"هل رأيتَ ما الذي أتحدّث عنه يا سَدجوم ؟"
نظر سدجوم إلى ظهر شوفين وهو يختفي في المنجم ولم يقل شيئاً، وبِمجرد دخولِه.. تقدّمَت داشاي نحو المنجم ومعها سدجوم فلم يجرؤ أحدٌ على اعتراضِهما، وبعد غياب الأربعة عن الأنظار.. تنهد شيوخ العشائر وبدؤوا التخطيط من جديد.
وصل شوفين وسويكا إلى عُمقٍ كبير قبل أن يجِدا مساحة فارغة كبيرة وواسعة، وفي كل جهة توجد أنفاقٌ محفورة وكأنه كان مسكناً للنمل، استخدَم شوفين خصائص عينَيه واستطاع اكتشاف الأنفاق القديمة من الجديدة، وحسب المعلومات فإنه لم يدخُل أحدٌ بعد المغامرين الذين اكتشفوا المنجم الجديد، لذلك قرّر شوفين الدخول إلى أحدث الأنفاق، لكن.. عندما اقترَب من ذلك النفق.. أحسّ بِشعورٍ غريب مِن أحد الأنفاق القديمة والتي لم يدخُل إليها المُنقّبون منذ آلاف السنين، وعلى بوابة ذلك النفق كانت عبارةٌ منقوشة تُفيد بِأنه نفقٌ عميق وفارِغ.
وقَف أمام ذلك النفق قليلاً قبل أن يُقرّر الدخول إليه، لكنه طلب من سويكا الذهاب إلى النفق الآخر لِأنه هو النفق الذي سيأتي إليه الجميع بِالتأكيد، لم تعترِض سويكا لأنها أيضاً لا تُريد أن تبقى تحت حماية شوفين على الدوام، خاصة بعد حلّ مُشكِلة قلبِها البدائي بِاستنزاف ما فيه من طاقةٍ نقية خلال الأسبوع الماضي ولن يستشعِره أحدٌ خلال الشهرين القادمَين على الأقل، لذلك افترَق الاثنان ودخل كل واحدٍ منهما من نفقٍ مُختلف.
من بعيد.. رآهما الثنائي من العقل الأرجح، عبسَت داشاي طويلاً قبل أن تُقرّر
"سدجوم.. اتبَع الفتاة الصغيرة واحمِها إذا تعرّضت للخطر، وأنا سأذهب خلف شوفين"
تقدّم سدجوم دون قول أي كلِمة وتبِع سويكا، وفي المقابل.. دخلت داشاي خلف شوفين لأنها تُريد رؤية ما يُفكّر فيه عندما دخل نفقاً قديماً غير النفق المقصود، خاصة أن انطباعَها عنه لِحدّ الآن كان غريباً جداً، فمع أن شوفين يبدو تحت عمر المائة وهي التي عاشَت لِآلاف السنين.. إلا أنها كانت مرعوبةً منه ولا تدري لِماذا، ربما لِأن أساليبَه غريبة، أو ربما لأن معرِفته أعظم منها، لذلك ستَتبعُه وتكتشِف ما الذي يُخفيه عنها.
دخلَت النفق المظلم وبدأت تتقدّم للأمام قبل أن تُدرِك بأنها لا تستطيع استشعار مكان شوفين، وقبل أن تفهم.. سمِعت صوت شوفين خلفَها
"هل تَتبعينني الآن ؟"
ارتعبَت وقفزَت بعيداً ثم بدأت تبحث عنه بِنشر قِواها الروحية إلا أنها لا زالَت لا تستطيع إيجادَه لأنه مُندمِج مع الظلام باستخدام تقنية النور المظلم، وللأسف أنه لا يستطيع الحركة بِهذه الطريقة وإلا فستُصبِح لديه تقنية اغتيالٍ قوية، كما أنه يستطيع الاختباء في الظلام فقط أما الاختباء في النور فهو أكثر صعوبة، لكنه يعمل على تطوير هذه التقنية حتى يتمكّن يوماً ما مِن الاختفاء والحركة في نفس الوقت، وحينَها.. ستكون لديه تقنية اغتيال من الدرجة المرتفعة.
