يومان قد مرّا منذ ذلك الحين، امضيت كل هذه المدة في التدريب والدراسة ويمكن القول انني تحسنت قليلا مقارنة بأول يوم.

الان اعتدت على ميزة الثقل عليّ ونجحت في رسم دائرة سحرية بسيطة، لم اتمكن من هزيمة الفارس مع ان وِقفتي وتلويح سيفي جيدان.


- انت تفتقد للسرعة والقوة البدنية.


هذا ما قاله لي بيثريون اثناء تدريبي على استعمال الخناجر.

انه محق، ربما أنا اتقن بعض الحركات والمهارات مسبقا وانا سريع التعلم لكن، هذا لايعد شيئا ان لم استطع ان اكون سريعا بما فيه الكفاية لرؤية تحركات خصوم مثل فارس الظل و بيثريون. لايمكنني فعل شيء كقطع احدهم او مواجهتهم ان لم اكن قويا بما فيه الكفاية.

انا لازلت ضعيفا، ربما انا قوي بالنسبة للبشر لكن في هذا الجانب المظلم، انا كالطفل تماما.


- لقد تعبت...


قلت هذا وسقطت على الأرض بينما عاد فارس الظل الى ظلي.

انه وقت الراحة. بقيت انظر الى السماء بصمت، ياله من لون رمادي مقية، ان تواصل هكذا فستهطل الامطار قريبا ويصبح التدريب أصعب عليّ.


- هاه؟ لازال هناك من يستعمل ساحة التدريب هذه؟


التفت بسرعة نحو مصدر هذا الصوت الغير مألوف، لقد كان صوت امرأة في الثلاثينات على الاقل، ترتدي ملابس القرويين وتحمل سلة بيدها، لقد كانت بشرية مسالمة.

نهضت وسألتها من هي فإقتربت مني واجابة:


- انا مجرد خادمة في هذا القصر، ماري هو اسمي، والان من انت؟


- لماذا علي تصديقكِ؟ يوجد فقط خادم واحد هنا وهو بيثريون


- انت...ان سألك احد عن اسمك بعد ان عرّف على نفسه فعليك اجابته، من الوقاحة قول ذلك الكلام، انت قاسٍ بالنسبة لطفل بعمرك


اشعر بالهزيمة لكن لايجب علي السماح لاي احد بالدخول بكل بساطة. سمعت خطوات اقدام متسارعة قادمة نحونا.


- ماري؟! كم مرة علينا القول لكِ بالاّ تأتي الى هنا مجددا؟


- بيثريون! مرة فترة، لقد احضرت بعض الشاي الذي تحبه


- انتِ...


وقفت حائرا، بيثريون -الذي رمقني بغضب وبغض منذ اول لقاء لنا حتى الآن- يضهر تعابير قلق على وجهه امام هذه المرأة، ربما قالت الحقيقة بشأن كونها خادمة للقصر.

إلتفت نحو هذه الآخيرة فصدمت عندما وجدتها تحدق بي وسألت:


- بالمناسبة من هذا الطفل؟


- أنا لست طفلا! انا في السادسة عشر من عمري!


انفعلت قليلا على ماري لتكرارها مناداتي بالطفل، حمحمت ورددت:


- انا ليكس، فارس أكيرا.


- هاه؟! فارس؟! الست صغيرا على هذه... الامور...؟ أكيرا ايضا...آه..صحيح، يبلغ الفتيان عند الرابعة عشر والفتيات عند الخامسة عشر...من البديهي ايجاد من بعمركم يتزوجون ويعملون...لابد ان الامر صعب عليك ليكس...


- لابأس عندي، ايضا اعتذر على تصرفي قبل قليل


ربتت ماري على رأسي وابتسمت.


- لامشكلة على الإطلاق، في الحقيقة انه خطئي...لم اكن واضحة بكلامي، انا ماري..كنت خادمة في هذا القصر قبل ان تطردني أكيرا.


- كنتِ اذن...


- حسنا ليكس، ساتي للبحث عنك لاحقا امّا الآن...علي الذهاب الى أكيرا! لم ارها منذ سنتين، اراك لاحقا!


ارتسمت على ماري ضحكة عريضة ودخلت لداخل القصر بسرعة وتركت وحيدا مع بيثريون.


- هي نقيض أكيرا تماما...


- اجل، هي طفولية ومشرقة بالنسبة لشخص بعمرها.


