"أخذتُها لِوضعِها في حديقَتي وليس لِصقلِها، لذلك.. لا داعي للتفكير كثيراً"

استغربَت داشاي كثيراً مِن غموض شوفين، صخرةٌ عملاقة في حديقة ؟
هل يمزَح أم يتغابَى ؟
أو ربما هناك ما يخفيه ؟

على أي حال.. استدار شوفين للخروج مِن المنجم وهو يبتسِم، استغربَت داشاي منه وعلِمت بِأن هناك ما يُخفيه عنها، لكنها لا تستطيع محاسبته على شيء مثل هذا، لأن المعرفة من قوة المقاتل، وجهلُها بِما فعلَه لا يعني بأنه يخدعها وإنما يعني بأنها أضعف منه، كما أنها هي التي تطفّلت عليه وليس هو الذي دعاها إلى هنا من الأساس.

عاد شوفين وداشاي إلى المنجم الرئيسي وكانا قد غابا لِأكثر مِن ساعتَين، دخلا خِلسةً إلى النّفق فوجدا بِأن جميع العشائر قد دخلَت ولم تكتفِ هذه المرة بإرسال بعض المقاتلين فقط، بل ودَخل العديد من المقاتلين الشيطانيّين الذين لا يتبعون أي عشيرة، وبِطريقةٍ ما.. فقد اتّفق الجميع على جَمع المعادِن النادرة في مكانٍ واحد ثم المناقشة على طريقة تقسيمها بعد الانتهاء، وذلك خوفاً مِن تنمّر شوفين وداشاي عليهِم بِاستغلال خلفياتِهما، لأن العشائر القوية تخاف دائماً من اتّحاد العشائر الأضعَف وتنصَح أتباعَها بِعدم استثارتِهم حتى لا يتحالفوا ضدّها.

كانت جميع العشائر تعمل مثل النمل عندما وقعَت أيديهم على أكثر من خمسة أنواعٍ نادرة من المعادِن، وكان أكثرها نُدرة هو نوعٌ فريد من الفولاذ والذي ينفع لِصناعة أفضل أنواع الأسلحة المصنّفة، بينما كانت باقي المعادِن مهمةً أيضاً ويُمكِن بيعُها بِأسعار مُرتفِعة أو استخدامها في الصقل، لذلك كان الجميع يعملون بجِدٍّ ونشاط بينما يُراقِبون سدجوم وسويكا الواقِفَين وكأنهما مُدراء هذا العمل.

قبل أن يصِل شوفين.. قال لِداشاي

"دعينا نسرِق الجميع ثم نقتسِم الفوائد"

رفعَت حاجِبيها وقالت

"القتال ضد الجميع ؟
هل أنت مغرور أم أنك أقوى مِمّا تبدو عليه ؟"

هزّ رأسه وقال

"سرقة وليس قتال، فقط طبّقي ما أقوله لك، اتّفقنا ؟"

شرح لها شوفين خطّتَه بعدَها ثم اختفى في الظلام، عبسَت طويلاً قبل أن تتّجِه إلى حيث يوجد الجميع، اقتربَت من سدجوم وقالت له

"لقد تغيّرت الخطة، لا يجِب أن تحمي تلك الفتاة بعد الآن"

...

بعد ثلاثة أيام.. كانت العشائر قد انتهَت من جمع أغلب المعادن الخام في المنجم وصار عملُهم شاقاً ودون نتيجة، لذلك بدؤوا في النقاش حول ما سيفعلونه الآن، اقترَح أقوياؤهم أن يتركوا أمر تصفية المعادِن لِأسياد الصقل الذين أتوا معهم ثم يُقرّرون كيف يقتسِمونها بينهم، ومع أنهم يعلمون بِأن أتباع العقل الأرجح والدين المتين سيطلبون منهم حصة مهمّة إلا أنهم لا يملِكون أي خِيار، لذلك بدأ أسياد الصقل بإزالة الشوائب من المعادِن وجمعِها على شكل مُكعّبات مضغوطة قابلة للصقل، وبعد بِضع ساعاتٍ كان أمام الجميعِ أكثرُ من مائة مُكعّب صغير وبينَها خمس مُكعّبات من الفولاذ النادِر، وهذه الحصيلة كانت كبيرة ومُهمّة.

مِن مكانٍ مُظلِم.. كان شوفين يرى كل شيء، مدّ يدَه نحو الأرض وبدأ غُبارٌ ذهبي يتجمّع حتى دخل في جبهة شوفين، ابتسم عندما أحسّ بِقوّة سِلاحِه الذي تعافى جيداً في الأيام الثلاثة الماضية حيث كان قد أطلقَه لِجمع ما يحتاج إليه من معادِن نقية، وبِما أن سِلاحَه لديه وعيُه الخاص فقد كان يُعالِج نفسَه بِنفسه، ولم يرجِع حتى ناداه شوفين.