كانت داشاي تنظر يميناً وشمالاً بِنظراتٍ مُرعِبة، وبعد ثوانٍ مِن انفعالِها.. استعادَت هدوءَها وقالت
"أنا لا أنوي إزعاجك، أردتُ فقط استكشاف هذا المنجم معك"
حينها.. ظهر شوفين وكان قريباً جداً منها، عبسَت واغتاظَت في قلبِها لأنها لم تستطِع استكشافَه، لكنها لم تُبدِ الأمر له وإنما ابتسمَت وقالت
"لقد أرسلتُ رفيقي سدجوم لحِماية صديقتِك"
أومأ شوفين ولم يقُل شيئاً وإنما بدأ يُواصِل طريقَه للأمام فسألَته
"هل هناك شيء مميّز في هذا النفق ؟"
أجابها بِكلمتَين فقط
"مجرّد إحساس"
نظرَت إليه باستغراب ثم تبِعَته حتى وصلا إلى نِهاية النفق وظهر نفقُ جانبي يقود للأسفل، توقّف شوفين وقال لها
"نظّفي الطريق"
عبسَت باستغرابٍ قبل أن تشعُر بِأن النفق كان مليئاً بِنوعٍ من المخلوقات الفِطرية المزعِجة، أومأَت بِرأسها ثم تقدّمت للأمام وفي يدِها سيفُها الأخضر، وكانت تستخدِم عنصر الخشب بِبراعة وهي تقتُل الفطريات حتى أن شوفين قد هزّ رأسَه بِابتسامة واسِعة، وكان سيف داشاي مُخصّصاً لِعنصر الخشب ويزيد مدى هجماتِها وتحكّمها في طاقتِها، وأثناء ذلك.. سألها
"سيفُك مصقول من معدن العشب الحاد، أين يُمكِنني الحصول على كمية منه ؟"
قالت باستهجان
"العشب الحاد مِن أكثر المعادِن نُدرة، وأنا بالكاد استطعتُ الحصول على القليل منه قبل وقتٍ طويل، لذلك سيكون من الصعب إيجادُه"
صمتَت قليلاً ثم أضافَت
"ربما أعرِف شخصاً يملِك بعضاً منه، لكني لستُ مُتأكدة إن كان سيبيعُه أم لا، هذا يعتمِد على ما ستدفعُه له"
ابتسم شوفين وقال
"هذا سهل"
لوَت فمها وقالت بِسخرية
"يبدو بِأنك غنيٌّ جداً، لكن المال لا يستطيع شراء كل شيء، وليس كل الناس يبِيعون كنوزَهم بِسهولة"
ضحِك وقال
"ربما يجِب أن أعطيه نسخةً من كتاب التاريخ المجيد، ألا تعتقدين بِأنه سيُبادِله معي ؟"
ارتجفَت عندما سمِعته لأن كتاب التاريخ المجيد ليس بِالشيء الذي قد يرفُضه أحد، خاصة أن الكتاب لم يظهَر بعد في القارة ولا يعلم شوفين إن كان ذلك الشيخ مِن متجر أعلى جبل قد أوصلَه إلى أغنياء القارة أم لا، أو ربما استأثروا بِه لِدراستِه قبل إظهارِه للجميع، لذلك يستطيع شوفين بيعَه أو مُبادلتَه كما يشاء.
توقّفت داشاي وكادَت تضرِب الأرض بِقدمِها بِسبب الغضب، وأخيراً.. تنهّدت وأخرجَت مِن خاتمِها مُكعّباً أخضر ورمَته نحو شوفين، ابتسم وقال
"إذن فقد كان معك"
خزّنه ثم واصل الطريق ولم يُظهِر أي نيّة لإعطائها كِتاب التاريخ المجيد، فكّرت داشاي في طلب حقّها إلا أنها توقّفت لأن شوفين لا يملِك كتاب التاريخ المجيد فقط وإنما يملِك أيضاً ما يُسمّيه بِالجزء الثاني من الكتاب المُقدّس، لذلك ستُحاوِل مُسايرتَه في الوقت الحالي حتى تتَواصل مع كِبار الطائفة.