قال بيثريون هذا وصمت، ثم دخل القصر خلفها و تركني وحيدا.

ثلاث ساعات قد مرت، اتخذت مكانا لي تحت احدى الأشجار واخذت اقرأ كتابا عن سحر النار واحول تطبيق ما اتعلمه، مرة فاثنين ثم السابعة نجحت باشعال جمرة نار صغيرة على يدي سرعان ما انطفأت بالهواء.


- هل كان هذا سحر؟!


التفت ليساري لاجد ماري واقفة تنظر الي منبهرة، تحمل بيدها طبقا به توت بري و شاي. امأت برأسي وربتت على الارض بجانبي ادعوها للجلوس عوض البقاء واقفة.

جلست ماري بجانبي متحمسة واردفت.


- ليكس، انت تعرف القراءة واستعمال السحر؟ هذا مدهش! لقد ضننتك فتًا عاديا، انا اشعر بالغيرة


- اسف لكوني عادي المظهر...


لقد امضيت سنوات ادرس السحر وقابلت الكثير من الفرسان من مستعملي سحر رائع حتى نسيت ان الكثير من الاشخاص لا يستعملون السحر واغلبهم من العامة بسبب عدم معرفتهم القراءة اضافة لنُدرة كتب السحر.

اخذت بعض التوت البري وتناولته، كانت حموضته تطغي على حلاوته، لم اتناول توتا بريا بهذه اللذة من قبل.


- من اين احضرتي هذا التوت البري ماري؟


- هذا؟ لقد وجدته في منتصف طريقي داخل الغابة. لذيذ، اليس كذلك؟


- اجل! والان حين افكر بهذا، لماذا جئتي للقصر من جزء الغابة حيث ساحة التدريب؟


- ذلك لان ذلك الطريق اسرع. انظر...


اشارت ماري بإصبعها غربا وواصلت الحديث.


- اعيش في قرية في هذا الإتجاه. هذه الغابة بالنسبة للآخرين 'ملعونة' لهذا لااحد يقترب من هنا ولايمكنني استئجار عربة لنقلي. ان سلكت هذا الطريق فساصل الى هنا بسرعة.


- ولكن ماذا ان تعرضتي للخطر؟ او ربما ضعتي؟ هذه غابة كبيرة كما تعرفين


- لا يمكن. يوجد طريق خصصته أكيرا لي، ساكون بامان ولن اضيع طالما لا اغادر ذلك المسلك. مارأيك؟ ان تقوم أكيرا بهذا فقط لاجلي...أليست الألطف؟


تجمدت بي مكاني ولم اجب ماري.

أكيرا لطيفة؟ لم افكر بهذا من قبل، بالأحرى هذا صعب التخيل.

القيت نظرة على ماري فوجدتها بكل حنان تبتسم.


- لقد...لقد فقدت زوجي ورضيعي منذ زمن فإستولى علي اليأس ورغبة بالموت. تلك المدة أتت الي امرأة غاية في الجمال حتى ان الناس حولها يجسدونها كنبعٍ للطف والحنان. «لماذا لاتعملين عندي؟» هذا ماقالته لي بعد ان وضعت بهدوء رضيعها بين احضانها. لم استطع مسك دموعي وانا انضر لذلك الآخير نائم كالملاك بين يدي ووافقت على العمل كخادمة ومربية لهذا الرضيع. لقد كانت أكيرا.


- انت ربيتي أكيرا منذ الصغر اذن؟


- أجل...لقد ربيتها كإبنتي الحقيقية، كان شعورا لا يوصف، كيف اقولها...


ازيلت تعابير الامومة واستبدلت بسرعة الى تعابيرها المتحمسة المعتادة.


- كان عليك رؤيتها! أكيرا كانت ألطف مخلوق في العالم! كانت صغيرة جدا ورقيقة لدرجة كنا نخاف من ان تسقط وهي تلحق بأخيها بكل مكان! كانت الظرافة نفسها بشعرها الاسود اللامع واعينها الحمراء الياقوتية! بنظرة واحد منها تقع بالحب! لقد كنا واثقين انها ستكبر لتصبح اجمل آنسة في الكون! وفي النهاية....في..النهاية...


تغيرت تعابير وجه ماري واحاطت بها جوّ من الإحباط.


- في النهاية كبرت لتصبح ذلك الشيء...


