هكذا اختفى ريو تحت أضواء الشوارع التي تتراقص كما لو كانت تحتفل بمروره، تاركًا خلفه ظلًا طويلًا يثبت أن عظمته لا نهاية لها.

...

في صباحٍ اليوم التالي، وكما اعتاد، استيقظ ريو مبكرًا وبدأ روتينه اليومي. تناول فطوره بسرعة، ثم توجه نحو الباب للخروج إلى التدريب، لكن ما إن فتحه حتى فوجئ برجل يقف أمامه.

كان رجلًا في منتصف العمر، بشعرٍ أسود قصير، تتوسطه بقعة صلعاء لامعة تكاد تعمي البصر من شدة لمعانها. وجهه يحمل بعض التجاعيد، وشاربه القصير يضفي عليه مسحة من القِدم. كان قصير القامة، ببطنٍ منتفخ يضغط على أزرار بدلته الرسمية، وكأنها بالكاد تناسبه.

كان هذا هو السيد لي، صاحب العمارة وزوج السيدة لي.

فور رؤيته، فهم ريو سبب الزيارة. لقد جاء من أجل توقيع عقد البيع.

قال ريو بابتسامة لطيفة لم تظهر بوضوح من خلف شعره الأسود الكثيف المتساقط على وجهه:

"سيد لي، صباح الخير."

أجابه السيد لي بصوت رتيب، لا يحمل دفئًا ولا غضبًا، لكنه كان محايدًا إلى حد بارد، فيما لم تُخفَ نظرة الاحتقار في عينيه.

"صباح الخير، سيد كيم."

رفع ريو حاجبه قليلًا، ثم قال بنبرة مباشرة:

"سيد لي، يبدو أنك متجه إلى عملك، لذا من الأفضل أن ننهي الأمور بسرعة."

لم يكن في مزاج لإضاعة الوقت مع هذا الأحمق، لذا قرر التعجيل.

رد عليه السيد لي وهو يلوّح بيده بسرعة:

"نعم، أنا ذاهب إلى العمال، فلنُسرع."

كان من الواضح أنه هو الآخر لا يريد إطالة الحديث.

دخلا معًا إلى شقة ريو، حيث جلسا متقابلين، وبينهما طاولة يتوسطها عقد البيع.

قال السيد لي وهو يفتح يده بإيماءة تحمل شيئًا من الاستسلام:

"بصراحة، لا أعرف كيف أقنعت زوجتي ببيع العمارة لك."

ضحك ريو بخفة:

"ههه، سيد لي، في الحقيقة، كان ذلك مجرد اقتراح مني للسيدة لي."

رفع السيد لي رأسه قليلًا، وبدت على وجهه لمحة فضول:

"أنا حقًا أريد أن أعرف، لماذا تريد شراء هذه العمارة القديمة؟"

ابتسم ريو قليلًا، ونظر من النافذة للحظة وكأن ذكريات مرت أمام عينيه.

"سيد لي، أنت تعرف وضعي."

أومأ السيد لي برأسه بتأكيد بسيط.

تابع ريو بنبرة هادئة:

"عندما سمعت أن السيدة لي حامل، وخطر الحمل كبير، خطرت لي فكرة شراء العمارة منكما، وبالأموال يمكنكما الانتقال إلى داخل مدينة سيول، حيث الأمان، وبيئة أفضل لراحتها وراحة الجنين. كما أنه أقرب إلى عملك."

قال السيد لي وهو ينظر إلى الأرض ويفرك راحة يده ببطء:

"بصراحة، حصلت على منزل في سيول قريب من مكان عملي، وكنت أفكر في البيع بعد أن عرفت بحمل زوجتي، لكن السعر لم يكن مناسبًا."

سأله ريو وهو يضع يده على الطاولة بنظرة ثابتة:

"حقًا؟ كم عُرض عليك؟"

أجاب بصوت منخفض:

"خمسة وعشرون مليون دولار."

قال ريو وهو ينظر في عينيه بثقة:

"أنا عرضت خمسة وثلاثين مليون دولار."

تجمد وجه السيد لي لثوانٍ، ثم ابتسم ابتسامة باهتة وهو يهز رأسه ببطء...

لم يحتج الأمر لأكثر من لحظة حتى وافق، وتم توقيع العقد بينهما.

غادر السيد لي الشقة بعد دقائق، وبقي ريو واقفًا أمام الباب، ينظر إلى العقد ثم ابتسم بخفة.

"قد يبدو الأمر غبيًا، شراء عمارة مهجورة... لكن عما قريب، ستساوي هذه العمارة جبالًا من النقود."

...

خرج ريو بعدها إلى التدريب. كان قد سجّل مؤخرًا في نادٍ رياضي وعيّن مدربًا خاصًا ليبدأ مسيرته في فنون القتال.

