10 - مصيري هو خدمتكِ

كان جميع السكان، كبارا وصغارا، في حركة دائمة.
زينت الطرقات وفتحت الدكاكين على جوانب لتعرض ابهى معروضاتها واشهى مأكولاتها و تعالت صوت الموسيقى في الجوّ بينما اخذ بعض الاطفال يرقصون حول العازفين.
ياله من مشهد مبهج يسرّ الانظار، من المؤلم التفكير في ان احدهم يخطط لافساد متعة هؤلاء القرويين.
تجولنا، انا وأكيرا، في الطرقات واخذنا الازقة كوجهتنا.
علينا جمع معلومات عن اماكن او اشخاص مشتبهين فيهم على الاقل حتى نعرف اين ستزرع المتفجرات، ومن الافضل سؤال الاطفال لتجنب سؤال شخص متحالف مع العدو، هذا ما قالته لي أكيرا. لكن لاشيء من هذا منعني من الاستمتاع بالاحتفال.

- آه...مع هذا المكان هنا مثل مدينة اكثر من قرية

قلت هذا بإرتياح وعفوية، عندما توقفت امام كشك لبيع الحلويات، فاجابتني الامرأة كبيرة التي تدير هذا الكشك:

- قريتنا مذهلة اليس كذلك؟ دون ذكر حجر الماء العملاق الذي نمّى مزارعنا، فقد اهتم وريث الدوق ماريلس بجميع القرى التي تدخل نطاق اراضيه. لم نقابل الدوق من قبل لكن نحن متأكدون انه شخص يستحق ان يحكمنا، نحن شاكرون له.

- حقا؟

علت وجهي ابتسامة فخورة، فانا فارس هذا الدوق في النهاية. لكن لازال شعور الضيق وعدم الارتياح يبديني.
هذا غريب، لايهم كم ان أكيرا عبقرية، هي لازالت في السابعة عشر وحسب. لقد كانت في الخامسة وحسب عندما ودعت حياتها كابنة نبيلة، دون ذكر سنتي الحرب والوقت الذي عانت فيه من مرضها النفسي، ولا حتى الوقت الذي امضته كجاسوسة للملك او في الغابة مع الوحوش.
فقط متى وجدت الوقت لتدرس؟
ان تكون في مستوى كهذا، كما لو انها امضت عمرها كله تتعلم و تمتلك خبرة واسعة، ربما بسبب قوتها؟
لا، هذا امر مستحيل مهما فكرت فيه. كلما عرفت المزيد عن أكيرا كلما ازدادت غموضا وازدادت الامور تعقيقدا.
قاطع تفكيري صوت المرأة تناديني وتقدم لي كيسا ممتلأ حلوى.

- يبدو انك لست من هنا يافتى، خذ قطع الحلوى هذه هدية مني للترحيب بك.

- شكرا لكِ ياخالة!

اخذت الكيس ولوحت للمرأة اودعها واستكملنا طريقنا. نظرت الي أكيرا باستغراب.

- هل انت بخير؟ انت طفولي كالعادة لكن...

ابتسمت لها بعفوية متسائلا عن ما تقصده واخذت اكل بعض الحلوى، التفتت اكيرا بعيدا واردفت.

- انت جيد حقا في اخفاء مشاعرك، مع ان الحقد داخلك اصبح اكبر منذ حديثك مع تلك العجوز وبعض الاطفال.

ضغطت بقوة على قطعة الحلوى بين يدي دون ان ادرك ونظرت للارض لبرهة، اخذت نفسا عميقا وابتسمت بلطف.

- بالطبع ساصبح اكثر غضبا، فهذا سخيف جدا...من يعلم كم من ابتسامة ستمحى من وجوه هؤلاء الابرياء مع حلول الليل. مجرد التفكير بهذا يجعلني ارغب بجعل دماء اولائك الملاعين مياه استحمامي.

- لاامانع اي شيء...لكن، ارجوك لاتقل هذه الاشياء بابتسامة لطيفة كهذه، لست ظريفا.

- اجل اجل. تريدين بعض الحلوى؟

- فقط القليل.

مددت كيس الحلوى تجاه أكيرا مُقهقِها. هي الوحيدة التي تستطيع الرؤية عبرنا لهذا لايجب على اي شخص اخر رؤية ضعفي غيرها.
استمررت بإجالة بصري في المكان وقلت منبهرا.

- انتِ تهتمين بالسكان جيدا، اراهن ان المملكة ليفايس لم تكن لتدخل الحرب وستكون بحال افضل ان كان الملك شخصا جيدا مثلكِ يحكمها.