الشيء؟ لا اعرف بشأن الاخرين لكن وصف أكيرا بـ"ذلك الشيء" نوعا ما...

مجددا، تغير الجو حول ماري واصبحت منفعلة.


- اعني! لقد كنت قلقة عليها حين كانت صغيرة بعد ان ذهبت لداخل الغابة حيث الوحوش وعندما عادت -بعد سنوات- قامت بطردي مع بعض الخدم الذين ارادوا خدمتها الى النهاية! هل تعرف مالذي قالته لي؟! عندما رفضت المغادرة وسالتها عن السبب تقدمت نحوي وقالت بكل برودة...


لاحت على وجه ماري الجدية والإنزعاج تماما كوجه اخر معروف، ماري محترفة حقا بهذا.


- «لماذا طردتكِ؟ انظري الى نفسكِ مجددا ياعجوز، انتِ ثرثارة مزعجة وصوتكِ عالٍ ولاتقومين بعملكِ كما ينبغي. كيف لي ألا اطردكِ؟» لقد قالت لي هذا بكل برودة! اقصد، صحيح انني سابلغ الاربعين قريبا لكنني لازلت صغيرة ورشيقة، كيف لها مناداتي بالعجوز؟! مجرد التفكير بهذا يغضبني


- الان هذا شيء استطيع تخيله عن أكيرا...


تنهدت ماري وعلت على وجهها بسمة مشرقة.


- لكن..هي فعلت هذا لاجلي. الوحوش والحرب وكونها ملكة الشياطين..بقاؤنا معها سيعرضنا للخطر وان لم تكن أكيرا قاسية ذلك الوقت لما تركتها ابدا..هي دائما تطردني عندما اتي لزيارتها ولكنها انتهت بصنع ذلك المسلكِ عبر الغابة لأجلي وتسمح لي بالبقاء ليومين على الاقل. لا استطيع فهمها لكن اضن ان هذا هو مايجعلني احبها. اشعر بالغيرة منك لانك اصبحت فارسا لها وتستطيع البقاء معها طوال الوقت. مع ان هذا غريب، اعني سماح أكيرا لك بمرافقتها، ربما هي ترى بك شيئا مميزا عن البقية؟ حسنا...خلاصة الكلام، أكيرا لا تفعل اي شيء قاسٍ الا ان كان لديها سبب معين.


صمتت ماري وبقيت ترتشف الشاي وعم الهدوء اخيرا للحظات ثم قالت:


- ليكس، هل تحب أكير؟


- لـ..ليس ذلك النوع من الحب على الأقل.


لقد فاجأني سؤال ماري حقا.

هل وقعت بحب أكيرا؟ لا اضن ان هذا سيحدث ابدا، انا شعرت بالخوف منها مسبقا لكن الان، انا معجب بها او بمعنى ادق معجب بافكارها واحترمها.


- لا اريد ان اكون قاسية ليكس لكن، اضن ان هذا للافضل. انا احب قصص الحب بين الأميرة وفارسها لكن انا افضل لو تتزوج أكيرا بامير وسيم. من الافضل ان يكون اشقر باعين زرقاء كالمحيط واوسم الشباب على هذه الارض، كم سيكون جميلا لو وقع بحبها بالنظرة الاولى و يعِدها بالبقاء بجانبها الى الابد. ولابد ان يكون اكبر منها سنا واطول واقوى منها ليحميها. اه! انا لا اعني اي شيء كما تعلم


- اجل، وصلت الفكرة. لكن أمير...نظرا لشخصية أكيرا المنزعجة، لا ليمكنني تخيلها تقبل حب شخص من النبلاء، اضن انها مناسبة اكثر لشخص مسالم ليس له اي علاقة بالطبقة النبيلة او ماشابه


- حسنا، طالما انه يحبها فهذا يكفي! انا اريد رؤية احفادي بسرعة! اريد ان ارى نهاية أكيرا سعيدة! نهاية...سعيدة..أكيرا ستحصل على نهايتها السعيدة، صحيح؟


بطريقة ما، الجوّ حولنا اصبح ثقيلا.


