---
عندما عاد ريو إلى العمارة، كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءً. أضواء الشوارع كانت تترنح، تشتعل وتنطفئ كأنها ترقص على إيقاع غير مرئي. الناس يتسارعون، بعضهم عائد إلى دفء منزله، وآخرون في طريقهم نحو صخب العشاء والسهر، فاليوم كان يوم سبت.
صعد ريو بسرعة إلى الطابق الخامس، وبينما مرّ بجانب باب شقة جاره وصاحب العمارة، عزّز سمعه باستخدام المانا، محاولًا التقاط أي صوت خلف الباب. في الحقيقة، ريو لا يستطيع استخدام المانا—كان يمتلك نقطة مانا واحدة فقط من قبل فجأة، ارتفعت كمية المانا لديه إلى 21 نقطة، كل هذا تغيّر منذ أن حصل على بطاقة "هرقل" من المستوى SSS. ورغم أن تقدم البطاقة لا يزال محدودًا، إلا أنها حسّنت جسده كثيرًا. أصبح أقوى، وتم طرد كمية كبيرة من السموم والشوائب من جسده، مثل آثار الكحول ودخان السجائر، مما حسّن بشرته و ارتفعت كمية المانا وأعطاه تحكمًا أسهل في المانا.
"يبدو أنهم خرجوا الليلة..." تمتم ريو، وارتفعت زاوية شفتيه بابتسامة خفيفة، بينما انعكست أضواء المصباح المتذبذبة على عينيه، كأنها تفضح شيئًا خفيًا في داخله.
دخل إلى منزله، واستراح قليلًا، ثم غيّر ملابسه إلى ملابس سوداء.
بعد ذلك خرج إلى الشرفة. وقف هناك، يضع يديه في جيبيه، ينظر إلى الشوارع حيث كان الناس يتحركون مثل النمل، يسيرون بلا توقف وسط ضوء المدينة المتقطع. الهواء البارد لفح وجهه بلطف، وحرك خصلات شعره السوداء. ابتسم ريو بخفة وهو يراقب هذا المشهد.
[أيها المضيف، ماذا تفعل؟] جاء صوت إيفا فجأة، وظهرت كما لو أن الفراغ نفسه انفتح لها طريقًا.
"لا شيء، فقط أراقب هذا المشهد الجميل."
سبب ظهور إيفا المفاجئ يعود لما شرحته سابقًا، حيث قالت إن دخول مساحة نظام الروليت يتيح الاتصال بها بسهولة متى أراد.
[ما الجميل في ذلك؟ مجرد بشر يركضون، وأضواء شوارع المدينة معطلة، تعمل أحيانًا وتتوقف أحيانًا.]
"هذا هو الجمال... أن ترى كيف يكافحون من أجل حياة أفضل."
[ما زلت لا أفهم.]
"بطبيعة الحال لن تفهمي، فأنتِ لستِ كائنًا حيًا."
[من قال إنني لست كائنًا حيًا؟ لدي مشاعر، وهذا يعني أنني كائن حي.]
تجمّد ريو للحظة. لم يكن يعلم أن لإيفا مشاعر حقيقية مثل البشر. كان يعتقد أنها مجرد بيانات في نظام الروليت، لكن تصرفاتها لم تكن تصرفات آلة. في الواقع، يبدو الأمر منطقيًا؛ فهي مديرة روليت حظ على مستوى SSS اختارها الكون الحقيقي نفسه، وإن كان من صنع الروليت قادراً على منح قوى خارقة أو كشف معلومات عن المستقبل، فكيف لا يمنح مديرة النظام مشاعر؟
"ربما امتلاككِ لمشاعر يجعلكِ كائنًا حيًا... لكن،" توقف ريو قليلًا، وعيناه تتابعان ضوء مصباح في الشارع وهو يرتجف في الظلام، "الكائنات الحية لا يجب أن تمتلك مشاعر فقط، فالمشاعر وحدها لا تكفي."
[إذن، ماذا يجب أن أمتلك لأكون كائنًا حيًا؟ مشاعر؟ روح؟ ماذا أيضًا؟]
"أنا أيضًا لا أعرف... ربما تكون الرغبة."
