في تلك الغرفة المظلمة، تشعر نورس بجسدها يصبح أثقل، تنفسها غير المنتظم يجعلها أكثر ارهاقاً، هو إن لم يقتلها على الملأ فسيقتلها ها هنا، بالتفكير كم يحب هذا الرجل القتل، لا تستطيع سوا أن تشعر بالفضول حول هويته، لكن سرعان ما قطع أفكارها النور الساطع الذي دخل الغرفة، لم تستطع النظر نحو البريق فأغمضت عينيها، حين شعرت باثنين يمسكان ذراعيها ويقودانها نحو الخارج.
قطبت حاجبيها من الالم الذي يلسع جبينها، وحين أخذ جسدها يعتاد على النور، فتحت عيناها بالتدريج لتظهر الأجساد الضخمة حولها ظلال سوداء، ثم أخذت الألوان تظهر بالتدريج، نظرت حولها، بدت كأضحية تنتظر الذبح بينما تجلس على الأرض وحولها رجال أشداء من كل جانب، تظهر عليهم علامات الشدة والكفاح، رائحة البحر دخلت أنفها، لتدرك أنها على سطح السفينة.
اقترب الرجل من أعلى مقدمة السفينة حين خاطبه أحدهم:
- أخرجنا الرهينة سيدي!
ضوء قوي من أشعة الشمس ضرب مؤخرة رأسه فجعله معتماً، فأجفلت بضيق لكنها أبقت عيناها عليه حتى اختفى ذلك الضوء الساطع وظهرت ملامحه.
توقف الوقت للحظة، كلاهما ينظران في وجه الآخر.
"سيراف!"
لم تكن نورس تتوقع أكثر من ذلك، ملامحها لم تتغير، لكن قلبها يشتعل يريد منها أن تتحرك وتتطعنه بسكين. ابتسم أخيراً ابتسامة ساخرة خافتة، وقال باستخفاف:
- ماذا؟ هل اشتقتِ إلي؟
"أشتاق إليك؟"
بصقت كلماته في نفسها باشمئزاز، اقترب منها، وجثى على ركبيته ليكونا على نفس خط النظر، أمسك ذقنها إلا أنها سحبت رأسها بعنف، لكنه أمسك رأسها باحكام، وكشر عن أنيابه:
- اليوم الذي ستلحقين فيه والدك أتى أخيراً!
عيناها تحدقان به بكل كبرياء، تلمح بكل ما يحمله القلب من حقد وكراهية، ابتسم ودفعها بعيداً، ثم أتى أحد أتباعه بقفازه وسيفه، ليتناوله منه، قال وهو يلبس قفازه:
- من المؤسف على هؤلاء الأبرياء أن يموتوا بعد موتك.
ثم نظر إلى السيف يتفحصه:
- ولكن إلى متى تستطيعين الصمود؟
ثم ضرب سيفه نحوها بسرعة، إلا أنها تفادت الضربه فتمزق الخشب الذي يغطي سطح السفينة، سحب سيفه وابتسم بمكر:
- اذاً قررتي أن تقاومي!
فضرب السيف مجدداً، لتحرك جسدها بسرعة وتهرب من ضربته هذه المرة ايضاً، إلا أن الأكبال في ذراعيها يشكلان عائقاً كبيراً ناهيك عن جسدها المتعب. اشتعلت عيناه بحماس وصرخ:
- تريدين اللعب؟ دعينا نلعب اذاً!
ثم أخذ يضرب سيفه نحوها، تقفز كالبطريق في كل مرة تحاول فيها الحفاظ على حياتها، يضرب ويهو يضحك بهستيرية كرجل مريض فقد أعصابه، وعندما استنجدت بأحد الأعمدة الخشبية، غرس السيف فيه وبدى أنه يواجه بعض الصعوبة في اخراجه، مما أعطاها ذلك بعض الوقت لتقف على أقدامها. سار نحوها ببطء يرسم على وجهه ابتسامة ازدراء واضحة، عيناه تبرقان ببريق لا يبشر بأي خير.
- بدأت أحب اللعب معك حقاً!
وما إن أرادت الهرب، حتى أمسك بها اثنان من القراصنة يثبتانها أرضاً، يلمع رأس السيف مع أشعة الشمس في السماء، ثم صرخ:
- لكن علي إنهاء هذه اللعبة بسرعة.
