجدار الخارجي للمنزل ، لمحه زيكسل بنظرة واحدة ، ليلخص كل الكلام الذي قيل بالداخل
زيكسل : سيبقى جينيس وبلاك هنا لحماية القرية ، في حال ما عاد جنود الكنيسة
○جينيس : دعم الامر لنا

لم يدخر زيكسل والتوام اي وقت ، ازالو متاعهم ولباسهم الثقيل بسرعة ، حتى يعززو من سرعتهم ، ربط كل منهم شخصا من الثلاثة المصابين باحكام على ظهورهم ، كما حقن الطبيب المصابين الثلاث بمزيج خلطات عشبية مهدئة ومنومة ، كي لا يتاثرو بطول الطريق ، وبسرعة الرياح انطلق الثلاثة ، هدفهم كان الوصول قبل طلوع الفجر ، كان زيكسل والتوام يسابقون الريح حرفيا ، فسرعتهم كانت خيالية ، كان زيكسل يحاول مجارات التوام بكل قوته ، فسرعتهم كانت اكبر من سرعة زيكسل بشكل ملحوض لكنه كان يعوض الامر بقدرة تحمله ، قطعو مسافة يوم كامل في مدة خيالية ، وكان كلما زادو من سرعتهم ، زاد تدهور صحة المصابين ، كافح الثلاثة تعبهم وارهاقهم لاقصى درجة ، وقللو من فترات الراحة الى اقل مدة ممكنة ، كانو خلالها يتزودون بالمياه ، ويتناولون خلطة الطبيب المقوية ، لتعزز من فترة تحملهم ، وتزودهم بالطاقة الظرورية للتحرك ، كما كانو يحقنون الاسرة بالمهدئات ، ويزودوهم برشفات الماء ، خلال الطريق ، تفاجؤو بوجود العديد من القرى المحروقة والمهجورة تماما ، والجثث المصلوبة المتفحمة ، بل حتى قرى محروقة عن اخرها ، اكمل الرفاق مسيرتهم وسط كل هاته المناظر المؤلمة والبشعة في نفس الوقت ، شيئا فشيئا بدات معالم "الستون ساركل " العملاقة بالظهور امامهم ، كانت اعمدة صخرية متفرقة كبيرة ، يبلغ عددها اثنا عشرا عمودا ، مشكلة حلقتا كبيرة ، وعلى كل عمود صخري هناك حرف روني منقوش عليه ، و كان على شمالها منزل خشبي كبير ، يوحي شكله انه بني قبل الاف السنوات ، وصل الرفاق هناك ، وقد كانت اثار الارهاق الشديد والتعب المضني باديتا عليهم ، فالعرق كان ينهمر منهم كسيل متدفق غير متناهي ، واجسادهم شديدة الاحمرار ،حتى استنشاق الهواء صار امرا عسيرا ، فجاتا لمحو عجوزا كبيرتا في كامل لياقتها البدنية ، بشعر رمادي من اثر الكبر ، وتجاعيد بسيطة على وجهها ، وكان لها عينان بنفسجيتان ، ما ان لمحها زيكسل والتوام ، حتى ايقنو انها الشخص المنشود ، لكن قبل اي حركة سقط ثلاثتهم مغمى عليهم من شدة الارهاق ، فقد اختزلو يوما كاملا بالحصان والعربة الى النصف ، مرت الايام ...

بدا زيكسل بفتح عينيه تدريجيا ، كانت رايته ظبابية قليلا ، فجاة لمح العمة هيماري امامه ، لم يصدق عينه ، مد يده الى وجهها وبدا بتفحصه ، ثم فجاة بدا بتدارك الامر ، تذكر انه لا يمكن ان تكون العمة هيماري ، كيف ذلك وقد شاهدها تموت امامه ، بسرعة تدارك خطاه ، ونظر الى وجهها جيدا ، لتقع عليه الصدمة الحقيقية ، فهي لم تكن حتى العجوز المشعوذة ، بل كانت تلك الفتاة ذات الشعر الاصفر الذهبي والعينان الخضراوتان ، مسح زيكسل عينيه اكثر ، عله لايزال مشوشا ، لكن النتيجة كانت نفسها ، كانت تلك الفتاة من القرية سابقا

2020/05/06 · 270 مشاهدة · 1685 كلمة
نادي الروايات - 2024