[رغبة؟]
"نعم، الرغبة... هناك من يرغب في الحياة، في النجاة، في القوة، في الثراء، في الموت... حتى القتل. هذه الرغبات... هي ما يُحرّك الكائنات الحية."
كانت إيفا تنظر إلى ريو بعينيها المتوهجتين قليلًا، كأنها تحاول فهم معنى كلماته.
[وأنت أيها المضيف، ما هي رغبتك؟]
"لو كنت في الماضي... كنت سأرغب بأن أصبح بطلاً في نظر الجميع."
[إذن، لا تريد أن تكون بطلاً الآن؟]
"لا، لا أريد. البطل هو من يُطلب منه أن يضحي بحياته من أجل مجموعة عديمة الفائدة تهتم فقط بمصالحها."
[إذن، ما هي رغبتك الآن؟]
"الآن؟ أريد أن أجمع أكبر قدر من المال."
[هاه!؟] [أيها المضيف! لقد دمّرت كل شيء بعد هذا الحوار الفلسفي!]
"حقًا؟ لكن هذا ما أريده، بعد أن التقيت بلصة صغيرة أرادت مني أن أصبح قويًا فقط لأدفع المال لها."
احمرّ وجه إيفا الصغيرة من الخجل، وأخفضت رأسها.
[أيها المضيف! أنت تجعلني أبدو شريرة! كل هذا من إعدادات نظام الروليت! أنا لم أضعها!]
أمسك ريو بإيفا التي كانت بحجم كف يده ووضعها أمام وجهه، قائلًا بنبرة جادة قليلًا: "حسنًا، كيف يمكن لمديرة لطيفة مثل إيفا أن تكون شريرة؟"
[نعم، كيف يمكنني أن أسرق مضيفي؟]
تركها ريو تطفو في الهواء من جديد، ثم التفت إلى جانبه، حيث لاحت شرفة مقابلة، بابها مفتوح. كانت المسافة بين شرفته وتلك الشرفة الأخرى حوالي عشرة أمتار.
تقدّم ريو إلى الحافة بهدوء، والرياح الباردة تمرّ على وجهه كأنها تحذّره. نظر للأسفل... خمسة طوابق. سقوط واحد، وسيتحول إلى بقعة دم على الرصيف.
شدّ قبضته، أغمض عينيه، استنشق الهواء، وبدأ بتعزيز قدميه بالمانا. انتشرت الطاقة في عضلاته كشرارة سريعة، ثم ركض. ثلاث خطوات. أربع. قفز!
الهواء صفَع وجهه، الزمن تباطأ، وقلبه خفق بقوة. تمدّدت رجلاه للأمام، ويده امتدت نحو الحافة البعيدة. رأى ذرات الغبار تلمع في ضوء المصباح المتقطع. ثم—قدماه لامستا الحافة! جسده تمايل بقوة، وكاد يسقط، لكن يده التقطت قضيب الشرفة الأخيرة. تأرجح لحظة، ثم سحب نفسه للأعلى. جلس على الأرض يتنفس بصوت مرتفع، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيه.
"نجحت... لكن في المرة القادمة، أريد بابًا... فقط بابًا."
دخل ريو المنزل الذي كان بسيطًا، لكنه منظم ونظيف. الأثاث جيد وعملي؛ أرائك مغطاة بقماش رمادي أنيق، طاولة خشبية صغيرة تتوسط الغرفة، وستائر خفيفة تسمح بدخول الضوء بهدوء، مع لمسة دافئة توحي بأن أصحاب المكان يهتمون بالراحة دون مبالغة. "كما هو متوقع، شقتهم أفضل من شقتي."
لم يستمر ريو في الثرثرة. مباشرة أخرج أدوات تنصّت وكاميرات صغيرة وبدأ في البحث عن مواقع خفية. وبعد خمس دقائق، وجد أماكن مناسبة وبدأ بزرع أدوات التنصت والكاميرات. وضع واحدة في الغرفة الرئيسية، كما زرع كاميرا وجهّز ميكروفونًا مقابل باب الشقة لمراقبة الزوار والتنصت على أحاديثهم. كذلك زرع كاميرات في غرفة النوم والحمام. ثم بدأ يبحث بين الأوراق، باحثًا عن معلومات حول موقع المستشفى الذي تزوره زوجة صاحب العمارة، والطبيب الذي يهتم بحالتها.
