في القاعة الملكية، يقف القائد ليون في المنصف أمام منصة الحاكم، بنشر أخبار إنقاذ الفتاة وحل سوء التفاهم المزعوم بهويتها خفف من غضب الشعب عامة، إلا أنه سكنهم لبعض الوقت، فالبعض لا يستطيع تصديق ذلك وبدا متشككاً، لذلك كان القبض على سيراف من الأمور التي ستسهل عملية الاقناع، ولكن ...
- إعتذاراتي صاحب الجلالة، عندما وصلنا السفينة كان سيراف قد اختفى حتماً!
شد الحاكم على قبضة يده، وأغمض عينيه في محاولة لتمالك نفسه مذكراً نفسه أن أهم شيء الآن هو سلامة الإكسير، يمكن إقناع الشعب بتغطية من عمل خيري آخر، ثم تنفس بعمق، وقال:
- لن تنتهي مهمتك أيها القائد ليون حتى تقبض عليه.
رفع ليون رأسه بدهشة، من حسن حظه أن يعفو الملك عنه بتلك السهولة، بدا أن الآنسة لافرتين تعود بفائدة عليه في بعض الأحيان، لكن مزاج الحاكم في أسوأ أحواله، لذا ما إن انتهى الاجتماع حتى طلب من الجميع الرحيل.
...
في غرفة مكتب روهان، يجلس هناك منغمسٌ في العمل، فمنذ أن رقض في الفراش بسبب إصاباته، أعمال ورقية كثيرة تراكمت عليه، بدا في حالة تركيز شديد، بينما يساعده مارون في ترتيب التقارير، حين فتح الباب فجأة، نظر روهان ومارون نحو الباب بدهشة، ولكنهما ذهلا أكثر عندما وجدا صاحب الجلالة شخصياً خلف اللورد لين يدخلان المكان.
وقف روهان على عجل، وقدم تحيته لصاحب الجلالة، قدم مارون تحيته بهدوء، ليسأل روهان:
- ما الذي يستدعي أن يتحرك صاحب الجلالة شخصياً؟
ابتسم الحاكم ابتسامة باردة، وقال بهدوء:
- يبدو أنك تعافيت.
انحنى روهان باحترام مجدداً وقال برصانة:
- هذا بفضل أطباء القصر الذين عينهم صاحب الجلالة.
- يريحني ذلك!
شعر مارون بألم في معدته، شعر بأن الجو لا يطاق بين الحاكم وروهان، حتى تحرك الحاكم عدة خطوات هادئة متوجهاً نحو النافذة المجاورة خلف المكتب.
- يبدو أن هناك قرى تتعرض لهجوم شرير موخراً.
كان الحاكم يحدق في الخارج، لا يبدو على وجهه أي شعور، بينما تجمد روهان مكانه كطفل يحاول إخفاء عمل سيء قام به، اردف الحاكم:
- ألست تتصرف على هواك كثيراً أيها القائد روهان؟!
جحظت عينا مارون على واسعهما، وسرت قشعريرة قارصة في جسد روهان، حاول ضبط أعصابه، ثم ابتسم وقال بهدوء:
- لمً يعتقد صاحب الجلالة ذلك؟
فنظر الحاكم نحوه وابتسم بهدوء، ثم أوضح:
- لأنك تبدو كما لو يعلم تماماً عما أتحدث عنه!
عينا روهان تحدق في الحاكم الذي يحدق به في ثقة:
- لا تخبرني أنك تورطت بذلك أيضاً!
أشاح روهان نظره، ألقى الحاكم نظرة خاطفة عليه ثم قال:
- هل تتوق حقاً لفعل ذلك؟
نظر روهان نحو الحاكم بدهشة، حتماً لم يستطع أن يخفي صدمته المحتمة، عيناه كادتا تنفجران من انفراجهما، فابتسم الحاكم لردة فعله بتلقائية، حين سأل:
- أتسألني ؟
- في المرة الماضية، قابلت الآموري وانتهى بك طريح الفراش، هذه المرة ستواجه جنيات الهيكب، هل تريد مني تكرار ذلك؟
- لا تبدو شخصاً يقلق على أتباعه!