نظر نحو سويكا وكانت قلِقة لأنه لَم يتواصل معها منذ افتِراقِهما، وهذا زاد الضغط عليها كثيراً لأنها مثل الحَمل الوديع بين قطيعٍ من الذئاب، إلا أنها كانت صامِدة بينهُم ولم تُظهِر أي خوف، وفي هذه اللحظة.. قام أقوياء العشائر بِتقسيم المعادِن إلى ثلاث مجموعات، إحداها ثمانون في المائة ومجموعتان كل واحدةٍ منهُما عشرة في المائة، نظر شيخٌ أشيَب نحو داشاي وقال

"السيدة الجميلة، نحن سَندفَع احترامَنا إلى طائفة العقل الأرجح والدين المتين بِتقديم عشرةٍ في المائة من المعادِن لكل طائفة، والباقي نقتسِمه بينَنا، ما رأيك ؟"

نظرَت إليه داشاي لِبعض الوقت قبل أن تضحك عليه ثم تقول

"أربعون في المائة، هذا ما ستأخذُه طائفة العقل الأرجح"

تغيّرت تعابير الجميع وقال الشيخ الأشيَب

"هذا كثير جداً علينا، فنحن الذين عملوا على جمعِها وهي مهمّة كثيراً لنا جميعاً، وإذا أخذتِ منّا أربعين في المائة فسيرغب الدين المتين بمِثلها، وحينها لن يتبقى معنا أي شيء"

لوَت فمَها وقالت وهي تُشير إلى سويكا

"الدين المتين ؟
أين هو الدين المتين ؟
لقد تمّ خِداعُكم جميعاً من قِبل اثنَين من المتدرّبين الشيطانيّين"

عبس الجميع ونظروا نحو سويكا، إلا أن مهارات التمثيل الخاصة بِها قد جعلتها ثابِتة رغم أن قلبَها كان يدقّ بِقوة، لم يعلَم الجميع إن كان ما قالَته داشاي هو الحقيقة أم أنها تكذِب عليهِم حتى يتورّطوا مع الدين المتين، حينها.. قالت داشاي

"لقد استجوَبتُ رفيقَها في منجمٍ آخر، وتبيّن لي بِأنه ليس من طائفة الدين المتين وإنما استخدَم خُدعة خبيثة لِخداعِكم، وكان ضعيفاً جداً حتى أني قتلتُه بِضربة واحدة"

حينها.. تغيّرت ملامِح سويكا واحمرّت عيناها وهي تنظُر إلى داشاي، ضحِكت داشاي ثم أضافَت

"أطلبوا منها استخدام إحدى التقنيات الأساسية لِطائفة الدين المتين إذا كانت مِنهم حقاً"

نظر الجميع نحو سويكا إلا أنها كانت في حالةٍ عاطفية غريبة لأنها لم تُفكّر أبداً في أن هذه كلها خطة شوفين، لذلك كانت تتساءل في ذهنِها بِحَيرة كبيرة، هل مات شوفين حقاً ؟
هل يُمكِن قتلُه أصلاً وهو ذلك الشخص العظيم ؟
لكن.. لماذا لم يظهر بعد كل هذا الوقت ؟
هل يُمكِن أنه حقاً.. ؟

لاحظ الجميع حالتها فاعتقدوا بِأنها قد خافَت منهم، لأنها في نظرِهم مُجرّد ضعيفة وكانت تعتمِد على رفيقِها الذي تمّ قتلُه، وهذا يضعُها في مشكلة كبيرة أمام الجميع، عبس الشيخ الأشيَب وهو يصرخ على سويكا

"هل هذا صحيح يا صغيرة ؟"

ومع ذلك.. لم تُجِبه سويكا لأن حالتَها كانت سيّئة جداً، ودون شعور.. بدأت طاقة الصف الراقِص تتسرّب مِن جسدِها بِدون كبح، وفي هذه اللحظة.. سمِعَت داشاي وسدجوم صوت شوفين عبر التخاطُر

"أخرُجا مِن هُناك الآن"

تغيّرَت تعابير سدجوم ونظر نحو داشاي، أومأت بِرأسِها وتراجعَت معه إلى الخلف، لكنّهما لم يخرُجا لأنهما يرغبان بِرؤية ما سيحدُث، وفي لمحة عين..

.:: نهاية العالم ::.

بدا لهما جسدُ سويكا مثل جوهرة مُضيئة بِسبب الصف الراقص، وكان هذا لأن جسدَها قد أصبح منصّة لِأكثر من مائة صفّ، ودون أن يعلم الآخرون ما يحدُث لها.. بدأت تظهر المصفوفات في كلّ مكان، على الأرض والجدران وفي الهواء حتى صارت سويكا والآخرون مُحاطين بِجُدرانٍ من المصفوفات المُزيّنة بِالصفوف التي لا نهاية لها وكأنها قاعةٌ مصنوعة من المصفوفات.

