أمضيت نصف يوم داخل ذلك الكهف مع أكيرا انتظر ان تشفى إصاباتي بالكامل بفضل الدواء السحري الذي تناولته.
قصصت حكايتي على أكيرا ورغبتي في الرسم ورؤية العالم فوعدتني بأنها ستحترم رغباتي وتحميني في هذه الرحلة.
كما انني اكتشفت اشياء كثيرة عن الوحوش والسحر وعنها ايضا.
ذلك المخلوق الصغير كان إسمه "كيويكو" ويوجد بكثرة في الغابات قرب الكهوف ويوجد انواع كثيرة من المخلوقات مثله وهي عموما برية وتعيش في الغابات وفي اماكن مهجورة من البشر وهي مثل الحيوانات بالنسبة للوحوش الذكية.
الوحوش الذكية مثل البشر، تعيش في قرى داخل غابات مهجورة بعيدا عن البشر، وحتى ثقافاتها تتطابق معنا، الشيء الوحيد المختلف كان شكلها.
اشباه البشر مثلا يمتلكون جسدا بشريا لكن لهم اذان وذيول حيوانات وقوة بدنية و قوة 'مانا' اكبر باضعاف من البشر العاديين.
يوجد ايضا المستذئبون لكنهم كانوا مختلفين عن ماوصفوا في الكتب. لايتحولون عند ظهور القمر بل هم متحولون طوال اليوم، مثل اشباه البشر لكن يملؤهم الفراء ولهم رأس كالذئب. وتوجد ايضا انواع اخرى من الوحوش الذكية لكن سميت بالشياطين عامةً لانها تختلف في الشكل من واحدة الى اخرى؛ وحش بقرون تشبه الشياطين الحقيقية،
وحش هلامي يتكلم،
وحش على شكل غراب،
وحش بأجنحة....
حتى السحر يختلف من شخص لآخر حسب المانا، فالبعض يتعلم السحر والاخر يولد بقدرة خاصة ومعظم البشر في العامة يستخدمون ادوات سحرية تمتص المانا في الهواء وتطلقه حسب الحاجة، والمانا هي كل مايحيط بنا من طاقة طبيعية، طاقة الحياة.
بالنسبة لي، يمكنني استعمال سحر التعزيز عليّ وعلى سيفي، قالت أكيرا ان سحري من النوع الذي علي ان اختاره انا، اتعلمه واطوره وليس سحرا معطًا الي منذ الولادة.
حسنا، انا فارس يستخدم السيف لهذا لا اظن ان علي تعلم اشياء اخرى خلاف سحر التعزيز.
كل قوة سحرية تأخذ شيئا من مستعملها كمقابل وتختلف مايؤخذ حسب قوة السحر المستعمل.
السحر العادي مثل خاصتي لايستهلك شيئا يستحق الذكر لكن الامر يختلف بالنسبة لبعض اعلى رتبة وبقوى مميزة، وبالطبع كل ذلك يعد لاشيء مقارنة باعلى قوتين سحريتين، والذي لا يولد به سوى شخص فقط في العالم لكن يمكن إستعمالهما -بعد إمضاء سنوات من التعلم- و بتضحية بشرية. سحر الضوء وسحر الظلام الذي يخص أكيرا.
سحر الضوء هو سحر الحياة، بينما سحر الظلام هو الموت. مقابل استعمال سحر الضوء هو الكثير من المانا مايجعله يأخذ من حياة مستخدمه بكل مرة يستعمله.
أكيرا لم تخبرني عن مقابل إستخدام سحر الظلام لكني لا اضن انه شيء سيء مثل اخذ الحياة ففي النهاية في الحرب التي دارت خلال هذه السنتين، هي كانت تستخدم سحرها طوال الوقت.
مافاجأني حقا هو حديث أكيرا عن نفسها.
لم تكن مرتاحة اثناء الحديث لكنها كانت صادقة واخبرتني باقصى ما يمكنها إخباري في الوقت الحالي.
هذه الفتاة في السابعة عشر من عمرها اي اكبر مني بسنة، كما انها من عائلة نبيلة، لكن لم تخبرني اي عائلة نبيلة.
لقد قتلت عائلتها امام عينيها عندما كانت في الخامسة وحسب وبسبب ذلك ايقضت قوة الظلام داخلها وقتلت الجاني نتيجة الغضب ثم عانت من مرض نفسي نتيجة فقدان احبائها و إبيضت خصلات من شعرها وهربت بعد اشهر من القصر.
امضت أكيرا ثماني سنوات قاسية في إحدى الغابات بعد ان وجدها الوحوش واخذوا مسؤولية رعايتها على عاطقهم.
لقد كانت سعيدة في البداية لكن احد الوحوش ضهر واطلق على نفسه ملك الشياطين وقاد الوحوش الى مهاجمة البشر وقتل كل من إعترض طريقه وكان معضمهم من اصدقاء أكيرا. إبيضّ المزيد من خصلات شعر الفتاة حزنا عليهم.
حين بلغت أكيرا العاشرة من عمرها، إكتشفت مجموعة من الفرسان يصطادون الوحوش بامر من احد النبلاء.
الوحوش تمتلك قوة سحرية كبيرة، لهذا يتم اصطيادها، المتاجرة بها، اخذ المانا خاصتها لصنع ادوات سحرية اي قتلها.
لم تتحمل أكيرا مشاهدة ذلك وانفجرت من الغضب وإنتهى الأمر بقتلها للفرسان، وإبيضّ شعرها بالكامل.
فقدت الفتاة ثقتها بالبشر وفقدت إحساسها بإنسانيتها واصبحت دمية بلامشاعر تقتل كل من وقع تحت ناظريها وانتهت بقتل خطيبة الأمير الثاني وعائلتها حين علمت انهم منخرطون في اعمال التجارة بالوحوش وجريمة قتل عائلتها، وهكذا اصبحت خائنة للعائلة الملكية.
لا اظن ان كل مافعلته أكيرا خاطئ لكن الامر ليس بيدي لاقرر ماهو الصواب عن الخطأ، وحتى لو ارادت أكيرا الإنتقام فقتل احدهم مبالغ فيه، من الجيد ان أكيرا نفسها تتفهم الأمر.
عندما ذكرت أكيرا عن الخطر وحماية الوحوش، لم اتوقع ابدا انها عنت حمايتهم من البشر.
قالت انه من الصعب التفسير كيف، لهذا ستريني بنفسها، وها نحن الان في وسط هذه الغابة.
غابة موحشة كثيفة الأشجار الشاهقة التي تحجب عنها أشعة الشمس، بعض كيويكو والمخلوقات الاخرى تتتبعنا او تراقبنا من بعيد.
كلما توغلنا اكثر كلما ارى نباتات جديدة ومختلفة لاتوجد سوى في الكتب القديمة وادركت اننا دخلنا الى منطقة الوحوش.
أكيرا لاتجد اي صعوبة في قيادة الطريق كما لو انها مالكة هذه الأرض.
لكن هذه الارض بالفعل ملك لأحد النبلاء، الدوق ماريلس المتوفي ان لم تخني ذاكرتي، سمعت انه قد تم وراثة كل اراضيه وامواله لاحد ابنائه الذي اخذ لقب الدوق من بعده، او هذا ماقالته الإشاعات.
لست مهتما حقا بهذا الدوق غير انه غريب ومشبوه به، لا احد رأى وجهه، كما انه الدوق الثاني للمملكة، لقد وصف بولائه للملك واصبح يده اليمنى، ناهيك على ان جميع اراضيه غابات مثل التي نحن فيها، وان كان ماقالته أكيرا عن وجود قرى للوحوش في هذه الغابات صحيح، فان اراضي الدوق هي المقصودة بالمهجورة.
لا اعرف ان كانت مصادفة كونه مهملا او انه تعمّد هجر هذه الاراضي لاجل الوحوش وربما باسوء سيناريو يستغل هذه الاراضي لإصطياد الوحوش المسكينة.