قضى ريو يومه بالكامل في النادي، يتدرب دون اكتراث للوقت. أنفاسه المتلاحقة، العرق الذي يقطر من جبينه، والصوت الحاد لارتطام قبضاته بالوسادات، كل ذلك شكّل سيمفونية صامتة لطموحه المتقد.

وعندما شعر أن الوقت قد حان للتوقف، لأنه كان عليه زيارة شخص معين، قرر إنهاء التمرين.

أخذ حمامًا سريعًا في النادي، ثم خرج بخطوات بطيئة، وكأن قدميه ترفضان التحرك.

وبينما كان يمر بجانب واجهة مبنى لعرض الملابس، نظر إلى انعكاسه في الزجاج... مظهره رث، ملابسه قديمة، باهتة، رغم أن ما في جيبه يكفي ليختفي هذا الانطباع تمامًا.

تمتم لنفسه:

"لا يمكنني زيارة أحد بهذا المظهر."

دخل ريو إلى المتجر. اقتربت منه إحدى الموظفات للترحيب، فتاة قصيرة، بشعرٍ أسود مربوط على شكل كعكتين. كان وجهها كرويًا يعطي لمحة من دمية، وعيناها الزرقاوان الكبيرتان تحملان نظرة احتقار خافتة، بسبب مظهره، لكنها خضعت لتدريب مهني محترف، فأخفت الأمر بسرعة.

بصراحة، لم يهتم ريو بنظرتها... فهو يملك المال، وفي زمنٍ أصبحت فيه المظاهر هي كل شيء، ماذا عساها أن تفعل؟

قالت الموظفة بابتسامة رسمية:

"سيدي، في ماذا يمكنني مساعدتك؟"

رد بهدوء:

"أريد ملابس مناسبة... من أجل موعد."

اختار ريو ملابس بسيطة: قميص أبيض، سروال أسود أنيق، حزام جلدي بني، وحذاء جلدي أسود لامع.

نظر إلى نفسه في المرآة... كان هناك شيء ناقص، شيء يخرب المظهر قليلاً.

شعره الأسود الطويل، الأشعث، كان يغطي عينيه. أرجعه إلى الخلف بأصابعه، ليكشف عن وجه وسيم بزوايا حادة وعيون سوداء خالية من المشاعر، وتحت إحداها نقطة سوداء صغيرة.

كانت هذه الشامة ما يُفرق بينه وبين جين.

شعرت الفتاة بصدمة واضحة وهي تحدّق فيه، فقد تغيّر مظهره بالكامل بمجرد أن كشف عن وجهه.

دفع ريو ثمن الملابس وخرج دون أن يلقي نظرة إضافية عليها، رغم أن وجهها كان قد احمرّ من شدة الخجل.

"إنه... وسيم..." تمتمت الفتاة، ثم بدأت تلوّح بيدها كالمروحة على وجهها الساخن.

في طريقه، توقف ريو عند بائع زهور، واشترى باقة ورود بيضاء. "يجب ان تحب زهور بيضاء" تمتم ريو لنفسه. كل من رآه في الطريق، لم يستطع إخفاء دهشته من وسامته.

"انظري، إنه وسيم جدًا!"

"من هي المحظوظة التي سيقابلها؟"

"اللعنة... هذا وغد وسيم جدًا!"

كانت النظرات تلاحقه، والهمسات تنتشر حوله كالموج. فتيات احمرّت وجوههن خجلًا، وشبان شتموه بغيرة مكتومة.

لكن ريو، كالعادة، لم يهتم.

---

عندما اقترب ريو من المكان الذي سيقابل فيه شخصًا لم يره منذ زمنٍ طويل، شعر مع كل خطوة بثقلٍ عجيب، كما لو أن جسده يرفض التقدُّم.

كان قلبه ينبض ببطء، وصدره يعلو ويهبط بصعوبة، كأن الهواء يرفض الدخول إليه.

وعندما وصل، وقف أمام بوابة المقبرة.

كانت شواهد القبور أول من استقبله، صامتة، باردة، تراقبه دون حكم.

بعض الناس يدخلون ويخرجون، يحملون الزهور، أو يودّعون دموعهم.

سار ريو ببطء، كأن الأرض تمسك قدميه لتمنعه.

وصل إلى طرف المقبرة، حيث كان هناك قبر نمت حوله الأعشاب الضارة.

من الواضح أنه مضى وقت طويل منذ أن زاره أحد.

انحنى قليلًا، وحدّق في النقش القديم.

"يبدو أن لا أحد اعتنى بقبرك..."

