9 - دقائق من لعب الشطرنج

حركت أكيرا قطع الشطرنج دون تردد.
استراتجياتها، تحركاتها، الطريقة التي تنظر بها الى القطع، لقد كانت متحكمة باللعبة كليًّا.

- الإحتفال...كانت هذه اخر كلمة للرجل الذي مات عند استجوابه.

قالت أكيرا هذا وقدّمت قطعة البيدق.

- صحيح اننا لم نستطع استجواب الرجال لكن الحقائب التي كانوا يحملونها معهم كانت كافية بالغرض.

بقيت انظر للوح الشطرنج ومركزا بصمت على كلام أكيرا بنفس الوقت.

- لقد وجدت تلك البلورات الماصة للمانا في الحقائب، اغلبها اما مكسورة وإما فارغة بسبب السحر الذي القيته انا عليها

- هل تعنين انهم أتوا لإسترداد هذه البلورات؟

- أجل.

امسكت أكيرا قطعة الحصان بين يديها لبرهة.

- كان هناك بلورات اخرى في الغابة مفعلة ولكن لم تعد موجودة في موضعها وليست عند هؤلاء الحشرات. هم لم يأتوا الى هنا بفردهم.

وضعت أكيرا قطعة الحصان في موقع أخر واسقطت بيدقي، فقلتُ:

- اذن، من اتى معهم، غادر بالبلورات المشبعة بالمانا. ومن احد اولائك الاشخاص يوجد الشخص الذي يستخدم سحر الختم ان كنت غير مخطئ.

- بالضبط، بل اكثر، على الارجح يوجد معه شخص اكثر اهمية وإلا لماذا يستعملون سحر الختم على الرجال؟ مايحملونه كشف عن الكثير.

اخذت أكيرا قطعة الملكة وحركتها، لقد كسرت دفاعي بالكامل.

- لقد وجدت بالحقائب أثار بارود.

- بارود؟!

قلت متعجبا وقد انتفضت من مكاني ثم بهدوء عدت للجلوس.

- هذا مجرد تخميم بسيط ولازلت غير متأكدة لكن، هذا على الارجح له علاقة بالالعاب النارية.

نظرت اليها متعجبا وتساءلت:

- مالذي تقصدينه؟

- ان تحدثنا عن احتفال فيجب دوما ان يتبع الكلام الالعاب النارية وهذه الأخيرة لازالت قد صنعت قبل مدة ليست ببعيدة، بمعنى أخر، من البديهي ان حدث امر خاطئ. وهل تعرف ما الكلمة الاخرى التي تصف الألعاب النارية؟

- مفرقعات؟

- نعم، يمكن قول العاب نارية، مفرقعات، وبكلمة اكثر دقة...متفجرات.

اجابت أكيرا بهذا ولم تبعد بصرها عن اللعبة ولو بلحظة. وواصلت كلامها:

- باستخدام المتفجرات كحادث او كعمل إرهابي، لا احد سيلاحظ ان الامر اكثر من هذا. ولكن الان المشكلة، اين ولماذا.

- لقد وجدنا الرجال في الجانب الغربي للغابة. وربما يوجد شيء ما بالمكان حيث الإحتفال؟

- شيء ما...هل يعقل انهم خلف حجر الماء العملاق؟ هذا حجر مانا كبير يضغ الماء في الأباري...انه موجود تحت القرية الغربية، اين تعيش ماري.

تسمرت في مكاني وعضضت شفتي، اشعر بالغضب الشديد يتدفق في عروقي.
ان كانت رغبة هؤلاء الاشخاص هي المانا فبإمكانهم عقد صفقة او العمل في مناجم لاحجار السحر.
اصطيادهم للوحوش هي جريمة بكل معنى الكلمة والان سيفجرون قرية باكملها اثناء اسعد لحظاتهم لاجل مبتغاهم؟

- أكيرا مالذي تضنين ان رئيسهم يشبه؟ اعني شخصيته...

- مالذي يشبه..؟ حسنا ان سألتني، ساقول انه مجنون ولايستحق الحياة

- انتِ لطيفة جدا أكيرا. لدي الكثير لقوله لكن لن افعل لانه من الوقاحة قول مثل تلك الكلمات امام سيد لك، خاصة ان كان آنسة.

- هذا جيد. يبدو انك تستطيع ان تكون بهذا الهدوء حتى لو كنت غاضبا. واصل هكذا، في اللحظة التي تظهر مشاعرك لخصمك، تخسر معركتك.

حركت أكيرا قطعة القلعة وشقت بها بين قطعي لخلق طريق لها.

- ليكس...أي نوع من العولم ترغب بالعيش فيه؟

تركت تركيزي عن اللعبة ونظرت الى أكيرا و أجبت بكل هدوء دون التفكير مطولا.

- الحرية والسعادة...اريد عالما حيث الكل حرّ ويستطيع الإبتسام بأمان، لا ارغب برؤية الوحوش تختبئ خوفا من البشر ولا بالعبيد يعذبون. لكن، عالم كهذا لايوجد سوى بالأحلام.

- حسنا، انت محق. لايمكنني حتى تمنّي هذا العالم لكن، يمكننا صنع عالم يشبهه.

امسكت أكيرا قطعة الملك وحركته للأمام. اخذت نفسا عميقا وواصلت كلامها.

- كيف كان شعورك؟ بماذا احسست بعد قتل من اخذوا حياة شخص عزيز علينا؟

التفتُ نحو النافذة ونظرت للخارج، كانت عتمة الليل قد طت كل شيء.

- كيف اشعر...؟ لقول الحقيقة، لا اعرف...اشعر بالغضب بمجرد التفكير بان هناك المزيد من الاشخاص يغتالون الابرياء والوحوش. شعرت بالألم وضيق بصدري عندما سكبت دماء الرجال على الارض. شعرت بالإسمئزاز بسماع صرخاتهم ورؤية وجوههم تنوح طلبا للرحمة. ولكن اضن الشعور الذي يغلب على كل هذا كان الفراغ. اشعر بفراغ كبير بقلبي. لم اعد اعرف مايفترض بي فعله او التفكير به.

تنهدت أكيرا وحركت قطعة الملكة للأمام فحوصر قطعة الملك خاصتي.

- انه شعور مريع، اليس كذلك؟

- أجل...

- لكن، لاجل العالم الذي نريده، على احدهم ان يقوم بالاعمال القذرة. مشاعرنا ليست سوى ثمن بخس ندفعه.

- ثمن بخس اذن...اضن انني بدأت افهم قليلا.

- مع هذا، الامر لايمنعك من الاستمرار من الإبتسام ليكس.

حاولت جعل الدفاع حول قطعة الملك لكن قرّبت أكيرا قطعها اكثر. وجهت بصري للوح الشطرنج وسألت:

- هل لابأس لي حقا بالإبتسام؟

- اجل، لديك ابتسامة جميلة ليكس.

قدّمت أكيرا قطعة الملك خاصتها واسقطت ملكي. رفعت رأسي فتلاقت عينانا.

- كش الملك.

لقد خسرت اللعبة، وفي المقابل كسبت شيئا مهما.
علي الاعتراف ان أكيرا ليست بارعة في التحكم بقطعها في اللعب وحسب بل من حولها ايضا، وكأن عالمها عبارة على لعبة شطرنج وهي الملك الذي يقودنا. لايمكنني تخيلها تخسر اي معركة ابدا.

- يمكنك الذهاب الان. لاتفكر كثيرا بماحدث اليوم و نم جيدا.

- حسنا.

نهضت من مكاني وهممت بالخروج حتى استوقفني صوت اكيرا مناديا بإسمي فاستدرت للخلف.

- انا أسفة.

لم اجبها بشيء، عوض هذا ابتسمت لها، واكملت طريقي لخارج الغرفة.

***


بدأت صباحي التالي بالتمرينات كالعادة. لاشيء مختلف عن العادة.
هذا المساء سنذهب لتحري امر الاحتفال. لم نستطع التواصل مع القرويين لجعلهم يخلون المكان للاحتياط ولم نستطع ايجاد اشخاص او فرسان يتطوعون للمساعدة، فنحن لانعرف اعداد العدو ولازالت توجد احتمالية كون هذا الإحتفال فخ. الشيء الوحيد الذي نستطيع فعله هو ايقاف العدو في الخفاء.
لم تبقى سوى ساعة حتى نغادر نحو القرية الغربية. طلبت من بيثريون ان يرشدني الى المقبرة لانني لا اعرف اين توجد بالضبط.
اردت توديع ماري بطريقة لائقة، مبتسما، بما انني لم استطع فعل هذا البارحة.
وضعت زهورا مختلفة الالوان، تماما كماري، زاهية وبإنطباعات مختلفة.
اقتربت للمقابر قرب مكان ماري فتجمدت بمكاني ومحِيت البسمة من وجهي وتذكرت الوقت الذي اهشت به ماري بالبكاء.
كان بين قبرَيّ والدَيّ أكيرا قبر يبدو انه تم الإعتناء به اكثر من بقية القبور.
"فيكتور ساي ماريلس" هذا هو الإسم المحفور عليه.
ان لم تخني ذاكرتي، ماري ذكرت ان الهالة حولي تشبه مثل هذا الشخص، وان كنت غير مخطئ، أكيرا تمتلك أخا اكبر منها، بل من كلام ماري وما اراه هنا، فيكتور هذا عزيز كثيرا على أكيرا.
بكلمات اخرى، انا اعطي نفس انطباع أخ أكيرا. إذن، السبب الذي جعلها تثق فيّ حقا كان لأنها تشعر ببعض الطمأنينة بجواري؟