تقدّم الاثنان حتى وصلا إلى صخرةٍ كبيرة تسدّ النفق وكأنها جِدارٌ معدني، اقتربَت منها داشاي ووَضعت يدَها ثم بدأت تستكشِفها، تنهّدَت ثم أخرجَت سيفَها وقامَت بِتوجيه عدّة ضرباتٍ قوية نحوَها حتّى بدأ السّرداب يهتزّ، إلا أن الصخرة لم تُخدَش حتى، استدارَت نحو شوفين وقالت
"هذه الصخرة لا يُمكِن كسرُها لأنها مُكوّنة طبيعياً من معدِن الصبّ النهائي، ولا يوجد من يستطيع كسرَها في العالم، وإلا لكانوا قد أخذوها منذ آلاف السنين"
ابتسم شوفين ولم يقُل شيئاً فقالَت
"يبدو أن حدسَك ليس قوياً إلى هذه الدرجة، دعنا نعود حتى لا يسبِقونا إلى المعادِن التي تمّ العثور عليها"
استدارَت وبدأت تبتعِد بينما لا يزال شوفين في مكانِه، توقّفت وقالت له
"هل تُريد المرور مِن خلالِها ؟
هذا مُستحيل"
تقدّم شوفين نحو الصخرة ووَضع كلتا يدَيه عليها ثم أحاطها بِطاقتِه، ولأنها كانت كبيرة ومغروزة تحت الأرض فقد كانت العملية مُزعجة بعض الشيء، استغربَت داشاي مِما يفعله لأنها سبق وفعلَت نفس الشيء تقريباً، لكن نظرَتها تغيّرت على الفور عندما أحسّت بِهالة فريدة من نوعِها، صرخَت دون شعور
"الفراغ"
يستطيع متدربوا مرحلة المجال استشعار طاقة الفراغ من أدوات التخزين ومحاولة فهمِها تمهيداً للاختراق إلى مرحلة الفراغ، لذلك استطاعَت فَهم ما كان يفعله شوفين، لكن الفكرة كانت جنونية بِالنسبة لها لِأن حجم الصخرة كان كبيراً جداً، فهل يملك شوفين أداة تخزين خارقة تستطيع احتواء مثل هذه الصخرة العملاقة ؟
واصل شوفين ما يفعلُه في أكثر من خمس دقائق قبل أن يسحَب يدَيه، وفي هذه اللحظة.. اهتزّ المنجم وبدأت الصخور بِالسقوط أمامه، تراجع الاثنان قبل أن تُدرِك داشاي بِأن الصخرة العملاقة قد اختفَت من مكانِها، فتحَت فمها لِبعض الوقت قبل أن تسأله بِصدمة
"كيف فعلتهـ.. لا، ما أقصِده هو.. لماذا تحتاج إليها وأنت لا تستطيع كسرَها ؟"
قال بهدوء
"لأني أملِك جزءً آخر من كِتابكم المقدس"
عبسَت بعض الشيء وشعرَت لِأول مرّةٍ بِأن هناك شخصاً يعلَم أكثر منها خارج طائفة العقل الأرجح، لذلك أضافَت سؤالاً آخر
"هل هناك طريقة لإذابة وصقل معدن الصبّ النهائي ؟"
قال
"نعم.. هناك طريقة، لكن تكلُفة الصقل أكبر بِكثير من الأدوات التي تُصقل منه، لذلك لا يقوم أحدٌ بِصقلِه"
استغربَت أكثر الآن لِأن شوفين أخذ الصخرة ثم يقول بِأنه لن يصقلها، ابتسم شوفين وأضاف
"أخذتُها لِوضعِها في حديقتي وليس لِصقلِها، لذلك.. لا داعي للتفكير كثيراً"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما الذي سيفعلُه شوفين بِهذه الصخرة ؟
#تحت_المجهر
--------------
صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine