- آه...لقد ماتت.

قالت أكيرا بكل برودة، كما لو أنها لا تهتم، التفتتْ الى اليمين و استدعتْ ثلاثة من فرسان الظل وامرتْهم بالبحث عن اي شيء او شخص مشبوه.
شعرتُ بدمعة تسيل على خدّي، اردت الصراخ بشدة.
امعنت النظر الى جثة ماري فإذا بها تتحرك قليلا، لقد كان هنا وحش صغير مصاب بين يديها.
ماري كانت تقوم بحمايته من دون اي شكّ.

- الى متى ستظل تبكي؟ لدينا عمل نقوم به

قول أكيرا هذا جعلني اخلع ثوب الولاء والإحترام.
ماري كانت، قبل دقائق وحسب، تبتسم و تجامل أكيرا وكأنها ابنتها الحقيقية، مع هذا، تلك الفتاة، تتصرف وكانها لم تقابل ماري من قبل. مجرد رؤية وجهها الغير معبر يجعلني غاضبا.
شعرت باليأس المميت، والغضب القاتل، وبغيظ حانق يطحن نفَسي. اندفعت نحو أكيرا وجذبتها من ملابسها حول عنقها.

- ماخطبكِ بحق السماء؟! لماذا تتصرفين هكذا؟! ماري تراكِ كإبنتها والان انتِ...تتعاملين مع موتها وكانه شيء لا يعنيكِ. توجد حدود لكل شيءِ! من قد يهتم بالعمل بينما جثة شخص عزيز عليك امامكِ مباشرة؟!

- اذن ماذا؟ تريدني ان ابكي و أنوح لموتها؟ ان كان هذا ماعنيته، فهل عليّ البكاء للضحايا الاخرين ايضا؟ مئات الناس تفقد حياتها كل يوم بشتى الطرق، البكاء لن يعيدهم للحياة. نفس الشيء مع ماري، هذا خطأها من البداية. اخبرتها مرارا وتكرارا الا تأتي الى هنا ومع ذلك استمرت بالمجيء وسببت مقتل نفسها، لا يوجد شيـ--

قاطعت كلام أكيرا عندما اسديت لكمة قوية في وجهها لدرجة انها تركت أثرا عليها.
سماعها تواصل كلامها افقدني صوابي، وجعلني لا افرق بين الصواب والخطأ، تماما مثل الثور، لا أرى سوى الأحمر.

- لماذا انتِ قاسية هكذا؟! اليس لديكِ قلب؟ هل حقا لاتهتمين بموت أحدهم ولو كان شخصا بمثابة عائلة لكِ؟ انتِ مجنونة حقا! وحش بلا مشاعر! إعتذري! اعتذري لماري!

نظرت الي أكيرا بعيني ثم بصقت دمًا على الارض.
لقد لكمتها باقوى ما لدي ناسيًا ان جسد الفتيات ارق من الرجال، ويبدو ان أكيرا لا تختلف عنهنّ بشيء، مع ان ضربتي لم تحركها من مكانها.

- أعتذر؟ لماذا؟ لانني قاسية؟ لانني مجنونة؟ او ربما لأنني وحش بلا مشاعر؟ لماذا علي الاعتذار لكوني وحشا بلا قلب عندما لم يعتذر اي احد على نزع هذا القلب مني؟

شعرت بالم شديد وضيق بصدري عند سماع هذه الكلمات ورؤية وجه أكيرا.
عيناها فارغتان حقا، وجهها عابس كالعادة، و الهالة حولها باردة مثل اي وقت ومع هذا هي، تبدو مكسورة القلب.
عاد فرسان الظل حاملين مجموعة من الرجال. تفحصت أكيرا المكان بهدوء، وكأن شيئا لم يحدث، واستدعت فارس ظل آخر.

- احمل جثة ماري الى بيثريون، البقية اصتحبوا هؤلاء الرجال الى الغرفة الأرضية.

قالت أكيرا هذا و انحنت لحمل الوحش الصغير الذي كان بين يدي ماري. ثم نظرت الي.

- هل تريد الإنتقام؟

احكمت قبضتي واستولى علي جوع مشبع بالغضب والحقد، لازلت غاضبا. لايمكنني اخفاء مشاعري بعد الآن.

- الاشخاص الطيبون يحضَون دوما بنهاية سعيدة، اشعر بالغباء لتصديقي لهذه الامور. لقول الحقيقة، لا ارغب بالإنتقام فعليا لكن ان كان بإمكاني، اريد لعنهم وتعذيبهم، اريدهم ان يمروا بما فعلوا لضحاياهم.