- الى متى ستبقى تحدق بقبورهم؟

كدت ان انسى بوجود بيثريون معي.
دعوت للرحمة لاصحاب هذه القبور واستدرت للخلف قاصدا الخروج من المقبرة ولحق بي بيثريون.
بالوقت الذي عدنا فيه للقصر قامت أكيرا بتحضير عدّتِنا وبقيت تنتضر عودتنا حتى اغادر معها.
كانت تستطيع ان تترك التحضيرات لبيثريون لكنها صممت على ان يرافقني هو.
ربما تريد منا ان نحسن من الوضع بيننا؟
لكن لا اضن ان هذا قد نجح.
لم نتكلم في الطريق ابدا، مثل العادة. صحيح ان بيثريون يدربني بين الحين والأخر على استعمال الخناجر والسحر، لكن علاقتنا ببعض ليست جيدة حقا. هو لايثق بي ولا استطيع فعل شيء لتغيير رأيه فيّ.

- كلما غادرنا ابكر كلما كان افضل. ان كانت الفكرة قد وصلتك ليكس، فحرك قدميك اسرع.

قالت أكيرا هذا وقد رميت عليّ حقيبة لي وتقدمتني في السير. وضعت الحقيبة على كتفي وهممت بالمغادرة حتى امسكني بيثريون من ذراعي قائلا:

- من الافضل الا تعود أكيرا الى المنزل مصابة ولو بخدش واحد، هل تفهمني؟

لم التفت نحوه، أومأت برأسي موافقا وسحبت ذراعي ولحقت بأكيرا.
امضينا ساعة وربع فقط نمشي وشعرت بالتعب بالفعل، لم نمطتي الأحصنة بإحتمال جلبها الإنتباه، ناهيك عن ميزة الثقل على ملابسي -بالرغم من انني قد اعتدت عليها- هي لازالت تبطئني.

- هل تعرف رائحة البارود والمحروقات؟

كسرت أكيرا السكون بيننا بسؤالها هذا فأجبتها:

- أجل

- هذا جيد. لا احد يعلم كم من المتفجرات سيتم زرعها او حتى المنازل التي ستحرق، على الاقل ان كنت تستطيع معرفة رائحة البارود المحترق فسيساعد هذا كثيرا.

غطت أكيرا رأسها جيدا بعبائتها وواصلت الحديث.

- نحن في الجانب السلبي. لانعلم حتى ان كان هذا فخا، لهذا من الافضل اخذ احتياطاتنا. شعري الأبيض واعيني الحمراء سيبرزان كثيرا لهذا من الافضل لي اخفاء نفسي

- حتى أنا؟

- لا...لا اضن انها مشكلة لك، مضهرك العادي والمسالم لن يجلب انتباه أحد، بل يمكننا الاستفادة منه لاستجواب المدنيين دون شعورهم بالارتباك والقلق

لا اعرف ان كان علي الغضب او الإنزعاج من كلام أكيرا الجارح، لكن لهذه المرة فقط اشعر بالإرتياح. ان اعطي انطباعا مسالما و مضهري القروي قد يكون مفيدا بين الحين والآخر

- أه...يمكنك رؤية القرية الأن من هنا.

وجهت نظري ابعد لتأمل القرية من بعيد فلاحت على محياي مظاهر التعجب. لازلنا نبعد الكثير حتى نصل نحو مقصدنا ومع هذا يمكن رؤية القرية بكل وضوح، انها ومن دون شكّ أكبر من القرية العادية بثلاثة اضعاف مساحتها، اضافة على اعداد الحقول التي تحيط بها.

- هل يوجد خطب ما؟

سألت أكيرا، نظرت اليها واشرت باصبعي على مكان القرية.

- اليست كلمة مدينة انسب من قرية؟

- همم؟ مالذي تعنيه؟

- لاشيء، انسي الامر.

2020/08/17 · 228 مشاهدة · 1412 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024