حافظ الحاكم على ابتسامته، بدا أن تخرج تلك الكلمات من ابنه قاسية حقاً، كما أن الجو بينهما أصبح متوتراً لدرجة أن روهان لم يعد يستطيع التحمل من ألم معدته، عاد الحاكم عدة خطوات للخلف حتى أصبح في مواجهة لمكتب روهان، ثم قال:
- الإكسير أملنا الوحيد للنجاة من هجمات الممالك الثلاثة، كون الجيش معرض لذلك السم المزمن الذي استخدمته تلك الممالك في الحرب السابقة للسيطرة على الممالك الأخرى منذ زمن ليس ببعيد، فهو في أمس الحاجة له، لذلك علي حمايته مهما كلف الأمر.
- وما علاقة الجنيات بذلك؟
تردد الحاكم، بدا أن سؤاله يضعه في مأزق كبير، اللورد ليون هادئ ولكنه خائف من الداخل، حين قال الحاكم أخيراً:
- منذ الحرب الماضية للمالك الثلاثة، تعاقدت السيدة الكبرى لعائلة لافرتين مع الجنيات من أجل مساعدتها في حل قضية السم المزمن، ويبدو أن أحد أفرادها نقد العهد ما جعلها غاضبة وتستهدف القرى التي تهتم بزراعة النباتات الطبية.
رسمت على ملامح اللورد لين الدهشة والخوف، التمس روهان توتره، وقال:
- أن يجيب صاحب الجلالة على سؤالي بهذه الإفاضة، هل هذا حقيقي؟
لكنه تجمد مكانه عندما رأى علامات الجدية تنحت وجه الحاكم، تغيرت نبرته الهادئة لأشد حزماً:
- لأنني أريدك أن تفهم تقدير الوضع.
جرى صمت متوتر، شعر روهان بالاختناق، حتى خرج صوت الحاكم بهدوءه الاعتيادي:
- أتمنى أن تنهي هذا الأمر بسرية تامة، فهذا الملك يعتمد عليك!
ثم هم منصرفاً تاركاً روهان في وجومه، هل امتدحه الحاكم قبل قليل حقاً؟
بعد ابتعاد اللورد ليون والحاكم عن غرفة روهان، سأل اللورد:
- صاحب الجلالة، هل صاحب الجلالة متأكد من قراره؟
رفع الملك رأسه ونظر في الأفق:
- أرى أنه من المقدر عليه في النهاية، مهما حاولت ابعاده.
- لكنه سيواجهه، هل سيكون على ما يرام؟
- لا أدري، أرجو أن يكون نقطة تحول جيدة!
توقف اللورد لين لوهلة من الصدمة، برؤية ظهر الحاكم، هو لا يذكر هذا الرجل! هل حقاً تغير قليلاً؟!
...
الظلام دامس، لكنها تسمع صوت حركة خافتة، ثم ..
- نورس ... هل أنت مستيقظة؟!
صوت كريستينا جعلها تشعر بالدفئ، أخذ الظلام يتلاشى شيئاً فشيئاً ثم تفتحت ثقوب من الضوء شيئاً فشيئاً حتى أصبحت بيضاء تماماً، ثم أخذت بلورات ملونة مضيئة تلمع هنا وهناك تتحرك كقطرات الندى.
- نورس!
نهضت، ثم أخذت تفرك عينيها، لترى كريستينا بجانبها تحمل قطعة قماش مبللة، نظرت لقطعة القماش مطولاً، ثم همست في سرها:
- هل كنت مصابة بالحمى؟!
- نورس
أتى صوت كريستينا مباغةً، مرحاً وقلقاً في الوقت نفسه، ثم همت نحوها تعانقها بحرارة، شعرت بجسدها يعتصر بقوة تكاد تختنق، ما إن شعرت كريستينا بجسد نورس الضعيف حتى ابتعدت بسرعة وأخذت نورس تشهق بصعوبة.
- أنا آسفة! تحمست كثيراً ... هل ...