للحظة فقدت الأمل، شعرت بأنها ستفقد حياتها ها هنا، حين لمحت ذراع الرجل الذي يمسك كتفها الأيمن، آثار الحروق واضحة عليها جديدة لم يفت الكثير من الوقت على التئامها، لتغرس أسنانها عليها، فيقفز الرجل من الألم ما شتت الرجل الآخر، وتجد الفرصة المناسبة لتهرب، قبل أن يضرب السيف الرجل الآخر، فيصده بسيفه.
بدا الرجل مشدوهاً، الجميع نظر نحو المشهد بصدمة كبيرة، بينما تسعل نورس في محاولة لاستعادة أنفاسها، فرائحة تلك الحروق في أسنانها تشعرها بالغثيان. قاطع الصمت جلجلة ضحكات سيراف، الذي وقف يضحك ملئ رئتيه، ما جعل الجميع يشعر بالذعر.
- أحببت ذلك! أحببته!
ثم أخذ يقترب نحوها ببطء، حين تأهب الجميع من في السفينة للامساك بها، تنظر نحوها بارتباك شديد، يبدو أنهم يأخذونها على محمل الجد الآن، لن يكون من السهل تفاديهم، لكن عليها أن تخرج من هنا على قيد الحياة مهما كلف الأمر!
مسحت محيطها بكلا عينيها، عليها أن تجد مخرجاً بسرعة، الأمر الجيد أن السفينة مستقرة، ما يعني أنها لم تغادر المرفأ بعد، لذا عند أول فجوة فتحت أمامها حين ارتمت عليها تلك الضباع، خرجت منها بسرعة، ليرتمي الرجال فوق بعضهم البعض مما جعل السفينة في وضع غير مستقر فاهتزت، وتحركت بعض الأشياء بشكل عشوائي وترامت على الآخرين، وأصبحت السفينة في حالة فوضى، لتجدها فرصة جيدة وتقفز بسرعة من ظهر السفينة.
المسافة بين ظهر السفينة وأرض الميناء كبيرة نسبياً، لكنها ليست قاتلة، سرعان ما استطاعت تحمل الألم الذي ضغط على ساقيها، جلست لبضع لحظات، وسرعان ما سمعت أصواتهم من الأعلى، فتشد على ساقيها وتركض بسرعة، بينما ينظر الناس بدهشة نحوها، فتاة صغيرة مقيدة الذراعين تركض على عجل في شارع يعجه الناس، يتبعها مجموعة من الرجال الأشداء ذوات الأجساد المتينة، لم يستطع أحد سوا الشعور بالذعر، بدأ التجار بسحب عرباتهم بعيداً عن طريق الفتاة، بعضهم عرقل طريق الرجال بوضع الكراسي، حين همست شابة صغيرة نحو نورس على عجل ترشدها نحو أحد الأزقة. ابتسمت نورس لها بامتنان، فتاة يافعة ترتدي فستاناً أبيضاً يحيط خصرها مئزر أحمر مخطط بالأسود، ويغطي رأسها غطاء أحمر أنيق. همست الفتاة بذعر:
- بسرعة من هنا!
ركضت نورس من خلال الزقاق على عجل حين سمعت أصواتهم تقترب، وما إن توجهوا نحو الاتجاه الآخر وتأكدت من تضليلهم لها، نظرت نحو الزقاق بدهشة. البيوت من كلا الجهتين أحجارها من اللبن الأبيض، وسلالم بيضاء لونت بألوان لطيفة من الأزرق والبنفسجي والأحمر، يبدو أنها دخلت حي سكني مأهول. أخذت تبحث عن شيء يمكن أن يساعدها في فك قيودها، حين لمحت كرة صغيرة تتجه من أعلى السلالم كادت تصطدم بها، إلا أنها تحركت بسرعة. أخذ طفلين يصرخان:
- أيها الغبي!
- أسقطت الكرة مجدداً.
لكنهما توقفحين رآى تلك الفتاة الشاحبة مكبلة الذراعين، فصرخا بذعر:
- شبح! ماما هناك شبح!
هم جميع الأطفال ينظرون بفضول نحو ذلك الشبح، تجمعوا أعلى السلالم وأخذوا يحدقون نحوها بدهشة، وأشار أحدهم:
- واه! إنها شبح حقيقي!
هنا خرجت سيدة شابة في أواخر العشرين، ترتدي فستاناً وابزيراً، تمسك منديلاً وتمسح يديها على عجل، يبدو أن طفلها يسحبها بسرعة بينما كانت تقوم بتنظيف الأواني.
- ماما بسرعة.
- رباه!
ضربت السيدة وجنتها بخفة، ونظرت نحو نورس بحزن، اتجهت نحو الفتاة وهي تصرخ نحو الأطفال:
- إنها فتاة مسكينة، اذهبوا الآن، اذهبوا.
عاد الأطفال إلى مخبأهم على مضض، حين همت السيدة تساعد نورس في فك قيودها، وهي تتذمر:
- يا الهي، يا الهي! من يفعل ذلك بفتاة صغيرة.
وما إن انتهت حتى نظرت نحو نورس وسألتها بحنان:
- هل أنتِ بخير يا عزيزتي؟
هزت نورس رأسها، تبتسم بامتنان، لا يوجد فرق كبير في العمر بين تلك الفتاتين لكنها تتصرف معها كوالدتها.
- يبدو أنكِ مررت بوقت عصيب، لا تقلقي، تعالي معي لترتاحي قليلاً.
تبعتها نورس بانصياع تام، وتوجهت بها نحو باب أحمر صغير، لدرجة أن الفتاة انحنت قبل ان تدخل، وساعدت نورس على الدخول.
- انتبهي لرأسك.
وسرعان ما أصبحت في الداخل، حتى ذهلت لجمال المكان وفساحته، السقف أعلى مما كانت تتصور، الحائط مغطة ببض الاقمشة المزركشة الجميلة وكذلك غطت الأرض، وبعض الأرائك البسيطة الصغيرة والتي لا تقل عن كونها وسادتين للجلوس والاتكاء. وطاولة خشبية صغيرة بالكاد لديها أقدام، تشعر وكأنهم وضعوا قطعة خشبية رثة وجدوها في الطريق ليضعوها كمنتضدة.
جلست نورس على إحدى الوسائد بذهول، لم ترى طرازاً كهذا من قبل في حياتها كلها، ابتسمت الفتاة لنظرات نورس البريئة وسألت بلطف:
- أيعجبك؟
نظرت نورس نحو الفتاة، عيناها لمعتا بإعجاب شديد، وهزت رأسها بالايجاب.
- تصرفي وكأنكِ بمنزلك، سأذهب لاحضر لك بعض الطعام.
وسرعان ما فتحت إحدى الستائر في الجدار ودلفت، لتأخذ نورس جولة في المكان، شعرت بالفضول اتجاه تلك الأشياء التي لم ترى مثلها من قبل، أيعيش سكان البحر بتلك الطريقة؟ يبدو الأمر حتماً مختلف. أرفف الحائط مكونة من خلال الحائط، عليها تحف فنية من الخشب والفخار، ونافذة مربعة صغيرة وحيدة تطل على البحر، رؤية البحر من أعلى يشعرها بالراحة حتماً، لمحت عدة إطارات خشبية على أحد الأرفف الحجرية للفتاة بعمر أصغر سناً ورجل وامرأة، ابتسمت بعذوبة، وترقرقت عيناها بالدموع وكأن ذكرى جميلة أتت إلى مخيلتها.
- إنهما والداي!
قاطع شرودها صوت الفتاة بنبرة فخر واضحة وهي تضع صينية الطعام على المنضدة الخشبية، حينها نظرت نحوها نورس بدهشة، وأردفت:
- والدي كان بحاراً.
اقتربت وأشارت إلى احدى الصور ووالدها يمسك سمكة، ويبدو سعيداً جداً:
- اعتدت أن أنتظره كل مساء.
نظرت نورس نحوها بتساؤل، فضحكت الفتاة لنظراتها التي دائماً ما تظهرها كمغفلة، وقالت:
- أنتِ ظريفة حقاً، لا يوجد ما يؤسف عليه.
ثم شدت على نبرتها:
- مات والدي ميتة شريفة، أنا أفتخر به حقاً!
ثم ابتسمت وقالت:
- هيا! لنتناول الطعام قبل أن يبرد.
جلستا على الوسائد، بدا على نورس صعباً الاعتياد على ذلك، الفتاة تراقبها بفضول شديد، ثم قالت:
- آه، بالمناسبة أنا نغم! وأنتِ؟
نظرت نورس نحو الفتاة بصدمة شديدة، بينما رفعت نغم حاجبيها متسائلة، لم تستطع نورس سوا أن تشير إلى النافذة حيث البحر، ثم أخذت تحرك بيديها كجناحين، حدقت نغم بها، ومضت عدة موضات تستوعب الأمر، ثم ضحكت ضحكة لطيفة، وقالت:
- أنا آسفة، أنا فقط ... لم أتوقع ذلك!