- ليكس ، امل انك لم تنسى من اكون. انا ملكة الشياطين. قد تكون اهدافي سامية ومعتقداتي خيرة لكن هذا لا يعني انني شخص جيد في الحقيقة.

قالت أكيرا هذا وسارعت من خطواتها، يبدو انها تنزعج عندما يدعوها احدهم بشخص جيد.

***


بدأت الشمس بالمغيب وبدات اجواء الاحتفال تزداد تشويق واقتربنا اكثر من هدفنا.
بما ان الحجر السحري هو هدف الاعداء فان المتفجرات ستزرع بعيدة عنها لتفادي التأثير فيها، هذا ماذكرته لي أكيرا.
بعض الاطفال قاموا بدلّنا على بعض المنازل المهجورة موجودة على نفس المستوى المحيط حول مكان الحجر السحري -الذي يوجد وسط القرية تحت الارض-. تلك المنازل هي افضل المواقع للقيام بعملية مثل هذه،
لكن المشكلة هي اننا قد لا نتمكن من معرفة ايّها او كم من المنازل يوجد بها المتفجرات، بالتالي المزيد من الجهد اضيف لنا.

- يوجد تقريبا ستة اماكن. يمكنني استدعاء عشر فرسان الظل فقط وبعض الهياكل العضمية الغير المفيدة، سارسلهم لتلك المنازل. نحن لا نعرف عدد اعدائنا لكن يمكن لاتباعي مواجهتهم.

- ماذا عنا؟

- سنذهب خلف القائد ومستخدم سحر الختم. كما توجد امكانية وقوعنا بفخ، يجب ان نكون حذرين. لدينا ساعة قبل بدأ الالعاب النارية.

أومأت برأسي موافقا كلام أكيرا وذهبنا الى مواقعنا جميعا بعدما استُدعِيَ فرسان الظل وبضع هياكل عضمية ضعيفة.
لايبدو ان احد من القرية قد لاحظ اي شيء خارج عن المألوف.
يفترض ان تطلق الالعاب النارية من خارج القرية لتفادي اي مشاكل، لكن باختيار الاعداء وضع المتفجرات وسط القرية يعني انهم اختاروا جعل هذه العميلة ارهابية. مع هذا لازلت اشعر بان شيء سيئا قد يحدث، يجب ان ننتهي من هذا بسرعة.
اتجهت مع أكيرا الى نفق تحت الارض حيث يوجد حجر الماء العملاق ويتم توزيع المياه للحقول، احتمينا بخلف الحائط لاخفاء وجودنا.
يوجد خمس اشخاص من بينهم اثنين يرتديان رداءا اسود وقناعا ابيض يخفي وجههما.

- يفترض ان يكون حول هذا المكان حاجز للحماية، وجودهم هنا يعني انهم استطاعوا كسر الحاجز، بمعنى آخر، احد الاثنين صاحبا الاقنعة هو مستعمل سحر الختم والآخر...اما ان يكون الزعيم و اما ان يكون المسؤول الذي سيرشدنا للزعيم.

همست أكيرا بهذا واطلقت هالتها السحرية تحتنا وجعلتها تتسلل على الارض وتقترب من الرجال دون ان يدركوا، وحين كاد ان يلمس سحرها ظل احد الرجال، شعرت باحدهم يحدق بي. التفت الى احد صاحبيّ الاقنعة.
لقد كان ينظر الي.
اقشعر بدني لرؤية نظراته الباردة تحملق بي بصمت، بدأ رأسي يؤلمني وتضاعفت دقات قلبي، وكانه يتم نزع روحي ببطء.

- ليكس؟ هل انت بخير؟!