- "لقد وصلنا."

قاطع سلسلة افكاري صوت أكيرا ووقفت منصدما بما اراه امامي.
يستطيع اي شخص رؤية هذا المشهد كشجرة عجوز التفت حولها النباتات المتسلقة الذابلة لكن الامر لم يكن على هذا النحو بالنسبة لمستعملي السحر. لم تكن الشجرة عجوز، بل كانت ميتة، ان ادققت النظر في الاسفل فستلاحظ ان حتى الاعشاب والأرض ميتة.
كانت هالة غريبة تحيط بالشجرة، شعرت ببدء المانا خاصتي بالتذبذب وكانه يتم امتصاصها.
لم اترك الإرتباك يضعفني واطلقت قوتي السحرية بشكل هالة رقيقة حول عينيّ ورأيتها.
شيء يشبه البلورة قد غرس داخل الشجرة، ادركت حينها ان تلك الأدات عنيت كفخ لإمتصاص مانا المخلوقات المسكينة حين تمر قرب هذه الشجرة.

- "يبدو انك ادركت ما الغرض من هذا الفخ بالفعل، انت اذكى مما تصورت."

قالت أكيرا هذا وهي تخرج من حقيبتها -السحرية- نظارات وكتابا وقلم رسم.
نظرت إلى وجهي المتعجب من كيفية معرفتها لما افكر فيه وقالت:

- "لا تكن متعجبا هكذا، انت مثل الكتاب المفتوح، من البديهي ان اعرف ما تفكر به."

شعرت بالحرج الشديد والإنزعاج معا، فبينما هي تستطيع قراءتي كالكتاب المفتوح، تعابيرها الباردة تجعل من المستحيل لي معرفة ما تفكر هي به.
اخذت أكيرا النظارات ولفّتها بهالتها السوداء ثم اعطتها لي قائلة:

- "هذه البلورة تمتص المانا بجسدك الأن ولا يجب عليك إستخدام سحرك على عينيك، لقد اخبرتني مسبقا ان مستواك في استعمال السحر عادي لهذا من الغير المسؤول ان اسمح لك بإستخدام سحرك وأنا موجودة، ارتدي هذه النظارات عوض ذلك."