أخفضت نورس رأسها بحرج، لتحاول الفتاة استعطافها:
- لنحاول مجدداً، حسناً؟
أخذت نورس تفكر، ثم أشارت إلى البحر، فأجابتها نغم:
- البحر؟
ثم عادت ترفرف بيديها:
- جناحين؟
هزت نورس رأسها بسرور، عندها أخذت تشير لشفتيها، بينما أخذت الفتاة تفكر:
- تقصدين أنه طير يعيش في البحر، أليس كذلك؟
فهزت رأسها بحماس، حينها صفقت الفتاة ببهجة وصرخت:
- النورس! أنتِ نورس!
فهزت رأسها بالإيجاب، فهتفت نغم:
- آه! لم أكن أعرف أن معرفة أسماء الأشخاص ستكون بهذه المتعة.
وضحكت، فابتسمت نورس بخجل، ثم قالت مبتسمة:
- حسناً يا نورس، لتناول الطعام الآن.
نظرت نورس نحو الأطباق، جميعها اطعمة بحرية لم تتناول مثلها من قبل، بدا مظهره شهياً وفريداً من نوعه، رؤيتها تنظر نحو الطعام بفضول تتذوق ذلك وتتذوق ذاك، يقتضب وجهها لذلك وينبسط لذاك لم تستطع نغم سوا ان تراقبها بنهم، حتى شعرت نورس بصمتها فنظرت نحوها بدهشة لتبتسم نغم وتقول:
- لا عليكِ! الأمر فقط أنني لم أرى أحداً يتناول الطعام البحري بهذا النهم!
أخضت نورس رأسها، وزمت شفتيها بخجل، هل ربما نسيت آداب المائدة؟ لكن ضحكات نغم جعلتها تنظر نحوها بدهشة:
- آه، رباه! أنتِ لطيفة حقاً!
ثم قالت:
- هل هذه المرة الأولى التي تأتين فيها إلى الميناء؟
فهزت نورس راسها بالايجاب، حين عادت نغم تسأل:
- ألم تأتي إلى هنا مرة واحدة من قبل؟
فهزت رأسها بالنفي، فسألت:
- هل تريدين استكشاف المكان؟
لمعت عينا نورس بسعادة، وهزت رأسها عدة مرات لتأكد رغبتها في رؤية المكان، فصفقت الفتاة بيدها، وهمت بالنهوض، ثم رفعت شعرها، وقالت:
- اذاً دعينا نفعل ذلك الآن!
همت نورس بحماس، ولكن نظرات نغم المتشككة جعلتها تتجمد مكانها:
- ولكن ...
تساءلت نغم:
- أليس من الخطير الخروج هكذا؟
ومضت نورس عدة ومضات، حين همت نغم نحو الداخل، وقالت:
- لنغير من مظهرك قليلاً!
وبعض لحظات عادت ببعض الأقمشة، لفت على خصرها مئزراً أسود، وظفرت شعرها وغطته بقماش قطني أسود، بدت بذلك كفتاة تعيش في الميناء طوال حياتها، نظرت نغم نحوها قبل أن تقول:
- هذا جيد!
ثم همتا إلى جولتهما، ما إن خرجتا حتى تجمع الأطفال أعلى السلالم، بدو كأنهم يترقبون خروجها، فابتسمت نغم وقالت:
- لا تقلقي، أطفال هذا المكان فضوليون للغاية.
ثم رفعت يدها ورحبت بهم، رات نورس استجابة الأطفال لنغم، فحاولت أن تفعل المثل، لكنها لم تعتد على هذا التصرف من قبل، فارتجفت ذراعها حين حاولت رفعها، لكن استجابة الاطفال لها شعرها بالارتياح، فابتسمت ورفعت يدها مرحبة.
نزلوا السلالم، بعض النساء خرجن لنشر الغسيل، رحبن بنغم، وبعضهن تمنى لها يوماً طيباً، بالنظر إلى قرب الناس من بعضهم البعض في هذا الحي، أشعر نورس بالغرابة حقاً، حتى توجهوا إلى السوق، مكانً مليء بالعربات، مضجج بأناس كثر، منهم من يحمل أكياساً ضخمة على ظهره، ومنهم من يصرخ ليبيع بضاعته، وبعض النساء اللواتي يمسكن أيادي أطفالهن بيد وسلات من القش باليد الأخرى، بعضهن يتفحصن الأقمشة، وبعضهن يناقشن البائع في تخفيض الأسعار، المكان حيوي جداً ومثير للاهتمام بالنسبة لها.
