"اللعنة عليكِ يا أجريس، أليس لديكِ ما تفعلينَه غير مُطاردتي ؟"
صرخ شوفين بِغضب فاقترَبت منه سويكا ووضعَت يدَها على ظهرِه ثم سألته
"من هي أجريس ؟"
صمت شوفين قليلاً ثم ابتسَم وبدأ يضحَك مثل المجنون، وبد فترةٍ نظر في عيني سويكا وقال لها
"أجريس هي أجمل فتاةٍ في عالم البلّور، وكانت حاكِمة ذلك العالم بِسبب قوّتها الفريدة، لكنها مجنونة وغريبة الأطوار، عندما هربتُ مِن عالمها.. تخلّت عن كل شيء وبدأَت تُلاحِقني أينما ذهبتُ، لا أدري كيف علِمَت بوِجهتي النهائية لكنها زارَت هذا العالم بالتأكيد، حسناً.. هذه قصةٌ قديمة وربما لَم تعُد أجريس على قيد الحياة"
قال هذا ثم واصل قراءة كتاب التاريخ المجيد، قالت سويكا من جانبِه
"هي لن تتعرف عليك الآن، صحيح ؟"
هَه؟
كان شوفين مُنغمِساً في القراءة لذلك لم يسمَعها جيداً، جذَبت ذراعَه بِقوة حتى ينتبِه لها ثم قالت بِوجهٍ طفولي وعينَين برّاقتَين
"سألتُك إن كانَت أجريس سوف تتعرّف عليك عندما تراك"
تنهّد شوفين عندما رأى علامات الغيرة على وجه وحركات سويكا، نقَر رأسها وقال لها
"أنتِ صغيرة وتعيشين أيامَك الأولى، يُمكِنك الحبّ والغيرة كما تشائين، لكن.. لا تتوقّعي منّي التفاعُل معك"
تغيّرت ملامِحها فجأة وكادت عيناها تغرَورِقان بِسبب قساوتِه، إلا أنها تماسكَت وتظاهرَت بأن كل شيءٍ على ما يُرام، وذلك لأنها تعلم بأن شوفين وإن كان يظهر بِمظهر الشاب إلا أنه في الحقيقة عجوزٌ قديم سبق وعاش لِعددٍ غير معروف من السنين، استجمعَت شتات نفسِها ثم سألته
"كيف تعلم بأنها هي التي أرسلَت هذه الجزيرة إلى هنا ؟"
فتح يدَه وأظهر قبضة التراب التي كانت معه ثم قال
"يستطيع الأقوياء الخروج بِسهولة من العوالِم المُتدنّية مِثل هذا العالم، لكنّهم لا يستطيعون الدخول إليها بِسهولة إلا إذا كانت لديهِم المعرِفة الكافِية بِالفراغ مع توفُّر الشروط والعوامِل اللازِمة لِفتح الطريق، وذلك لِأن العوالِم المتدنّية لا تستطيع استحمال الهالات القوية لِفترة طويلة من الوقت، لذلك يجب عليهم الاستعانة بِطُرقٍ غير عادية لاختراق الفراغ وإنشاء ممرٍّ يدخلون عبرَه، وسيكون وقتُهم محدوداً في العالم المُتدنّي ما لم يكبحوا تدريبَهم بِطريقة ما"
اتّسعَت عيناها ونظرَت حولَها ثم تساءَلت باستغراب
"هي قامَت بإرسال هذه الجزيرة لِصنع ممرٍّ فراغي ؟
كم هي قويةٌ حتى تستطيع تحريك مثل هذه الجزيرة ؟"
استدار شوفين وابتعد وهو يقول
"قوية لِدرجة تدمير هذا العالم بِضربة واحِدة، أتمنى ألا ألتقي بِها قبل استرجاع قوّتي القديمة، وإلا فسأنتهي فَحلاً مُخصّصاً للزراعة في عالم البِلّور"
تبِعَته سويكا وهي تقول
"لكن.. ألم تقُل بأنها ليسَت على قيد الحياة ؟"
واصل تقدُّمه ولَم يُجِبها فألحّت عليه بالأسئِلة
"هل لا تزال على قيد الحياة ؟
هل تستطيع التعرّف عليك ؟
هل ستبحث عنك مرّة أخرى ؟
هل كُنتَ تزرع معها أيضاً ؟
هل ..."
...
في اليوم التالي.. اجتمعَت كل العشائر وقرّرت إرسال عدّة أشخاص مِن كل عشيرةٍ للغوص في أعماق المنجم والبحث عن المعادِن النادِرة التي وجدَها أولئك المغامِرون، وأكثر المعادِن المُستهدفة هي نوعٌ من الفولاذ الذي لا يوجد في هذا العالم، حيث قال أسياد الحِدادة بِأنه يستطيع صناعة أفضل أنواع الأسلحة المصنّفة، وهي أسلِحةٌ تستطيع قطع وتدمير الأسلحة الملكية العُلوية بِسهولة لِأنها أسلِحة غير مُصنّفة، لِذلك سارعَت العشائر بِالتجمّع للحصول على حِصّةٍ من الكعكة.