- مهما اردنا، مهما حاولنا، مهما فعلنا...بعض القصص فقط لا تمتلك نهاية سعيدة...هذا غير عادل. اريد رؤية أكيرا تبتسم مرة اخرى، هي تستطيع الابتسام خاصة للسخرية وإثارة اعصاب اعدائها لكن كل ذلك مزيف. اريدها ان تبتسم من اعماق قلبها وتعود ولو للحظات الى ذاتها الحقيقية. ليكس...هل تستطيع الاعتناء بأكيرا حتى تلك اللحظة؟


لم تكن الكلمات متشابهة لكن لم تكن مختلفة، هذا الجوّ وهذه التعابير، تماما مثل طلب أشباه البشر في ذلك الوقت. حتى لو لم اكن موجودا الكثير يهتمون لامر أكيرا ويحبونها، هي ليست وحيدة. ادراك هذا وحده جعلني سعيدا فإفترت على شفتيّ ابتسامة رقة وطيبة.


- أجل! ساكون بجانبها دوما واحميها!


- فيكتور..؟


امسكت ماري وجهي على حين غرة وبقيت تحدق بي، بكل صمت. ثم ابتسمت ابتسامة يغلب عليها الحزن ونزلت دموعها وحاولت الحديث رغم ارتجاف صوتها الباكي وخرجت الكلمات منها بصعوبة، متقطعة:


- آه...انها الهالة المحيطة..بك...لقد فهمت...مايميزك حقا...انت مثله تماما...أكيرا تلك...ما خطبها...؟ تتصرف وكان لا شيء يعنيها...و...و تحضر..شخصا مثلك معها...كل هذا وقت...هي لازالت...تهتم...هي....


لم استطع فهم ماجرى حينها، حاولت تهدأت ماري قليلا لكنها لم تتوقف عن البكاء، لكن لم يمنعها هذا من الإبتسام، يالها من مشاعر مختلطة معقدة.

بعد ذلك اصبحت ماري متعلقة أكثر بأكيرا ولم تسمح لي الفرصة للسؤالها عن ماحدث قبل قليل، لكنها بدت أسعد من قبل.


- شكرا على اليوم، اردت البقاء اكثر لكن علي الذهاب الان.


قالت ماري بان سبب مجيئها في الاصل هو الإطمئنان على أكيرا بعد عودتها من الحرب. يبدو ان المملكة ستحتفل بإنتصارها بمافيهم قرية ماري و هذه الاخيرة لديها الكثير من الاعمال للاستعدادات.

اقتربت ماري مني قبل المغادرة وهمست بأذني.


- سيكون من الجيد لو وقعت انت بحب أكيرا، كعذر لماحدث قبل ساعات ساخبرك سرًا. بالرغم من برودة أكيرا ومضهرها القاسي فهي لازالت تمتلك قلب فتاة داخلها...أكيرا تحب الأشياء الظريفة!


ابتعدت ماري وضحكت بسرور ثم لوحت بيدها لتوديعنا وشقت طريقها نحو الغابة.

عدنا الى داخل القصر فاقتربت أكيرا مني وسألت:


- مالذي تحدثتما عنه؟


- لاشيء يذكر...


- همم...حقا؟


لم استطع القول بكل بساطة ان ماري اخبرتني عن سرها. لكن ينتابني الفضول حقا عن ماعنته في ذلك الوقت، عندما قالت "فيكتور".

انه ومن دون اي شكّ اسم شخص مقرب لأكيرا، وعندما ذكرت ان الهالة حولي هو مايميزني وانها 'مثله'، هل عنت ان هالتي تشبه ذلك الشخص، فيكتور؟

اردت سؤال أكيرا بشان هذا لكن، دخل بيثريون على عجلة من امره نحونا مضطربا:


- لقد...لقد سمعت صراخا الان قادما من الغابة!


- مـ-ماذا...؟!


اندفعنا، أكيرا وانا نحو الغابة دون التردد للحظة وتتبعنا مصدر الصوت.

كان بنفس طريق ماري في الغابة.

تتبعنا المسلك لكن لم نجد اي اثر لاي شخص. قفزت امامنا فجأة احدى الوحوش البرية، بدت وكانها هاربة من شيء ما. التفت الى يميني وتقدمت اكثر لداخل الغابة.

لقد رأيتها، رأيت جثة هامدة على الارض عن بعد خطوات مني.

احتبس تنفّسي، وتناقصت دقّات قلبي، فشعرت بوجهي يشحب، ووضعت يدي على فمي حين احسست بصرخة كادت تخرج.


- مـ-ماري...؟


2020/08/15 · 223 مشاهدة · 1800 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024