- هل هذا ماترغب به؟ حسنا...

تنهدت أكيرا و رفعت رأسها ثم نظرت الي.

- تبدو الآن أكثر مثل شخص يخدم جانب الظلام، لا اكره هذا. سارسل بعض فرسان الظل لتمشيط الغابة، يجب ان نعود الان.

***


هذه هي المرة الاولى التي آتي بها لهذا المكان، الطابق الأرضي او بالأحرى سجن القصر تحت الارض.
المكان مظلم رغم أعداد المشاعل المعلقة على جدرانه المشققة، إخضرّت بعض الاركان بسبب الندى والبعض الآخر اسودّت. يمكنك ان ترى آثار دماء متخثرة على الأرض وحتى على الجدار بشكل يد.
لم تسمح لي أكيرا بالدخول وتركتني خارج الغرفة بينما تستجوب الرجال الذين وجدهم فرسان الظل، قالت ان الوقت لازال مبكرا على رؤية اشياء كهذه، مع ذلك، لازال بإمكاني سماع وبكل وضوح صرخات وإستنجاد اولائك الرجال وطلبهم الرحمة. انه بالفعل عالم مختلف عن العالم الذي عشت به.

- لابد انك تمازحني!

قالت أكيرا بصوت عالٍ وفتحت الباب بقوة، نظرت الي بغضب لكن سرعان ما عادة الى طبيعتها الباردة.

- المكان فوضوي قليلا لكن يمكنك الدخول.

دخلت الغرفة فتجمدت بمكاني عند رؤية ذلك المنظر؛ كان الرجال مربوطين بالكراسي، بعضهم فقدَ عددا من اسنانه والآخر فقدَ أظافره، لكن لم تكن هذه هي المشكلة، أحد هؤلاء الرجال انتشرت بقع سوداء -لم تكن موجودة- على جسده ابتداءا من صدره، ناهيك عن الهالة السحرية حوله، لقد مات او بالأحرى لقد لعن للموت.

- انه نوع من سحر الختم، في الوقت الذي قرر فيه الاعتراف بكل شيء، تفعل السحر وقتله.

اقتربت الى بقية الرجال وكشفت عن صدرهم ثم جعلت هالة رقيقة حول عيني.
جميعهم يمتلك نفس الختم معقود حول قلبهم، مازاد الأمر تعقيدا كان ان احساس الهالة التي يعطيه هذا السحر هو نفس الذي يعطيه احساس الهالة التي تحيط ببلورات امتصاص المانا في الغابة. انهما سحر نفس الشخص.

- لم احس باي مانا مشبوهة منهم الا عندما تفعل الختم. الذهاب بعيدا كإلقاء ختم عالي المستوى كهذا...على اي حال لايمكننا فعل شيء ببقية هؤلاء الصيادين، الفرسان او اي من كانوا. لدينا بالفعل مايكفي من المعلومات، هم سيموتون على اي حال.

- مالذي علينا فعله بهم الآن؟ هل علي التخلص منهم او...؟

سأل بيثريون منزلا رأسه ينتضر إجابة، توقفت أكيرا بينما كانت تغادر الغرفة و نظرت نحوي.

- ليكس، تخلص منهم انت.

غادرت أكيرا الغرفة وتبعها بيثريون بعد ان رمقني بنظرة شرسة.
اردت انهاء الامر سريعا ومغادرة هذا المكان المريع. سحبت سيفي ووجهته لعنق احدهم. باستثناء الشخص الذي مات بالختم، البقية كتمت افواههم بالقماش حتى لا يعترضوا عملية الإستجواب. قربت السيف اكثر حتى ضغط على رقبته و سال الدم، بدأ الرجل بالبكاء والنهيق طلبا للرحمة وتبعه رفاقه.

- كم هذا مضحك...يمكنكم اخذ حياة مخلوقات بريئة بكل سهولة وقمتم حتى بقتل امرأة لطيفة لاشأن لها باعمالكم ومن يعلم ماقمتم به ايضا، ومع ذلك، هاانتم ذا تذللون انفسكم وتبكون لاجل حياتكم الرخيصة. حقا...كم ان غرور البشر مقزز.