شعرت ببعض الإهانة لشرفي كنبيل ورجل لان علي الإعتماد على فتاة لاجل مساعدتي وحمايتي، لكنني لم استطع مخالفة رأيها، مقارنة بي، أكيرا في مستوى آخر تماما.
اشعر وكانه لا فائدة مني بجانب أكيرا، انا ذكي لكني لست بذكائها وفطنتها، انا قوي لكني لست بقوتها، حتى لو كنت من دماء نبيلة فلا فائدة من ذلك بما ان مملكة ليفايس سقطت. الشيء الوحيد الذي استطيع فعله هو ان لا اكون عقبة بوجه أكيرا وهدفها.
ارتديت النظارات بعد إلغاء السحر بين عيني، كان الامر مدهشا، مقارنة بالوقت الذي استخدمت به سحري الخاص، الصورة الأن بتفاصيل اوضح بكثير.

- "لقد قلت مسبقا انك تحب الرسم. وقت مثالي، يمكنني الرسم جيدا لكن ليس بالمستوى الذي احتاجه. هل تضن ان بإمكانك رسم الشجرة والبلورة بتفاصيل واضحة طبق الأصل؟"

سألت أكيرا هذا رامية علي الكتاب والقلم. لم افهم حاجتها بالرسمة فسألتها مستغربا:

- "مالذي تحتاجينه برسمة لهذا الفخّ؟"

- دلائل. من يعلم متى سنحتاج الى دليل لهذه الجرائم، لهذا من الأفضل القيام باي شيء من الممكن ان يساعدنا مستقبلا. يوجد ادات سحرية تلتقط مايشبه الصور اخترعت حديثا لكن لم استطع وضع يدي عليها بعد لهذا سنستخدم الطريقة التقليدية وهي الرسم. كتاب الرسم هذا لك من الان وصاعدا، اتوقع الكثير منك ليكس.

لم اعرف كيف علي الإستجابة لمشاعري الأن. انا اشعر بالإنزعاج من معرفة أكيرا لما اشعر به من مجرد تعابير وجه بسيطة. وكانها تحاول القول انني لست بلا فائدة كما اظن بطريقة غير مباشرة. لكني سعيد، انا سعيد انها تؤمن بي وتعتمد علي أيضا.

***


امضيت نصف ساعة وانا ارسم.
كانت هذه اول رسمة لي بعد الخروج من الغرفة في قصر الدوق. إعتدت على الرسم اعتمادا على خيالي والوصف في الكتب، احيانا اتمكن من رسم ما اراه من خلال النافذة من عصافير وشجرة لكن هذه المرة مختلفة، انها كخطوتي الاولى في طريق حريتي.

- "ليس سيئا."

قالت أكيرا ملقية نظرة على كتاب الرسم. التفتت نحو الشجرة وإقتربت منها ثم مدت يدها ولامست جذعها حيث البلورة.

- "لقد تم إلقاء سحر الختم على هذه البلورة لهذا لا يمكنني إخراجها، حذّرت الوحوش من الإقتراب من هذه الأشجار بالفعل لهذا لم تعد مشكلة كبيرة."

اطلقت أكيرا هالتها واحاطت بالشجرة، شعرت بثقل ضغط إمتصاص مانا خاصتي يخف من صدري.
اردت النهوض من مكاني بما ان عملي قد إنتهى لكن لم امتلك طاقة كافية برجليّ لأقف. التفت أكيرا الي ومدت يدها قائلة:

- "لقد تم إمتصاص الكثير من طاقتك، المانا خاصتك. في الوقت الراهن سنذهب لنرتاح ولتعمق علاقتك بالوحوش الاخرى."

اخذت أكيرا بيدي وسحبتني، لم استطع حفظ توازني فكدت اقع. امسكتني بسرعة وجعلتني ارتكز على شجرة ثم دارت للإتجاه المعاكس وجثمت على ركبتها.

- "المسافة ليست بطويلة لكن سيكون من الاسهل ان احملك على ظهري على جعلك تمشي بمفردك. الاّ اذا كنت تريد مني حملك كالأميرة مثل المرة الماضية؟"

احمرت وجنتاي خجلا. اي شخص يرانا اول مرة دون معرفة جنسنا، سيظن ان أكيرا الفارس الذي يحمي -أنا- أميرته العزيزة.
رغم إنزعاجي إلا انني لم استطع إنكار الأمر، يوجد فرق سنة فقط بيننا لكني اقصر من أكيرا بصنتمترات ووجهي مقارنة بها طفولي.
على الأرجح هذا يجعلها تعاملني و كأنني لازلت طفلا، لكن الامر لم يكن بيدي.
في الوقت الذي امضيته في قصر الدوق، تمر احيانا ايام لا اتناول فيها الطعام او اتعرض للشمس حتى، لم تعطى لجسدي فرصة للنمو مثل الجميع.

- "ساشرب الحليب اكثر وساصبح اطول منكِ يوما ما..."

تمتمت بهذه الكلمات بعد ان صعدت على ظهر أكيرا محاولا إخفاء إحمرار وجهي عنها، واكملنا طريقنا وسط الغابة.

2020/08/11 · 246 مشاهدة · 1614 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024