بعد أن انتهى من كل شيء ونظّف آثاره، نظر ريو إلى الشرفة وهز رأسه. "لا أريد أن أسقط وأتحول إلى لوحة فنية." لذلك خرج من الباب، كما لو أنه خرج من شقته، وعاد بسرعة إلى شقته الأصلية.
[أيها المضيف، لماذا كل هذا العناء؟ أخبره مباشرة أنك تعرف حقيقته.]
"ما فائدة إخباره دون دليل؟ بل على العكس، قد يستغل الفرصة لطردي. لكن بعد أن أجمع الأدلة، سيكون من السهل التحكم فيه."
أومأت إيفا برأسها الصغير. [إذن، إلى متى ستبقى تنتظر حتى تجمع الأدلة؟]
"أسبوع... أسبوع واحد يكفي لتحسين قوتي والتعامل مع القمامة."
[هذا رائع! سوف أضعف لك تدريبًا حتي يجعلك أقوى!] كانت نيران الحماسة تشتعل في عينيها الصغيرتين، ومن الواضح أنها كانت تنوي قتله بالتدريب.
كان ريو يريد الاعتراض، لكنه بعد رؤية حماسها، صمت.
"أحتاج إلى تعلم فنون القتال... لأستعمل قوتي الخارقة بكفاءة أكبر."
كان ريو يريد تعيين مدرب لتعليم فنون القتال، لكن بسبب حاجته المُلِحة للمال، لم يستطع تبذير أمواله دون مراعاة.
"يبدو أنني يجب أن أتعلم من فيديوهات على اليوتيوب في الوقت الحالي."
استلقى على سريره، وفتح فيديوهات، وبدأ بمشاهدة دروس حول الحركات الأساسية في فنون القتال.
---
في صباح اليوم التالي، استيقظ ريو مبكرًا، تناول طعام الإفطار سريعًا، ثم خرج إلى التدريب كما وعدت إيفا. كان قد ضعفة كمية تمارين التدريب الجسدي أكثر، وفي المساء، داخل شقته، كان يتدرب على الملاكمة. كان قد اشترى كيس ملاكمة من سوق الأدوات المستعملة، يمكنك سماع صوت اللكمات القوية تضربه:
بوم! بوم! بوم! بوم!
كان ريو يلكم بعنف، كأنه يريد تحطيم شخص يقف أمامه. في هذا التدريب، لم يكن يركز فقط على تقنيات الملاكمة، بل أيضًا على التحكم في قوته الجسدية المتفجرة.
كان الجزء العلوي من جسده مكشوفًا، ورغم أنه قد أهمل جسده لسنوات، وتسببت الكحول في بروز بطنه، إلا أن جسده بدأ يتغير تدريجيًا منذ لحظة اندماجه مع قوة هرقل. بدأت عضلاته تعود إلى شكلها السابق قبل استيقاظه، وكأن الجسد يذكر من كان ذات يوم.
---
وهكذا، مرّ أسبوع كغمضة عين. داخل شقة ريو، كان جالسًا على الأريكة، وأمامه بعض الأوراق والصور. في يده سيجارة مشتعلة، وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة خفيفة تحمل مزيجًا من الرضا والخبث.
"أخيرًا... كل الأدلة جاهزة." نظر إلى تحليل رسمي صادر من المستشفى.
"تحليل النَسَب للطفل... كلفني ألف دولار، لكن الأمر يستحق." أمسك بصورة تُظهر عشيق زوجة صاحب العمارة، وحدّق فيها مطولًا.
ثم قلب هاتفه، وشغّل مقطع فيديو. "فيديو حي... بالصوت والصورة... زوجة صاحب العمارة وهي تخونه دون أدنى خجل."
أطفأ السيجارة ببطء في المنفضة، وجمع كل الأدلة في ملف منظم. وقف، ارتدى معطفه بخفة، ثم غادر الشقة بخطى ثابتة. وصل إلى باب شقة صاحب العمارة، ومدّ يده ليطرق الباب بثقة.
دق... دق...