حاولت الاقتراب منها:
- هل أنت بخير؟
نظرت نورس نحو كريستينا، وجهها القلق يجعلها تبدو أكثر جمالاً، رسمت على وجهها ابتسامة ضعيفة بالكاد ظهرت، أرادت أن تخبرها بأنها بخير، حينها نهضت كريستينا فجأة، وهتفت:
- هاه! نسيت شيئاً مهماً!
ثم همت نحو المنتضدة القريبة من السرير، وحملت في يدها كوباً، عندما أمسكت نورس الكوب اشتمت رائحة عطرة، جعلت جسدها يسترخي.
- سيشعرك شراب البابونج بالراحة.
حاولت نورس أن توسع ابتسامتها قليلاً لكن عضلات وجهها لا تزال منهكة، ثم أخذت تشرب بهدوء.
"آآآه، يا له من شعورٍ رائع!!"
- بالمناسبة ..
سألت كريستينا بفضول:
- هل تتذكرين ما حصل؟
نظرت نورس نحوها من خلال الكوب، فأخذت كريستينا تفكر:
- أعني ... فالقائد الأعلى أتى بك من اللامكان، وكنت في حالة يرثى لها.
ثم هتفت:
- آه تذكرت!
ثم همت تبحث حولها، لتخرج قلادة، ما إن رأتها نورس حتى ارتخت يديها وفتحت عيناها على مصرعيها بذهول، بينما تتلألأ اللؤلؤة وهي تتأرج بين يديها.
- أخبرني أنك أوقعتها ...
بدت نظرتها بلهاء وهي تحدق بالقلادة، كانت تنظر بوجه يقول: "إيه! أحقاً هذا؟" أمالت كريستينا وجهها متسائلة، وسرعان ما وضعت نورس الكوب جانباً ثم مدت يدها لتضع كريستينا القلادة بحرض على كلا كفيها.
- لم أكن أعلم أن لديكِ مثل تلك الأشياء.
نظرت نورس نحوها، لا تزال تلك النظرة الغبية على وجهها، ضحكت كريستينا بخفة، وقالت:
- أعني أنكِ لست من النوع الذي يحتفظ بمثل هذه الأشياء ... هل هي تذكار مهم؟
أخفضت نورس رأسها بحرج، وتحاشت نظرات كريستينا، التي أخذت تحاول لقاء عينيها، ثم ابتسمت بمكر وقالت:
- يبدو أن القائد الأعلى مهتم بك!
هاجمتها نورس بنظرات غاضبة، فضحكت كريستينا بمرح وقالت:
- أنا سعيدة لأجلك!
رؤية وجه كريستينا السعيد لم تستطع نورس سوا أن تبتسم ابتسامة حزينة، عندها طرق الباب، وسرعان ما فتح لدخل نتالي وكاثرين، ما إن رأوا نورس جالسة على السرير حتى شهقن وقفزن نحوها.
- نورس! أنا سعيدة
- استيقظتِ أخيراً
- كان الجميع قلق عليكِ
دخلت جولييت الغرفة حين رأت وجوههم تعتصر وجه نورس، فارتعدت بذعر وصرخت:
- أنتمـــا ! ما الذي ... تفعلانه!
همت نتالي نحوها وهي تفتح ذراعيها:
- جولـــي! أخيراً أتيتِ!
اقتربت منها لتهاجمها بعناق ولكنها تجنبتها بسرعة، فأصبح مظهر نتالي مضحكاً وهي تحاول ضم الفراغ.
- أنتِ!
صرخت جولييت باشمئزاز، وجهها أزرق من الذعر:
- ما الذي تفعليه؟
- اعذريها!
علقت كريستينا:
- هي سعيدة فقط!
- ها!
تذمرت جولييت، لكن صوتاً خافتاً مرتجفاً خرج فجأة، فنظر الجميع نحو المصدر بدهشة، ليجدوا أن نورس تمسح دموعها من الضحك، همت عليها كاثرين وصرخت بأنثوية عفوية:
- ماذا؟ أنتِ أيضاً يمكنكِ الضحك!
ابتسمت الفتيات بمرح، وجود نورس معهن الآن بأمان حقاً يثلج صدورهن.
...

2020/05/23 · 183 مشاهدة · 1280 كلمة
بيان
نادي الروايات - 2024