صمت ريو، قبل أن تنفلت منه الكلمة التي ظل يحتجزها طويلاً:

"... أمي."

خرجت الكلمة من فمه بثقل، كأنها تحمل عمرًا من الألم.

"انظري... لقد أحضرتُ زهورًا بيضاء. أظن أنك كنتِ تحبينها."

ركع على الأرض، وبدأ بإزالة الأعشاب الضارة بأصابعه، التي كانت ترتجف قليلًا.

"أعلم أنكِ غاضبة مني... لأني لم آتِ لزيارتك طوال هذا الوقت. أنا آسف، حقًا آسف."

كان يزيح الأعشاب بحذر، وكأنها تلتف حول قلبه، لا حول القبر فقط.

"لكن... أنتِ تعرفين، كثير من الأمور حدثت خلال الفترة التي لم أركِ فيها."

مع كل كلمة قالها، شعر بخطين دافئين يسيلان على وجنتيه.

كانت دموعه، صامتة، لكنها تحمل كل ما كتمه قلبه.

"بالمناسبة... كدت أموت على يد وحش، لكن لولا كلماتك التي ظلت ترنّ في رأسي، لما وقفت مجددًا. هل ما زلتِ تفكرين فيّ... حتى بعد رحيلك؟"

تنهد ببطء، ثم ابتسم ابتسامة حزينة.

"أيضًا... لدي شخص تهتم بي. اسمها إيفا، فتاة صغيرة، مرحة، لطيفة... وذكية."

بينما كان يخبر أمه بكل ما في قلبه، لم يلاحظ إيفا التي كانت تطير خلفه بصمت، تستمع لكلماته بعينين دامعتين.

"كما أنني اشتريتُ عمارة اليوم. أحاول الخروج من الماضي... أريد أن أعيش حياتي."

كلماته تعثّرت، لم تعد تصمد... دموعه فضحت كل ما في قلبه من ألم.

في الحقيقة، كانت أم ريو مسيقظة من رتبة SS، وقد ضحّت بحياتها لمواجهة وحش خطير لحماية المدينة، تاركة ريو وجين بعمر خمس سنوات، وأختهما الصغيرة بعمر ثلاث سنوات.

"أمي... لماذا ذهبتِ وتركتِني؟ لماذا؟ ... لماذا؟"

كان ريو يبكي بكل ما فيه. ذلك الطفل الصغير الذي فقد أمّه، عاد وانهار داخله.

"أمي... بصراحة، لم أعد أهتم بما يحدث أو سيحدث في هذا العالم... لكنني سأندم، حقًا، إن لم أنتقم من أجلك. لذلك... ارقدي بسلام. سأفعل كل ما يلزم."

بقي ريو في المقبرة، صامتًا، حتى جاء حارس المقبرة.

"سيدي... يجب أن ترحل الآن. المقبرة ستغلق أبوابها."

عاد ريو إلى وعيه ببطء، ووقف، مسح دموعه، ونظر إلى الحارس.

"سيدي، سأطلب منك خدمة... هل يمكنك الاعتناء بهذا القبر من أجلي؟ سأدفع لك ألف دولار كل شهر."

تفاجأ حارس المقبرة من العرض، لكنه وافق بسرعة وهو يضع يده على قلبه.

خرج ريو من المقبرة، وأخرج هاتفه. كانت الساعة تشير إلى السابعة مساءً.

"آه، من المفترض أن سيد لي انتقل إلى منزله الجديد... هل عليّ إرسال هدية تهنئة؟"

أخرج هاتفًا آخر، وبدأ بإرسال عدة صور وفيديوهات لزوجة السيد لي وهي تمارس الجنس مع عشيقها، إلى جانب نتائج تحليل النسب ورسائل حديثة تثبت خيانتها.

بعد أن تأكّد من أن كل شيء تمّ، ومن عدم وجود كاميرات مراقبة، حطم الهاتف إلى قطع صغيرة برجله، بعنف.

"كان عليكِ، أيتها السيدة لي، أن تلتزمي بالاتفاق... لكنكِ خنتِه. آسف... إن كان عليكِ لوم أحد، فلومي نفسك."

أما ما سيحدث بعد ذلك، فلم يهتم ريو.

سار نحو نادي قمار، وبدعم من خاتم الخداع والبصيرة، نجح في كسب 300 مليون دولار في ليلة واحدة، من عشرة نوادٍ مختلفة.

أما ما حدث مع عائلة لي؟

عندما رأى السيد لي الصور والفيديوهات، شرب كحولًا حتى أغرق روحه، ثم تشاجر مع زوجته، وبعدها... قتال حب حياتها و أنهى حياته معها.

---

2025/05/13 · 11 مشاهدة · 1434 كلمة
General_13
نادي الروايات - 2025