تفطنت لي أكيرا وبدت عليها الصدمة، مدت يدها بسرعة وحاولت جذبي خلفها بعيدا عن انظار اصحاب الاقنعة.
لقد تم اكتشاف موقعنا اسرع مما خططنا له.
رفعت أكيرا اصبعها فإلتفّت هالة سحرها حول الرجل ورمته على الحائط بقوة ثم اندفعت الفتاة للهجوم على صاحبيّ الاقنعة.
لم ادع نفسي بالخلف، سحبت سيفي وركضت نحو الرجلان لخلق مساحة لقتال لأكيرا.
اندفع احد الرجال نحوي وسحب سيفا اشتعلت فيه النار بينما الاخر بقي بالخلف يلقي تعاويذ لدعم رفيقه. لم يكونا مجرد صيادين، قوتهما اقرب لقوة الفرسان.
ظللت القي بنظراتي نحو أكيرا اثناء مراوغة هجمات الرجلين. يبدو انها تواجه وقتا عصيبا.
صاحب القناع الذي يشتبه بمستعمل سحر الختم بقي يتفادى هجمات أكيرا دون اي جهد بينما رفيقه ذو النظرات الباردة بقي واقفا يشاهدهما.
لقد نظر إلي مجددا.
مجددا نفس ذلك الاحساس. اصابني نصل سيف العدوي في يدي واعادتني حدة حرارة النار في السيف الى واقعي، كاد ان يشتت انتباهي عن قتالي مع الرجلين.
راوغت هجوم صاحب السيف وبسرعة استدرت لخلفه، امسكت يده وجذبتها خلف ضهره حتى اسقط سيفه وجثم متألما ثم صديت بسيفي كرات سحرية قادمة من رفيقه واندفعت نحوه اهدف لرجله و قطعتها بسرعة قبل ان يلقي اي تعويذة لحماية نفسه، وبهذا انتهيت من الاثنين عندي.
وجهت نظري نحو أكيرا، لازلت في نفس الموقف. مقارنة بمن قاتلتهم أنا، أصحاب الاقنعة في مستوى آخر.
اشعر بنظرات صاحب القناع -الذي يشاهد صامتا- تحرقني، هممت بالتقدم لمساعدة أكيرا غير ان التردد استولى علي.
لا اريد ان اقترب اكثر من ذلك الشخص.
ضغطت على ملابسي بيدي، اخذت نفسا عميقا واستجمعت شجاعتي، تقدمت خطوة للأمام لكن...

- ماهذه الرائحة...؟

تمتمت بهذا حالما شممت رائحة احتراق في الجوّ، لاحت علي الصدمة واجلت بنظري في كل الاركان كالمجنون.
كانت تلك رائحة بارود.
تفاجأت عند النظر الى الجهة الاخرى من المكان، كان ثلاث رجال يحملون برميلا مُلئ بالبارود ويستعدون لرميه نحونا.
لكن هذا مستحيل، ان انفجر ذلك البرميل فلن يقتلنا نحن وحسب، بل اصحاب الاقنعة وسوف تفجر حجر الماء العملاق ايضا.
التفت الى صاحب القناع الواقف متعجبا، لايبدو عليه القلق البتة.
تراجع زميله الى جانبه بلمحة بصرٍ تاركا أكيرا في غضم هجومها، يبدو ان هذه الأخيرة لم تلاحظ بعد ولم امتلك الوقت لاخبارها حيث همّ الرجال بإلقاء البرميل بالفعل.
لمس صاحب القناع حجر الماء ورفيقه واخرج من بلورة من جيبه، لم تكن سوى ثواني قليلة حتى اختفوا من امامنا.

- مالذ-- هل كانت تلك بلورة انتقال آني؟!

صرخت أكيرا متفاجأت والتفت خلفها عند سماع صوت ارتطام برميل البارود بالارض.
اخذ احد الرجال عود كبريت واشعله، ثم رماه حيث سقط البرميل.

- أكيرا! انتبهي!

اندفعت نحو أكيرا صارخا بهذه الكلمة، وبسرعة لففت هالتي السحرية حولنا لصنع حاجز لحماية أكيرا.
لم امتلك الوقت لافكر.
لم امتلك الوقت لاهرب مع أكيرا.
لم امتلك الوقت لاتخاذ قرارات عقلانية.
لايوجد اي ضمان لعيشنا بعد انفجار كمية كبيرة من البارود وعلى مسافة ضئيلة كتلك بيننا.
ليس نحن وحسب، اولائك الرجال ايضا.
حتى المكان لن يتحمّل الانفجار وقد يُهدم بالكامل والاشخاص الذين يحتفلون فوقنا قد يُصبحوا ضحية لهذا الانفجار.
لكن على الاقل علي حماية أكيرا، هي الوحيدة التي لايمكننا تحمل خسارتها.
هذا هو الشيء الوحيد الذي استطيعت التفكير فيه، فهذا هو واجبي الأولويّ.
حماية ملكتي...هذا هو مايعنيه ان أكون فارسا.
من اللحظة التي التقيت فيها بأكيرا على ساحة الحرب، قد تم تقرير مصيري، هو خدمة أكيرا حتى لو عنى الامر التخلي عن حياتي.

2020/08/18 · 227 مشاهدة · 1383 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024