صرخ الشيخ الأشيَب عندما استشعَر قوة بعض هذه المصفوفات

"اِبتعدوا عنها ... أهربوا"

قال هذا وتقدّم نحو المخرَج بِسرعة كبيرة، إلا أن موجةً مِن الطاقة قد انطلقَت مِن كل المصفوفات في نفس الوقت وجعلَت كل المُقاتلين يتعرّضون للإصابات، استخدَم المقاتِلون دروعَهم وطاقاتِهم ومهاراتِهم للتصدّي للضربات القادِمة من كل مكان، لكن الأمر قد تغيّر عندما تحوّل لَون المصفوفات إلى الأحمر وبدأت الهجمات تتحوّل إلى عنصر النار، وما هي إلى ثوانٍ حتى تحوّلت الهجمات إلى البرق ثم إلى الماء وغيرِها، ما جعَل كل واحدٍ منهُم يلتقي مع عدوّه الطبيعي من العناصر.

بعد نصف دقيقة.. بدأ المُقاتِلون الضعفاء يتساقطون مثل الذباب بين قتيلٍ وجريح، بينما كان الأقوياء يُحاوِلون إصابة سويكا بِهجماتِهم، إلا أن شيئاً ما كان يحميها حتى دون أن تعرِف سويكا ذلك بِسبب انشِغالِها العاطفي، وكل ما كانت تُفكّر فيه في هذه اللحظة هي الخروج مِن هُنا والبحث عن شوفين للتأكد من حالتِه، لكن هذا كان مجرّد حُلمٍ لأنها بدأت تفقِد طاقتَها بعد نِصف دقيقة من الهجوم، سقطَت على الأرض فجأة وتوقّفَت جميع المصفوفات عن العمل، استجمَع الخبراء شتات أنفُسِهم وقفزوا نحو سويكا، إلا أن شوفين قد ظهر أمامها وأمسَكها قبل أن تصِل إلى الأرض وكان الاثنان داخِل البيت الآمن، رفعَت رأسَها نحوَه وابتسمَت بِسعادة قبل أن يُغمى عليها.

لم ينتظِر شوفين لِأكثر من ذلك وإنما أدخل سويكا إلى الحديقة في عالمِه الفراغي ثم استخدَم تقنية الألف ظل وانتقَل نحو المخرَج، صرخ الشيخ الأشيَب على الجميع بِسخَط

"أمسكوهُما"

انطلَق الجميع خلف شوفين إلا أن أحدهُم صرخ من الخلف

"المعادِن.. لقد اختفَت جميعاً"

تجمّد الشيوخ والكِبار لِجزءٍ من الثانية قبل أن يُواصِلوا مُتابعة شوفين، إلا أنه كان أسرَع منهم بِفارقٍ كبير بِسبَب تقنية الألف ظل، وقبل أن يُدرِكوا ما يحدُث.. كان أمامهم خمسة نُسخ مُتشابِهة من شوفين، عبس الجميع عندما لم يستطيعوا اكتشاف النسخة الحقيقية لِأن شوفين أصلاً لا يمتلِك أي هالةٍ على جسدِه، لكن أكثر شيءٍ أزعجَهم هو أن كل نُسخةٍ قد اتّخذَت مساراً مُختلفاً عبر الأنفاق التي لا نِهاية لها.

في هذه اللحظة.. سقطَت قطعةٌ معدنية بِالقرب من داشاي، أمسكَتها وعرفَت مُباشرة بِأنها أداةٌ للتتبّع الروحي، ثم سمِعَت صوت شوفين عبر التخاطُر يقول

"ستحصُلين حقّك مِن المعادِن عندما نلتقي في المرة القادمة"

قضّت شفتَها السفلى بِغضبٍ قبل أن تقول

"سدجوم.. دعنا نُغادِر هذا المكان"

استغرَب سدجوم قليلاً قبل أن يتبعَها نحو الخارِج، استدعَت داشاي وحشَها الطائر ثم غادرَت مع سدجوم.

في مكانٍ بعيدٍ عن الجزيرة.. ظهر شوفين على الطيارة بعد استخدام السرعة القصوى، غاص مُباشرة في البُحيرة ثم واصل الابتعاد تحت الماء حتى وجد مكاناً آمناً واختفى فيه تحت الأرض مثلما يفعل في العادة، بعدَها.. أخرَج سويكا من الحديقة وكانت لا تزال مَغمياً عليها، قام بِفحصِها وكانَت مُستنفَذة من الطاقة بِسبب ضُعف تدريبِها، فحتى وإن كانت تعتمِد على الطاقة الخارجية إلا أن التحكّم في المصفوفات يحتاج إلى الطاقة الداخلية، وهذِه الغبية قد تسبّبت بِالجفاف لِنفسها بعد سماعِها بِأن شوفين قد قُتِل.

ابتسم بِخُبثٍ ثم قال

"حسناً.. لا توجد طريقة لاسترجاع الطاقة ورفع التدريب أفضل من الزراعة المُزدوجة"

قال هذا ثم بدأ بـ "العِلاج" السحري.

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل سيقوم شوفين بِصقل بعض الأسلحة بالمعادِن التي حصل عليها ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/01/30 · 532 مشاهدة · 1450 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024