وضعت كلتا يدي على مقبض السيف وركزت به قوتي حتى غرس باكمله برقبة الرجل ولازال ثلاثة آخرون ينتظرون دورهم.
و على الرغم من هذا، اشعر بالخيبة لتفكيري بوجه ماري المشرق بينما دماؤهم تغطّي سيفي وتسقط القطرات الحمراء على ملابسي.
لم تطفء شرارة الغضب داخلي حتى بعد قتلهم، لكن شعرت بضيق حاد بصدري و لم استطع ايقاف يدي عن الإرتعاش فسقط سيفي واحدث صوت ارتطام قوي بالأرضية.
الامر مختلف تماما عن ساحة الحرب، اذن هذا مايعنيه اغتيال أحدهم.
استغرقت ساعة ونصف للاستحمام وتنظيف ملابسي. احدى الوحوش -التي دائما اراها تتسكع هنا وهناك في القصر- اتى الي ناقلا كلمات أكيرا.

«تعال عندما تنهي اعمالك، نحتاج للحديث»

هذا ماذكر لي، اشك في اننا سنتحدث وحسب. على اي حال، كان علي الذهاب للاعتذار منها حتى ان لم تطلب مني المجيء.
اقتربت للباب وهممت بالدخول، لكني توقفت حالما سمعت أكيرا تتحدث مع أحدهم، مع بيثريون.
قررت ان اطرق الباب لكن لم ارد مقاطعة حديثهما، كما انني شعرت بالفضول لأعرف عن ماذا يتحاوران. قربت أذني للباب.

« - لن اعتذر.

- أعرف انكِ لاتريدين الإعتذار أكيرا، لكن عليكِ إخباره الحقيقة على الأقل. ليكس لن يستطيع خدمتكِ جيدا طالما هو لايفهمكِ.»

هما يتحدثان عني؟

« - لا اتوقع منه ان يفهم ابدا. ضننت انك لا تحب اختياري لليكس ليكون فارسي، لم تعد تعترض قراري؟

- بالطبع لازلت اكره هذا، هو لن يستطيع حمايتكِ. لا اريدكِ ان تخبريه لكن الامر يؤلمني عندما ينتقدكِ لشيء لا يعرف عنه شيئاً.

- كل شيء له وقته كما تعلم. ربما غضبه مني يسيء علاقتنا لكنه يساعد على تطوير شخصيته، هذا مفيد لي.

- حسنا، ان كان هذا ماتضنينه. بشأن ماري...

- هل...فعلت كما طلبت منك؟»

احسست بتغير طفيف على نبرة صوت أكيرا.

« - أجل...لقد دفنتها قرب قبر والدتكِ.

- هذا جيد. يمكنك الذهاب الان»

اذن لقد دفنوا ماري في مقبرة عائلة الدوق.
مقبرة صغيرة توجد في الجزء الشرقي لهذه الغابة، تمّ تخصيصها للاصحاب دماء الدوق ماريلس.
ان تدفن مربيتها قرب أمها...
أكيرا ترى ماري كجزء من عائلتها وعلى الارجح موتها اثر بها اكثر مني -انا من قابل ماري اليوم وحسب- لا اصدق انني قلت كلاما قاسيا لها وافرغت غضبي عليها دون التفكير بعقلانية.
سمعت صوت خطوات اقدام تقترب فابتعدت عن الباب قبل ان يفتح. نظر الي بيثريون ثم ذهب، انه مستذئب وله حواس حادة، على الارجح تفطن لقدومي منذ البداية ولم يرغب بالكشف عني. في اليد الاخرى، لا اضن ان أكيرا قد تفطنت لي.

- اجلس هنا امامي.

قالت لي أكيرا هذا حالما دخلتُ الغرفة.
لم تكن غرفتها مختلفة كثيرا عن غرفتي،
سرير يتوسط الحائط الأيمن ومكتب صغير مع أريكة وكراسي وطاولة احتلوا الجزء الأيسر.
بعض اللوحات علقت على الجدران المهترمة وتوجد بعض النباتات التي تسلقت الحائط حتى وصلت السقف. المكان كان نظيفا لكن مثل غرفةٍ أثرية قديمة. هذا القصر مثل مكبٍ للخردة بالنسبة للنبلاء وبعض الناس لكن، بالنسبة لي فقد كان جميلا بطابعه الخاص، لم املّ من رسمه ابدا.
كانت أكيرا جالسة على الأريكة وامامها لوح شطرنج على الطاولة. كانت تمسك بقطعة الملك البيضاء بيدها، بكل هدوء، تحدق بها.
جلستُ امامها بصمت ونظرت للوح، جزء القطع البيضاء -بخلاف الملك الذي بيدها- موجه نحوي، بينما امام أكيرا جزء القطع السوداء.
ألقت أكيرا بصرها علي ورمت لي قطعة الملك.

- مهتم للعب جولة شطرنج معي؟

2020/08/16 · 216 مشاهدة · 1422 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024