رحب أحد الباعة المتجولين بنغم، ثم تساءل عن الفتاة التي بجوارها، فضمتها نحوها وقالت:
- إنها إحدى صديقات قريبتي من البلاد البعيدة.
ابتسم البائع وقدم لهما حلوى كهدية وهتف:
- أوصلي سلامي لوالدتك وقريبتك!
- بالتاكيد، شكراً لك عمي.
ثم قال:
- عليكِ أن تكوني حذرة يا عزيزتي.
- لا تقلق يا عمي، سأكون بخير.
- لا أنا جاد هذه المرة!
نظرت غلى عينيه الجديتين فشعرت بالذعر، حينت اقترب منها وهمس:
- بعض القراصنة المتعجرفين يتجولون بالأرجاء، لابد أن تتوخي الحذر.
- قراصنة!
كلمة قراصنة وحدها تشعل الذعر في قلوب هؤلاء الموطنين الأبرياء، نظرت العم نحو نورس بقلق، ثم نظر نحو نغم نظرات ذات معنى، فهزت رأسها بالايجاب، وهمت تمسك ذراع نورس بإحكام.
- عليك أن تبقي بالقرب مني!
فهزت نورس رأسها بالايجاب، ثم همتا يكملان رحلة الاستكشاف، حتى وصلا إحدى الحانات، كان التجمع هناك مثير للريبة، صراخ الرجال يضج المكان، تذمرت نغم:
- ما الذي يجري هنا؟!
أرادت أن تتبع فضولها، لكن نورس شدت على يدها لتمنعها من الذهاب، حين نظرت نغم نحوها وابتسمت، ربتت على يدها وقالت:
- لا تقلقي، سألقي نظرة واحدة فقط.
ولكن سرعان ما أجيب فضولها، فقذف أحد الرجال من بين الجموع حين تفرق الجميع، وظهر شخص تعرفه نورس تمام المعرفة!
"إنه من أتباع سيراف!"
هتفت في نفسها بذعر، فأرادت سحبها بسرعة، إلا أن الرجل نظر نحوهما، عيناه تشعان غضباً.
- أنتما!
ارتعشت نورس من الذعر، يرتجف كل انش من جسدها، بالكاد تقوى ساقاها على حملها، إلا أن نغم وقفت بثبات، وقالت بثقة:
- ما الذي تريده؟
أتت ثرثرة من الحشد:
- آنستي! اهربي بسرعة
- لا تقفي هكذا!
- أنت! أيها الوقح، ابتعد عنهما.
لكنه ركل الرجال الذي يحاولون صده بسرعة مذهلة كالتخلص من الذباب، تلك القوة جعلت قلب نغم يرتعش من الخوف لكنها وقفت بثبات تقاوم استنجاد نورس لها.
حدق الرجل بنورس بارتياب، ثم سأل:
- هل رأيت فتاة بكماء؟
قطبت حاجبيها متعجبة، ونظرت نحوه باستنكار، فقال بنفاذ صبر:
- أجل أنا ابحث عن فتاة بكماء، هل رأيتها؟
توقف قلب نورس بالفعل، إنها تقف أمامه لكن يبدو أنه لم يدرك هويتها بعد، لكنها شعرت بالذعر أكثر حين قالت نغم وهي ترفع كتفيها:
- أنى لي بمعرفة ما اذا كانت بكماء أم لا ما دمت لا أعرفها؟
ضحك الرجال المتجمعين حول المكان، فنظر الرجل نحوها بازدراء، ابتسم ابتسامة ماكرة، وقال:
- أنتِ شجاعة يا آنسة، ماذا عن صديقتك؟ هل يمكنها أن تجيب؟
تجمدت نورس مكانها، للحظة شعرت أن الرجل ينظر داخلها، هل ربما يشتبه بها؟ إلا أن نغم أوقفت نظراته المرتابة نحوها، وقالت:
- صديقتي ليست من هنا، لذا فهي لا تفهم ما تقوله.
رفع رأسه وقال:
- أها! فهمت.
ثم التفت وابتعد عدة خطوات، لكنها لم تكن لتشعر نورس براحة، فهو أشار إلى رجاله اللذين أتو للتو من داخل الحانة، وقال:
- اقبضوا عليها.
وأشار نحو نورس، لكنهم دهشوا باختفاءهما، فنورس سبقتهم بخطوة، حيث أمسكت ذراع نغم وهربت بها بعيداً بين الأزقة.
...

2019/11/08 · 340 مشاهدة · 2284 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024