وحتى لا تحدُث الفوضى داخِل المنجم.. قدّمت العشائر القوية ثلاثة أشخاص للاستكشاف، بينما قدّمت العشائر الأخرى شخصَين أو شخصاً واحداً فقط حسب مُستوى قوّتِهم، أما المُقاتلون الذين لا ينتمون إلى أي عشيرة فقد تمّ منعُهم من الدخول.
في مكانٍ قريب.. كانت تقِف داشاي ومعها ثلاثيني مليء بِالعضلات ولهُ لِحية خفيفة، وكان يلبِس قميصاً بِدون أذرُع يجعَل عضلاتِه مرئية أمام الجميع، تحدّث من الجانِب دون أن يتحرّك
"متى سندخُل ؟"
مع أن الثلاثيني الضخم كان يبدو أكبر من داشاي إلا أنه سألها وكأنها هي القائدة، أجابَته داشاي بينما تُشير بِعينَيها نحو شوفين
"دعنا نرى أولاً كيف سيتعامل مع الوضع"
فجأة.. دوّى صوت شوفين في عقلِها قائلاً
"إذن.. دعاني أُريكُما كيف سأتعامل مع الوضع"
تغيّرت تعابير داشاي ونظَرت إلى رفيقها الذي كان عابِس الوجه أيضاً، وذلك لأن شوفين لم يستطِع سماعهُما فقط وإنما استخدم تقنية مُميّزة للتخاطُر معهما، ابتلَع الاثنان ريقهُما وهُما ينظران نحو شوفين الذي كان يتقدّم إلى مدخل المنجم مع سويكا، وقبل أن يصِل إلى المدخل.. وقَف في طريقِه ثلاثة مُقاتلين أقوياء، صرخ أحدُهم
"هذا المنجم محجوز، تراجع الآ.."
وقبل أن يُكمِل حديثَه..
.:: القبضة الخفية ::.
طار بعيداً هو المُقاتِلان الآخران دون أن يعلَما ما الذي أصابهُما، وذلك لِأن شوفين قام بِقذفِهما بِاستخدام الأذرُع والقبضات القوية المصنوعة من تقنية النور المظلم، وهذا الهجوم أثار انتباه باقي العشائر فأحاطوه هو وسويكا، تقدّم شيخٌ قوي وقال
"لقد اتّفقَت جمع القِوى الحاضرة على أننا الوحيدون الذين سيدخلون، أتمنى ألا تُثير الشغب حتى لا تُصبِح عدواً مع الجميع"
قهقه شوفين عليه وقال ساخراً
"أتفقَت جميع القوى ؟
هل تعتبرون أنفُسكم أقوياء ؟"
قال هذا ثم أخرَج كمية لا نِهاية لها من الطاقة الشيطانية المشؤومة فتراجع جميع المُقاتلين حتى لا يتلوّثوا بِها، ضحِك شوفين وكأنه شيطانٌ مجنون ثم صرخ عليهم
"ألا يُعتبر الدين المتين مِن القِوى التي يجِب عليكُم مُشاورتُها قبل تقرير من سيدخُل ؟"
عبس الجميع فجأة وتغيّرت ملامِحُهم لأنهم لم يتوقّعوا أن يحضُر أحدٌ من العشائر الخمسة الأقوى، وذلك لِأنها عشائر قوية ولن تهتم في العادة بِمثل هذه الموارِد البسيطة، استعاد شوفين طاقتَه المشؤومة وكان لا يستطيع التحكّم بِها طويلاً لأنها ليست طاقتَه الخاصة، نظر نحو الشيخ القوي الذي تحدّث معه سابقاً ثم قال
"مُشكِلتكُم ليست مع الدين المتين فقط"
أشار بعدَها إلى داشاي وقال
"طائفة العقل الأرجح هنا أيضاً، لذلك يجب عليكم إعادة التخطيط من جديد"
تغيّرت ملامِح الجميع مرة أخرى ونظروا نحو داشاي والثلاثيني المليء بالعضلات، ويبدو بأن بعضهم كانوا يعرِفون داشاي لأنها عجوزٌ عاشت لِوقتٍ طويل، وهذا جعلهم يلعَنون حظّهم الذي جلب إليهِم طائفتَين قويّتَين ومجنونتَين، وبينما كانوا في دهشَة.. تقدّم شوفين ودخل إلى المنجم دون انتِظارِهم لأنه لا يُريد تضيِيع وقتِه عليهِم.
نظرَت داشاي نحو الشاب بِالعضلات وقالت له
"هل رأيتَ ما الذي أتحدّث عنه يا سَدجوم ؟"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل سيلتقي شوفين قريباً بِأعضاء الدين المتين ؟
#تحت_المجهر
--------------
صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine